الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتابُ الإِقْرارِ بالحُقُوقِ
الإِقْرَارُ: هو الاعْتِرَافُ. والأَصْلُ فيه الكِتابُ والسُّنَّةُ والإِجْمَاعُ؛ أمَّا الكِتَابُ فَقْولُه تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} إلى قوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} (1). وقال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} (2). وقال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (3). في آىٍ كَثِيرَةٍ مثل هذا. وأمَّا السُّنَّةُ فما رُوِىَ أنَّ ماعِزًا أقَرَّ بالزِّنَى، فرَجَمَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كذلك الغَامِدِيَّة، وقال:"وَاغْدُيَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هذَا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"(4). وأمَّا الإِجْمَاعُ، فإنَّ الأَئِمَّةَ (5) أجْمَعَتْ على صِحَّةِ الإِقْرَارِ. ولأنَّ الإِقْرَارَ إخْبَارٌ على وَجْه يَنْفِى عنه التُّهْمَةَ والرِّيبَةَ، فإنَّ العاقِلَ لا يَكْذِبُ على نَفْسِه كَذِبًا يَضُرُّ بها، ولهذا كان آكَدَ من الشَّهَادَةِ، فإنَّ المُدَّعَى عليه إذا اعْتَرَفَ لا تُسْمَعُ عليه الشَّهَادَةُ، وإنما تُسْمَعُ إذا أنْكَرَ، ولو كَذَّبَ المُدَّعِى بِبَيِّنَةٍ لم تُسْمَعْ، وإن كَذَّبَ المُقِرَّ ثم صَدَّقَه سُمِعَ.
فصل: ولا يَصِحُّ الإِقْرَارُ إلَّا من عاقِلٍ مُخْتَارٍ. فأمَّا الطِّفْلُ، والمَجْنُونُ، والمُبَرْسَمُ (6)، والنائِمُ، والمُغْمَى عليه، فلا يَصِحُّ إقْرَارُهم. لا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا.
(1) سورة آل عمران 81.
(2)
سورة التوبة 102.
(3)
سورة الأعراف 172.
(4)
تقدم حديث ماعز، والحديث الذي يذكر فيه أنيس، في صفحة 201.
وحديث الغامدية أخرجه مسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنا، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1322، 1323.
(5)
في أ: "الأمة".
(6)
المبرسم: من به علة يهذى.
وقد قال عليه [الصَّلاةُ و](7) السَّلَامُ: "رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وعَنِ النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ"(8). فنَصَّ على الثَّلاثةِ، والمُبَرْسَمُ والمُغْمَى عليه في مَعْنَى المَجْنُونِ والنائِمِ. ولأنَّه قَوْلٌ من غائِبِ العَقْلِ، فلم يَثْبُتْ له حُكْمٌ، كالبَيْعِ والطَّلَاقِ. وأما الصَّبِىُّ المُمَيِّزُ، فإن كان مَحْجُورًا عليه، لم يَصِحَّ إقْرَارُه، وإن كان مَأْذُونًا له، صَحَّ إقْرَارُه في قَدْرِ ما أُذِنَ له فيه. قال أحمدُ، في رِوايةِ مُهَنَّا، في اليَتِيمِ: إذا أُذِنَ له في التِّجارَةِ وهو يَعْقِلُ البَيْعَ والشِّرَاءَ، فبَيْعُه وشِرَاؤُه جائِزٌ. وإن أقَرَّ أنَّه اقْتَضَى شَيْئًا من مالِه، جَازَ بِقَدْرِ ما أَذِنَ له وَلِيُّه فيه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. وقال أبو بكرٍ، وابنُ أبي موسى: إنَّما يَصِحُّ إقْرَارُه فيما أُذِنَ له في التِّجَارَةِ فيه، في الشَّىْءِ اليَسِيرِ. وقال الشّافِعِىُّ: لا يَصِحُّ إقْرَارُه بحالٍ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّه غيرُ بالِغٍ، فأشْبَهَ الطِّفْلَ، ولأنَّه لا تُقْبَلُ شَهَادَتُه ولا رِوَايَتُه، فأَشْبَهَ الطِّفْلَ. ولَنا، أنَّه عاقِلٌ مُخْتَارٌ، يَصِحُّ تَصَرُّفُه، فصَحَّ إقْرَارُه، كالبالِغِ، وقد دَلَّلْنَا على صِحَّةِ تَصَرُّفِه فيما مَضَى، والخَبَرُ مَحْمُولٌ على رَفْعِ التَّكْلِيفِ والإِثْمِ. فإن أقَرَّ (9) مُرَاهِقٌ غيرُ مَأْذُونٍ له، ثم اخْتَلَفَ هو والمُقَرُّ له في بُلُوغِه، فالقولُ قولُه، إلَّا أن تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِبُلُوغِه؛ لأنَّ الأَصْلَ الصِّغَرُ. ولا يَحْلِفُ المُقِرُّ؛ لأنَّنا حَكَمْنَا بعَدَمِ بُلُوغِه، إلَّا أن يَخْتَلِفَا بعدَ ثُبُوتِ بُلُوغِه، فعليه اليَمِينُ أنَّه حِينَ أقَرَّ لم يكُنْ بَالِغًا. ومن زَال عَقْلُه بِسَبَبٍ (10) مُبَاحٍ، أو مَعْذُور فيه، فهو كالمَجْنُونِ، لا يُسْمَعُ إقْرَارُه. بلا خِلَافٍ. وإن كان بمَعْصِيَةٍ، كالسَّكْرَانِ، ومَن شَرِبَ ما يُزِيلُ عَقْلَه عامِدًا لغير حاجَةٍ، لم يَصِحَّ إقْرَارُه. ويَتَخَرَّجُ أن يَصِحَّ بنَاءً على وُقُوعِ طَلَاقِه. وهو مَنْصُوصُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ أفعَالَه تَجْرِى مَجْرَى الصَّاحِى. ولَنا، أنَّه غيرُ
(7) سقط من: أ، ب، م.
(8)
تقدم تخريجه في: 2/ 50.
(9)
في م زيادة: "من هو".
(10)
في أ: "لسبب".
عاقِلٍ، فلم يَصِحّ إقْرَارُه، كالمَجْنُونِ الذي سَبَّبَ جُنُونَهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، ولأنَّ السَّكْرَانَ لا يُوثَقُ بِصِحَّةِ ما يقولُ، ولا تَنْتَفِى عنه التُّهْمَةُ فيما يُخْبِرُ به، فلم يُوجَدْ مَعْنَى الإِقْرَارِ المُوجِبِ لِقَبُولِ قَوْلِه. وأمَّا المُكْرَهُ فلا يَصِحُّ إقْرَارُه بما أُكْرِهَ على الإِقْرَارِ به. وهذا مذهبُ الشّافِعِىَّ؛ لقولِ رَسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ عَنْ أُمَّتِى الخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"(11). ولأنَّه قَوْلٌ أُكْرِهَ عليه بغيرِ حَقٍّ، فلم يَصِحَّ، كالبَيْعِ. وإن أقَرَّ بغيرِ ما أُكْرِه عليه، مثل أن يُكْرَهَ على الإِقْرَارِ لِرَجُلٍ، فأقَرَّ لغيرِه، أو بِنَوْعٍ من المالِ، فيُقِرَّ بغيرِه، أو على الإِقْرَارِ بطَلَاقِ امْرَأةٍ، فأَقَرَّ بطَلَاقِ أُخْرَى، أو أقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدٍ، صَحَّ؛ لأنَّه أقَرَّ بما لم يُكْرَهْ عليه، فصَحَّ، كما لو أقَرَّ به ابْتِدَاءً. ولو أُكْرِهَ على أدَاءِ مالٍ، فبَاعَ شيئا من مالِه ليُؤَدِّىَ ذلك، صَحَّ بَيْعُه. نَصَّ عليه؛ لأنَّه لم يُكْرَهْ على البَيْعِ. ومن أقَرَّ بحَقٍّ، ثم ادَّعَى أنَّه كان مُكْرَهًا، لم يُقْبَلْ قَوْلُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ، سواءٌ أقَرَّ عند السُّلْطانِ أو عندَ غيرِه؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الإِكْرَاهِ، إلَّا أن يكونَ هناك دَلَالَةٌ على الإِكْرَاهِ، كالقَيْدِ والحَبْسِ والتَّوْكِيلِ (12) به، فيكونُ القولُ قولَه مع يَمِينهِ؛ لأن هذه الحال تَدُلُّ على الإِكْرَاهِ. ولو ادَّعَى أنَّه كان زائِلَ العَقْلِ حال إِقْرَارِه، لم يُقْبَلْ قَوْلُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لأنَّ الأَصْلَ السَّلَامَةُ حتى يُعْلَمَ غيرُها. ولو شَهِدَ الشُّهُودُ بإِقْرَارِه، لم تَفْتَقِرْ صِحَّةُ الشَّهَادةِ إلى أن يَقُولُوا طَوْعًا في صِحَّةِ عَقْلِه؛ لأنَّ الظاهِرَ سَلَامَةُ الحالِ وصِحَّةُ الشَّهَادَةِ. وقد ذَكَرْنا حُكْمَ إِقْرَارِ السَّفِيهِ والمُفْلِسِ والمَرِيضِ في أبْوابِه. وأمَّا العَبْدُ فيَصِحُّ إقْرَارُه بالحَدِّ والقِصَاصِ فيما دون النَّفْسِ؛ لأنَّ الحَقَّ له دُون مَوْلَاهُ. ولا يَصِحُّ إقْرَارُ المَوْلى عليه؛ لأنَّ المَوْلَى لا يَمْلِكُ من العَبْدِ إلَّا المالَ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ إقْرَارُ المَوْلَى عليه بما يُوجِبُ القِصاصَ، ويَجِبُ المالُ دُونَ القِصاصِ؛ لأنَّ المالَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِه، وهى مالُ السَّيِّدِ، فصَحَّ إقْرَارُه به، كجِنايَةِ الخَطَإِ. وأمَّا إقْرَارُه بما يُوجِبُ القِصَاصَ في النَّفْسِ، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّه لا يُقْبَلُ، ويُتْبَعُ به بعدَ العِتْقِ. وبه قال زُفَرُ، والمُزَنِىُّ، ودَاوُدُ، وابنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِىّ؛ لأنَّه يُسْقِطُ حَقَّ سَيِّدِه بإقْرَارِه، فأَشْبَهَ الإِقْرَارَ بقَتْلِ الخَطَإِ، ولأنَّه مُتَّهَمٌ في أنَّه
(11) تقدم تخريجه في: 1/ 146.
(12)
في م: "والتنكيل". ووكَّل به، أي ألزمه من يؤذيه.
يُقِرُّ لِرَجُلٍ لِيَعْفُوَ عنه، ويَسْتَحِقَّ أخْذَه، فيَتَخَلَّصُ بذلك من سَيِّدِه. واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه يَصِحُّ إقْرَارُه به. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالِكٍ، والشّافِعِىِّ؛ لأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ القِصاصِ، فصَحَّ إقْرَارُه به، كما دُونَ النَّفْسِ. وبهذا الأَصْلِ يَنْتَقِضُ دَلِيلُ الأَوَّلِ. ويَنْبَغِى على هذا القَوْلِ أن لا يَصِحَّ عَفْوُ وَلِىِّ الجِنَايةِ على مالٍ إلَّا باخْتِيَارِ سَيِّدِه، لئلَّا يُفْضِىَ إلى إِيجَابِ المالِ على سَيِّدِه بإقْرَارِ غيرِه، فلا يُقْبَلُ إقْرَارُ العَبْدِ بجِنايَةِ الخَطَإِ، ولا شِبْهِ العَمْدِ، ولا بِجِنَايَةِ عَمْدٍ مُوجِبُها المالُ، كالجائِفَةِ والمَأْمُومَةِ (13)، لأنَّه إِيجَابُ حَقٍّ في رَقَبَتِه، وذلك يَتَعَلَّقُ بحَقِّ المَوْلَى. ويُقْبَلُ إقْرَارُ المَولى عليه؛ [لأنَّه إيجَابُ حَقًّ في مالِه. وإن أقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُوجِبُها المالُ، لم يُقْبَلْ إقْرَارُه، ويُقْبَلُ إقْرَارُ المَوْلَى عليه](14)؛ لما ذَكَرْنَا. وإن كان مُوجِبُها القَطْعُ والمالُ، فأقَرَّ بها العَبْدُ، وَجَبَ قَطْعُه، ولم يَجِب المالُ، سواءٌ كان ما أقَرَّ بِسَرِقَتِه باقِيًا، أو تَالِفًا في يَدِ السَّيِّدِ أو يَدِ العَبْدِ. قال أحمدُ، في عَبْدٍ أقَرَّ بِسَرِقَةِ دَرَاهِمَ في يَدِه أنَّه سَرَقَها من رَجُلٍ، والرَّجُلُ يَدَّعِى ذلك، وسَيِّدُه يُكَذِّبُه: فالدَّرَاهِمُ لِسَيِّدِه، ويُقْطَعُ العَبْدُ، ويُتْبَعُ بذلك بعد العِتْقِ. وللشّافِعِىِّ في وُجُوبِ المالِ في هذه الصُّورَةِ وَجْهَانِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ القَطْعُ؛ لأنَّ ذلك شُبْهَةٌ، فيُدْرَأَ بها القَطْعُ، لكَوْنِه حَدًّا يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ؛ وذلك لأنَّ العَيْنَ التي يُقِرُّ بِسَرِقَتِها لم يَثْبُتْ حُكْمُ السَّرِقَةِ فيها، فلا يَثْبُتُ حُكْمُ القَطْعِ بها. وإن أقَرَّ العَبْدُ بِرِقِّه لغيرِ مَن هو في يَدِه، لم يُقْبَلْ إقْرَارُه بالرِّقِّ (15)؛ لأنَّ الإِقْرَارَ (16) بالرِّقِّ إقْرَارٌ بالمِلْكِ، والعَبْدُ لا يُقْبَلُ إِقْرَارُه بحالٍ، ولأنَّنا لو قَبِلْنَا إقْرَارَه، أضْرَرْنَا بِسَيِّدِه، لأنَّه إذا شَاءَ أقَرَّ لغيرِ سَيِّدِه، فأَبْطَلَ مِلْكَه. وإن أقَرَّ به السَّيِّدُ لِرَجُلٍ، وأقَرَّ هو لآخَرَ، فهو للذى أقَرَّ له السَّيِّدُ؛ لأنَّه في يَدِ السَّيِّدِ، لا في يَدِ نَفْسِه، ولأنَّ السَّيِّدَ لو أقَرَّ به مُنْفَرِدًا قُبِلَ. ولو أقَرَّ العَبْدُ مُنْفَرِدًا لم
(13) الجائفة: طعنة تبلغ الجرف. والمأمومة: الشجة بلغت أم الرأس.
(14)
سقط من: ب.
(15)
سقط من: أ، ب.
(16)
في أ، ب:"إقراره".
يُقْبَلْ، فإذا لم يُقْبَلْ إقْرَارُ العَبْدِ مُنْفَرِدًا فكيف يُقْبَلُ مع (17)[مُعَارَضَتِه لإِقْرَارِ](18) السَّيِّدِ. ولو قُبِلَ إقْرَارُ العَبْدِ، لَما قُبِلَ إقْرَارُ السَّيِّدِ، كالحَدِّ وجِنَايَةِ العَمْدِ. وأمَّا المُكَاتَبُ فحُكْمُه حُكْمُ الحُرِّ في صِحَّةِ إقْرَارِه. ولو أقَرَّ بجِنَايَةِ خَطَأ صَحَّ إقْرَارُه، فإن عَجَزَ بِيعَ فيها إن لم يَفْدِهِ سَيِّدُه. وقال أبو حنيفةَ: يُسْتَسْعَى في الكِتابَةِ، وإن عَجَزَ بَطلَ إقْرَارُه بها، سَوَاءٌ قُضِىَ بها أو لم يُقْضَ. وعن الشّافِعِىّ كقَوْلِنا. وعنه أنَّه مُرَاعًى إن أَدَّى لَزِمَهُ، وإن عَجَزَ بَطلَ. ولَنا، أنَّه إقْرَارٌ لَزِمَه (19) في كِتَابَتِه، فلا يَبْطُلُ بعَجْزِه، كالإِقْرَارِ بالدَّيْنِ. وعلى الشّافِعِىِّ، أنَّ المُكَاتَبَ في يَدِ نَفْسِه، فصَحَّ إقْرَارُه بالجِنَايَةِ، كالحُرِّ.
فصل: ويَصِحُّ الإِقْرارُ لكلِّ مَن يَثْبُتُ له الحَقُّ. فإذا أُقِرَّ لِعَبْدٍ (20) بِنِكَاحٍ أو قِصَاصٍ أو تَعْزِيرِ القَذْفِ، صَحَّ الإِقْرَارُ له، صَدَّقَهُ المَوْلى أو كَذَّبَهُ؛ لأنَّ الحَقَّ له دون سَيِّدِه. وله المُطَالَبَةُ بذلك، والعَفْوُ عنه، وليس لِسَيِّدِه مُطَالَبَةٌ (21) به ولا عَفْوٌ. وإن كَذَّبَهُ العَبْدُ، لم يقْبَلْ. وإن أُقِرَّ له بمالٍ، صَحَّ، ويكونُ لِسَيِّدِه؛ لأنَّ يَدَ العَبْدِ كيَدِ سَيِّدِه. وقال أصْحابُ الشّافِعِىِّ: إن قُلْنا: يَمْلِكُ المالَ. صَحَّ الإِقْرَارُ له. وإن قُلْنا: لا يَمْلِكُ. كان الإِقْرارُ لِمَوْلاهُ، يَلْزَمُ بِتَصْدِيقِه ويَبْطُلُ بِرَدِّه. وإن أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ أو دارٍ، لم يَصِحَّ إِقْرَارُه لها، وكان باطِلًا؛ لأنَّها لا تَمْلِكُ المالَ مُطْلَقًا، ولا يَدَ لها. وإن قال: علَىَّ بِسَبَبِ هذه البَهِيمَةِ. لم يكُنْ إِقْرَارًا لأَحَدٍ، ولأنَّه لم يَذْكُرْ لِمَنْ هي، ومِن شَرْطِ صِحَّةِ الإِقْرَارِ ذِكْرُ المُقَرِّ له. وإن قال: لِمَالِكِها أو لِزَيْدٍ علَىَّ بِسَبَبِها ألْفٌ. صَحَّ الإِقْرَارُ. وإن قال: بِسَبَبِ حَمْلِ هذه البَهِيمَةِ. لم يَصِحَّ، إذ لا يُمْكِنُ إِيجابُ شَىْءٍ بِسَبَبِ الحَمْلِ.
فصل: وإن أقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ بمالٍ، وعَزَاهُ إلى إِرْثٍ أو وَصِيَّةٍ، صَحَّ، وكان
(17) في الأصل: "في".
(18)
في أ، ب:"معارضة إقرار".
(19)
سقط من: م.
(20)
في أ: "للعبد".
(21)
في أ، ب، م:"مطالبته".