الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَكانِ وتَعْيِينِه، أو بمِسَاحَتِه، مثل أن قال: تَزْرَعُ هذا المكان حِنْطةً، وهذا شَعِيرًا، أو تَزْرَعُ مُدَّيْنِ حِنْطَةً، ومُدَّيْنِ شَعِيرًا، أو تَزْرَعُ قَفِيزًا حِنْطةً وقَفِيزَيْنِ شَعِيرًا. جازَ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من هذه طَرِيقٌ إلى العِلْمِ، فاكْتُفِىَ به.
فصل:
وإن سَاقاهُ على أنَّه إن سَقَى سَيْحًا فله الثُّلُثَ، وإن سَقَى بِكُلْفَةٍ فله النِّصْفُ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ العَمَلَ مَجْهُولٌ، والنَّصِيبَ مَجْهُولٌ، وهو في مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ في بَيْعةٍ. ويَتَخَرَّجُ أن يَصِحَّ، قِيَاسًا على مَسْأَلةِ الإِجَارَةِ. ولو قال: لك الخُمْسانِ، إن كانت عليك خَسَارَةٌ، وإن لم يكُنْ عليك خَسَارَةٌ فلك الرُّبْعُ. لم يَصِحَّ. نَصَّ عليه أحمدُ، وقال: هذا شَرْطانِ في شَرْطٍ. وكَرِهَهُ. وهذا في مَعْنَى المَسْألةِ التي قَبْلَها، ويُخَرَّج فيها مثلُ ما خُرِّجَ فيها. ولو سَاقاهُ في هذا الحائطِ بالثُلُثِ، على أن يُسَاقِيَهُ في الحائطِ الآخَر بجُزْءٍ مَعْلُومٍ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه شَرَطَ عَقْدًا في عَقْدٍ، فصَارَ في مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ في بَيْعةٍ، كقَوْلِه: بِعْتُكَ ثَوْبِى، على أن تَبِيعَنِى ثَوْبَكَ. وإنَّما فَسَدَ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أحَدِهما، أنَّه شَرَطَ في العَقْدِ عَقْدًا آخَرَ، والنَّفعُ الحاصِلُ بذلك مَجْهُولٌ، فكأنَّه شَرَطَ العِوَضَ في مُقَابَلةِ مَعْلُومٍ ومَجْهُولٍ. الثاني، أنَّ العَقْدَ الآخَرَ لا يَلْزَمُه بالشَّرْطِ، فيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وإذا سَقَطَ وَجَبَ رَدُّ الجُزْءِ الذي تَرَكَه من العِوَضِ لأجْلِه، وذلك مَجْهُولٌ، فيَصِيرُ الكُلُّ مَجْهُولًا.
فصل: وإن سَاقَى أحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَه، وجَعَلَ له من الثَّمَرِ أكْثَرَ من نَصيبِه، مثل أن يكونَ الأصْلُ بينهما نِصْفَيْنِ، فجَعَلَ له الثُّلُثَيْنِ من الثَّمَرَةِ، صَحَّ، وكان السُّدُسُ حِصَّتهُ من المُساقاةِ، فصارَ كأنَّه قال: ساقَيْتُكَ على نَصِيبِى بالثُّلُثِ. وإن سَاقاهُ على أن تكونَ الثّمرَةُ بينهما نِصْفَيْنِ، أو على أن يكونَ لِلْعامِلِ الثُّلُثُ، فهى مُسَاقاةٌ فاسِدَةٌ؛ لأنَّ العامِلَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَها بمِلْكِه، فلم يَجْعَلْ له في مُقَابَلَةِ عَمَلِه شيئًا. وإذا شَرَطَ له الثُّلُثَ، فقد شَرَطَ أنَّ غيرَ العامِلِ يَأْخُذُ من نَصِيبِ العامِلِ ثُلُثَه، ويَسْتَعْمِلُه بلا عِوَضٍ. فلا يَصِحُّ. فإذا عَمِلَ في الشَّجَرِ بِنَاءً على هذا، كانت الثَّمرَةُ بينهما نِصْفَيْنِ، بِحُكْمِ المِلْكِ، ولا يَسْتَحِقُّ العامِلُ بِعَمَلِه شيئًا؛ لأنَّه تَبَرَّعَ به لِرِضَاهُ بالعَمَلِ بغير عِوَضٍ، فأشْبَه
ما لو قال له: أنا أَعْمَلُ فيه بغير شيءٍ. وذَكَرَ أَصْحَابُنا وَجْهًا آخَرَ، أنَّه يَسْتَحِقُّ أجْرَ مِثْلِه؛ لأنَّ المُساقَاةَ تَقْتَضِى عِوَضًا، فلا تَسْقُطُ بِرِضَاهُ بإسْقَاطِه، كالنِّكَاحِ، ولم يُسَلَّمْ له العِوَضُ، فيكونُ له أَجْرُ مِثْلِه. ولَنا، أنَّه عَمِلَ في مالِ غيرِه مُتَبَرِّعًا، فلم يَسْتَحِقَّ عِوَضًا، كما لو لم يَعْقِد المُسَاقاةَ. ويُفَارِقُ النِّكاحَ لِوَجْهَيْنِ؛ أحَدهما، أنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ صَحِيحٌ. فوَجَبَ به العِوَضُ لِصِحَّتِه، وهذا فاسِدٌ، لا يُوجِبُ شيئًا. والثاني، أنَّ الأبْضَاعَ لا تُسْتَباحُ بالبَذْلِ والإِبَاحَةِ، والعَمَلُ ههُنا يُسْتَبَاحُ بذلك، ولأنَّ المَهْرَ في النِّكَاحِ لا يَخْلُو من أن يكون واجِبًا بالعَقْدِ، أو بالإِصَابةِ، أو بهما، فإنَّ وَجَبَ بالعَقْدِ، لم يَصِحَّ قِياسُ هذا عليه، لِوَجْهَيْنِ؛ أحَدهما، أنَّ النِّكاحَ صَحِيحٌ، وهذا فاسِدٌ. والثاني، أن العَقْدَ ههُنا [لا يُوجِبُ، ولو أَوْجَبَ](32) لأَوْجَبَ قبلَ العَمَلِ. ولا خِلَافَ أنَّ (33) هذا لا يُوجبُ (34) قبلَ العَمَلِ شَيْئًا، وإن أوْجَبَ (35) بالإِصَابةِ، لم يَصِحَّ القِيَاسُ عليها لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدهما، أنَّ الإِصَابةَ لا تُسْتَباحُ بالإِبَاحَةِ والبَذْلِ، بخِلَافِ العَمَلِ. والثاني، أنَّ الإِصَابةَ لو خَلَتْ عن العَقْدِ لأَوْجَبَتْ، وهذا بخِلَافِه. وإن وَجَبَ (36) بهما امْتَنَعَ القِيَاسُ لهذه الوُجُوهِ كلِّها. فأمَّا إن سَاقَى أحَدُهُما شَرِيكَه على أن يَعْمَلَا معًا، فالمُساقاةُ فاسِدَةٌ، والثَّمَرَةُ بينهما على قَدْرِ مِلْكَيْهِما، ويتَقَاصَّانِ العَمَلَ إن تَسَاوَيَا فيه، وإن كان لأَحَدِهِما فَضْلٌ نَظَرْتَ؛ فإن كان قد شُرِطَ له (34) فَضْلٌ مَّا في مُقَابَلَةِ عَمَلِه، اسْتَحَقَّ ما فَضَلَ له من أجْرِ المِثْلِ، وإن [لم يُشْرَطْ](37)، له شيءٌ، فلا شىءَ له إلَّا على الوَجْهِ الذي ذَكَرَهُ أصْحَابُنا، وتَكَلَّمْنا عليه.
(32) سقط من: الأصل.
(33)
في ب: "في".
(34)
سقط من: ب.
(35)
في ب، م:"وجب".
(36)
في الأصل: "وجبت".
(37)
في ب: "يكن شرط". وفي م: "لم يشترط".