الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن شَرِيكَه قَبَضَ الثَّمنَ، لم يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بشيءٍ، لأنَّه ليس بوَكِيلٍ له في القَبْضِ، فلا يَقَعُ قَبْضُه له. هكذا ذَكَرَه بعضُ أصْحابِنَا، وعندى لا تُقْبَلُ شَهَادَتُه له؛ لأنَّه يَدْفَعُ عن نَفْسِه ضَرَرَ مُشَارَكَةِ شَرِيكِه له فيما يَقْبِضُه من المُشْتَرِى. وإذا لم تكنْ له (23) بَيِّنَة، فحَلَفَ، أخَذَ من المُشْتَرِى نِصْفَ الثَّمنِ، وإن نَكلَ، أخَذَ المُشْتَرِى منه نِصْفَه.
فصل:
وإذا كان العَبْدُ بين اثْنَيْنِ، فغَصَبَ رَجُلٌ نَصِيبَ أحَدِهما، بأن يَسْتَوْلِىَ على العَبْدِ، ويَمْنَعَ أحَدَهما الانْتِفاعَ دُونَ الآخَرِ، ثم إنَّ مالِكَ نِصْفِه والغاصِبَ باعَا العَبْدَ صَفْقةً واحِدَةً، صَحَّ في نَصِيبِ المالِكِ، وبَطَلَ في نَصِيبِ الغاصِبِ. وإن وَكَّلَ الشَّرِيكُ الغاصِبَ، أو وَكَّلَ الغاصِبُ الشَّرِيكَ في البَيْعِ، فباعَ العَبْدَ كلَّه صَفْقةً واحِدَةً، بَطَلَ في نَصِيبِ الغاصِبِ، في الصَّحِيحِ. وهل يَصِحُّ في نَصِيبِ الشَّرِيكِ؟ على رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَفْقَةِ؛ لأنَّ الصَّفْقةَ ههُنا وَقَعَتْ واحِدَةً، وقد بَطَلَ البَيْعُ في بعضِها، فبَطَلَ في سائِرِها. بخِلَافِ ما إذا باعَ المالِكُ والغاصِبُ، فإنَّهما عَقْدانِ؛ لأنَّ عَقْدَ الواحِدِ مع الاثْنَيْنِ عَقْدانِ. ولو أنَّ الغاصِبَ ذَكَرَ لِلْمُشْتَرِى أنَّه وَكِيلٌ (24) في نِصْفِه، لصَلَحَ في نَصِيبِ الآذِنِ؛ لكَوْنِه كالعَقْدِ المُنْفَرِدِ.
فصل: وإذا كان لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ لِسَبَبٍ واحدٍ؛ إما عَقْدٍ أو مِيرَاثٍ أو اسْتِهْلَاكٍ أو غيرِه، فقَبَضَ أحَدُهُما منه شَيْئًا، فللآخَرِ مُشَارَكَتُه فيه. هذا ظاهِرُ المذهبِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّ لأحَدِهما أن يَأْخُذَ حَقَّه دُونَ صاحِبِه، ولا يُشَارِكُه الآخَرُ فيما أخَذَه. وهو قولُ أبى العَالِيَةِ، وأبى قِلَابةَ، وابن سِيرِينَ، وأبى عُبَيْدٍ. قيل لأَحمدَ: بِعْتُ أنا وصَاحِبِى متَاعًا بَيْنِى وبَيْنَه، فأعْطانِى حَقِّى، وقال: هذا حَقُّكَ خاصَّةً، وأنا أُعْطِى شَرِيكَكَ بعدُ. قال: لا يجوزُ. قيل له: فإن أَخَّرَهُ أو أبْرَأهُ من حَقِّه دُونَ صاحِبِه؟ قال: يجوزُ. قيل: فقد قال أبو عُبَيْدٍ: له أن يَأْخُذَ دون صاحِبِه إذا كان له أن يُؤَخِّرَ، ويُبْرِئَه دون
(23) سقط من: أ، ب، م.
(24)
في أ، ب، م:"وكل".
صَاحِبِه؟ فَفَكَّرَ فيها، ثم قال: هذا يُشْبِه المِيراثَ إذا أخَذَ منه بعضُ الوَرَثَةِ دون بعضٍ، وقد قال ابنُ سِيرِينَ وأبو قِلَابةَ وأبو العَالِيَةِ: من أخَذَ شيئا فهو من نَصِيبِه. قال: فرَأيْتُه قد احْتَجَّ له وأجَازَهُ. قال أبو بكرٍ: العَمَلُ عندى على ما رَوَاهُ حَرْبٌ وحَنْبَلٌ، أنَّه لا يجوزُ. وهو الصَّحِيحُ. وقد صَرَّحَ به أحمدُ في أوَّلِ هذه الرِّوَايةِ، ولم يُصَرِّحْ بالرُّجُوعِ عمَّا قالَه؛ وذلك لأنَّه لا يَجوزُ أن يكونَ نَصِيبُ القابِضِ ما أخَذَهُ، لما في ذلك من قِسْمة الدَّيْنِ في الذِّمَّةِ من غيرِ رِضَى الشَّرِيكِ، فيكون المأْخُوذُ والباقِى جَمِيعًا مُشْتَرَكًا، ولغيرِ القابِضِ الرُّجُوعُ على القابِضِ بِنِصْفِه (25)، سواءٌ كان باقِيًا في يَدِه، أو أخْرَجَه عنها برَهْنٍ أو قَضَاءِ دَيْنٍ أو غيرِه، وله أن يَرْجِعَ على الغَرِيمِ؛ لأنَّ الحَقَّ يَثْبُتُ في ذِمَّتِه لهما على وَجْهٍ سواءٍ، فليس له تَسْلِيمُ حَقِّ أحَدِهِما إلى الآخَرِ، فإن أخَذَ من الغَرِيمِ لم يَرْجِعْ على الشَّرِيكِ بشيءٍ؛ لأنَّ حَقَّه يَثْبُتُ في أحَدِ المَحلَّيْنِ، فإذا اختَارَ أحَدُهُما سَقَطَ حَقُّه من الآخَرِ، وليس للقابِضِ مَنْعُه من الرُّجُوعِ على الغَرِيمِ، بأن يقولَ: أنا أُعْطِيكَ نِصْفَ ما قَبَضْتُ. بل الخِيرَةُ إليه من أيِّهما شاءَ قَبَضَ، فإن قَبَضَ من شَرِيكِه شيئا، رَجَعَ الشَّرِيكُ على الغَرِيمِ بمِثْلِه، وإن هَلَكَ المَقْبُوضُ في يَدِ القابِضِ، تَعَيَّنَ حَقُّه فيه، ولم يَضْمَنْه للشَّرِيكِ؛ لأنَّه قَدْرُ حَقِّهِ فما (26) تَعَدَّى بالقَبْضِ، وإنَّما كان لِشَريكِه مُشَارَكَتُه لِثُبُوتِه في الأَصْلِ مُشْتَركًا. وإن أَبْرَأَ أحَدَ الشَّرِيكَيْنِ من حَقِّه، بَرِئَ منه؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ تَلَفِه، ولا يَرْجِعُ عليه غَرِيمُه بشيءٍ. وإن أَبْرَأَ أحَدَهما من عُشْرِ الدَّيْنِ، ثم قَبَضَا من الدَّيْنِ شيئا، اقْتَسَماهُ على قَدْرِ حَقِّهِما في الباقِى؛ لِلْمُبْرِئ أَرْبَعةُ أتْساعِه، ولِشَريكِه خَمْسَةُ أَتْساعِه. وإن قَبَضَا نِصْفَ الدَّيْنِ، ثم أَبْرَأ أحَدَهُما من عُشْرِ الدَّيْنِ كلِّه، نَفَذَتْ بَرَاءَتُه في خُمْسِ الباقِى، وما بَقِىَ بينهما على ثَمَانِيةٍ؛ لِلْمُبْرِئُ ثَلَاثَةُ أَثْمانِه، وللآخَرِ خَمْسَةُ أثْمانِه، فما قَبَضَاهُ بعدَ ذلك اقْتَسَماهُ على هذا. وإن اشْتَرَى أحَدُهُما بِنَصِيبِه من الدَّيْنِ ثَوْبًا، فللآخَرِ إبْطالُ الشِّرَاءِ، فإن بَذَلَ له المُشْتَرِى (27) نِصْفَ الثَّوْبِ، ولا يُبْطِلِ البَيْعَ، لم
(25) في ب: "بنصيبه".
(26)
في ب، م:"فيما".
(27)
في ب: "الشريك".