الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُمْكِنُ الاسْتِيلَاءُ عليه على وَجْهٍ يَحُولُ بينه وبين مَالِكِه، مثل أن يَسْكُنَ الدَّارَ ويَمْنَعَ مالِكَها من دُخُولِهَا، فأَشْبَهَ ما لو أخَذَ الدّابّةَ والمَتَاعَ. وأمَّا إذا حال بينه وبين مَتَاعِه، فما اسْتَوْلَى على مالِه، فنَظِيرُه ههُنا أن يَحْبِسَ المالِكَ، ولا يَسْتَوْلِى على دَارِه. وأمَّا ما تَلِفَ من الأَرْضِ بِفِعْلِه، أو سَبَبِ فِعْلِه، كهَدْمِ حِيطَانِها، وَتَغْرِيقِها، وكَشْطِ تُرَابِهَا، وإلْقَاءِ الحِجَارَةِ فيها، أو نَقْصٍ يَحْصُلُ بِغَرْسِه أو بِنَائِه، فيَضْمَنُه بغيرِ اخْتِلَافٍ في المَذْهَبِ، ولا بين العُلَمَاءِ؛ لأنَّ هذا إِتْلَافٌ، والعَقَارُ يُضْمَنُ بالإِتْلافِ من غيرِ اخْتِلَافٍ. ولا يَحْصُلُ الغَصْبُ من غيرِ اسْتِيلَاءٍ، فلو دَخَلَ أرْضَ إِنْسانٍ أو دَارَه، لم يَضْمَنْها بِدُخُولِه، سواءٌ دَخَلَها بإذْنِه أو غيرِ إِذْنِه، وسواء كان صَاحِبُها فيها أو لم يكُنْ. وقال بعضُ أصْحابِ الشّافِعِيِّ: إن دَخَلَها بغير إِذْنِه، ولم يكُنْ صَاحِبُها فيها، ضَمِنَها، سواءٌ قَصَدَ ذلك، أو ظَنَّ أنَّها دَارُه، أو دَارٌ أذِنَ له في دُخُولِها؛ لأنَّ يَدَ الدَّاخِلِ ثَبَتَتْ عليها بذلك، فيَصِيرُ غَاصِبًا، فإنَّ الغَصْبَ إِثْبَاتُ اليَدِ العَادِيَةِ، وهذا قد ثَبَتَتْ يَدُه، بِدَلِيلِ أنَّهما لو تَنَازَعَا في الدّارِ ولا بَيِّنَةَ لهما، حُكِمَ بها لمن هو فيها، دُونَ الخَارِجِ منها. ولَنا، أنَّه غيرُ مُسْتَوْلٍ عليها، فلم يَضْمَنْها، كما لو دَخَلَها بإِذْنِه، أو دَخَلَ صَحْرَاءَهُ، ولأنَّه إنَّما يَضْمَنُ بالغَصْبِ ما يَضْمَنُه في العَارِيَّةِ، وهذا لا تَثْبُتُ به العَارِيَّةُ، ولا يَجِبُ به الضَّمَانُ فيها، فكذلك لا يَثْبُتُ به الغَصْبُ، إذا كان بغيرِ إذْنٍ.
الفصل الثاني:
أنَّه إذا غَرَسَ في أَرْضِ غيرِه بغيرِ إِذْنِه، أو بَنَى فيها، فطَلَبَ صاحِبُ الأَرْضِ قَلْعَ غِرَاسِه أو بِنَائِه، لَزِمَ الغاصِبَ ذلك. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لما رَوَى سَعِيدُ بن زَيْدِ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لَيْسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ" رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ (4)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَوَى أبو دَاوُدَ، وأبو عُبَيْدٍ في الحَدِيثِ أنَّه قال: فلقد أخْبَرَنِى الذي حَدَّثَنِى هذا الحَدِيثَ، أنَّ رَجُلًا غَرَسَ في أَرْضِ رَجُلٍ من الأَنْصَارِ، مِن بنى بَيَاضَةَ، فَاخْتَصَمَا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى لِلرَّجُلِ بأَرْضِه، وقَضَى
(4) تقدم تخريجه في: 6/ 558.
لِلآخَرِ أن يَنْزِعَ نَخْلَهُ. قال: فلقد رَأَيْتُها تُضْرَبُ في أُصُولِهَا بالفُؤوسِ، وإنَّها لَنَخْلٌ عُمٌّ (5). ولأنَّه شَغَلَ مِلْكَ غيرِه، بمِلْكِه الذي لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه، بغيرِ إِذْنِه، فلَزِمَهُ تَفْرِيغُه، كما لو جَعَلَ فيه قُمَاشًا. وإذ قَلَعَها لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الحَفْرِ، ورَدُّ الأَرْضِ إلى ما كانت عليه؛ لأنَّه ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِه في مِلْكِ غيره، فلَزِمَتْهُ إزَالَتُه. وإن أرَادَ صاحِبُ الأَرْضِ أَخْذَ الشَّجَرِ والبِنَاءِ بغير عِوَضٍ، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّه عَيْنُ مالِ الغاصِبِ، فلم يَمْلِكْ صاحِبُ الأرْضِ أَخْذَه، كما لو وَضَعَ فيها أثَاثًا أو حَيَوانًا. وإن طَلَبَ أخْذَه بقِيمَتِه، وأَبَى مالِكُه إلَّا القَلْعَ، فله القَلْعُ؛ لأنَّه (6) مِلْكُه، فمَلَكَ نَقْلَهُ. ولا يُجْبَرُ على أَخْذِ القِيمَةِ؛ لأنَّها مُعَاوَضَةٌ، فلم يُجْبَرْ عليها. وإن اتَّفَقَ على تَعْوِيضِه عنه بالقِيمَةِ أو غيرِها، جَازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، فجَازَ ما اتَّفَقَا عليه. وإن وَهَبَ الغاصِبُ الغِرَاسَ والبِنَاءَ لِمَالِكِ الأرْضِ، لِيَتَخَلَّصَ من قَلْعِه، وقَبِلَهُ المالِكُ، جَازَ. وإن أبَى قَبُولَه، وكان في قَلْعِه غَرَضٌ صَحِيحٌ [لم يُجْبَرْ على قَبُولِه؛ لما تَقَدَّم، وإن لم يكُنْ فيه غَرَضٌ صحيحٌ](7) احْتَمَلَ أنَّ يُجْبَرَ على قَبُولِه؛ لأنَّ فيه رَفْعَ الخُصُومَةِ مِن غيرِ غَرَضٍ يَفُوتُ، ويَحْتَمِلُ أنَّ لا يُجْبَرَ؛ لأنَّ فيه إِجْبَارًا على عَقْدٍ يُعْتَبَرُ الرِّضَى فيه. وإن غَصَبَ أَرْضًا وغِرَاسًا من رَجُلٍ واحدٍ، فغَرَسَهُ فيها (8) فالكُلُّ لِمَالِكِ الأرْضِ. فإن طَالَبَهُ المالِكُ بِقَلْعِه، وفي قَلْعِه غَرَضٌ، أُجْبِرَ على قَلْعِه؛ لأنَّه فَوَّتَ عليه غَرَضًا مَقْصُودًا بالأرْضِ، فأُخِذَ بإعَادَتِها إلى ما كانت، وعليه تَسْوِيَةُ الأرْضِ، ونَقْصُها، ونَقْصُ الغِرَاسِ؛ لما ذَكَرْنا. وإن لم يكُنْ في قَلْعِه غَرَضٌ، لم يُجْبَرْ على قَلْعِه؛ لأنَّه سَفَهٌ، فلا يُجْبَرُ على السَّفَهِ. وقيل: يُجْبَرُ؛ لأنَّ المالِكَ مُحَكَّمٌ في مِلْكِه، والغاصِبُ غيرُ مُحَكَّمٍ، فإن أرَادَ الغاصِبُ قَلْعَه، ومَنَعَهُ المالِكُ (9) لم يَمْلِكْ
(5) أخرجه أبو داود، في: باب في إحياء الموات، من كتاب الإِمارة، سنن أبي داود 2/ 158. وأبو عبيد في غريب الحديث 1/ 296.
وعُمٌّ: أي طوال. اللسان (ع م م).
(6)
في الأصل: "فإنه".
(7)
سقط من: م.
(8)
في م: "فيه".
(9)
في م: "الحاكم".