الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي معناه: كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرّم، فإن حرَّمه الله في كتابه، أو
على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حُرِّم أبداً، إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه، أو ينسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سُنَّة بسُنة.
* * *
قال الله عز وجل: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)
الأم: ما حرم المشركون على أنفسهم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرّم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء، أبان
الله عز وجل أنها ليست حراماً بتحريمهم، وقد ذكرتُ بعض ما ذكر اللَّه تعالى، منها، وذلك مثل: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق، فيحرمون ألبانها ولحومها ومِلكَها، وقد فسرته في غير هذا الموضع، فقال تبارك وتعالى:
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
الأم (أيضاً) : الخلاف في الصدقات المحرمات
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عز وجل: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
فهذه الحُبُسُ التي كان أهل الجاهلية يحبسونها، فأبطل
الله شروطهم فيها، وأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال اللَّه إياها، وهي: أن الرجل كان يقول إذا نتج فحل إبله، ثم ألقح فأنتج منه، هو حام، أي: حمى ظهره، فيُحرّم ركوبه، ويجعل ذلك شبيهاً بالعتق له، ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا، ويقول لعبده: أنت حر سائبة، لا يكون لي ولاؤك، ولا علي عَقَلُك.
قال: فهل قيل في السائبة غير هذا؟
فقلت: نعم، قيل: إنه أيضاً في البهائم:
قد سيَّبتك.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما كان العتق لا يقع على البهائم، ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه، وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة، وحكم له بمثل حكم النسب، ولم يحبس أهل الجاهلية - علمته - داراً ولا أرضاً تبرراً بحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام.
الأم (أيضاً) : باب (المواريث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان أهل الجاهلية يُبحرون البحيرة، وُيسيبون السائبة، وُيوصلون الوصيلة، وُيعفون الحام، وهذه من الإبل والغنم، فكانوا يقولون في الحام: إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين، وقيل: نتج له عشرة (حام)، أي: حمى ظهره فلا يحلُّ أن يركب.
ويقولون في الوصيلة: هي من الغنم إذا وصلت بطوناً توماً، ونتج
نتاجها، فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها.
وُيسيِّبون السائبة، فيقولون: قد أعتقناك سائبة، ولا ولاء لنا عليك، ولا
ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك، فأنزل الله عز وجل:
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
فردَّ اللَّه، ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى
مالكها إذا كان العتق لا يقع على غير الآدميين، وكذلك لو أنَّه أعتق بعيره، لم يمنع بالعتق منه، إذا حكم اللَّه عز وجل أن يُرَد إليه ذلك، ويبطل الشرط فيه، فكذلك أبطل الشروط في السائبة، ورده إلى ولاء من أعتقه، مع الجملة التي وصفنا لك.
الأم (أيضاً) : الخلاف (في الولاء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قال اللَّه تبارك وتعالى:
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
قال وما معنى هذا؟
قلت: سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده
في الجاهلية سائبة فيقول: لا أرثه، ويفعل في الوصيلة من الإبل، والحام أن لا يركب، فقال الله عز وجل
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
على معنى ما جعلتم، فأبطل شروطهم فيها، وقضى أن الولاء لمن أعتق.
ورد البحيرة، والوصيلة، والحام إلى ملك مالكها؛ إذا كان العتق في حكم
الإسلام أن لا يقع على البهائم.
الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
أخبرنا الربيع بن سليمان رحمه الله قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
فلم يحتمل إلا ما جعل اللَّه ذلك نافذاً على ما جعلتموه، وهذا إبطال ما جعلوا منه على غير طاعة الله عز وجل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كانوا يبحرون البحيرة، ويسيبون السائبة، ويوصلون الوصيلة، ويحمون الحام، على غير معان، سُمِعت كثيراً من طوائف العرب. ..
فكان مما حكوا مجتمعين على حكايته أن قالوا: البحيرة: الناقة تنتج بطوناً.
فيشق مالكها أذنها، ويخلِّي سبيلها، ويحلب لبنها في البطحاء، ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها، ثم زاد بعضهم على بعض، فقال بعضهم: تنتج خمسة بطون فتبحر، وقال بعضهم: وذلك إذا كانت تلك البطون كلها إناثاً.
والسائبة: العبد يعتقه الرجل عند الحادث مثل البرء من المرض أو غيره من
وجوه الشكر، أو أن يبتدئ عتقه فيقول: قد أعتقتك سائبة.
يعنى سيبتك: فلا
تعود إليَّ ولا ليَ الانتفاع بولائك، كما لا يعود إليَّ الانتفاع بملكك.
وزاد بعضهم فقال: السائبة وجهان هذا أحدهما، والسائبة أيضا يكون من وجه آخر: وهو البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة، أو يبتدئ الحاجة أن يسيبه فلا يكون عليه سبيل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورأيت مذهبهم في هذا كله فيما صنعوا أنَّه كالعتق.
قال: والوصيلة: الشاة تنتج الأبطن، فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقتوا لها، قيل: وصلت أخاها، وزاد بعضهم تنتج الأبطن الخمسة عَناقين عناقين في
كل بطن، فيقال: هذه وصلية تصل كل ذي بطن بأخ له معه.
وزاد بعضهم فقال: قد يوصلونها في ثلاثة أبطن، ويوصلونها في خمسة، وفي سبعة.
قال: والحام: الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين، فيُخفى، ويقال: قد حمى هذا ظهره، فلا ينتفعون من ظهره بشيء.
وزاد بعضهم فقال: يكون لهم من صلبه، وما أنتج مما خرج من صلبه عشر من الإبل، فيقال: قد حمى هذا ظهره.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأهل العلم من العرب أعلم بهذا ممن لقيت من
أهل التفسير. ..
وكان فعلهم يجمع أموراً منها أمر واحد: ير في الأخلاق، وطاعة لله عز وجل في منفعته، ثم شرطوا في ذلك الشيء شرطاً ليس من البر، فأنفذ البِر، ورُد الشرط الذي ليس من البر، وهو: أنَّ أحدهم كان يعتق عبده سائبة، ومعنى يعتق سائبة:
هو أن يقول: أنت حر سائبة، فكما أخرجتك من ملكي وملكتك نفسك، فصار ملكك لا يرجع إليَّ بحال أبداً، فلا يرجع إليَّ ولاؤك، كما لا يرجع إليَّ ملكك، فكان العتق جائزاً في كتاب اللَّه عز وجل بدأ فيه، ثم في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عند عوام المسلمين، وكان الشرط بأن العتق سائبة لا يثبت ولاؤه لمعتقه شرطاً مبطلاً
في كتاب اللَّه تبارك وتعالى بقوله عز وجل:
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية -
واللَّه تعالى أعلم - لأنَّا بينا أن قول اللَّه جل وعلا:
(وَلَا سَائِبَةٍ) لا يحتمل إلا معنيين:
أحدهما: أن العبد إذا أعتق سائبة لم يكن براً، كما لم تكن البحيرة
والوصيلة والحام على ما جعل مالكها من تبحيرها وتوصيلها وحماية ظهورها.
فلما أبطل اللَّه جل ذكره شرط مالكها فيها، كانت على أصل ملك مالكها قبل أن يقول مالكها ما قال.
الأم (أيضاً) : الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عز وجل:
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ) الآية.
أنه لابد بحكم اللَّه تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله، أو بعض أمره دون بعض؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قد ذكره مبطلاً
مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام.
فإن قال: يبطل أمر السائبة كله فلا يجعل عتقه عتقاً، كما لا تجعل البحيرة
والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها، فهذا قول قد يحتمله سياق الآية.
ولكن اللَّه عز وجل قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم، وإخراج البهائم، فأجزنا العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق، وأمر به منه، ولما أجزنا العتق في السائبة كنا مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله عز وجل من السائبة التسييب، وهو: إخراج العتق للسائبة ولاء السائبة من يديه، فلما أبطله
الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق - بنص كتاب الله في رده ثم سنة نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم في أن الولاء للمعتق - مع دلائل الآي في كتاب اللَّه عز وجل، فيما يُنسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم.
الأم (أيضاً) : تفر - البحيرة والسائبة والوصيلة والحام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما قال الله عز وجل:
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية.
فكان في قول الله عز وجل ْ (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ)
دلالة على ما جعل اللَّه، لا على ما جعلتم، وكان دليلاً على أن قضاء اللَّه
جل وعز ألا ينفذ ما جعلتم، وكانت البحيرة والوصيلة والحام من البهائم التي لا يقع عليها عتق، وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله، وكانت
الأموال لا تملك شيئاً، إنما يملك الآدميون، كان المرء إذا أخرج من ملكة شيئاً إلى غير مالك من الآدميين بعينه أو غير عينه، كمن لم يخرج من ملكه شيئاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام
نذراً، فأبطلها اللَّه عز وجل، ففي هذا لغيره دلالة، أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لم يبر نذره، ولم يكفره؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى أبطله ولم يذكر أن عليه فيه كفارة، والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب اللَّه تبارك وتعالى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن
القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ندر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد، عن
أيوب بن أبي تميمة، عن أبي قِلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:
"لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم" الحديث.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي رحمه الله بالجرح والتعديل) :
أخبرنا أبو طاهر الفقيه، وأبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق.
وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال:
سمعت محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم يقول: