الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكَفِيلَيْنِ صَاحِبَهُ؛ لأنَّ الكَفَالَةَ ببَدَنِه، لا بما في ذِمَّتِه. وأىُّ الكَفِيلَيْنِ أحْضَرَ المَكْفُولَ به بَرِئَ وبَرِئَ صَاحِبُه من الكَفَالَةِ؛ لأنَّه فَرْعُه، ولم يَبْرَأَ من إحْضَارِ المَكْفُولِ به؛ لأنَّه أصْلٌ في ذلك. وإن كَفَلَ المَكْفُولُ به (22) الكَفِيلَ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه أصْلٌ له في الكَفَالَةِ، فلم يَجُزْ أن يَصِيرَ فَرْعًا له فيما كَفَلَ به. وإن كَفَلَ به في غيرِ هذا الحَقِّ، جَازَ؛ لأنَّه ليس بِفَرْعٍ له في ذلك.
824 - مسألة؛ قال: (فَمَتَى أدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ عَنِّى، أَوْ لَمْ يَقُلْ)
يعني إذا أدَّى الدَّيْن مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ على المَضْمُونِ عنه، فأمَّا إن قَضَى الدَّيْنَ مُتَبَرِّعًا به، غيرَ ناوٍ لِلرُّجُوعِ به، فلا يَرْجِعُ بشيءٍ؛ لأنَّه تَطَوَّع (1) بذلك، أشْبَهَ الصَّدَقَةَ. وسواءٌ ضَمِنَ بأَمْرِه أو بغير أمْرِه، فأمَّا إذا أدَّاهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ به، لم يَخْلُ من أرْبَعَةِ أحْوَالٍ: أحَدها، أن يَضْمَنَ بأمْر المَضْمُونِ عنه، ويُؤَدِّىَ بأمْرِه، فإنَّه يَرْجِعُ عليه، سواءٌ قال له: اضْمَنْ عَنِّى. أو: أَدِّ عَنِّى. أو أطْلَقَ. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ. وقال أبو حنيفةَ ومحمدٌ: إن قال: اضْمَنْ عَنِّى، وانْقُدْ عَنِّى. رَجَعَ عليه. وإن قال: انْقُدْ هذا. لم يَرْجِعْ، إلَّا أن يكونَ مُخَالِطًا له، يَسْتَقْرِضُ منه، ويُودِعُ عنده؛ لأنَّ قوله: اضْمَنْ عَنِّى، وانْقُدْ عَنِّى. إقْرَارٌ منه بالحَقِّ، وإذا أطْلَقَ ذلك صَارَ كأنَّه قال: هَبْ لهذا، أو تَطَوَّعْ عليه. وإذا كان مُخَالِطًا له رَجَعَ اسْتِحْسَانًا؛ لأنَّه قد يَأمُرُ مُخَالِطَهُ بالنَّقْدِ عنه. ولَنا، أنَّه ضَمِنَ ودَفَعَ بأَمْرِه، فأشْبَهَ إذا كان مُخَالِطًا له، أو قال: اضْمَنْ عَنِّى. وما ذَكَرَاهُ ليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّه إذا أمَرَهُ بالضَّمَانِ لا يكونُ إلَّا لِما هو عليه، وأَمْرُهُ بَالنَّقْدِ بعدَ ذلك يَنْصَرِفُ إلى ما ضَمِنَهُ، بِدَلِيلِ المُخَالِطِ له، فيَجِبُ عليه أدَاءُ ما أدَّى عنه، كما لو صَرَّحَ به. الحالُ الثاني، ضَمِنَ بأَمْرِهِ، وقَضَى بغير أمْرِه، فله الرُّجُوعُ أيضًا. وبه قال مالكٌ، والشَّافِعِىُّ في أحَدِ الوُجُوهِ عنه. والوجهُ الثاني: لا
(22) سقط من: م.
(1)
في أ، م:"يتطوع".
يَرْجِع (2)؛ لأنَّه دَفَعَ بغيرِ أمْرِه، أشْبَهَ ما لو تَبَرَّعَ به. الثالثُ، أنَّه إن تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ على المَضْمُونِ عنه، فدفَع ما عليه، رَجَعَ، وإلَّا فلا؛ لأنَّه تَبَرَّعَ بالدَّفْعِ. ولَنا، أنَّه إذا أَذِنَ في الضَّمَانِ، تَضَمَّنَ ذلك إِذْنَه في الأَدَاءِ؛ لأنَّ الضَّمَانَ يُوجِبُ عليه الأَدَاءَ، فيَرْجعُ (3) عليه، كما لو أَذِنَ في الأَدَاءِ صَرِيحًا. الحالُ الثالث، ضَمِنَ بغير أمْرِه، وقَضَى بأَمْرِه، فله الرُّجُوعُ أيضًا. وظَاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِىِّ أنَّه لا يَرْجِعُ؛ لأنَّ (4) أَمْرَهُ بالقَضاءِ انْصَرَفَ إلى ما وَجَبَ بِضَمَانِه. [ولَنا: أنَّه أَدَّى دَيْنَه بأَمْرِهِ، فرَجَعَ عليه، كما لو لم يكُنْ ضَامِنًا، أو كما لو ضَمِنَ بأَمْرِه. وقولُهم: إنَّ إِذْنَه في القَضَاءِ انْصَرَفَ إلى ما وَجَبَ بِضَمَانِه] (5). قُلْنا: الوَاجبُ (6) بِضَمَانِه إنَّما هو أدَاءُ دَيْنِه، وليس هو شَيْئًا آخَرَ، فمتى أدَّاهُ عنه بإِذْنِه لَزِمَهُ إعْطَاؤُه بَدَلَهُ. الحالُ الرابع، ضَمِنَ بغير أَمْرِه، وقَضَى بغير أمْرِه، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحداهما، يَرْجِعُ بما أَدَّى. وهو قولُ مالكٍ، وعبدِ اللهِ بن الحسنِ، وإسْحاقَ. والثانية، لا يَرْجِعُ بشيءٍ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَلِىٍّ وأبى قَتَادَةَ (7)، فإنَّهما لو كانا يَسْتَحِقَّانِ الرُّجُوعَ على المَيِّتِ، صَارَ الدَّيْنُ لهما، فكانت ذِمَّةُ المَيِّتِ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِما، كاشْتِغَالِها بِدَيْنِ المَضْمُونِ عنه، ولم يُصَلِّ عليه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه تَبَرَّعَ بذلك، أشْبَهَ ما لو عَلَفَ دَوَابَّهُ وأطْعَمَ عَبِيدَه بغيرِ أمْرِهِ. ووَجْهُ الأُولَى، أنَّه قَضاءٌ مُبْرِىءٌ من دَيْنٍ واجبٍ، فكان مِن ضَمانِ مَن هو عليه، كالحَاكِمِ إذا قَضَاهُ عنه عندَ امْتِنَاعِه. فأمَّا عَلِىٌّ وَأبو قَتادَةَ، فإنَّهما تَبَرَّعَا بالقَضَاءِ والضَّمَانِ، فإنَّهما قَضَيَا دَيْنَه قَصْدًا لتَبْرِئَةِ ذِمَّتِه، لِيُصَلِّىَ عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مع عِلْمِهِما بأنَّه لم يَتْرُكْ
(2) في م زيادة: "به".
(3)
في أ، ب، م:"فرجع".
(4)
في النسخ: "لأنه".
(5)
سقط من: ب.
(6)
في الأصل: "والواجب".
(7)
تقدما في صفحة 71، 84.