الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتخريج لهم ولنفسه، مع التنبيه على البَدَل والموافقة، والمصافحة والمساواة، ونحو ذلك، وضبط أسماء السامعين ولو كانوا ألفًا، والممارسُ لأسماء الرجال، لا سيما المشتبهة، وأخذ ضبطها عن أئمة الفن. والضابط لغريب ألفاظ الحديث، أو جُلِّها؛ خشية التصحيف، والعارفُ بطرفٍ مِنَ العربية يأمَنُ معه مِنَ اللَّحن غالبًا، والماهرُ باصطلاح أهله، بحيث يصلُحُ لتدريسه وإفادته ويُراعي اصطلاحهم في ذلك ونحوه.
وقد يطلق على مَنْ لم يجتمع له ذلك مُحدِّث، لكن أكثر عملهم على هذا.
[آداب المحدث]
وله آداب دونها أئمتنا، وأجل مصنَّف في ذلك، كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب. قرأته.
وسمعتُ صاحب الترجمة يقول: -والظاهر أنه حكاه عن غيره- ويكون (1) سريع الكتابة، والقراءة، والأكل، والمشي، انتهى.
وللحافظ أبي الفتح ابن سيد الناس رحمه الله كلام في تعريفه، حيث قال: المحدِّث في عصرنا هو مَن اشتغل بالحديث رواية وكتابة، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة. والروايات في عصره، وتبصّر بذلك، حتى عُرف خطُّه، واشتهر فيه ضبطُه.
وهذا أسهل مما قاله العلامة القاضي تاج الدين أبو نصر (2) السبكي في كتابه "مُعيد النِّعَم ومُبيد النقم"(3)، كما أخبرني الإمام خاتمة المُسندين العز أبو محمد القاضي عنه، قال: المحدث مَن عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال، والعالي والنازلَ، وحفظ -مع ذلك- جملة مستكثرة من المتون،
(1) في (أ): وبكونه.
(2)
في (ط): أبو بكر، خطأ. وهو تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي. توفي سة 771 هـ. الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 425 - 428.
(3)
ص 82 - 83.
وسمع الكتب الستة، و"مسند الإمام أحمد بن حنبل"، و"سنن البيهقي"، و"معجم الطبراني"، وضمَّ إلى هذا القدر ألفَ جزء من الأجزاء الحديثية، هذا أقل درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه، وكتبَ الطِّباق، ودار على الشيوخ، وتكلَّم في العلل والوفيات والأسانيد، كان في أول درجات المحدّثين، ثم يزيد اللَّه تعالى من شاء ما شاء.
ويقرب منه قول العلامة مُغَلْطَاي: الذي يطلق عليه اسم المحدث في عُرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصَّل أصولًا، وعلَّق فروعًا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف. انتهى.
والمقتصر على السماع لا يسمى محدثًا. قال الإمام تاج الدين ابن يونس في "شرح التعجيز": إذا أُوصي للمحدث تناول مِنْ علم طرق إثبات الحديث، وعدالة رجاله؛ لأن من اقتصر على السمع فقط ليس بعالم. ويشهد له قول الرافعي، تبعًا للأصحاب فيما إذا أوصى للعلماء: إنه لا يدخل فيها الذين يسمعون الحديث، ولا عِلْمَ لهم بطرقه، ولا بأشياء مِنَ الرواة والمتون، فإن السماع المجرد ليس بعلم.
ونحوه قول السبكي: لا يدخل في الحديث مَنِ اقتصر على السمع المجرّد، وكذا قال بعض المتأخرين: المحدث عند الفقهاء لا يطلق إلا على من حفظ متون الحديث، وعلم عدالة رجاله، وجرحها فقط. والمقتصر على السماع خارج عن هذين.
وقال الفارقي: لا يصرف لمن عرف طرق الحديث ولم يعرف أحكامه، لأنه لا يصير من علماء الشرع بذلك القدر، وتابعه تلميذه ابن أبي عصْرُون في "الانتصار". وتوقف صاحب الترجمة في ذلك، فإنه قال: هذه مكابرة، لأن القسمة رباعية، وأرفع الأربعة من له السَّماعُ الكثير، والعلم بالطرق والعلل.
قلت: ولعل الأولين إنما منعوا تسميته بذلك حقيقةً؛ لأنه مُسند، ومن عداهم أراد المجاز.
ثمَّ، ما المراد بطرق الحديث؟ فقال في "الذخائر": هو معرفة ما تضمنته الأحاديثُ مِنَ الأحكام مع معرفة رواته، وهذا مخالف لاصطلاحهم، فإنهم إنما يريدون بالطرق تعدادَ الأسانيد والوجوه للحديث الواحد.
وقال صاحب "الوافي": المراد بطرقه: معرفة (1) الصحيح والضعيف والغريب، ومعرفة أسماء الرجال، وعدالتهم وجرحهم، وتعرُّف معانيه، فيكون حينئذٍ عالمًا، وألا يكون كقارىء القرآن، وليس ذلك بعلم، بل هو نقل، والى آخر كلامه يُرشد قول الماوردي في الوقف: إنه لا يُصْرَفُ للقراء، وأصحاب الحديث، لأن العلم ما تُصرِّفَ في معانيه دون ما كان محفوظًا للتلاوة.
وعليه يُحمل ما رويناه عن الحافظ السِّلفي، قال: استفتيت شيخنا الإمام أبا الحسن الطبري -عرف بالكِيَا- عن رجل وصَّى بثلث ماله للعلماء والفقهاء، هل تدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية؟ فقال: نعم كيف لا، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حفظ على أُمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه اللَّه يوم القيامة فقيهًا عالمًا"؟.
قلت: ويُروى عن مالك: أن المقتصر على السماع لا يُؤخذ عنه العلم، وعبارته فيما نقله القاضي عبد الوهاب في "الملخص" نقلًا عن عيسى بن أبان عنه: لا يؤخذ العلم عن أربعة، فذكرهم، وقال: ولا عن مَنْ لا يعرِفُ هذا الشأن، وفسّر القاضي مراده بما إذا لم يكن ممن يعرف الرجال مِنَ الرواة، ولا يعرف هل زِيدَ في الحديث شيءٌ أو نُقص، لكن العمل على خلاف هذا، والاعتماد في هذه الأعصار -غالبًا- على القارىء، ولذلك أقول بامتناع قراءة كثيرٍ مِنَ الطلبة الذين لا ممارسة لهم بالمتون ولا الأسانيد، بل ولا معرفة لهم بشيء -في الجملة- أصلًا على من لا تمييزَ عنده مِنَ المُسنِدين، ولا أقلَّ من أن يصحح حديثه أولًا.
(1)"معرفة" ساقطة من (أ).