الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِيطَانِ جَارِه، أو إِشْعَالِ نَارٍ تَتَعَدَّى إلى إحْرَاقِها. قالوا: هاهُنا تَعَدَّتِ النّارُ التي أضْرَمَها، والماءُ الذي أَرْسَلَه، فكان مُرْسِلًا لذلك في مِلْكِ غيرِه، فأشْبَه ما لو أرْسَلَه إليها قَصْدًا. قُلْنا: والدُّخَانُ هو أجْزَاءُ الحَرِيقِ الذي أَحْرَقَهُ، فكان مُرْسِلًا له في مِلْكِ جَارِه، فهو كأجْزَاءِ النارِ والماءِ. وأمَّا دُخَانُ الخُبْزِ والطَّبِيخِ، فإنَّ ضَرَرَهُ يَسِيرٌ، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، وتَدْخُلُه المُسَامَحَةُ.
فصل:
وإن كان سَطْحُ أحَدِهِما أعْلَى من سَطْحِ الآخَرِ، فليس لِصَاحِبِ الأَعْلَى الصُّعُودُ على سَطْحِه على وَجْهٍ يُشْرِفُ على سَطْحِ جَارِه، إلَّا أن يَبْنِىَ سُتْرَةً تَسْترُهُ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يَلْزَمُه عَمَلُ سُتْرَةٍ؛ لأنَّ هذا حَاجِزٌ بين مِلْكَيْهِما، فلا (35) يُجْبَرُ أحَدُهما عليه، كالأَسْفَلِ. ولَنا، أنَّه إِضْرَارٌ بِجَارِه، فَمُنِعَ منه، كدَقٍّ يَهزُّ الحِيطَانَ، وذلك لأنَّه يَكْشِفُ جَارَهُ، ويَطَّلِعُ على حُرُمِهِ، فأشبهَ ما لو اطَّلَعَ عليه من صِيرِ بابِهِ أو خَصَاصِهِ (36)، وقد دَلَّ على المَنْعِ من ذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ إلَيْكَ، فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ"(37). ويُفَارِقُ الأَسْفَلَ؛ فإنَّ تَصَرُّفَهُ لا يَضُرُّ بالأَعْلَى، ولا يَكْشِفُ دَارَهُ.
فصل: إذا كانتْ بينهما عَرْصَةُ حَائِطٍ، فاتَّفَقَا على قَسْمِها طُولًا، جَازَ ذلك، سواءٌ اتَّفَقَا على قَسْمِهَا طُولًا أو عَرْضًا؛ لأنَّها مِلْكُهما، ولا تَخْرُجُ عنهما. وإن اخْتَلَفَا، فطَلَبَ أحَدُهُما قَسْمَها طُولًا (38) وهو أن يُجْعَلَ له نِصْفُ الطُّولِ في جَمِيعِ العَرْضِ، ولِلْآخَرِ مثلُه، فقال أصْحابُنا: يُجْبَرُ المُمْتَنِعُ على القِسْمَةِ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛
(35) في الأصل، أ، م:"فلم".
(36)
صير الباب: شقه عند ملتقى الرتاج والعضادة. والخصاص: جمع الخصاصة، وهى الفرجة أو الخلل أو
الخزق، في باب أو غيره.
(37)
أخرجه البخاري، في: باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان، وباب من اطلع في بيت قوم. . .، من كتاب الديات. صحيح البخاري 9/ 8، 9، 13. ومسلم، في: باب تحريم النظر في بيت غيره، من كتاب الآداب. صحيح مسلم 3/ 1699.
(38)
سقط من: م.
لأنَّ ذلك لا يَضُرُّ. فإذا اقْتَسَمَا اقْتَرَعَا، فكان لكلِّ واحدٍ منهما ما تَخْرُجُ به القُرْعَةُ، فإن كان مَبْنِيًّا فلا كلامَ، وإن كان غيرَ مَبْنِىٍّ، كان لكلِّ واحدٍ منهما أن يَبْنِىَ في نَصِيبِه، وإن أحَبَّ أن يُدْخِلَ بعضَ عَرْصَتِه في دَارِه فَعَلَ، وإن أحَبَّ أن يَزِيدَ في حَائِطِه من عَرْصَتِهِ فَعَلَ. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْبَرَ على القِسْمَةِ؛ لأنَّها تُوجِبُ اخْتِصَاصَ كلِّ واحدٍ منهما ببعضِ الحائِطِ المُقَابِلِ لِمِلْكِ شَرِيكِه، وزَوَالَ مِلْكِ شَرِيكِه، فيَتَضَرَّرُ؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ على حَائِطٍ يَسْتُرُ مِلْكَه، وربما اخْتَارَ أحَدُهُما أن لا يَبْنِىَ حَائِطَه، فيَبْقَى مِلْكُ (39) كلِّ واحدٍ منهما مَكْشُوفًا، أو يَبْنِيه ويَمْنَعُ جَارَه من وَضْعِ خَشَبِه عليه، وهذا ضَرَرٌ لا يَرِدُ الشَّرْعُ بالإِجْبَارِ عليه. فإن قِيل: فإذا كان مُشْتَرَكًا تَمَكَّنَ أيضًا مِن مَنْعِ شَرِيكِه وَضْعَ خَشَبِه عليه. قُلْنا: إذا كان له عليه رَسْمُ وَضعِ خَشَبِه، أو انْتِفَاعٌ به، لم يَمْلِكْ مَنْعَهُ من رَسْمِه، وهاهُنا يَمْلِكُ مَنْعَهُ بالكُلِّيَّةِ. وأمَّا إن طَلَبَ قَسْمَها عَرْضًا، وهو أن يُجْعَلَ لكلِّ واحِدٍ منهما نِصْفُ العَرْضِ في كَمَالِ الطُّولِ، نَظَرْنَا، فإن كانت العَرْصَةُ لا تَتَّسِعُ لِحَائِطَيْنِ، لم يُجْبَر المُمْتَنِعُ من قَسْمِهَا (40). واخْتَارَ ابنُ عَقِيلٍ أنَّه يُجْبَرُ. وهو ظَاهِرُ كلامِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّها عَرْصَةٌ، فأُجْبِرَ على قَسْمِهَا، كعَرْصَةِ الدَّارِ. ولَنا، أنَّ في قَسْمِهَا ضَرَرًا، فلم يُجْبَر المُمْتَنِعُ من قَسْمِها عليه، كالدَّارِ الصَّغِيرَةِ، وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بذلك. وإن كانت تَتَّسِعُ لِحَائِطَيْنِ، بحيثُ يَحْصُلُ لكلِّ واحدٍ منهما ما يَبْنِى فيه حَائِطًا، ففى إِجْبَارِ المُمْتَنِعِ وَجْهانِ: أحدُهما: يُجْبَرُ. قالَه أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ في القَسْمِ (41)؛ لكَوْنِ كلِّ واحدٍ منهما يَحْصُلُ له ما يَنْدَفِعُ به حاجَتُه، فأشْبَهَ عَرْصَةَ الدَّارِ التي يَحْصُلُ لكلِّ واحدٍ منهما ما يَبْنِى فيه دَارًا. والثانى، لا يُجْبَرُ. ذَكَرَهُ القاضي؛ لأنَّ هذه القِسْمَةَ لا تَقَعُ فيها قُرْعَةٌ؛ لأنَّنا لو أقْرَعْنَا بينهما، لم نَأْمَنْ أن تَخْرُجَ قُرْعَةُ كلِّ واحِدٍ منهما على ما يلي مِلْكَ جَارِه، فلا يَنْتَفِعُ به، فلو أجْبَرْنَاهُ على القِسْمَةِ
(39) سقط من: ب.
(40)
في م زيادة: "واختلفوا".
(41)
في م: "القسمة".