المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولو أطعت قلمي في إيراد ما عندي في ذلك من - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[حديث: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم]

- ‌[القول في رواية ميمون بن أبي شبيب عن عائشة]

- ‌[أقسام الكتاب]

- ‌المقدمة في التعريف بشيخ الإسلام والمحدث والحافظ

- ‌[شيخ الإسلام]

- ‌[من اشتهر بلقب شيخ الإسلام]

- ‌[تعريف المحدِّث]

- ‌[آداب المحدث]

- ‌[وصية الذهبي للمحدثين]

- ‌[أقسام علوم الحديث]

- ‌[مَنْ يُطلق عليه لقب المحدث]

- ‌[الحافظ]

- ‌[اختصاص العرب بسرعة الحفظ]

- ‌[سلسلة الحفاظ]

- ‌الباب الأولفي ذكر نسبه ومولده وبلدته، وبشارة أبيه به وشهرته ونبذة من تراجم من علمته مِنْ سلفه وإخوته الكرام، أسكنه اللَّه وإياهم دار السلام

- ‌[نسبه]

- ‌[كنيته ولقبه]

- ‌[التلقيب بالإضافة إلى الدين]

- ‌[نسبته]

- ‌[مولده]

- ‌[بشارة والده به]

- ‌[شهرته]

- ‌[أسلافه]

- ‌[والده]

- ‌[إخوته وأخواته]

- ‌الباب الثانيفي صفة مبدأ أمره، ونشأته، وذكر طلبه للعلم ورحلته، وتعيين من أخذ عنه دراية

- ‌[نشأته:]

- ‌[سماعه بمكة:]

- ‌[سرعة حفظه:]

- ‌[طلبه العلم:]

- ‌[دراسته الفقه:]

- ‌[سلسلة الفقه:]

- ‌[سلسلة أصول الفقة]

- ‌[دراسة النحو:]

- ‌[رحلاته]

- ‌رحلته إلى قوص:

- ‌[رحلته إلى الإسكندرية:]

- ‌[رحلته إلى الحجاز:]

- ‌[رحلته إلى اليمن:]

- ‌[اجتماعه بالفيروزآبادي:]

- ‌[رحلته الثانية إلى اليمن:]

- ‌[من لقيهم من العلماء بمكة والمدينة:]

- ‌[رحلته إلى الشام]

- ‌[الأمور المساعدة على طلب العلم]

- ‌[شرب ماء زمزم لقضاء الحوائج]

- ‌[سرعة الكتابة الحسنة:]

- ‌[الصحبة الطيبة من طلبة العلم:]

- ‌[عدم التردُّد إلى الكبراء:]

- ‌[استثمار الوقت]

- ‌[بركة ابن حجر]

- ‌[السفر إلى حلب وسماعه:]

- ‌[التواضع في طلب العلم:]

- ‌[ذكر الأماكن التي زارها الحافظ ابن حجر]

- ‌ذكر القائمة المشار إليها ونصها: "البلدانيات" لكاتبه

- ‌[الاعتناء بالبلدانيات]

- ‌شيوخه

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌القسم الثالث

- ‌مروياته

- ‌صحيح البخاري

- ‌صحيح مسلم

- ‌السنن لأبي داود

- ‌الجامع للترمذي

- ‌السنن للنسائي

- ‌[السنن الكبرى للنسائي]

- ‌السنن لابن ماجه

- ‌الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك

- ‌الموطأ رواية أبي مصعب

- ‌مسند الشافعي

- ‌السُّنن له رواية المزني

- ‌[السنن للشافعي رواية ابن عبد الحكم]

- ‌واختلاف الحديث له

- ‌مسند الدارمي وهو على الأبواب

- ‌مسند عبد

- ‌مسند أحمد

- ‌مسند مسدد

- ‌مسند الطيالسي

- ‌مسند الشهاب للقضاعي

- ‌صحيح ابن خزيمة

- ‌صحيح ابن حبان

- ‌المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم

- ‌السنن للدارقطني

- ‌السنن للبيهقي

- ‌الأدب المفرد للبخاري

- ‌بر الوالدين له

- ‌الأدب للبيهقي

- ‌السِّيرة تهذيب ابن هشام

- ‌عيون الأثر في فنون المغازي والسِّيَر لابن سيد الناس

- ‌بشرى اللَّبيب بذكرى الحبيب له

- ‌دلائل النبوة للبيهقي

- ‌الشمائل النبوية للترمذي

- ‌الشفاء للقاضي عياض

- ‌مكارم الأخلاق للخرائطي

- ‌مساوىء الأخلاق له

- ‌الزهد لابن المبارك

- ‌الحلية لأبي نعيم

- ‌الدُّعاء للطبراني

- ‌الترغيب للتَّيْمي

- ‌فضائل القرآن لأبي عبيد

- ‌المجالسة للدِّينوري

- ‌المعجم الأوسط للطبراني

- ‌المعجم الصغير له

- ‌البعث لابن أبي داود

- ‌الثاني من حديث ابن مسعود لابن صاعد

- ‌مشيخة الرازي

- ‌سداسياته

- ‌جزء أبي الجهم

- ‌جزء سفيان بن عيينة

- ‌جزء مأمون

- ‌جزء ابن مخلد

- ‌الأول الكبير والثاني، كلاهما من حديث المخلِّص

- ‌المسلسل بالأولية

- ‌الباب الثالثفي ثناء الأئمة عليه

- ‌ ثناء الأئمة عليه

- ‌[المحب ابن الهائم]

- ‌برهان الدين الأبناسي

- ‌[عبد الرحمن بن محمد العلوي]

- ‌سراج الدين ابن الملقِّن

- ‌[سراج الدين البُلقيني]

- ‌[الحافظ العراقي]

- ‌[تقي الدين الدِّجْوي]

- ‌[الحافظ الهيثمي]

- ‌[ابن خلدون]

- ‌[الشهاب الحُسباني]

- ‌[ابن حجي الحسباني]

- ‌[ابن درباس]

- ‌[ابن ظهيرة المكي]

- ‌[الفيروزآبادي]

- ‌[حميد الدين التركماني]

- ‌[عز الدين ابن جماعة]

- ‌[كمال الدين الشُّمُنِّي]

- ‌[جمال الدين الأقفهسي]

- ‌[جلال الدين البلقيني]

- ‌[نفيس الدين العلوي]

- ‌[أبو زرعة العراقي]

- ‌[شمس الدين ابن الديري]

- ‌[شرف الدين التَّبَّاني]

- ‌[ابن مغلي]

- ‌[البدر البشتكي]

- ‌[الشمس البرماوي]

- ‌[التَّقيُّ الفاسي]

- ‌[تقي الدين الكرماني]

- ‌[المجد البرماوي]

- ‌[ابن الجزري]

- ‌[الشهاب الكلوتاتي]

- ‌[ابن الغرابيلي]

- ‌[ابن حجة الحموي]

- ‌[زين الدين الخوافي]

- ‌[ابن الخياط]

- ‌[علاء الدين البخاري]

- ‌[سبط بن العجمي]

- ‌[ناصر الدين الفاقوسي]

- ‌[ابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[أبو شعرة الحنبلي]

- ‌[شمس الدين البساطي]

- ‌[ابن خطيب الناصرية]

- ‌[المقريزي]

- ‌[ابن نصر اللَّه البغدادي]

- ‌[شمس الدين ابن عمار]

- ‌[شمس الدين الونائي]

- ‌[عثمان بن عمر الزَّبيدي]

- ‌[شمس الدين القاياتي]

- ‌[عز الدين عبد السلام]

- ‌[الشهاب ابن المجدي]

- ‌[ابن قاضي شهبة]

- ‌[برهان الدين بن خضر]

- ‌[رضوان العقبي]

- ‌[ابن أبي الوفاء]

- ‌[تغري برمش]

- ‌[ابن التنسي]

- ‌[ابن العليف]

- ‌[ابن حسان]

- ‌[أبو الفتح المراغي]

- ‌[موفق الدِّين الإبِّي]

- ‌[ابن الضياء]

- ‌[ابن الهُمام]

- ‌[زين الدين القلقشندي]

- ‌[أبو البركات الغزِّي]

- ‌[ابن كُحيل]

- ‌[علم الدين البلقيني]

- ‌[تقي الدين ابن فهد]

- ‌[تقي الدين القلقشندي]

- ‌[الشهاب الحجازي]

- ‌[قاسم بن قطلوبغا]

- ‌[أبو ذر الحلبي]

- ‌[برهان الدين البقاعي]

- ‌[نجم الدين بن فهد]

- ‌[ابن الشِّحنة]

- ‌[شهاب الدين بن الأخصاصي]

- ‌[قطب الدين الخيضري]

- ‌فصل

- ‌[الناقلين عن ابن حجر في تصانيفهم]

- ‌[مراسلة الحافظ العراقي لابن حجر]

- ‌[مراسلة الجلال البلقيني لابن حجر]

- ‌[القول في رواية رافع بواب مروان عن ابن عباس]

- ‌[القول في حديث "لا تسبُّوا أصحابي

- ‌[جواب ابن حجر عن الحديث]

- ‌فصل

- ‌[حديث رأيت عيسى وموسى وابراهيم]

- ‌[القول في التفريق بين جنادة بن أبي خالد وجنادة بن أبي أميَّة]

- ‌[عنايته بالكتب]

- ‌[تعقُّباته على الكتب]

- ‌[الأربعون التساعيات لأبي علي الصيرفي]

- ‌[الأربعون العشاريات لابن الجزري]

- ‌[الكامل لابن عدي]

- ‌[الأنساب لابن السمعاني]

- ‌[تعقُّبه أبا عليٍّ الصدفي]

- ‌[شرح البخاري لمُغلطاي]

- ‌[تعقُّبه أبا زرعه العراقي]

- ‌[تعقُّبه الحافظ ابن رجب الحنبلي]

- ‌[الحكاية الرباعية المنسوبة للبخاري]

- ‌[تعقُّبه ابن جماعة في العَروض]

- ‌[التعقب على حلّ لغز]

- ‌[تعقبه على ابن جماعة]

- ‌[كمال الظَّرف]

- ‌[عدم جواز تصرُّف الناسخ فيما ينسخ]

- ‌[تعقُّبه على ابن الملقِّن]

- ‌[المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم]

- ‌[سماع رقية بنت الشرف محمد من ابن المصري]

- ‌[إجازة ابن قريش للسويداوي]

- ‌[قياس ارتفاع النيل]

- ‌فصل

- ‌[طبقات الشافعية لابن الملقِّن]

- ‌[الإجابة للزركشي]

- ‌[شرح العمدة للبرماوي]

- ‌[شرح البخاري للعيني]

- ‌[مصنفات المقريزي]

- ‌[قوة الاستحضار حال القراءة والدَّرس]

- ‌الأشعار المنظومة في مدح الحافظ ابن حجر

- ‌[برهان الدين المليجي]

- ‌[الجُحافي]

- ‌[ابن قوقب]

- ‌[برهان الدِّين البقاعي]

- ‌[ابن نصر اللَّه العسقلاني]

- ‌[ابن أبي السعود]

- ‌[الشِّهاب التَّروجي]

- ‌[ابن العماد الأقفهسي]

- ‌[ابن مبارك شاه]

- ‌[الشهاب ابن صالح]

- ‌[ابن عربشاه]

- ‌[ابن كُحيل]

- ‌[ابن القُرْدَاح]

- ‌[الشِّهاب الحجازي]

- ‌[الشهاب المنصوري]

- ‌[الشهاب ابن والي]

- ‌[الشهاب السَّيرجي]

- ‌[الزُّعيفريني]

- ‌[المجد الزَّمزمي]

- ‌[ابن حجَّة الحموي]

- ‌[أبو بكر الزبيدي]

- ‌[ابن صدقة]

- ‌[حسن الصَّفدي]

- ‌[ابن العُليف]

- ‌[خطَّاب بن عمر الدمشقي]

- ‌[ولغيره [في العكس]

- ‌[الأقفهسي]

- ‌[غرس الدين خليل]

- ‌[رضوان العقبي]

- ‌[شعبان الآثاري]

- ‌[المرشدي]

- ‌[تاج الدين الأذرعي]

- ‌[زين الدين البكري]

- ‌[عبد الرحمن الشاذلي]

- ‌[عُبيد الرِّيمي]

- ‌[جلال الدين البلقيني]

- ‌[ابن الخراط]

- ‌[ابن الديري]

- ‌[عبد الرحمن الصوفي]

- ‌[عبد السلام البغدادي]

- ‌[عبد الغني الشرجي]

- ‌[الإشليمي]

- ‌[عبد القادر النحريري]

- ‌[الطَّويلي]

- ‌[الجوجري]

- ‌[ابن العديم]

- ‌[التاج عبد الوهاب]

- ‌[الدواليبي]

- ‌[أبو الحسن العراقي]

- ‌[وما وجدت عندي باقيها]

- ‌[ابن المغلي]

- ‌[الأسواني]

- ‌[الجعبري]

- ‌[عمر الطرابلسي]

- ‌[الطنوبي]

- ‌[مجد الدين ابن مكانس]

- ‌[قاسم بن قطلوبغا]

- ‌[البدر البشتكي]

- ‌[القباقبي]

- ‌[ابن خطيب داريّا]

- ‌[شمس الدين البساطي]

- ‌[شمس الدين الأسيوطي]

- ‌[شمس الدين الدجوي]

- ‌[المراغي]

- ‌[البدر المارديني]

- ‌[بدر الدين الدماميني]

- ‌[الشريف الأسيوطي]

- ‌[شمس الدين القادري]

- ‌[ابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[شمس الدين النَّواجي]

- ‌[ابن المصري]

- ‌[شمس الدين الطنتدائي]

- ‌[قطب الدين المكي]

- ‌[شمس الدين الهيثمي]

- ‌[ابن الفالاتي]

- ‌[محمد بن عمر الحنفي]

- ‌[ابن قرقماس]

- ‌[الرّاعي]

- ‌[البدر سبط الحسني]

- ‌[شمس الدين الزركشي]

- ‌[زين الدين الخوافي]

- ‌[البكري]

- ‌[ابن ناهض]

- ‌[مسافر بن عبد اللَّه]

- ‌[نعمة اللَّه الجرهي]

- ‌[الفرَّاء]

- ‌[الشريف]

- ‌[شخص من المنزلة]

الفصل: ولو أطعت قلمي في إيراد ما عندي في ذلك من

ولو أطعت قلمي في إيراد ما عندي في ذلك من واحد، فضلًا عن أكثر، لامتلأ الكرَّاس، وضاقت الأنفاسُ، ولو تدبر مَنْ لعلَّه يعتمد هذا الصنع أزرى ذلك بفاعله، وستر ما عساه اشتمل عليه مِنْ فضيلة، وكون حامده مِنَ النَّاس يصير له ذامًا، لكان أبعدَ النَّاسِ عَنِ التلبُّسِ بهذه الأخلاق. نسأل اللَّه السلامة.

[عدم التردُّد إلى الكبراء:]

ومنها: كونه لم يتردَّد في غضون هذه المدة لأحد من رؤساء الشام ولا قضاتها، بل لم يكن حينئذٍ بدٌّ من الاجتماع بأحدٍ مِنَ الرؤساء مطلقًا، مع احتياجهم إلى مجالسته، واغتباطهم برؤيته، ولذيذ مخاطبته.

[استثمار الوقت]

إنما كانت همَّتُه المطالعة والقراءة والسماع والعبادة والتصنيف والإفادة، بحيث لم يكن يخلي لحظة مِنْ أوقاته عن شيء مِنْ ذلك، حتى في حال أكله وتوجُّهه وهو سالك كما حكى لي ذلك بعض رفقته الذين كانوا معه في رحلته، وإذا أراد اللَّه أمرًا هيّأ أسبابه.

وقد سمعته رحمه الله يقول غير مرة: إنني لأتعجب مِمَّن يجلس خاليًا عن الاشتغال. هذا أو معناه.

ويدل على مصداق قوله: ما أخبرني به بعضُ أصحابنا أنَّه شاهده يومًا بالمدرسة الصالحية النجمية، وهو جالس في بعض بيوتها، ولم يكن عنده إذ ذاك شيءٌ مِنَ الكتب، فاستدعى مِنْ بعض مَنْ حضره مصحفًا، فبادر لذلك، فأخذ في التلاوة منه، فمرَّ فيه على سورة أخطأ الكاتبُ في عَدّ آيها، فكتب مقابلها بالهامش: الصوابُ كذا، أو بل عدَّتها كذا. فلم يسهل به رضي الله عنه أن يجلس بطَّالًا. ولم يُخلِ المصحف مع ذلك - مِنْ فائدة.

وهكذا كان دأبُه في غالب ما يقف عليه مِنْ الكتب العلمية والأدبية وغيرها، كما سألمُّ بذكر شيء مِنْ ذلك في أثناء الباب الثالث (1) إن شاء اللَّه تعالى.

(1) ص 377 - 390 من هذا الجزء.

ص: 170

ومما يدلُّ على عدم تضييع وقته بدون عبادة: أنه توجَّه مرةً للمدرسة المحمودية، فلم يجد مفتاحَها، كان قد سها عنه بمنزله، فأمر بإحضار نجَّارٍ، وشرع هو في الصلاة إلى أن انتهى النجارُ مِنْ فتح الباب. وقيل له: لو أرسلتَ، أحضرت المفتاح مِنَ البيت كان أقلَّ كلفة، فقال: هذا أسرع، ويحصل الانتفاعُ بالمفتاح الثاني.

وتوجه مرة للتفرُّج هو وصهره القاضي محب الدين ابن الأشقر في السَّماسم بالخانقاه، فأخرج مِنْ جيبه مصحفًا حمائليًّا، وشرع في التلاوة فيه.

وكان رحمه الله إذا جلس مع الجماعة بعد العشاء وغيرها للمذاكرة، تكون السّبحة داخل كمِّه بحيث لا يراها أحد، ويستمرُّ يديرُها وهو يسبح أو يذكر غالب جلوسه. وربما تسقُطُ مِنْ كمِّه، فيتأثر لذلك، رغبة في إخفائه.

وكان حين كان يصلي الشيخ غرس الدين خليل الحسيني بجانبه التراويح، يستخبرُ منه عَنِ المتشابه في القرآن، حتى لا يخلو جلوسُه بين

الترويحتين من فائدة.

قلت: وأحوالُ السلف في عدم تضييع أوقاتهم أشهرُ مِنْ أن تُذكر. وقد أنشد أبو سعد ابن السمعاني عن أبي بكر محمد بن القاسم بن المظفر بن علي الشَّهرزُوري قوله:

هِمَّتي دُونَها السُّها والزُّبانا

قد علت جهدها فما يتدانى

فأنا مُتعَبٌ مُعَنَّى إلى أن

تتفانى الأيامُ أو أتفانى

ويُحكى عن الفقيه أبي الفتح سُليم بن أيوب الرازي أنه كان يحاسب نفسه على الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضي بغير فائدة، إما بنسخ أو يدرس أو يقرأ، بل قيل عنه: إنه كان يحرِّكُ شفتيه إلى أن يَقُطَّ القلم. انتهى.

ولما كثُرتِ الإشاعة في دمشق بطروق اللَّنك إليها، وأرجف النَّاسُ بذلك، رجع إلى بلاده. وكان ظهوره منها -كما سلف- في أول يوم من سنة ثلاث وثمانمائة، وقد اتَّسعت معارفه كثيرًا، وأظهر لعلماء الشام

ص: 171

وفضلائها حفظًا كبيرًا، واغتبطوا به، وشهدوا له بالتقدُّم في فنون الحديث إلى أعلى رتبة. فأقام بها على طريقته في التصنيف والإقراء والإملاء والكتابة، بل لم يُهمل سماعه على الشيوخ وانتخابه.

ويسر اللَّه عز وجل له مِنْ إقبال الشيوخ عليه وطواعيتهم له أمرًا عجبًا، حتى إن البرهان التنوخي كان قد تعسَّر في أواخر عمره، فلما اجتمع به صاحبُ الترجمة، وخرَّج له "المعجم" و"المائة العشارية"، فرح بها، وانبسط في التَّحديث، فلازمه زيادةً على ثلاث سنين، ووصل عليه بالإجازة شيئًا كثيرًا، وانتفع صاحبُ الترجمة ببركته ودعائه كثيرًا.

وكذا كان مُسنِد الصالحية العماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز بن أبي عمر عَسِرًا في التحديث، فسهَّله اللَّه تعالى له بحُسن مقصده، إلى أن أكثَرَ عنه في مدَّة يسيرة، بحيثُ كان يجلس له أكثرَ النَّهار. ونحوه الشرف أبو بكر ابن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة.

وكان الزين أبو الفرج بن الشَّيخة يُبالغ في إكرامه، لخصوصية كانت بينه وبين والده. فكان ذلك عونًا له على الإكثار عنه، مع كونه كان سهلًا.

بل كانت الشيوخ لا تتعدَّى أمرَه وثوقًا منهم به (1)، واعتمادًا على وفور ديانته؛ فمن ذلك أنه قرىء على السويداوي بإجازته مِنْ بعض مَنْ مات قبل مولد السُّويداوي وهمًا مِنَ القاريء، فنبَّه صاحبُ الترجمة السويداويَّ على ذلك، فأشهد على نفسه بالرُّجوع عنه، بل أشهد أنه رجع عن جميع ما قُرىء عليه بالإجازة، إلا إنْ كنت محقَّقَةً. وسيأتي تعيينُ الكتاب والشَّيخِ في أثناء الباب الثالث.

وقد اتَّفق في عصرنا شبيهُ ذلك، وهو أن البقاعي قرأ على الشيخ شمس الدين الصَّفدي الحنفي أحد مَنْ أخذتُ عنه "موطأ الإمام مالك" للقعنبي، بسماعه له -كما شاهده في ضبط بخط (2) الحافظ برهان الدين

(1)"به" ساقطة من (أ).

(2)

"بخط" ساقطة من (ب).

ص: 172

الحلبي- عن الكمال محمد بن عمر بن حبيب، فبلغ ذلك البرهان المذكور فردّه، وبيّن أن البقاعي وهِمَ في ذلك. والذي سمع إنما هو محمد ولد شرف الدين الدَّارنجي، وزادني ابنُ فهد أنَّ تاريخ السماع في سنة ست وسبعين، ومولد الصفدي فيما أملاه عليه سنة خمس وسبعين، وبيَّن لي وجه الوَهْمِ كما أوضحته في "أخبار البقاعي".

ونحو ذلك أنَّ المجدَ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد الحنفي القاضي حدَّث "بجزء البطاقة"، بقراءة الجَمَال محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي الحنفي، بسماعه له على أبي الحسن علي بن محمد بن علي الهمذاني، أنبأنا ابن عزُّون والمعين الدمشقي، قالا: أنبأنا البوصيري. وهذا غلطٌ نبَّه عليه الصلاح الأقفهسي بقوله: لم يُدرِك الهمذانيُّ ابنَ عزّون ولا الدمشقيَّ، وبين وفاتيهما ومولده نحوٌ من اثنتي عشرة سنة أو أكثر. ولم تصحَّ رواية المجد لهذا الجزء عنه. وأيّده صاحب الترجمة بقوله: التعقُّبُ صحيحٌ، وشيخنا المجد حرسه اللَّه متثبِّتٌ في التحديث، ما علمته يُحدِّث إلا من أصله، ورأيته غيرَ مرَّةٍ يأبى أشدَّ الإباء أن يُحدّث مِنْ غيرِ أصله، وما أظنُّ هذا إلا من تهوير القارىء ومجازفته. انتهى.

ورأيت بخط البقاعي المشار إليه قريبًا مقابل طبقةٍ بخط صاحبنا التقيِّ القلقشندي، قال فيها: وبسماع ابن ناظِرِ الصَّاحبة في الرابعة -يعني "للمسند الحنبلي"- على أبي العباس أحمد بن الجُوخي، ما نصه: الحمد للَّه عالم الغيب. اعلم أنَّه لم تُعرف روايةُ ابن ناظر الصاحبة للمسند (1) إلا مِنْ جهة أبيه، ولا عُلِمَ قولُ أبيه إلا مِنْ جهة شيخنا الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي، ولا عَلِمَ المصريون ذلك إلا منِّي ومن عمر بن فهد وقطب الدين أبي الخير الخيضري.

والذي رأيناه بخط ابن ناصر الدين أخبرني والده شيخنا أبو الفرج عبد الرحمن أنه أحضره جميع "مسند أحمد" على ابن الجُوخي، وأخبرني

(1)"للمسند" ساقطة من (أ، ح)، وفي (ط)"المسند".

ص: 173

القطبُ الخيضريُّ أنَّ ابن ناصر الدين قال له من لفظه: إنَّ حضوره كان في السنة الثانية من عمره. فليت شعري مِنْ أين علم كاتبُ هذا الخط ومَنْ تابعَهَ أنه سمع؟ وليت شعري، ثم ليت شعري: مَنْ أوحى لهم تحديدَ ذلك الوقت بالرابعة؟!

ولقد سألت كاتب هذا الخط عن مُستنده في ذلك، فلم أجد عنده بيانًا. إنما كان جوابه لي أن قال: الظاهرُ أنِّي رأيتُه بخط ابن فهد. هذا لفظه. قال ذلك أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي سائل اللَّه تعالى حسن العافية انتهى بحروفه.

وأنا أسأل اللَّه أيضًا حسن العافية. وكل هذه استطرادات لكنَّها نافعة.

وكانوا يتفرَّسُون فيه النَّجابة، حتى قال له المحبُّ محمد بن الوجديَّة -إذ رآه حريصًا على سماع الحديث وكتبه-: اصرفْ بعض هذه الهمة إلى الفقه، فإنني أرى بطريق الفراسة أنَّ علماء هذا البلد سينقرضون (1) ويُحتاج إليك، فلا تقصِّرْ بنفسك، فكان كذلك، ما مات حتى شُدَّت إليه الرِّحالُ، قال شيخنا (2): فنفعتني كلمتُه، ولا أزالُ أترحَّمُ عليه بهذا السبب. انتهى.

إنَّ الهلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّه

أيقنتَ أنْ سيصير بدرًا كاملا

لقد ظَهَرْتَ فلا تَخْفَى على أحدٍ

إلا على أكْمَهٍ لا يَعْرِفُ القَمَرا

وحكى الشيخ بدر الدين السُّكَّري الكُتبي -وفي ظني أنَّني سمعت ذلك منه-: أنَّ بعض المجاذيب -أو نحوهم- قال -وقد سمع شخصًا يقول عند اجتياز شيخ الإسلام السِّراج البلقيني رحمه الله: سبحان مَنْ أعطاك ما معناه: أن هذا الشاب -وأشار إلى صاحب الترجمة، وكان إذ ذاك مارًّا بعدَ البُلقيني وصحبته أبو القاسم بن يسير- يَصِلُ، يعني في الحديث لما لم يصل المذكور إليه. رحمة اللَّه عليهم.

(1) في (ب، ط): "سينقصون".

(2)

في "المجمع المؤسس" 2/ 547.

ص: 174