الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن "الاستيعاب" لابن عبد البر واحد، و"الطَّهور" لأبي عبيد، و"الذِّكر" لجعفر الفريابي، و"فضائل الأوقات" للبيهقي، و"الإيمان" لابن منده. و"مكارم الأخلاق" للخرائطي كل واحد من هذه الكتب في مجلد. ومن "مسند الدارمي" مجلد، وقطعة من "مساوىء الأخلاق" للخرائطي، و"الخراج" ليحيى بن آدم، و"مشيخة الباغبان"، و"الشمائل" للترمذي، و"الأدب" للبيهقي، و"علوم الحديث" للحاكم، و"الإرشاد" للخليلي، و"حديث قُتيبة" للعيار، و"اختلاف الحديث" لابن قتيبة، و"آداب الحكماء"، و"ذم الكلام" للهروي، و"السنن" للشافعي رواية ابن عبد الحكم، و"غرائب شعبة" لابن منده، كل واحد مِنْ هذه الكتب في مجلد. ومن "مشيخة مسعود الثقفي" مجلد، ومن "مسند أبي يَعْلى الموصلي" مجلد، و"الكنجروذيات" في نسختين مجلد.
فمن هذه الكتب ما يكون مجلدةً ضخمةً، ومنها ما يكون مجلدةً لطيفةً، فتكون نحو الثلاثين مجلدًا ضخمة، تكون نحو أربعمائة وخمسين جزءًا حديثية، خارجًا عن الأجزاء الحديثية، وهي تزيد على هذا المقدار (1).
هذا وهو قد علَّق رضي الله عنه في غضون هذه المدة بخطه مِنَ الأجزاء الحديثية، والفوائد النثرية، والتتمات التي يُلحقها في تصانيفه ونحوها ثمان مجلدات فأكثر.
وطرَّف كتاب "المختارة" للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في مجلد ضخم، لو لم يكن له عمل في طول هذه المدة إلا هي، لكانت كافيةً في جلالته.
[الأمور المساعدة على طلب العلم]
وأعانه على كل هذا أمور يسرها اللَّه تعالى له قلَّ أن تجتمع في غيره.
منها: سرعة القراءة الحسنة.
(1) في (أ): "القدر".
فقد قرأ "السنن" لابن ماجه، في أربعة (1) مجالس.
وقرأ "صحيح مسلم" بالمدرسة المنكوتمرية على مسنِد مصر الشرف أبي الطاهر محمد بن العز محمد (2) بن الكُويك الرَّبعي، في أربعة مجالس، سوى مجلس الختم، وذلك في نحو يومين وشيء، فإنه كان الجلوس مِنْ بُكرة النَّهار إلى الظهر، وحدثهم القارىء به عَن محمد بن ياسين الجزولي، وعن المفتي الشهاب أحمد بن أبي بكر بن العز الصالحي الحنبلي إذنًا منهما، برواية الأول عَنِ الشَّريف أبي طالب الموسوي حضورًا وإجازة، والثاني: عن القاضي سليمان بن حمزة إجازة بسندهما. وانتهى ذلك في يوم عرفة، وكان يوم الجمعة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
وجرت يوم الختم لطيفة، وهو أن الضابط للجماعة، وكان شيخنا الحافظ أبا النعيم رضوان العقبي المستملي رحمه الله التمس منه بعد الختم إعادة بعض أفوات من أول الكتاب، فأجابه لذلك، وشرع في القراءة، فكان كلَّما رامَ الوقوفَ، يقولُ له الضابطُ: وأيضًا، وأيضًا، وأيضًا، وهو يقرأ، إلى أن مرَّ -وقد تعب القارىء- قوله في الحديث:"واللَّه لا أزيدُ على هذا ولا أنقُص". فأغلق الكتاب، وأقسم أيضًا أنه لا يزيد على ما قرأ (3) ولا ينقُص.
[قلت: وما وقع لصاحب الترجمة في قراءة "صحيح مسلم" أجلُّ ممَّا وقع لشيخه المجد اللغوي صاحب "القاموس"، فإنه قرأه بدمشق بين بابي الفرج والنصر تُجاه نعل النبي صلى الله عليه وسلم على ناصر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن جَهْبَل في ثلاثة أيام، وتَبَجَّح بذلك، فقال: قرأتُ -بحمد اللَّه "جامع مسلم" بجوف دمشق الشام، كرسي الإسلام، على ناصر الدين شيخنا ابن جَهْبَل، بحضرة حُفاظ مخاريج أعلام، وتمَّ بتوفيق الإله بفضله قراءة ضبط في ثلاثة
(1) في الأصول: "أربع"، والجادة ما أثبت.
(2)
في (ب): "العز بن محمد"، خطأ.
(3)
في (أ): "على هذا".
أيام] (1).
وكذا قرأ "كتاب النسائي الكبير" على الشرف المذكور في عشرة مجالس، كل مجلس منها نحو أربع ساعات. وسمعه بقراءته الفضلاءُ والأئمةُ، وحدَّثهم به عَنِ العفيف النَّشَاوري، عن الرَّضي الطَّبري إذنًا، عن الحافظ أبي بكر بن مَسْدي بسنده. وانتهى في يوم عاشوراء سنة أربع عشرة وثمانمائة.
وأسرعُ شيء وقع له أنه قرأ في رحلته الشامية "معجم الطبراني الصغير" في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر، وهذا الكتاب في مجلد يشتمل على نحوٍ مِنْ ألف حديثٍ وخمسمائة حديث؛ لأنَّه خرَّج فيه عن ألف شيخ، عن كلِّ شيخٍ حديثًا أو حديثين.
ومن الكتب الكبار التي قرأها في مدة لطيفة: "صحيح البخاري"؛ حدّث به الجماعةُ مِنْ لفظه بالخانقاه البَيْبرسية في عشرة مجالس، كل مجلس منها أربع ساعات، وكان ذلك فيما أظنه قريبًا مِنْ سنة عشرين إما سنة إحدى أو اثنتين بحضور (2).
ولقد سألته، فقلت له: يا سيدي، كما في شريف علمكم، أنَّ الحافظَ الخطيب أبا بكر البغدادي لقي كريمة المروزية بمكة، فقرأ عليها "الصحيح" في أيام منى، فهل وقع لكم استيفاءُ يوم في القراءة؟ فقال: لا، ولكن قراءتي "الصحيح" في عشرة مجالس لو كانت متواليةً، لنقصت عن هذه الأيام، ولكن أين الثُّريا مِنَ الثَّرى، فإن الخطيب رحمه الله قراءته في غايةٍ من الصِّحَّة، والجودة والإفادة وإبلاغ السَّامعين.
قلت: هكذا قلت لشيخنا، وأقرّني عليه، والذي رأيته الآن في ترجمة الخطيب أنه قرأه في خمسة أيام، وأظنُّه الصواب.
(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف.
(2)
هنا بياض في النسخ جميعها، وكتب في (أ):"كذا"، وفي (ط):"ض"، يعني بياض.
ثم رأيت في ترجمة إسماعيل بن أحمد بن عبد اللَّه النيسابوري الحيري من "تاريخ الخطيب"(1): أنَّه قدِمَ حاجًّا في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وكان معه حِمْلُ كتب ليجاور، فرجع الناس لفساد الطَّريق، فعاد إلى نيسابور، وكان في جملة كتبه "البخاري"، قد سمعه من الكشميهني، فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليلتين، كنت أبتدىء بالقراءة وقت المغرب، وأقطعها عند صلاة الفجر. وقبل أن أقرأ الثالث عَبَرَ الشيخُ إلى الجانب الشرقيِّ مع القافلة، فمضيتُ إليه مع طائفة كانوا حضورًا للّيلتين الماضيتين، فقرأت عليه مِنْ ضحوة نهار إلى المغرب، ثم مِنَ المغرب إلى طلوع الفجر، ففرغ الكتاب، ورحل الشيخ صبيحتئذٍ.
وحكاها الذهبي في ترجمة الخطيب من "تاريخه"، فقال: إنه قرأه جميعه في ثلاثة مجالس. قال: وهذا شيءٌ لا أعلم أحدًا في زماننا يستطيعه.
ثم إنه إنما استدرك -رحمه اللَّه تعالى- جريًا على عادته في التأدُّب وتواضعًا، وإلا فقراءته أيضًا كانت كذلك.
وهكذا كان دأبه (2) هضم نفسه على جاري عادة أهل العلم والدين، حتى إني سمعت مِنْ لفظه، وقرأته بخطه، أنه رأى في المنام سنة ثلاث عشرة وثمانمائة الدَّارقطني رجلًا طويلًا، لا أتحقق لون شعر لحيته: هل هو أشيبُ أم لا؟ فسألته عَنِ الأسئلة التي جمعها ابن طاهر مِنْ كلام مَنْ سأله عن أحوال الرجال وجوابه عن ذلك، فذكر لي أن أسئلة الحاكم له، أظنه قال: مستقيمة. وما أدري قال: السهمي أو السلمي كذلك. وسمى له (3) آخر ثالثًا، ليس هو من الأربعة التي جمع ابنُ طاهر مسائلهم، وأشار إلى أن الأسئلة التي للبرقاني مختلة. فتعجَّبتُ مِنْ هذا في نفسي، وقلت: يا سبحان اللَّه! البرقاني أوثقُ هؤلاء الجماعة، كيف تكون أسئلتُه دون أسئلتهم!
(1) 6/ 314.
(2)
في (ب، ط): "شأنه".
(3)
في (ب، ح): "لي".
ثم قلت لنفسي: الأوْلَى أن أسألَ الشيخَ أبا الحسن عن جميع مَنْ في "كتاب ابن طاهر" رجلًا رجلًا، فتكون تلك الأسئلة لي. وهممتُ بذلك، لكن صرت في نفسي أزدري نفسي أنْ أُعَدَّ مع هؤلاء، وأتعجب كيف أصيرُ معدودًا فيمن سأل الدارقطني. ثم استيقظتُ ولا أتحققُ هل سألته عن شيء منها أم لا، رحمهم اللَّه تعالى.
والشاهدُ مِنْ هذا المنام قوله: لكن صِرْتُ في نفسي إلى آخره.
ولقد سأله الأمير الفاضل تَغْرِي بَرْمَش الفقيه -وهو من تلامذته- هل رأيت مثل نفسك، فقال: قال اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]. انتهى.
وبهذا الجواب أجاب الدارقطني رجاءَ بن محمد المعدَّل، حيث قال: قلت للدارقطني: رأيتَ مثلَ نفسك؟ فقال: قال اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} ، فألححت عليه، فقال: لم أرَ أحدًا جمع ما جمعتُ.
وكذا وقع لابن عساكر أن أبا المواهب ابن صصْري قال له حين سمعه يقول، وتذاكَر الحفاظ الذين لقيَهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهرَ منه. قال أبو المواهب: فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدُنا مثلَ نفسه، فقال: لا تقُلْ هذا، قال اللَّه:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]، فقلت: وقد قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. قال: نعم. لو قال قائل: إنَّ عيني لم تر مثلي، لصدق. قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله، ولا مَنِ اجتمع فيه ما اجتمعَ فيه، ثم بيَّن ذلك.
قلت: وأفْهَمَ جوابُ شيخنا أنه لم ير مثل نفسه، وإلا لكان يقول: رأيت فلانًا أو ما أشبهه.
ويدلُّ على أنه لم ير مثل نفسه، شهادةُ كلِّ مِنَ الحافظين الحلبي والفاسي وغيرهما له بذلك كما سيأتي.