الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزَوالِ (15) مِلْكِه عنه؛ لأنَّ العادَةَ تَرْكُ ذلك لمن يَأْخُذُه، ولهذا أُبِيحَ الْتِقَاطُه ورَعْيُه. ولا نَعْلَمُ خِلَافًا في إبَاحَةِ الْتِقَاطِ ما خَلَفَهُ الحَصَّا دُونَ من سُنْبُلٍ وحَبٍّ وغيرِهِما، فجَرَى ذلك مَجْرَى نَبْذِه على سَبِيلِ التَّرْكِ له، وصارَ كالشىءِ التّافِهِ يَسْقُطُ منه، كالثّمرَةِ واللُّقْمَةِ ونحوِهِما. والنَّوَى (16) لو الْتَقَطَهُ إنْسانٌ، فغَرَسَه، كان له دُونَ مَن سَقَطَ منه، كذا ههُنا.
فصل:
في إجَارَةِ الأرْضِ، تجوزُ إجَارَتُها بالوَرِقِ، والذَّهَبِ، وسائِرِ العُرُوضِ، سِوَى المَطْعُومِ، في قول أكْثَر العِلْمِ. قال أحمدُ: ما (17) اخْتَلَفُوا في الذَّهَبِ والوَرِقِ. وقال ابنُ المُنذِرِ: أجْمَعَ عَوَامُّ أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ اكْتِرَاءَ الأرْضِ وَقْتًا مَعْلُومًا، جائِزٌ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ. [رَوَيْنا هذا](18) القولَ عن سَعْد (19)، ورَافِعِ بن خَدِيجٍ، وابنِ عُمَرَ، وابنِ عَبَّاسٍ. وبه قال سَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، وعُرْوَةُ، والقاسِمُ، [وسالِمٌ، وعبدُ اللَّه بن الحارِثِ](20)، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ورُوِى عن طاوُسٍ، والحَسَنِ كَرَاهَةُ ذلك؛ لما رَوَى رافِعٌ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن كِرَاءِ المَزَارِعِ. مُتَّفَقٌ عليه (21). ولَنا، أنَّ رافِعًا قال: أمَّا بالذَّهَبِ والوَرِقِ، فلم يَنْهَنَا. يَعْنِى النبيَّ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عليه (22). ولِمُسْلِمٍ (23): أمَّا بِشَىءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ، فلا بَأْسَ. وعن حَنْظَلَةَ بن قَيْسٍ، أنَّه سَألَ رافِعَ بن خَدِيجٍ عن كِرَاءِ الأرْضِ، فقال:
(15) في ب، م:"وزال".
(16)
في ب: "والذي".
(17)
في الأصل، م:"قلما".
(18)
في ب: "وشاهدا".
(19)
في ب، م:"سعيد". ويأتى.
(20)
في الأصل: "وسالم بن عبد الموت". وفي ب: "وسالم بن عبد اللَّه بن الحارث".
(21)
تقدم تخريجه في صفحة 556.
(22)
تقدم تخريجه في صفحة 528.
(23)
في: باب كراء الأرض بالذهب والورق، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1183.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المزارعة. من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231، 232.
نَهَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كِرَاءِ الأرْضِ. قال، فقلتُ: بالذَّهَبِ والفِضَّةِ؟ قال: إنَّما نَهَى عنها ببعضِ ما يَخْرُجُ منها، أمَّا بالذَّهَبِ والفِضَّةِ فلا بَأْسَ. مُتَّفَقٌ عليه (24)، وعن سَعْدٍ قال: كنا نُكْرِى الأرْضَ بما على السَّواقِى وما سَعِدَ (25) بالماءِ منها، فنَهانَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمَرَنا أن نُكْرِيَها بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (26)، ولأنَّها عَيْنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ المَنْفَعةِ المُبَاحةِ منها، مع بَقَائِها، فجازَتْ إجَارَتُها بالأثمْانِ ونحوِها، كالدُّورِ. والحُكْمُ في العُرُوضِ، كالحُكْمِ في الأثْمانِ. وأمَّا حَدِيثُهُم، فقد فَسَّرَه الرّاوِى بما ذَكَرْناهُ عنه (27)، فلا يجوزُ الاحْتِجاجُ به على غيرِه. وحَدِيثُنا مُفَسِّرٌ لِحَدِيثِهِم، فإن رَاوِيهِما واحدٌ، وقد رَوَاهُ عامًّا وخاصًّا، فيُحْمَلُ العامُّ على الخاصِّ، مع مُوَافَقَةِ الخاصِّ لسائِر الأحَادِيثِ والقياسِ (28) وقولِ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ. فأمَّا إجَارَتُها بِطَعَامٍ، فتَنْقَسِمُ ثلاثةَ أقْسامٍ؛ أحَدها، أن يُؤْجِرَها بمَطْعُومٍ غيرِ الخارِجِ منها مَعْلُومٍ، فيَجُوزُ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ الحَسَنِ بن ثَوَابٍ. وهو قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ؛ منهم سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، وعِكْرِمةُ (29)، والنَّخَعِىُّ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. ومَنَعَ منه مالِكٌ، حتى مَنَعَ إجَارَتَها باللَّبَنِ والعَسَلِ. وقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه قال: ربما تَهَيَّبْتُه. قال القاضي: هذا من أحمدَ على سَبِيلِ الوَرَعِ، ومَذْهَبُه الجَوَازُ. والحُجَّةُ لمالِكٍ ما رَوَى رافِعُ بن خَدِيجٍ، عن بعض عُمُومَتِه قال: قال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَتْ له أرْضٌ فلا يُكْرِيها بِطَعَامٍ مُسَمَّى" رَوَاه أبو دَاوُدَ وابنُ مَاجَه (27). ورَوَى ظَهِيرُ بن
(24) تقدم تخريجه في صفحة 528.
(25)
سعد الماء: جرى سيحا.
(26)
في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231.
كما أخرجه النسائي، في: باب ذكر الأحاديث المختلفة. . .، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 38. والدارمى، في: باب في الرخصة في كراء الأرض بالذهب والفضة، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 271. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 178، 179، 182.
(27)
انظر ما تقدم في صفحة 528.
(28)
في م: "وللقياس".
(29)
سقط من: م.
رافِعٍ، قال: دَعَانِى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُم؟ " قلتُ: نُؤَاجِرُها على الرُّبْعِ، أو على الأَوْسُقِ من التَّمْرِ أو الشَّعِيرِ. قال:"لا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا، أوْ أمْسِكُوهَا". مُتَّفَقٌ عليه (30). ورَوَى أبو سَعِيدٍ قال: نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المُحَاقَلَةِ (31). والمُحَاقَلَة: اسْتِكْرَاءُ الأرْضِ بالحِنْطَةِ. ولَنا، قولُ رافِعٍ: فأمَّا بشيءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ فلا بَأْسَ به. ولأنَّه عِوَضٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، لا يُتَّخَذُ وَسِيلةً إلى الرِّبَا، فجازَتْ إجَارَتُها به، كالأثْمانِ. وحَدِيثُ ظَهِيرِ [بن رافعٍ](32) قد سَبَقَ الكلامُ عليه في المُزَارَعةِ، على أنَّه يَحْتَمِلُ النَّهْىَ عن إجَارَتِها بذلك، إذا كان خارِجًا منها، ويَحْتَمِلُ النَّهْىَ عنه إذا آجَرَها بالرُّبْعِ والأَوْسُقِ. وحَدِيثُ أبى سَعِيدٍ يَحْتَمِلُ المَنْعَ من كِرَائِها بالحِنْطَةِ، إذا اكْتَراهَا لِزَرْعِ الحِنْطةِ. القسم الثاني، إجَارَتُها بطَعَامٍ مَعْلُومٍ، من جِنْسِ ما يَزْرَعُ (33) فيها، كإجَارَتِها بِقُفْزَانِ حِنْطَةٍ لِزَرْعِها، فقال أبو الخَطَّابِ: فيها رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، المَنْعُ. وهى التي ذَكَرَها القاضي مَذْهَبًا، وهى قولُ مالكٍ؛ لما تَقَدَّمَ من الأحَادِيثِ، ولأنَّها ذَريعَةٌ إلى المُزَارَعةِ عليها بشيءٍ مَعْلُومٍ من الخارِجِ منها، لأنَّه يَجْعلُ مكانَ قولِه زَارَعْتُكَ، آجَرْتُكَ، فتَصِيرُ مُزَارَعةً بِلَفْظِ الإِجَارَةِ، والذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ. والثانية، جَوَازُ ذلك. اخْتَارَها أبو الخَطَّابِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ،
(30) أخرجه البخاري، في: باب ما كان من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يواسى بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة، من كتاب الحرث. صحيح البخاري 3/ 141. ومسلم، في: باب كراء الأرض بالطعام، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1182.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما يكره من المزارعة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 821، 822. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 143.
(31)
تقدم في 6/ 299 تخريجه عند البخاري، وأخرجه مسلم، في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1168. وابن ماجه، في: باب كراء الأرض، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 820. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 625. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 8.
(32)
سقط من: ب.
(33)
في ب: "زرع".
والشّافِعِىِّ؛ لما ذَكَرْنا في القِسْمِ الأَوَّلِ، ولأنَّ ما جازَتْ إجَارَتُه بغيرِ المَطْعُومِ، جازَتْ به، كالدُّورِ. القسم الثالث، إجَارَتُها بِجُزْءٍ مُشَاعٍ ممَّا يخْرُجُ منها، كَنِصْفٍ، وثُلُثٍ، ورُبْعٍ، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ جَوَازُه. وهو قول أكْثَر الأَصْحابِ، واخْتَارَ أبو الخَطّابِ أنَّها لا تَصِحُّ. وهو قول أبى حنيفةَ، والشّافِعِىِّ. وهو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللَّه؛ لما تَقَدَّمَ من الأحادِيثِ في النَّهْىِ، من غيرِ مُعَارِضٍ لها، ولأنَّها إجَارَةٌ [بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ، فلم تَصِحَّ، كإجَارَتِها بثُلُثِ ما يَخْرُجُ من أرْضٍ أخرى، ولأنَّها إجَارَةٌ](34) لِعَيْنٍ ببعضِ نَمائِها، فلم تَجُزْ، كسائِر الأعْيانِ، ولأنَّه لا نَصَّ في جَوَازِها، ولا يُمْكِنُ قِياسُها على المَنْصُوصِ، فإنَّ النُّصُوصَ (35) إنَّما وَرَدَتْ بالنَّهْىِ عن إجَارَتِها بذلك، ولا نَعْلَمُ في تَجْوِيزِها نَصًّا، والمَنْصُوصُ على جَوَازِه، إجَارَتُها بِذَهَبٍ، أو فِضّةٍ، أو بشيءٍ مَضْمُونٍ مَعْلُومٍ، [وليس هذا](36) كذلك. فأمَّا نَصُّ أحمدَ في الجَوازِ، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُه على المُزَارَعةِ بلَفْظِ الإِجَارَةِ، فيكونُ حُكْمُها حُكْمَ المُزَارَعةِ في جَوَازِها، ولُزُومِها، وفيما يَلْزَمُ العامِلَ ورَبَّ الأرْضِ، وسائِرِ أحْكَامِها. واللهُ أعلمُ.
(34) سقط من: الأصل. نقلة نظر.
(35)
في الأصل: "المنصوص".
(36)
في م: "وليست هذه".