الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقلنا له: ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنَّما هو بالنكاح، فهل عندك
سنَّة بأن الحرام يحرّم الحلال؟ قال: لا.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية.
فمن أين زعمتَ - أي: للمحاور - أن حكم الحلال
حكم الحرام! ؛ وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها، والأمَةِ يفارقها زوجها.
فيصيبها سيدها؟!.
* * *
قال الله عز وجل: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابلاً:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) الآية.
والأمهات: أم الرجل (الوالدة) ، وأمَّهاتها، وأمّضهات آبائه، وإن بَعُدت
الجدات، لأنهن يلزمهن اسم الأمهات.
والبنات: بناتُ الرجل لصلبه، وبنات بنيه، وبناتهن، وإن سفلن، فكلُّهن
يلزمهن اسم البنات، كما لزم الجدات اسم الأمهات، وإن علون وتباعدن منه، وكذلك ولد الولد وإن سفلوا.
والأخوات: من ولد أبيه لصلبه، أو أفه نفسها.
وعماته: من ولد جده الأدنى أو الأقصى، ومن فوقهما من أجداده.
وخالاته: من ولدته أم أمه، وأمها، ومن فوقهما من جداته من قِبَلها.
وبنات الأخ: كل ما ولد الأخ لأبيه، أو لأمه، أو لهما، من ولدٍ ولدته
والدته فكلهم بنو أخيه، وإن تسفلوا.
وهكذا بنات الأخت.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمه من (شاة، أو
بقرة، أو ناقة) ، لم يكن هذا رضاع، إنما هذا كالطعام والشراب، ولا يكون محرِّماً بين من شربه، إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم.
وقال تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرَّم اللَّه تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل
تحريمها معنيين:
أحدهما: إذ ذكر اللَّه تحريم الأم والأخت من الرضاعة، فأقامهما في
التحريم مقام الأم والأخت من النسب، أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام
النسب، فما حَرُم بالنسب، حَرُم بالرضاع مثله، وبهذا نقول، بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن.
الآخر: أن يحرم من الرضاع الأم والأخت، ولا يحرم سواهما.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم
مقام النسب؟
قيل له إن - شاء الله تعالى -: أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله
ابن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله
عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة " الحديث.
أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن
عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها.
وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشة، فقلت:
يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أراه فلاناً لعم حفصة من الرضاعة"، فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حياً لعمِّها من الرضاعة أيدخلُ عليَّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، إن الرضاعة تحرِّم ما يَحرُم من الولادة" الحديث.
أخبرنا ابن عيينة قال: سمعت ابن جدعان قال: سمعت ابن المسيب
يحدث، عن عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: يا رسول الله هل لك في ابنة عمك (بنت حمزة) رضي الله عنه فإنها أجمل فتاة في قريش فقال: "أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة، وأن الله تعالى حرَّم من الرضاعة ما حرَّم من النسب " الحديث.
والرضاع: اسم جامع، يقع على المصَّة، وأكثر منها، إلى كمال رضاع الحولين.
ويقع: على كل رضاع، وإن كان بعد الحولين.
فهكذا استدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن المراد بتحريم الرضاع: بعض المرضَعين دون بعض، لا من لزمه اسم: رضاع.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي نفس السنةِ لأنَّه يحرم من الرضاع ما يحرم من
الولادة، وأن لبن الفحل يحرّم كما يُحرّم ولادة الأب، يُحرّم لبن الأب، لا
اختلاف في ذلك.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الشريد، أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاماً، وأرضعت الأخرى جارية، فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؛ فقال: " لا، اللفاح واحد " الحديث.
أخبرنا سعيد بن سالم قال: أخبرنا ابن جريج، أنه سأل عطاء رحمه الله
تعالى - عن لبن الفحل أيُحرّم؟ فقال: نعم، فقلت له: أبلَغكَ مِن ثَبت؟ فقال: نعم، قال ابن جريج، قال عطاء:(وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) الآية، فهي أختك من أبيك.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت، أو طلقها قبل أن
يدخل بها، لم أرَ له أن ينكح أمها؛ لأنَّ الأم مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط، إنَّما الشرط في الربائب، لقول اللَّه تعالى:(وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) الآية.
وهذا قول أكثر المفتين، وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الحديث.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، قال سُئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج
امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها؛ فقال زيد بن ثابت: لا، الأم
مبهمة ليس فيها شرط، إنَّما الشرط في الربائب.
وهكذا أمهاتها وإن بعدن، وجداتها، لأنَّهن من أمهات نسائه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه عز وجل: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه، دخل بها
الابن أو لم يدخل، وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه؛ لأن الأبوة تجمعهم معاً، وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجال وإن سفلوا؛ لأن الأبوة تجمعهم معاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل امرأة أب، أو ابن، حرَّمْتُها على ابنه، أو أبيه
بنسب، فكذلك أحرِّمها إذا كانت امرأة أبٍ، أو ابنٍ من الرضاع.
فإن قال قائل: إنما قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية.
فكيف حرَّمتَ حليلة الابن من الرضاعة؟
قيل: بما وصفت من جمع اللَّه بين الأم والأخت من الرضاعة، والأم
والأخت من النسب في التحريم، ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" الحديث.
فإن قال قائل فهل تعلم فِيمَ أنزلت: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) ؟
قيل: اللَّه تعالى أعلم فيما أنزلها، فأما معنى
ما سمعت متفرقاً فجمعته، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبنَّاه، فأمر اللَّه تعالى ذكره أن يُدعى الأدعياء
لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) .
وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) .
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) . الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية.
دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم، ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرّمنا من الرضاع بما حرَّم الله قياساً عليه، وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه:"بحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قوله سبحانه وتعالى: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وكان الرجل يجمع بين الأختين، فنهى
الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية، قبل علمهم بتحريمه، ليس أنَّه أقرَّ في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام، كما أقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما حرَّمنا على الآباء من نساء الأبناء، وعلى
الأبناء من نساء الآباء، وعلى الرجل من أمهات نسائه، وبنات نسائه اللاتي
دخل بهن بالنكاح فأصيب.
فأما بالزنا: فلا حكم للزنا يحرم حلالاً، وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد.
احتمل أن يحرّم من قِبَلِ أنه يثبت فيه النسب، ويؤخذ فيه المهر، ويُدرأُ فيه الحدُّ، وتكون فيه العدة، وهذا حكم الحلال، وأحبّ إليَّ أن يحرّم به من غير أن يكون واضحاً، فلو نكح رجل امرأة نكاحاً فاسداً فأصابها، لم في له - عندي - أن ينكح أمها ولا ابنتها، ولا ينكحها أبوه ولا ابنه، وإن لم يصب الناكح نكاحاً فاسداً، لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئاً، من قِبَل أنَّ حكمه لا يكون فيه صداق، ولا يلحق فيه طلاق، ولا شيء مما بين الزوجين.
الأم (أيضاً) : ما يحرم الجمع بينه من النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجمع بين أختين أبداً بنكاح، ولا وطء ملك.
وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع، حَرُم من الإماء مثله إلا العدد.
والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل، فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها، فنكاح الآخرة باطل، ونكاح الأولى ثابت، وسواء دخل بها، أو لم يدخل بها، ويفرَّق بينه وبين الآخرة.
أخبرنا الربيع قال: