الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرْضِ أنَّه يَزْرَعُ البَيَاضَ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الداخِلَ يَسْقِى لِرَبِّ الأرْضِ، فتلك زِيَادَةٌ ازْدَادَها عليه. ولَنا، أنَّ هذا لم يَتَنَاوَلْه العَقْدُ، فلم يَدْخُلْ فيه، كما لو كانت أرْضًا مُفْرَدَةً (34).
فصل:
وإن زَارَعَه أرْضًا فيها شَجَراتٌ يَسِيرَةً، لم يَجُزْ أن يَشْتَرِطَ العامِلُ ثَمَرَتَها، وبهذا قال الشافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ، وأجَازَه مالِكٌ إذا كان الشَّجَرُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ أو أقَلَّ؛ لأنَّه يَسِيرٌ، فيَدْخُلُ تَبَعًا. ولَنا، أنَّه اشْتَرَطَ الثَّمرَةَ كلَّها، فلم يَجُزْ، كما لو كان الشَّجَرُ أكْثَرَ من الثُّلُثِ.
فصل: وإن أجَرَه بَيَاضَ الأرضِ (35)، وسَاقاهُ على الشَّجَرِ الذي فيها، جازَ؛ لأنَّهما عَقْدانِ يجوزُ إفْرادُ كلِّ واحدٍ منهما، فجازَ الجَمْعُ بينهما، كالبَيْعِ، والإِجَارَةِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ، بِنَاءً على الوَجْهِ الذي لا يجوزُ الجَمْعُ بينهما في الأصْلِ. والأَوَّلُ أَوْلَى، إلَّا أن يَفْعَلَا ذلك حِيلَةً على شِرَاءِ الثَّمرَةِ قبلَ وُجُودِها، أو قبلَ بُدُوِّ صَلَاحِها، فلا يجوزُ، سواءٌ جَمَعَا بين العَقْدَيْنِ، أو عَقَدَا أحَدَهُما بعدَ الآخَرِ؛ لما ذكرْنا (36) في إبْطالِ الحِيَلِ.
889 - مسألة؛ قال: (إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ)
ظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّ المُزَارَعةَ إنَّما تَصِحُّ إذا كان البَذْرُ من رَبِّ الأرْضِ، والعَمَلُ من العامِلِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ جَمَاعةٍ. واخْتارَه عامّةُ الأَصْحابِ. وهو مَذْهَبُ ابنِ سِيرِينَ، والشافِعِىِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَشْتَرِكُ العامِلُ ورَبُّ المالِ في نَمَائِه، فوَجَبَ أن يكونَ رَأْسُ المالِ كلُّه من عندِ أحَدِهِما، كالمُسَاقاةِ والمُضَارَبةِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّ البَذْرَ يجوز أن يكونَ من العامِلِ؛ فإنَّه قال، في رِوَايةِ مُهَنَّا، في الرَّجُلِ
(34) في الأصل: "منفردة".
(35)
في م: "أرض".
(36)
في م: "ذكر".
يكونُ له الأرْضُ فيها نَخْلٌ وشَجَرٌ، يَدْفَعُها إلى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ الأرْضَ ويَقُومونَ على الشَّجَرِ، على أنَّ له النِّصْفَ، ولهم النِّصْفَ: فلا بَأْسَ بذلك، وقد دَفَعَ النبيُّ (1) صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ على هذا (2). فأجازَ دَفْعَ الأرْضِ لِزَرْعِها من غيرِ ذِكْرِ البَذْرِ. فعلى هذا أيُّهما أخْرَجَ البَذْرَ، جازَ. ورُوِى (3) ذلك عن عُمَرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّه عنه (4). وهو قولُ أبى يوسفَ، وطَائِفَةٍ من أهْلِ الحَدِيثِ، وهو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللهُ تعالى. ورُوِى عن سَعْدٍ، وابن مَسْعُودٍ، وابنِ عمرَ، أن البَذْرَ من العامِلِ. ولعلَّهم أرادُوا أنَّه يجوزُ أن يكونَ من العامِلِ، فيكونُ كقولِ عمرَ، ولا يكونُ قولًا ثالِثًا. والدَّلِيلُ على صِحَّةِ ما ذَكَرْنا، قولُ ابنِ عمرَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وأرْضَها، على أن يَعْمَلُوها من أمْوالِهِم، ولِرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا. وفى لَفْظٍ: على أن يَعْمَلُوها، ويَزْرَعُوها، ولهم شَطْرُ ما يَخْرُجُ منها. أخْرَجَهُما البُخَارِىُّ (5). فجَعَلَ عَمَلَها من أمْوالِهِم، وزَرْعَها عليهم، ولم يَذْكُرْ شَيْئًا آخَرَ، وظاهِرُه أن البَذْرَ من أهْلِ خَيْبَرَ، والأصْلُ المُعَوَّلُ عليه في المُزَارَعةِ قِصَّةُ (6) خَيْبَرَ، ولم يَذْكُر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ البَذْرَ على المُسْلِمِينَ، ولو كان شَرْطًا لمَا أخَلَّ بِذكْرِه، ولو فَعَلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُه لَنُقِلَ، ولم يَجُزِ الإِخْلَالُ بِنَقْلِه. ولأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، فَعَلَ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا، فإنَّ البُخَارِىَّ رَوَى عنه، أنَّه عامَلَ النّاسَ على أنَّه (1) إن جاءَ عُمَرُ بالبَذْرِ من عندِه، فلَه الشَّطْرُ، وإن جاءُوا بالبَذْرِ فلهم كذا (7)، فظاهِرُ هذا أنَّ ذلك اشْتَهَرَ فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا. فإن قيل: فهذا بمَنْزِلةِ
(1) سقط من: ب.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 527.
(3)
في م زيادة: "نحو".
(4)
أخرجه البخاري في: باب المزارعة بالشطر ونحوه، من كتاب الحرث والمزارعة. صحيح البخاري 3/ 137.
(5)
اللفظ الأول تقدم تخريجه في صفحة 541 والثانى في صفحة 527.
(6)
في الأصل: "قضية".
(7)
هو الذي تقدم في أول المسألة.