المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أبو ذر الحلبي] - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[حديث: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم]

- ‌[القول في رواية ميمون بن أبي شبيب عن عائشة]

- ‌[أقسام الكتاب]

- ‌المقدمة في التعريف بشيخ الإسلام والمحدث والحافظ

- ‌[شيخ الإسلام]

- ‌[من اشتهر بلقب شيخ الإسلام]

- ‌[تعريف المحدِّث]

- ‌[آداب المحدث]

- ‌[وصية الذهبي للمحدثين]

- ‌[أقسام علوم الحديث]

- ‌[مَنْ يُطلق عليه لقب المحدث]

- ‌[الحافظ]

- ‌[اختصاص العرب بسرعة الحفظ]

- ‌[سلسلة الحفاظ]

- ‌الباب الأولفي ذكر نسبه ومولده وبلدته، وبشارة أبيه به وشهرته ونبذة من تراجم من علمته مِنْ سلفه وإخوته الكرام، أسكنه اللَّه وإياهم دار السلام

- ‌[نسبه]

- ‌[كنيته ولقبه]

- ‌[التلقيب بالإضافة إلى الدين]

- ‌[نسبته]

- ‌[مولده]

- ‌[بشارة والده به]

- ‌[شهرته]

- ‌[أسلافه]

- ‌[والده]

- ‌[إخوته وأخواته]

- ‌الباب الثانيفي صفة مبدأ أمره، ونشأته، وذكر طلبه للعلم ورحلته، وتعيين من أخذ عنه دراية

- ‌[نشأته:]

- ‌[سماعه بمكة:]

- ‌[سرعة حفظه:]

- ‌[طلبه العلم:]

- ‌[دراسته الفقه:]

- ‌[سلسلة الفقه:]

- ‌[سلسلة أصول الفقة]

- ‌[دراسة النحو:]

- ‌[رحلاته]

- ‌رحلته إلى قوص:

- ‌[رحلته إلى الإسكندرية:]

- ‌[رحلته إلى الحجاز:]

- ‌[رحلته إلى اليمن:]

- ‌[اجتماعه بالفيروزآبادي:]

- ‌[رحلته الثانية إلى اليمن:]

- ‌[من لقيهم من العلماء بمكة والمدينة:]

- ‌[رحلته إلى الشام]

- ‌[الأمور المساعدة على طلب العلم]

- ‌[شرب ماء زمزم لقضاء الحوائج]

- ‌[سرعة الكتابة الحسنة:]

- ‌[الصحبة الطيبة من طلبة العلم:]

- ‌[عدم التردُّد إلى الكبراء:]

- ‌[استثمار الوقت]

- ‌[بركة ابن حجر]

- ‌[السفر إلى حلب وسماعه:]

- ‌[التواضع في طلب العلم:]

- ‌[ذكر الأماكن التي زارها الحافظ ابن حجر]

- ‌ذكر القائمة المشار إليها ونصها: "البلدانيات" لكاتبه

- ‌[الاعتناء بالبلدانيات]

- ‌شيوخه

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌القسم الثالث

- ‌مروياته

- ‌صحيح البخاري

- ‌صحيح مسلم

- ‌السنن لأبي داود

- ‌الجامع للترمذي

- ‌السنن للنسائي

- ‌[السنن الكبرى للنسائي]

- ‌السنن لابن ماجه

- ‌الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك

- ‌الموطأ رواية أبي مصعب

- ‌مسند الشافعي

- ‌السُّنن له رواية المزني

- ‌[السنن للشافعي رواية ابن عبد الحكم]

- ‌واختلاف الحديث له

- ‌مسند الدارمي وهو على الأبواب

- ‌مسند عبد

- ‌مسند أحمد

- ‌مسند مسدد

- ‌مسند الطيالسي

- ‌مسند الشهاب للقضاعي

- ‌صحيح ابن خزيمة

- ‌صحيح ابن حبان

- ‌المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم

- ‌السنن للدارقطني

- ‌السنن للبيهقي

- ‌الأدب المفرد للبخاري

- ‌بر الوالدين له

- ‌الأدب للبيهقي

- ‌السِّيرة تهذيب ابن هشام

- ‌عيون الأثر في فنون المغازي والسِّيَر لابن سيد الناس

- ‌بشرى اللَّبيب بذكرى الحبيب له

- ‌دلائل النبوة للبيهقي

- ‌الشمائل النبوية للترمذي

- ‌الشفاء للقاضي عياض

- ‌مكارم الأخلاق للخرائطي

- ‌مساوىء الأخلاق له

- ‌الزهد لابن المبارك

- ‌الحلية لأبي نعيم

- ‌الدُّعاء للطبراني

- ‌الترغيب للتَّيْمي

- ‌فضائل القرآن لأبي عبيد

- ‌المجالسة للدِّينوري

- ‌المعجم الأوسط للطبراني

- ‌المعجم الصغير له

- ‌البعث لابن أبي داود

- ‌الثاني من حديث ابن مسعود لابن صاعد

- ‌مشيخة الرازي

- ‌سداسياته

- ‌جزء أبي الجهم

- ‌جزء سفيان بن عيينة

- ‌جزء مأمون

- ‌جزء ابن مخلد

- ‌الأول الكبير والثاني، كلاهما من حديث المخلِّص

- ‌المسلسل بالأولية

- ‌الباب الثالثفي ثناء الأئمة عليه

- ‌ ثناء الأئمة عليه

- ‌[المحب ابن الهائم]

- ‌برهان الدين الأبناسي

- ‌[عبد الرحمن بن محمد العلوي]

- ‌سراج الدين ابن الملقِّن

- ‌[سراج الدين البُلقيني]

- ‌[الحافظ العراقي]

- ‌[تقي الدين الدِّجْوي]

- ‌[الحافظ الهيثمي]

- ‌[ابن خلدون]

- ‌[الشهاب الحُسباني]

- ‌[ابن حجي الحسباني]

- ‌[ابن درباس]

- ‌[ابن ظهيرة المكي]

- ‌[الفيروزآبادي]

- ‌[حميد الدين التركماني]

- ‌[عز الدين ابن جماعة]

- ‌[كمال الدين الشُّمُنِّي]

- ‌[جمال الدين الأقفهسي]

- ‌[جلال الدين البلقيني]

- ‌[نفيس الدين العلوي]

- ‌[أبو زرعة العراقي]

- ‌[شمس الدين ابن الديري]

- ‌[شرف الدين التَّبَّاني]

- ‌[ابن مغلي]

- ‌[البدر البشتكي]

- ‌[الشمس البرماوي]

- ‌[التَّقيُّ الفاسي]

- ‌[تقي الدين الكرماني]

- ‌[المجد البرماوي]

- ‌[ابن الجزري]

- ‌[الشهاب الكلوتاتي]

- ‌[ابن الغرابيلي]

- ‌[ابن حجة الحموي]

- ‌[زين الدين الخوافي]

- ‌[ابن الخياط]

- ‌[علاء الدين البخاري]

- ‌[سبط بن العجمي]

- ‌[ناصر الدين الفاقوسي]

- ‌[ابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[أبو شعرة الحنبلي]

- ‌[شمس الدين البساطي]

- ‌[ابن خطيب الناصرية]

- ‌[المقريزي]

- ‌[ابن نصر اللَّه البغدادي]

- ‌[شمس الدين ابن عمار]

- ‌[شمس الدين الونائي]

- ‌[عثمان بن عمر الزَّبيدي]

- ‌[شمس الدين القاياتي]

- ‌[عز الدين عبد السلام]

- ‌[الشهاب ابن المجدي]

- ‌[ابن قاضي شهبة]

- ‌[برهان الدين بن خضر]

- ‌[رضوان العقبي]

- ‌[ابن أبي الوفاء]

- ‌[تغري برمش]

- ‌[ابن التنسي]

- ‌[ابن العليف]

- ‌[ابن حسان]

- ‌[أبو الفتح المراغي]

- ‌[موفق الدِّين الإبِّي]

- ‌[ابن الضياء]

- ‌[ابن الهُمام]

- ‌[زين الدين القلقشندي]

- ‌[أبو البركات الغزِّي]

- ‌[ابن كُحيل]

- ‌[علم الدين البلقيني]

- ‌[تقي الدين ابن فهد]

- ‌[تقي الدين القلقشندي]

- ‌[الشهاب الحجازي]

- ‌[قاسم بن قطلوبغا]

- ‌[أبو ذر الحلبي]

- ‌[برهان الدين البقاعي]

- ‌[نجم الدين بن فهد]

- ‌[ابن الشِّحنة]

- ‌[شهاب الدين بن الأخصاصي]

- ‌[قطب الدين الخيضري]

- ‌فصل

- ‌[الناقلين عن ابن حجر في تصانيفهم]

- ‌[مراسلة الحافظ العراقي لابن حجر]

- ‌[مراسلة الجلال البلقيني لابن حجر]

- ‌[القول في رواية رافع بواب مروان عن ابن عباس]

- ‌[القول في حديث "لا تسبُّوا أصحابي

- ‌[جواب ابن حجر عن الحديث]

- ‌فصل

- ‌[حديث رأيت عيسى وموسى وابراهيم]

- ‌[القول في التفريق بين جنادة بن أبي خالد وجنادة بن أبي أميَّة]

- ‌[عنايته بالكتب]

- ‌[تعقُّباته على الكتب]

- ‌[الأربعون التساعيات لأبي علي الصيرفي]

- ‌[الأربعون العشاريات لابن الجزري]

- ‌[الكامل لابن عدي]

- ‌[الأنساب لابن السمعاني]

- ‌[تعقُّبه أبا عليٍّ الصدفي]

- ‌[شرح البخاري لمُغلطاي]

- ‌[تعقُّبه أبا زرعه العراقي]

- ‌[تعقُّبه الحافظ ابن رجب الحنبلي]

- ‌[الحكاية الرباعية المنسوبة للبخاري]

- ‌[تعقُّبه ابن جماعة في العَروض]

- ‌[التعقب على حلّ لغز]

- ‌[تعقبه على ابن جماعة]

- ‌[كمال الظَّرف]

- ‌[عدم جواز تصرُّف الناسخ فيما ينسخ]

- ‌[تعقُّبه على ابن الملقِّن]

- ‌[المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم]

- ‌[سماع رقية بنت الشرف محمد من ابن المصري]

- ‌[إجازة ابن قريش للسويداوي]

- ‌[قياس ارتفاع النيل]

- ‌فصل

- ‌[طبقات الشافعية لابن الملقِّن]

- ‌[الإجابة للزركشي]

- ‌[شرح العمدة للبرماوي]

- ‌[شرح البخاري للعيني]

- ‌[مصنفات المقريزي]

- ‌[قوة الاستحضار حال القراءة والدَّرس]

- ‌الأشعار المنظومة في مدح الحافظ ابن حجر

- ‌[برهان الدين المليجي]

- ‌[الجُحافي]

- ‌[ابن قوقب]

- ‌[برهان الدِّين البقاعي]

- ‌[ابن نصر اللَّه العسقلاني]

- ‌[ابن أبي السعود]

- ‌[الشِّهاب التَّروجي]

- ‌[ابن العماد الأقفهسي]

- ‌[ابن مبارك شاه]

- ‌[الشهاب ابن صالح]

- ‌[ابن عربشاه]

- ‌[ابن كُحيل]

- ‌[ابن القُرْدَاح]

- ‌[الشِّهاب الحجازي]

- ‌[الشهاب المنصوري]

- ‌[الشهاب ابن والي]

- ‌[الشهاب السَّيرجي]

- ‌[الزُّعيفريني]

- ‌[المجد الزَّمزمي]

- ‌[ابن حجَّة الحموي]

- ‌[أبو بكر الزبيدي]

- ‌[ابن صدقة]

- ‌[حسن الصَّفدي]

- ‌[ابن العُليف]

- ‌[خطَّاب بن عمر الدمشقي]

- ‌[ولغيره [في العكس]

- ‌[الأقفهسي]

- ‌[غرس الدين خليل]

- ‌[رضوان العقبي]

- ‌[شعبان الآثاري]

- ‌[المرشدي]

- ‌[تاج الدين الأذرعي]

- ‌[زين الدين البكري]

- ‌[عبد الرحمن الشاذلي]

- ‌[عُبيد الرِّيمي]

- ‌[جلال الدين البلقيني]

- ‌[ابن الخراط]

- ‌[ابن الديري]

- ‌[عبد الرحمن الصوفي]

- ‌[عبد السلام البغدادي]

- ‌[عبد الغني الشرجي]

- ‌[الإشليمي]

- ‌[عبد القادر النحريري]

- ‌[الطَّويلي]

- ‌[الجوجري]

- ‌[ابن العديم]

- ‌[التاج عبد الوهاب]

- ‌[الدواليبي]

- ‌[أبو الحسن العراقي]

- ‌[وما وجدت عندي باقيها]

- ‌[ابن المغلي]

- ‌[الأسواني]

- ‌[الجعبري]

- ‌[عمر الطرابلسي]

- ‌[الطنوبي]

- ‌[مجد الدين ابن مكانس]

- ‌[قاسم بن قطلوبغا]

- ‌[البدر البشتكي]

- ‌[القباقبي]

- ‌[ابن خطيب داريّا]

- ‌[شمس الدين البساطي]

- ‌[شمس الدين الأسيوطي]

- ‌[شمس الدين الدجوي]

- ‌[المراغي]

- ‌[البدر المارديني]

- ‌[بدر الدين الدماميني]

- ‌[الشريف الأسيوطي]

- ‌[شمس الدين القادري]

- ‌[ابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[شمس الدين النَّواجي]

- ‌[ابن المصري]

- ‌[شمس الدين الطنتدائي]

- ‌[قطب الدين المكي]

- ‌[شمس الدين الهيثمي]

- ‌[ابن الفالاتي]

- ‌[محمد بن عمر الحنفي]

- ‌[ابن قرقماس]

- ‌[الرّاعي]

- ‌[البدر سبط الحسني]

- ‌[شمس الدين الزركشي]

- ‌[زين الدين الخوافي]

- ‌[البكري]

- ‌[ابن ناهض]

- ‌[مسافر بن عبد اللَّه]

- ‌[نعمة اللَّه الجرهي]

- ‌[الفرَّاء]

- ‌[الشريف]

- ‌[شخص من المنزلة]

الفصل: ‌[أبو ذر الحلبي]

بحظٍّ، القويِّ الحافظة في الرِّواية، الذَّكيِّ القريحة في الدِّراية، الضابط لقواعد السند والمتن بالتَّحقيق، العالم بمعاقد الاتصال والانقطاع والتَّعليق. العارف بأسماء الرِّجال وأحوالهم، المطلع على مبدأ أُمورهم ومآلهم. شيخ مشايخ الإسلام إلى دار السلام، أعلى اللَّه درجته في علِّيِّين، وجعل له لسان صدق في الآخرين.

قلت: هذا لعمري حين ذهاب علم الحديث وانقطاع خبره، وزوال طلبه، وانطماس أثره، فقيل: لا. بل ثمَّ علماء أعلام، وفقهاء حكام. وخلف تلامذةً ما بين حفاظ مُتفنِّنين وعلماء متقنين، فقلت مُصِرًّا على الدَّعوى:

حلف الزمانُ ليأتينَّ بمثله

حنَثتْ يمينُك يا زمانُ فكفِّر

هلا شققتم مثل ما شقَّ الدُّجا

جيبَ الصَّباحِ وشُقّت الأقلامُ

هلَّا لبستم للحداد ملابسًا

أو ما النَّجومُ حدادُها الإظلامُ

لا تحسبوا حُزنًا عليه قد مضى

للحزن فيه مع الزَّمان دَوامُ

ثم ذكر أسئلته، أدام اللَّه عليه نعمته.

[أبو ذر الحلبي]

ومنهم: محدث حلب الآن، الموفق العلامة أبو ذر ابن شيخ الإسلام البرهان الحلبي، رحمه الله.

فقرأت بخطه كرَّاسةً ترجم فيها صاحب الترجمة، قال فيها: قاضي القضاة بالممالك الإسلامية، إمامُ الأئمة، وعالمُ الأُمة، الشيخ الإمام العالم العلامة، الحافظ الناقد الجهبِذ، خاتمة الحُفَّاظ، حامِلُ راية الإسناد، من لم تر عيناي مثله، بل ولا عينُه في فنِّه.

إلى أن قال: وكتب، وخرَّج، وحصَّل، وأدَّب، وألَّف، واختصر، وسار ذكرُه في الآفاق، وانتشر أمره. وشرح "البخاري" شرحًا عظيمًا، لم

ص: 320

يُشرح "البخاري" مثله. وتلقَّاه النَّاس بالقَبُول، وسارعوا إلى كتابته وقراءته عليه، وطلبَه ملوك الآفاق إلى بلادهم، ويوم فراغه عمل ضيافةً للناس بالقاهرة، وكان يومًا مشهودًا، وبَعُدَ صيتُه، وأملى عدَّة أمالي، وناظر، وأفتى، ودرَّس. وانعقد الإجماعُ على فضله، وانتفع به العلماء من مشايخه في فنِّ الحديث، وسألته، وسمعتُ والدي يقول عند نظره "لمبهمات البخاري" للشيخ جلال الدين البلقيني: هذه الفوائد التي فيه، الظاهر أنَّها مِنْ كلام الشيخ شهاب الدين ابن حجر. فلما اجتمع والدي بالشيخ شهاب الدين المشار إليه، [قال له: إن الشيخ جلال الدِّين] (1) يفسِّرُ مبهمات ويعزوها إلى كُتُبٍ ما أظنُّها عنده، وأنا أقول: إن هذا منك، فقال: نعم.

إلى أن قال ما معناه: رأيته يومًا بحضرة والدي قال يحيى بن أكتم -يعني بالمثنَّاة- فقال له والدي: هو بالمثلثة، واستند إلى ضبط النَّووي له كذلك في "تهذيب الأسماء واللغات"، وكلٌّ منهما صحيح. فقد حكاهما المؤيَّدُ صاحب حماة في ترجمته، قال: وهو الرَّجلُ العظيمُ المبْطِنُ والشَّبعان أيضًا. وسمعته ذكر النَّجم المعروف بالزُّهرة مسكَّن الهاء، فقال له والدي: هو بفتحها، وهو الذي في "التهذيب" أيضًا. بل قال: لا، بإسكانها، وكذا ضبطه في "الجمهرة" بفتح الهاء. وكان يسمع عليه بالمدرسة الشَّرفية وهو يطالع، فيقول للقارىء: سقط لك رجل تارة أو رجلان على قدر ما يتَّفِق، وهما فلان وفلان، أو فلان، ونطلبُ الكتب، فيكون كما قال. وما أحقَّه يقول القائل:

عَقِمَ النساء فلا يَلدن شبيهَهُ

إنَّ الزَّمانَ بمثله لَعقيمُ

وخرجنا والقاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية ومن شاء اللَّه معه إلى جبرين، لنسمع عليهما "الأربعين" لابن المجبر، فأخذ الجزء بيده، واستدعى بالدَّواة والقلم، وخرَّج أحاديثها مِنْ مسموعاته مِنْ حفظه، بأعلى مِنْ طريق "الأربعين".

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

ص: 321

إلى أن قال: وأخبرني العلاءُ ابن خطيب الناصرية، قال: أخبرنا الشيخ ولي الدين العراقي أنَّ أوَّلَ اشتغاله بالحديث في سنة ثلاث وتسعين. ورأيت بخطي: بلغت مصنَّفاتُه إلى مائتي مصنف. والذي أعرف منها "فتح الباري"، لم يُنسج على منواله، ولم تسمح قريحة بمثاله، و"تغليق التعليق" لم يُسبق إليه، ولم يعرِّجُ أحدٌ قبلَه عليه.

إلى أن قال: وبالجملة، ليس له مؤلَّفٌ إلا وهو فَردٌ في بابه، ويسمي مؤلفاته بألطف الأسماء، وإن اختصر كتابًا، فقد أتى فيه بزوائدَ يُحتاج إليها. وكتبَ الخطَّ المنسوبَ في أوَّلِ أمره. وكان حسنَ الشِّكالة، لطيفًا حمولًا، كثير الصَّدقات، متحريًا.

ولما كان بحلب صحبة السُّلطان، كان له راتبُ لحم يُؤتى به إليه في كلِّ يوم مِنَ السلطان. فكان لا يأكلُه، ويشتري له لحمًا. وعلي وجهه نور السنة، وبلغني عن العلاء البخاري أنه قال: على وجهه نور السنة.

وأخبرني أنه رأى الشيخ شهاب الدين الظاهري -يعني ابن البرهان- في النَّوم بعد موته قال: فقلت له: أنت ميت (1)؟ قال: نعم. فقلت: ما فعلَ اللَّه بك؟ فتغير تغيرًا شديدًا، حتى ظننتُ أنَّه غاب، ثم أفاق، فقال: نحن الآن بخير.

قلت: وساق باقي المنام الذي سمعتُ شيخنا يحكيه، وأورده كذلك في ترجمة ابن البرهان من "معجمه"، لكني حذفته عمدًا.

قال: وأما لطائفه وملاطفته للطلبة والإحسان إليهم، فلا تكاد تُوصف. وقد كنت أسمع به وبأوصافه، فلما شاهدته رأيته فوق ذلك.

كانت مُساءلةُ الرُّكبان تُخبرني

عن أحمد بن عليِّ أحسن الخبرِ

لمَّا التقينا فلا واللَّه ما سَمِعَتْ

أُذْنِي بأحسنَ ممَّا قد رأى بَصَرِي

(1) في (ب)"متَّ".

ص: 322

قلت: وهذان البيتان معزوَّان لأبي القاسم محمد بن هانىء (1) الأندلسي [الشاعر المشهور](2)، ويقال: إنهما لجعفر بن فلاح، [ويقال: لأبي تمام. قال ابن خلكان: وهو غلط، بل هما لابن هانىء المذكور، والممدوح جعفر بن فلاح، ولفظ أولهما:

كانت مُسائلة الرُّكبان تخبرني

عن جعفر بن فلاح أطيبَ الخَبرِ

ومن قال: "عن أحمد بن دُؤاد"، بَدَل "جعفر بن فلاح"، فقد أخطأ] (3).

ووقعت فيهما اتفاقية غريبة، فيحكى أنَّ العز أيْدَمُر السَّنَائي الدَّوادار أنشدهما للتاج أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي كاتب السرّ، عندما خدم بديوانِ الإنشاء في الأيَّام الظَّاهرية، أول اجتماعه به، وقبل معرفة اسمه واسم أبيه، فقال:

كانت مُساءلة الرُّكبان تُخبرني

عن أحمد بن سعيد أحسن الخَبرِ

ثم التقينا. . . إلى آخرهما.

فقال له التاج: يا مولانا، أتعرف أحمد بن سعيد؟ قال: لا واللَّه. فقال: هو المملوك. فتعجَّبا من غرابة الاتفاق.

ونحوه أنَّ أبا الغنائم محمد بن علي بن فارس بن علي، المعروف بابن المعلّم، اجتاز يومًا ببغداد بمكان فيه زحامٌ كثير، فسأل عن سببه، فقيل: إن أبا الفرج بن الجوزي الواعظ هناك يعظ، فزاحَمَ وتقدَّم حتى سمعه، وهو يذكر، فكان مِنْ كلماته مستشهدًا لبعض إشاراته: ولقد أحسن ابنُ المعلم حيث يقول:

يزدادُ في مسمعي تكرارُ ذكركُم

طِيبًا ويَحْسُن في عيني مكرَّرُهُ

(1) في (ب): "معزوان لابن هانىء".

(2)

و (3) ما بين حاصرتين لم يرد من (ب).

ص: 323

قال: فتعجبتُّ مِنْ اتفاف حضوري، واستشهاده بما هو من نظمي. وهو ومَنْ حضر لا يعلمون بي.

ويقُرب مِنْ هذه الاتفاقية: أنَّ الطبراني والجِعابي تذاكرا غرائب أحاديثهما، وكان الطبرانيُّ يغلبه بكثرة حفظه، والآخر يَغْلبِه بفطنته، حتى ارتفعت أصواتهما، فقال الجِعابي: عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلا عندي. فقال له الطبراني: هات. فقال: حدثنا أبو خليفة، حدثنا سليمانُ بنُ أيوبَ، وساق حديثًا. فقال له الطبراني: أنا سليمانُ بن أيوب، ومِنِّي سمعه أبو خليفة، فاسْمَعْه مني عاليًا. فخجل الجِعَابي.

قال ابن العميد -حاكيها- عن مشاهدته: ما كنتُ أظنُّ أنَّ في الدنيا كحلاوة الوزارة والرئاسة التي أنا فيها، حتى شاهدتُ ذلك، فوددت أنَّ الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه. انتهى.

ويحكى أيضًا أن الشيخ أبا الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن الصائغ الحنبلي سافر في الطلب إلى خراسان، وغاب مدَّة، ثمَّ رجع إلى بلده ببغداد، وقصد الدَّرب الذي كان يعهد أهله فيه. فجلس في مسجد هناك، وسأل عن أهله، فأخبروه أنَّه لم يبق في ذلك الدرب أحد. واتَّفقَ أنه تكلَّم مع قاضي الشَّارع في مسألة، واختلفا فيها. فلمَّا رأى خصمُه على نفسه الغلبةَ، وقهره المذكور بالحُجَّة، قال: واللَّه لو أنَّكَ أبو الفتح ابن الصَّائغ، ما سلّمتُ إليك! فقال: يا أخي، أنا أبو الفتح ابن الصَّائغ، فقام إليه واحترمه.

وفي معنى البيتين الأولين، قولُ الشَّمس أبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الموصلي:

ما زلت أسمَعُ عن (1) إحسانكم خَبَرًا

الفضلُ يُسنِدُه عنكم ويرفَعُهُ

حتى التقينا فشاهدت الذي سَمِعَتْ

أُذْني وأضعافَ ما قد كنتُ أسمعُهُ

(1) في (ط): "من".

ص: 324