الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجمع الرجل يين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" الحديث.
* * *
قال الله عز وجل: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
الأم: ما يحرم الجمع بينه من النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عز وجل: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية.
والمحصنات: اسم جامع، فَعمَاعُه أن الإحصان المنع.
والمنع يكون بأسباب مختلفة منها: المنع بالحبس، والمنع يقع على الحرائر بالحرية، ويقع على المسلمات بالإسلام، ويقع على العفائف بالعفاف، ويقع على ذوات الأزواج، فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت، بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحُرِّم إصابة واحد؛ منهما بنكاح ولا ملك؛ ولأني لم أعلمهم اختلفوا في: أن العفائف وغير العفائف فيما في منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء، على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية.
والآية تدلُّ على أنَّه لم يرد بالإحصان هاهنا الحرائر، فبين أنَّه إنَّما قصد
بالآية: قصد ذوات الأزواج، ثم دلُّ الكتاب، وإجماع أهل العلم أن ذوات
الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت، أو فرقة طلاق، أو فسخ نكاح، إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع.
الأم (أيضاً) : الخلاف في السبايا:
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عز وجل: (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فقال: هذا كما قلت، ولم يزل يقول به، ولا يفسره هذا التفسير الواضح، غير أنَّا نخالفك منه في شيء!
قلت: وما هو؟ قال: نقول في المرأة يسبيها المسلمون قِبَل زوجها تستبرأ بحيضة، وتُصاب - ذات زوج كانت أو غير ذات زوج - قال: ولكن إن سبيت وزوجها معها، فهما على النكاح.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: سَبَى النبي صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق، ونساء هوازن بحُنَين، وأوطاس، وغيره فكانت سنَّتُه فيهم، ألَّا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، وأمر أن يُستبرأنَ بحيضة حيضة.
وقد أسر رجالاً من بني المصطلق وهوازن، فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها، فاستدللنا على أن السِّبَاء قطعٌ للعصمة، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سُبيَ معها، لم يقطع عصمتها لو لم يُسبَ معها، ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة، إذ لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم له عن ذات زوج ولا غيرها.
وقد علم صلى الله عليه وسلم أن فيهن ذوات أزواج بالحمل، وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل، وقد أسِرَ من أزواجهن معهن، أن السِّبَاء قطع للعصمة.
أخبرنا الطحاوي قال: حدثنا المزني قال:
حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: وسمعت الثقفي يحدِّث، عن خالد الحدّاء، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قول الله عز وجل:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية.
قال: سبايا كان لهن أزواج قبل أن يسبين فأحللن.
الأم (أيضاً) : المرأة تسبى مع زوجها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر ابن مسعود رضي الله عنه، قول الله عز وجل:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسبي، ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية، بكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن، وسواء أسِرْن مع أزواجهن، أو قبل أزواجهن، أو بعد، أو كن في دار الإسلام، أو دار الحرب، لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذي كن به مستأميات بعد الحرية، وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً من هوازن، فما علمناه
سأل عن أزواج المسبيات، أسبُوا معهن، أو قبلهن، أو بعدهن، أو لم يسبَوا، ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنهن - إن شاء الله تعالى -.
الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في كتاب الله عز وجل أن على الناكح الواطئ صداقاً، لما ذكرتُ، ففرض اللَّه في الإماء أن يُنكحن بإذن أهلهن، وُيؤتين أجورهن، والأجر: الصداق، وبقوله تعالى:(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية، فأمر اللَّه الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن.
والأجر هو: الصداق، والصداق هو: الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تُسمى بعدة أسماء.
الأم (أيضاً) : الجمع بين المرأة وعمتها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يذكر اللَّه عز وجل الشيء في كتابه فيحرمه، ويُحرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غيره، مثل قوله:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية.
ليس فيه إباحة أكثر من أربع؛ لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة رضي الله عنه، وأسلم وعنده عشر نسوة:"أمسك أربعاً وفارق سائرهن" الحديث.
فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع
حظرٌ لما وراء أربع، وإن لم بكن ذلك نصاً في القرآن، وحرّم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره بالقرآن، وامرأة الملاعن بالسنة، وما سواهن مما سميت كفاية لما استُثني منه.
الأم (أيضاً) : المدعي والمدعى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم قال سبحانه: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فقال - أي: المحاور -: قد سمى الله من حرّم، ثم أحل ما وراءهن، فلا أزعم أنَّ ما سوى هؤلاء حرام، فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها؟! وبينها وبين خالتها! لأن كل واحدة منهما تحل على الانفراد، ولا أجد في الكتاب تحريم الجمع بينهما؟
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ليس ذلك له، والجمع بينهما حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
الأم (أيضاً) : باب الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول الله عز وجل: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فحرمنا نحن وأنت - الخطاب: للمحاور - أن يُجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها بالسنة.
الرسالة: (في محرمات النساء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فاحتملت الآية - والآية التي قبلها - معنيين.
أحدهما: أن ما سمى اللَّه من النساء مَحْرَماً مُحَرَّم، وما سكت عنه حلال
بالصمت عنه، وبقول اللَّه:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية.
وكان هذا المعنى هو الظاهرَ من الآية.
وكان بيناً في الآية أن تحريم الجمع بمعنىَ غير تحريم الأمهات، فكان ما
سمى حلالاً حلال، وما سمى حراماً حرام، وما نهى عن الجمع بينه من
الأختين كما نهى عنه.
وكان في نهيه عن الجمع بينهما دليل على أنه إنما حرم الجمع، وأن كل
واحدة منهما على الانفراد حلال في الأصل، وما سواهن من الأمهات والبنات والعمات والخالات، محرمات في الأصل.
وكان معنى قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، من سمى تحريمه في
الأصل، ومن هو في مثل حاله بالرضاع، أن ينكحوهن بالوجه الذي حل به النكاح.
فإن قال قائل: ما دلَّ على هذا؛ فإن النساء المباحات لا يحل أن يُنكح
منهن أكثر من أربع، ولو نكح خامسة فسخ النكاح، فلا تحِل منهن واحدة إلا بنكاح صحيح، وقد كانت الخامسة من الحلال بوجهِ، وكذلك الواحدة، بمعنى قول اللَّه:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بالوجه الذي أحِل به النكاح، وعلى الشرط الذي أحلَّه به، لا مطلقاً.
فيكون نكاح الرجل المرأة لا يُحرًم عليه نكاح عمتها ولا خالتها بكل
حال، كما حرّم اللَّه أمهات النساء بكل حالِ، فتكون العمة والخالة داخلتين في معنى من أحل بالوجه الذي أحلَّها به.
كما في له نكاح امرأة إذا فارق، رابعة كانت العمة إذا فورقت ابنةُ
أخيها حلَّت.
الرسالة (أيضاً) : باب (العلل في الأحاديث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، والتي قبلها، وذكر الله من حرّم، ثم قال:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" الحديث.
فلم أعلم مخالفاً في اتباعه.
فكانت فيه دلالتان:
الأولى: دلالة على أن سنَّة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال.
ولكنها مبينة عامَّهُ وخاصَّهُ.
الثانية: ودلالة على أنهم قبلوا فيه خبر الواحد، فلا نعلم أحداً رواه من
وجه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا هريرة رضي الله عنه.
قال - المحاور -: أفيحتمل أن يكون هذا الحديث عندك خلافاً لشيء من
ظاهر الكتاب؟
فقلت: لا، ولا غيره.
قال: فما معنى قول الله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) الآية، فقد ذكر
التحريم وقال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية.
قلتُ: ذكَر تحريم من هو حرام بكل حال، مثل: الأمّ والبنت والأخت
والعمّة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت، وذكر من حرّم بكلّ حال من
النسب والرضاع، وذكر من حَرَّم من الجمع بينه، وكان أصل كل واحدة منهما
مباحاً على الانفراد قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، يعني: بالحال
التي أحفها به.
ألا ترى أن قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بمعنى ما أحل به.
لا أن واحدة من النساء حلال بغير نكاح يصح، ولا أنه يجوز نكاح خامسة على أربع، ولا جمع بين أختين، ولا غير ذلك مما نهى عنه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - للمحاور -: لما كان في كتاب الله
دلالة على أن اللَّه قد وضع رسوله موضع الإبابة عنه، وفرض على خلقه اتباع أمره فقال:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بما أحلَّه الله به من النكاح ومِلْك اليمين في كتابه، لا أنَّه أباحه بكلَ وجه، وهذا كلام عربي.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحدود:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: وقال الحسين بن محمد - فيما أخبرت عنه
وقرأته في كتابه، أخبرنا محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر (بمصر)، أخبرنا يونس ابن عبد الأعلى قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله عز وجل: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، ذوات الأزواج من النساء.
(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) عفائف غير خبائث:
(فَإِذَا أُحْصِنَّ) قال: فإذا نكحن.