الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله عز وجل: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
الأم: ما جاء في منع إماء المسلمين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى:
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) الآية.
ففي هذه الآية - والله تعالى أعلم - دلالة على أنّ
المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك، فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة.
لأنَّه غير واجد طولاً لحرّة ولا أمة. ..
فإن قال قائل: ما دلَّ على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك؟
قيل: الواجدون للطول، المالكون للمال، والمملوك لا يملك مالاً بحال.
ويشبه ألَّا يخاطب، بأن يقال: إن لم يجد مالاً من يعلم أنَّه لا يملك مالاً بحال؛ إنما يملك أبداً لغيره.
قال: ولا في نكاح الأمة إلا كما وصفتُ في أصل نكاحهن، إلا بأن لا
يجد الرجل الحرّ بصداق أمة طولاً لحرّة، وبأن يخاف العنت، والعنت: الزنا.
فإذا اجتمع ألَّا يجد طولاً لحرة، وأن يخاف الزنا، حل له نكاح الأمة، وان
انفرد فيه أحدهما، لم يحلل له، وذلك أن يكون لا يجد طولاً لحرة وهو لا يخاف العنت، أو يخاف العنت وهو يجد طولاً لحرَّة، إنما رُخِّص له في خوف العنت على الضرورة.
الأم (أيضاً) : نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عز وجل: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) الى
قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) الآية.
وفي إباحة اللَّه الإماء المؤمنات على ما شرط، لمن لم يجد طولاً، وخاف العنت، دلالة - واللَّه تعالى أعلم - على تحريم
نكاح إماء أهل الكتاب، وعلى أن الإماء المؤمنات لايحللنْ إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن، لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط، كما أباح التيمم في السفر والإعواز في الماء، فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم، وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات، فيحللن بما حلَّ به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الإيمان.
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) إلى قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) الآية.
فبهذا كله نقول: لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح، ولا في أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرَّة، ولا من الإماء
إلا مسلمة، ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معاً، فيكون ناكحها لا يجد طولاً لحرَّة، ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها، وهذا أشبه بظاهر الكتاب.
وأحبّ إليَّ لو ترك نكاح الكتابية، وإن نكحها فلا بأس، وهي كالحرَّة
المسلمة في القَسم لها، والنفقة، والطلاق، والإيلاء، والظهار، والعدة وكل أمر، يعني: أنهما لا يتوارثان، وتعتدُّ منه عدة الوفاة، وعدة الطلاق، وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة - وكذلك الصبية - ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف.
فأما الأمة المسلمة: فإن نكحها وهو يجد طولاً لحرَّة فُسخ النكاح، ولكن إن
لم يجد طولاً ثم نكحها، ثم أيسر لم يُفسخ النكاح؛ لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها، ولو عقد نكاح حرَّة وأمة فقد قيل: تثبت عقدة الحرَّة، وعقدة الأمة مفسوخة.
وقد قيل: هي مفسوخة معاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي الشعثاء قال:
لا يصلح نكاح الإماء اليوم؛ لأنَّه يجد طولاً إلى حرَّة.
الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال سبحانه وتعالى في الإماء:
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الآية وغيرها من الآيات التي تبين منزلة الولي في عقد النكاح -.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سليمان
ابن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنَّه قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، ثلاثاً، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالات منها.
1 -
أن للولي شركاً في بضع المرأة، ولا يتم النكاح إلَّا به، ما لم يعضلها.
2 -
ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملُّكة، وهو معنى فضل نظر بحياطة
الموضع، أن ينال المرأة من لا يساويها، وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى
الأكفاء - والله أعلم -.
3 -
ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن يصير إلى ما لا يجوز من النكاح.
فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير وَليٍّ فهي منفسخة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فنكاحها باطل" الحديث.
والباطل لا يكون حقاً إلا بتجديد نكاح غيره، ولا يجوز لو أجازه
الولي أبداً، لأنَّه إذا انعقد النكاح باطلاً لم يكن حقاً، إلا بأن يعقد عقداً جديداً غير باطل.
4 -
وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر، ودرء
الحد؛ لأنَّه لم يذكر حداً.
5 -
وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة، وكان البعل رضاً.
فإذا منع ما عليه زَوَّج السلطان، كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه.
الأم (أيضاً) : عدة الأمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال سبحانه وتعالى في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ الآية.
وكان للزنا حدَّان:
أحدهما: الجلد، فكان له نصف، فجعل عليها النصف.
ثانيهما: ولم يكن للرجم نصف، فلم يجعل عليها، ولم يبطل عنها حد الزنا.
وحُدَّت بأحد حدَّيه على الأحرار.
وبهذا مضت الآثار عما روينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأم (أيضاً) : وشهود الزنا أربعة:
وقال اللَّه عز وجل في الإماء نيمن أحصن: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال من أحفظ عنه من أهل العلم: إحصانها إسلامها.
فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعْض ولا يتبعْض في الرجم. وكذلك العبد.
وذلك لأن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله عز وجل.
ولا سُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا عامة المسلمين، وهما مِثل الحرين في ألَّا يقام عليهما الحد إلا بأربعة، كما وصفت في الحرين، أو باعتراف يَثْبُتان عليه، لا يخالفان في هذا الحرين.
مختصر المزني: باب (في عدة الأمة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرَق اللَّه بين الأحرار والعبيد في حد الزنا، فقال في
الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) الآية.
ألا ترى أنَّ الحرَ المحصن يزني بالأمة فيرجم، وتجلد الأمة خمسين، والزنا معنى واحد، فاختُلف حكمه لاختلاف حال فاعليه.
فكذلك يحكم للحرِّ حكم نفسه في الطلاق ثلاثاً، وإن كانت امرأته أمة.
وعلى الأمة عدَة أمةٍ، وإن كان زوجها حراً.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدُل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المملوكات: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
والنصف لا يكون إلا من الجلد الذي يتبعَّض، فأمَّا الرجم - الذي هو قتل
- فلا نصف له؛ لأن المرجوم قد يموت في أول حجر يُرمى به فلا يزاد عليه.
وُيرمى بألف وأكثر فيزاد عليه حتى يموت، فلا يكون لهذا نصف محدود أبداً.
والحدود مؤقَّتة بإتلاف نفسي، والإتلاف موقَّتٌ بعدد ضربٍ، أو تحديد
قطع، وكل هذا معروف، ولا نصف للرجم معروف.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا زنت أمةُ أحدكم فتبيَّن زناها فليجلدها " الحديث.
ولم يقل: "يرجمها"، ولم يختلف المسلمون في ألَّا رجم على المملوك في الزنا.
وإحصان الأمة إسلامها وإنما قلنا هذا استدلالاً بالسنة، وإجماع أكثر أهل
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها"
ولم يقل: "محصنة كانت أو غير محصنة"، استدللنا على أن قول الله في الإماء:(فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية.
إذا أسلمن، لا إذا نكِخن فأصبن بالنكاح - أي: زُوِّجن -، ولا إذا
أعتقن وإن لم يُصبن.
فإن قال قائل: أراك توقع الإحصان على معانٍ مختلفة؟
قيل: نعم، جماع الإحصان: أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرَّم.
فالإسلام مانع، كذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع.
وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أَحصَن، قال الله:
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)
وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)
يعني: ممنوعة.
وقال - الشَّافِعِي رحمه الله: وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى الإحصان المذكور عامًّا في موضع دون غيره: أن الإحصان هاهنا الإسلام، دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف، وهذه الأسماء التي يجمعها اسم الإحصان.
أحكام القرآن: ما يؤتر عنه في الحدود:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله عز وجل: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ)
عفائف غير خبائث.