الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليدين غير ما فرض على الرجلَين، وفرض على الفرج غير ما فرض على
الوجه.
فأما فَرْضُ الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد، والرضا
والتسليم: بأن اللَّه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأنُّ محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند اللَّه من نبيٍّ أو كتاب.
فذلك ما فرض اللَّه جل ثناؤه على القلب، وهو عمله - وذكر الآيات التي
تتعلق بذلك ومنها -
وقال: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) الآية.
فذلك ما فرض الله على القلب من الإيمان، وهو عمله، وهو
رأس الإيمان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على اللسان: القول والنعبير عن القلب
بما عقد، وأقرَّ به، فقال: في ذلك: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) الآية، فذلك
ما فرض اللَّه على اللسان من القول، والتعبير عن القلب وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان.
* * *
قال الله عز وجل: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)
الأم: ما أحدث الذين نقضوا العهد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين موادعَين زنيا، بأن جاؤوه، ونزل عليه:(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية،
فلم يجز إلا أن يُحكم على كل ذمي وموادع، في مال مسلم ومعاهد، أصابه بما أصاب، ما لم يُصِرُّ إلى إظهار المحاربة، فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع، كما لم يحكم على من صار إلى الإسلام ثم رجع عنه بما فعل، في المحاربة والامتناع، مثل: طليحة وأصحابه.
الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الذمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لم أعلم مخالفاً من أهل العلم بالسيَر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة، وادع يهود كافة على غير جزية، وأن قول اللَّه عز وجل:(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إنَّما نزلت في اليهود الموادعين، الذين لم يُعطَوا جزية، ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم.
وقال بعض: نزلت في اليهوديَين اللذين زنيا.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا وادع الإمام قوماً من أهل الشرك، ولم يشترط
أن يجري عليهم الحكم، ثم جاؤوه متحاكمين فهو بالخيار، بين أن يحكم بينهم، أو يدع الحكم، فإن اختار أن يحكم بينهم، حَكَمَ بينهم حُكْمه بين المسلمين، لقول الله عز وجل:(وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الآية، والقسط: حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم.
الأم (أيضاً) : عدة المشركات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلا يحلّ لمسلم إذا تحاكم إليه مشرك، أن يحكم له
ولا عليه إلا بحكم الإسلام، لقول اللَّه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في المشركين:(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) .
والقسط: حكم اللَّه تعالى الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم.
الأم (أيضاً) : باب (حد الذمتين إذا زنوا)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) قرأ إلى: (بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الآية، ففي هذه الآية بيان - واللَّه أعلم - أن اللَّه تبارك وتعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم الخيار، في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم.
وجعل عليه إنْ حَكَم، أن يحكم بينهم بالقسط، والقسط: حكم اللَّه تبارك وتعالى الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم المحض الصادق، أحدث الأخبار عهداً بالله تبارك وتعالى. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر اللَّه عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما أنزل اللَّه بالقسط.
ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بالرجم، وتلك سنَّة على الثيب المسلم إذا زنى.
ودلالة على أن ليس لسلم حكم بينهم أبداً أن يحكم بينهم إلا بحكم الإسلام.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال لي قائل: إن قول اللَّه تبارك وتعالى:
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) ناسخ لقوله عز وجل: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية.
فقلت له: الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أو عن بعض أصحابه لا مخالف له، أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل
معك من هذا واحد؟
قال: لا. قال: فهل معك ما يبين أنَّ الخيار غير منسوخ؟
قلت: قد يحتمل قول اللَّه عز وجل: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)
إن حكمت، وقد روى بعض أصحابك عن سفيان الثوري، عن سماك بن
حرب، عن قابوس بن مُخارق، أن محمد بن أبي بكر كتب إليه علي بن أبي
طالب رضي الله عنه في مسلم زنى بذمية، أن يحدَّ السلم، وتدفع الذمية إلى أهل دينها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان هذا ثابتاً عندك، فهو يدلك على أن الإمام
مخير في أن يحكم بينهم، أويترك الحكم عليهم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال منهم قائل: وكيف لا تحكم بينهم إذا
جاؤوك مجتمعين أو متفرقين؟
قلت: أما متفرقين فإن اللَّه عز وجل يقول:
(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية.
فدلَّ قولُ اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِنْ جَاءُوكَ) على أنهم مجتمعون، ليس إن جاءك بعضهم دون بعض، ودلَّ على أن له الخيار إذا جاؤوه في الحكم أو الإعراض عنهم، وعلى أنه إن حكم، فإنما يحكم بينهم حكمه بين المسلمين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا، يخالف في أن
اليهوديينِ اللذين رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا، كانا موادَعين لا ذميين.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال لي بعض من يقول القول الذي أحكي خلافه.
أنه ليس للإمام أن يحكم على موادعين، وإن رضيا حُكمَه، وهذا خلاف السنة.
ونحن نقول إذا رضيا حكم الإمام، فاختار الإمام الحكم، حكم عليهما.
الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الكتاب.:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال لي قائل: ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم
حتى يجتمعوا على الرضا؛ ثم يكون بالخيار، إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم؛
فقلتُ له: قول اللَّه عز وجل ضَّ لنبيه: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (فَإِنْ جَاءُوكَ) ، وجاؤوك كأنها على المتنازعين.
لا على بعضهم دون بعض، وجعل له الخيار فقال:(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال: - أي المحاور - فما حجتك في أن لا تجيز
بينهم إلا شهادة المسلمين؟
قلت: قول الله عز وجل: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الآية، والقسط: حكم اللَّه الذي أنزله على نبيه.
وقول اللَّه عز وجل: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)
والذي أنزل اللَّه: حكم الإسلام.
فحكم الإسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين، وقد قال اللَّه:(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)
وقال تعالى: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)
فلم يختلف المسلمون في أنَّ شَرْطَ اللَّه في الشهود: المسلمين، الأحرار، العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع
فيها الآدميون معينة، وكان فيما تداعوا الدماء، والأموال وغير ذلك، لم ينبغ أن يباح ذلك، إلا بمن شرط اللَّه من البينة - وشرط الله: المسلمين - أو بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من المسلمين.
الأم (أيضاً) : باب (في الأقضية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه - لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إلى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.