الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الخَرَاجُ بالضَّمَانِ"(41). وضَمَانُها على الغاصِبِ، ولأنَّه اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً بغير عَقْدٍ ولا شُبْهَةِ مِلْكٍ، فلم يَضْمَنْها، كما لو زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ. ولَنا، أنَّ كلَّ ما ضَمِنَهُ بالإِتْلَافِ (42) في العَقْدِ الفاسِدِ، جَازَ أن يَضْمَنَهُ بمُجَرَّدِ الإِتْلَافِ، كالأَعْيانِ، ولأنَّه أتْلَفَ مُتَقَوَّمًا، فوَجَبَ ضَمَانُه، كالأَعْيَانِ. أو نَقُولُ: مَالٌ مُتَقَوَّمٌ مَغْصُوبٌ، فوَجَبَ ضَمَانُه، كالعَيْنِ. فأمَّا الخَبَرُ، فوَارِدٌ في البَيْعِ (43) ولا يَدْخُلُ فيه الغاصِبُ؛ لأنَّه لا يجوزُ له الانْتِفَاعُ بالمَغْصُوبِ بالإِجْمَاعِ، ولا يُشْبِه الزِّنَى؛ لأنَّها رَضِيَتْ بإِتْلَافِ مَنَافِعِها بغيرِ عِوَضٍ، ولا عَقْدٍ يَقْتَضِى العِوَضَ، فكان بمَنْزِلَةِ من أعَارَهُ دَارَهُ. ولو أكْرَهَها عليه، لَزِمَهُ مَهْرُها. والخِلَافُ في مالَه مَنَافِعُ تُسْتَبَاحُ بعَقْدِ الإِجَارَةِ، كالعَقَارِ والثَّيَابِ والدَّوَابِّ ونحوِها، فأمَّا الغَنَمُ والشَّجَرُ والطَّيْرُ ونحوُها، فلا شىءَ فيها؛ لأنَّه لا مَنَافِعَ لها يُسْتَحَقُّ بها عِوَضٌ. ولو غَصَبَ جارِيَةً ولم يَطَأْهَا، ومَضَتْ عليها مُدَّةٌ يُمْكِنُ الوَطْءُ فيها، لم يَضْمَنْ مَهْرَهَا؛ لأنَّ مَنَافِعَ البُضْعِ لا تَتْلَفُ إلَّا بالاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ غيرِها، ولأنَّها لا تُقَدَّرُ بِزَمَنٍ، فيكونُ مُضِىُّ الزَّمَانِ بِتَلَفِها، بِخِلَافِ المَنْفَعَةِ.
فصل:
إذا غَصَبَ طَعَامًا، فأَطْعَمَهُ غيرَه، فلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أيِّهما شاءَ؛ لأنَّ الغاصِبَ حالَ بينه وبين مَالِه، والآكِلُ أَتْلَفَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذْنِه، وقَبَضَهُ عن يَدِ صاحِبه (44) بغيرِ إِذْنِ مَالِكِه، فإن كان الآكِلُ عَالِمًا بالغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه؛ لِكَوْنِه أتْلَفَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذْنٍ عَالِمًا من غير تَغْرِيرٍ، فإذا ضَمَّنَ الغاصِبَ، رَجَعَ عليه، وإن ضَمَّنَ الآكِلَ، لم يَرْجِعْ على أحَدٍ. وإن لم يَعْلَم الآكِلُ بالغَصْبِ نَظَرْنَا؛ فإن كان الغاصِبُ قال له: كُلْهُ، فإنَّه طَعَامِى. اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه؛ لِاعْتِرَافِه بأنَّ الضَّمَانَ باقٍ عليه، وأنَّه لا يَلْزَمُ الآكِلَ شيءٌ. وإن لم يَقُلْ ذلك، ففيه رِوَايَتَانِ؛ إحْداهما، يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الآكِلِ. وبه قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ في
(41) تقدم تخريجه في: 6/ 22.
(42)
سقط من: ب.
(43)
في ب: "الأعيان".
(44)
في م: "ضامنه".
الجَدِيد؛ لأنَّه ضَمِنَ ما أَتْلَفَ، فلم يَرْجِعْ به على أحَدٍ. والثانية، يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الغاصِبِ؛ لأنَّه غَرَّ الآكِلَ، وأَطْعَمَهُ على أنَّه لا يضْمَنُه. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ؛ لقَوْلِه في المُشْتَرِى للأَمَةِ: يَرْجِعُ بالمَهْرِ وكلِّ ما غَرِمَ على الغاصِبِ. وأيُّهما اسْتَقَرَّ عليه الضَّمَانُ فغَرِمَهُ، لم يَرْجِعْ على أحَدٍ، فإن غَرِمَهُ صاحِبُه، رَجَعَ عليه. وإن أَطْعَمَ المَغْصُوبَ لِمَالِكِه، فأكَلَه عَالِمًا أنَّه طَعَامُه، بَرِئَ الغاصِبُ. وإن لم يَعْلَمْ، وقال له الغاصِبُ: كُلْهُ، فإنَّه طَعَامِى. اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ على الغاصِبِ؛ لما ذَكَرْنا، وإن كانت له بَيِّنَةٌ بأنَّه طَعَامُ المَغْصُوبِ منه. وإن لم يَقُلْ ذلك، بل قَدَّمَهُ إليه، وقال: كُلْهُ، أو قال: قد وَهَبْتُكَ إِيَّاهُ. أو سَكَتَ، فظَاهِرُ كَلَامِ أحمدَ أنَّه لا يَبْرَأُ؛ لأنَّه قال في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ، في رَجُلٍ، له قِبَلَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فأَوْصَلَها إليه على سَبِيلِ صَدَقَةٍ أو هَدِيَّةٍ، فلم يَعْلَمْ، فقال: كَيْفَ هذا؟ هذا يرَى أنَّه (45) هَدِيَّةٌ. يقولُ له: هذا لك عِنْدِى. وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا يَبْرَأُ ههُنا بأَكْلِ المالِكِ طَعَامَهُ بِطَرِيقِ الأَوْلَى؛ لأنَّه ثَمَّ رَدَّ إليه يَدَهُ وسُلْطَانَهُ، وههُنَا بالتَّقْدِيمِ إليه لم تَعُدْ إليه اليَدُ والسُّلْطَانُ، فإنَّه لا يَتَمَكَّنُ من التَّصَرُّفِ فيه بكلِّ ما يُرِيدُ، من أَخْذِه وبَيْعِه والصَّدَقَةِ به، فلم يَبْرَأ الغاصِبُ، كما لو عَلَفَه لِدَوَابِّه (46)، ويَتَخَرَّجُ أن يَبْرَأَ بِنَاءً على ما مَضَى (47) إذا أَطْعَمَهُ لغير مَالِكِه، فإنَّه يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الآكِلِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فيَبْرَأُ ههُنا بِطَرِيقِ الأَوْلَى. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. وإن وَهَبَ المَغْصُوبَ لِمَالِكِه، أو أَهْدَاهُ إليه، فالصَّحِيحُ أنَّه يَبْرَأُ؛ لأنَّه قد سَلَّمَهُ إليه تَسْلِيمًا صَحِيحًا تَامًّا، وزَالَتْ يَدُ الغاصِبِ، وكَلَامُ أحمدَ، في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ، وارِدٌ فيما إذا أعْطاهُ عِوَضَ حَقِّه على سَبِيلِ الهَدِيَّةِ، فأخَذَهُ المالِكُ على هذا الوَجْهِ، لا على سَبِيلِ العِوَضِ، فلم تَثْبُت المُعَارَضَةُ، ومَسْأَلَتُنا فيما إذا رَدَّ إليه عَيْنَ مالِه، وأعَادَ يَدَهُ التي أزَالَها. وإن باعَهُ إِيّاهُ، وسَلَّمَهُ إليه، بَرِئَ من الضَّمَانِ؛ لأنَّه قَبَضَهُ بالابْتِيَاعِ، والابْتِيَاعُ يُوجِبُ الضَّمَانَ.
(45) في ب زيادة: "له".
(46)
في ب: "لدابة مالكه".
(47)
سقط من: الأصل، ب.