الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِمَوْضِعِ الشُّبْهةِ. وإن وَضَعَتْهُ مَيِّتًا، لم يَضْمَنْهُ؛ لأنَّه لم يَعْلَمْ حَيَاتَه، ولأنَّه لم يَحُلْ بينَه وبينَه، وإنما وَجَبَ تَقْوِيمُه لأَجْلِ الحَيْلُولَةِ. وإن وَضَعَتْه حَيًّا، فعليه قِيمَتُه يومَ انْفِصَالِه؛ لأنَّه فَوَّت عليه رِقَّهُ باعْتِقَادِه، ولا يُمْكِنُ تَقْوِيمُه حَمْلًا، فَقُوِّمَ عليه أَوَّلَ حالِ انْفِصَالِه؛ لأنَّه أَوَّلُ، حال إمْكَانِ تَقْوِيمِه، ولأنَّ ذلك وَقْتُ الحَيْلُولَةِ بينَه وبينَ سَيِّدِه. وإن ضَرَبَ الغاصِبُ بَطْنَها، فأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فعليه غُرَّةُ عَبْدٍ أو أَمَةٍ، قِيمَتُها خَمْسٌ من الإِبلِ، مَوْرُوثَةً عنه، لا يَرِثُ الضّارِبُ منها شيئا؛ لأنَّه أتْلَفَ جَنِينًا حُرًّا، وعليه لِلسَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لأنَّ الإِسْقاطَ لمَّا اعْتَقَبَ الضَّرْبَ، فالظاهِرُ حُصُولُه به، وضَمَانُه لِلسَّيِّدِ ضَمَانُ المَمَالِيكِ، ولهذا لو وَضَعَتْهُ حَيًّا قَوَّمْناهُ مَمْلُوكًا. وإن كان الضارِبُ أَجْنَبِيًّا، فعليه غُرَّةُ دِيَةِ الجَنِينِ الحُرِّ لأنَّه مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِه، وتكونُ مَوْرُوثَةً عنه، وعلى الغاصِبِ لِلسَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لأنَّه يَضْمَنُه ضَمَانَ المَمَالِيكِ، وقد فَوَّتَ رِقَّه على السَّيِّدِ، وحَصَلَ التَّلَفُ في يَدَيْهِ. والحُكْمُ في المَهْرِ، والأَرْشِ، والأَجْرِ، ونَقْصِ الوِلَادَةِ، وقِيمَتِها [إِن تَلِفَتْ](8)، ما مَضى إذا كانا عَالِمَيْنِ؛ لأنَّ هذه حُقُوقُ الآدَمِيِّينَ، فلا تَسْقُطُ بالجَهْلِ والخطَإِ، كالدِّيَةِ.
866 - مسألة؛ قال: (وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ بَاعَهَا، فوَطِئَها المُشْتَرِى، وأَوْلَدَهَا، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، رُدَّتِ الْجَارِيَةُ إلى سَيِّدِها، ومَهْرُ مِثْلِهَا، وفَدَى أوْلَادَه بمِثْلِهمْ، وَهُمْ أَحْرَارٌ، ورَجَعَ بِذلكِ كُلِّهِ عَلَى الْغاصِبِ)
وجملةُ ذلك، أنَّ الغاصِبَ إذا باعَ الجارِيَةَ، فبَيْعُه فاسِدٌ؛ لأنَّه يَبِيعُ مالَ غيرِه بغير إِذْنِه. وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يَصِحُّ، ويَقِفُ على إِجَازَةِ المالِكِ. وقد ذَكَرْنا ذلك في البَيْعِ. وفيه رِوَايةٌ ثالِثَةٌ، أنَّ البَيْعَ يَصِحُّ، ويَنْفُذُ، لأنَّ الغصْبَ في الظَّاهِرِ تَتَطَاوَلُ مُدَّتُه، فلو لم يَصِحَّ تَصَرُّفُ الغاصِبِ، أَفْضَى إلى الضَّرَرِ بالمالِكِ والمُشْتَرِى؛ لأنَّ المالِكَ لا يَمْلِكُ ثَمَنَها، والمُشْتَرِى لا يَمْلِكُها. والتَّفْرِيعُ على الرِّوَايَةِ الأُولَى، والحُكْمُ في وَطْءِ المُشْتَرِى كالحُكْمِ في وَطْءِ الغاصِبِ، إلَّا أنَّ المُشْتَرِىَ إذا ادَّعَى الجَهَالَةَ، قُبِلَ منه، بِخِلَافِ
(8) سقط من: م.
الغاصِبِ، فإنَّه لا يُقْبَلُ منه إلَّا بِشَرْطٍ ذَكَرْنَاهُ. ويَجِبُ رَدُّ الجارِيَةِ إلى سَيِّدِها، ولِلمَالِكِ مُطَالَبَةُ أيِّهما شَاءَ بِرَدِّها؛ لأنَّ الغاصِبَ أخَذَها بغيرِ حَقٍّ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"على اليَدِ ما أَخَذَتْ حتى تَرُدَّهُ"(1). والمُشْتَرِى أخَذَ مالَ غيره بغيرِ حَقٍّ أيضًا، فيَدْخُلُ في عُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّ مالَ غيرِه في يَدِه. وهذا لا خِلَافَ فيه بحَمْدِ اللَّه تعالى. ويَلْزَمُ المُشْتَرِىَ المَهْرُ؛ لأنَّه وَطِىءَ جارِيَةَ غيرِه بغيرِ نِكَاحٍ، وعليه أَرْشُ البَكَارَةِ، ونَقْصُ الوِلَادَةِ. وإن وَلَدَتْ منه، فالوَلَدُ حُرٌّ؛ لِاعْتِقَادِه أنَّه يَطَأُ مَمْلُوكَتَه، فمَنَعَ ذلك انْخِلَاقَ الوَلَدِ رَقِيقًا، ويَلْحَقُه نَسَبُه، وعليه فِدَاؤُهُم؛ لأنَّه فَوَّتَ رِقَّهُم على سَيِّدِهِم بِاعْتِقَادِه حِلَّ الوَطْءِ. وهذا الصَّحِيحُ في المذهبِ، وعليه الأَصْحَابُ. وقد نَقَلَ ابن مَنْصُورٍ، عن أحمدَ، أنَّ المُشْتَرِىَ لا (2) يَلْزَمُه فِدَاءُ أَوْلادِه، وليس لِلسَّيِّدِ بَدَلُهم؛ لأنَّهم كانوا في حالِ العُلُوقِ أَحْرَارًا، ولم يكُنْ لهم قِيمَةٌ حِينَئِذٍ. قال الخَلّالُ: أَحْسَبُه قَوْلًا لأبي عبدِ اللَّه أوَّلَ، والذي أَذْهَبُ (3) إليه أنه يَفْدِيهِم. وقد نَقَلَه ابنُ منصورٍ أيضًا، وجَعْفَرُ بن محمدٍ، وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ. ويَفْدِيهِم بِبَدَلِهِم يومَ الوَضْعِ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ (2) يومَ المُطَالَبةِ؛ لأنَّ وَلَدَ المَغْصُوبَةِ لا يَضْمَنُه عندَه إلَّا بالمَنْعِ، وقبلَ المُطَالَبَةِ لم يَحْصُلْ مَنْعٌ فلم يَجِبْ، وقد ذَكَرْنا فيما مَضَى، أنَّه يَحْدُثُ مَضْمُونًا، فيُقَوَّمُ يومَ وَضْعِه؛ لأنَّه أوَّلُ حالٍ أمْكَنَ (4) تَقْوِيمُه. واخْتَلَفَ أصْحَابُنا فيما يَفْدِيهِم به، فنَقَلَ الخِرَقِىُّ ههُنا أنَّه يَفْدِيهِم بمِثْلِهِم. والظّاهِرُ أنَّه أرَادَ بمِثْلِهِم في السِّنِّ، والصِّفَاتِ، والجِنْسِ، والذُّكُورِيَّةِ والأُنُوثِيَّةِ، وقد نَصَّ عليه أحمدُ. وقال أبو بكر عبدُ العزيزِ: يَفْدِيهِم بمِثْلِهِم في القِيمَةِ. وعن أحمدَ رِوَايَةٌ ثالثةٌ، أنَّه (5) يَفْدِيهِم بقِيمَتِهم:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 361.
وفي م: "تؤديه".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: "ذهب".
(4)
في الأصل: "يمكن".
(5)
سقط من: ب.
وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشّافِعِىِّ. وهو أصَحُّ إن شاءَ اللَّه تعالى؛ لأنَّ الحَيَوانَ ليس بمِثْلِىٍّ، فيُضْمَنُ بقِيمَتِه كسائِرِ المُتَقَوَّمَاتِ، ولأنَّه لو أَتْلَفَه ضَمِنَهُ بقِيمَتِه. وقد ذَكَرْنا وَجْهَ هذه الأَقْوَالِ في غير هذا المَوْضِعِ. وقولُ الخِرَقِيِّ:"رَجَعَ بذلك كلِّه على الغاصِبِ". يَعْنِى بالمَهْرِ، وما فَدَى به الأَوْلَادَ؛ لأنَّ المُشْتَرِىَ دَخَلَ على أن يُسَلِّمَ له الأَوْلَادَ، وأن يَتَمَكّنَ من الوَطْءِ بغيرِ عِوَضٍ، فإذا لم يُسَلِّمْ له ذلك، فقد غَرَّهُ البائِعُ، فرَجَعَ به عليه. فأمَّا الجارِيَةُ إذا رَدَّها لم يَرْجِعْ بِبَدَلِها؛ لأنَّها مِلْكُ المَغْصُوبِ منه رَجَعَتْ إليه، لكنَّه يَرْجِعُ على الغاصِبِ بالثَّمَنِ الذي أَخَذَه منه. وإن كانت قد أقامَتْ عندَه مُدَّةً لمِثْلِها أجْرٌ في تلك المُدَّةِ، فعليه أَجْرُهَا. وإن اغْتَصَبَها بِكْرًا، فعليه أَرْشُ بَكَارَتِها. وإن نَقَصَتْها الوِلَادَةُ أو غيرُها، فعليه أَرْشُ نَقْصِها. وإن تَلِفَتْ في يَدِه، فعليه قِيمَتُها. وكلُّ ضَمَانٍ يَجِبُ على المُشْتَرِى، فلِلْمَغْصُوبِ منه أن يَرْجِعَ به على من شَاءَ منهما؛ لأنَّ يَدَ الغاصبِ سَبَبُ يَدِ المُشْتَرِى. وما وَجَبَ على الغاصِبِ، من أَجْرِ المُدَّةِ التي كانت في يَدِه، أو نَقْصٍ حَدَثَ عنده، فإنَّه يَرْجِعُ به على الغاصِبِ وحدَه؛ لأنَّ ذلك كان قبلَ يَدِ المُشْتَرِى. فإذا طَالَبَ المالِكُ (6) المُشْتَرِىَ بما وَجَبَ في يَدِه، وأخَذَه منه، فأرَادَ المُشْتَرِى الرُّجُوعَ به على الغاصِبِ، نَظَرْتَ؛ فإن كان المُشْتَرِى حين الشِّراءِ عَلِمَ أنَّها (7) مَغْصُوبةً، لم يَرْجِعْ بشيءٍ؛ لأنَّ مُوجِبَ الضَّمانِ وُجِدَ في يَدِه من غيرِ تَغْرِيرٍ، وإن لم يَعْلَمْ، فذلك على ثلاثةِ أَضْرُبٍ؛ ضَرْبٌ لا يَرْجِعُ به، وهو قِيمَتُها إن تَلِفَتْ في يَدِه، وأَرْشُ بَكَارَتِها، وبَدَلُ جُزْءٍ من أَجْزَائِها؛ لأنَّه دَخَلَ مع البائِعِ على أنَّه يكونُ ضَامِنًا لذلك بالثَّمَنِ، فإذا ضَمِنَهُ لم يَرْجِعْ به. وضَرْبٌ يَرْجِعُ به، وهو بَدَلُ الوَلَدِ إذا وَلَدَتْ منه؛ لأنَّه دَخَلَ معه في العَقْدِ على أن لا يكونَ الوَلَدُ مَضْمُونًا عليه، ولم يَحْصُلْ من جِهَتِه إِتْلَافٌ، وإنَّما الشّرْعُ أَتْلَفَهُ بِحُكْمِ بَيْعِ الغاصِبِ منه، وكذلك نَقْصُ الوِلَادَةِ. وضَرْبٌ اخْتُلِفَ فيه، وهو مَهْرُ مِثْلِها وأَجْرُ نَفْعِها، فهل يَرْجِعُ به على الغاصِبِ؟ فيه رِوَايتَانِ؛
(6) سقط من: الأصل.
(7)
في م زيادة: "غير".