الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وإذا انتهى ما وقفنا عليه مِنْ هذا الباب، مِنْ ثناء الشُّيوخ والطلبة والأصحاب، فلنَفِ بما وعدنا به أولًا مجملًا ومفصلًا، فأقول:
[الناقلين عن ابن حجر في تصانيفهم]
إن صاحب الترجمة -سقى اللَّه مضجعه، وبالرحمة عمَّمه- كان إليه المنتهى في الحفظ والإتقان، وعليه المعوَّلُ عند الشيوخ والأقران، فضلًا عَنِ الطَّلبة والشُّبَّان، حتى نقل عنه (1) غيرُ واحدٍ ممَّن تقدم في تصانيفهم، كالتقي الكرماني، حيث جعل "فتح الباري" مِنْ جملة أصوله في "شرحه" الذي عمله على "البخاري"، [بل اختصر مصنفه في الأوائل كما تقدم](2). والبرماوي، حيث قال في خطبة "شرحه على البخاري": فما أضفه إليهما وصل ما أهملا مِنْ التَّعليقات، وتسمية ما أهملا مِنَ تفسير المبهمات، والجواب عما اعترض به الدارقطني والإسماعيلي، وعدد الأسانيد والمتون مما ليس مِنَ الواضحات. وذلك غالبًا من تصانيف بعض الحُفَّاظ العصريين، فإنه أشار بذلك إلى صاحب الترجمة، على ما أخبرني به بعضُ ثقات شيوخنا مِمَّن أخذ عنه. قال: بل كان صرَّح باسمه أولًا، ثُم أبهمه لأمر اقتضى ذلك.
والفاسي والبرهان الحلبي وابن خطب الناصرية والمقريزي وابن الهُمام
(1) في (ب): "عنهم".
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ب).
[وبعضهم في النقل أكثر من بعض](1).
ومن غيرهم، كزاهد العصر العلامة الشهاب أحمد بن رسلان الرملي. نقل عنه في "شرح صفوة الزُّبد" تصحيح [حديث] (2) عبد اللَّه بن عكيم عن ابن مسعود أنه كان يقول:"اللهمَّ زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا"، فقال: قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح. وكذا نقل عنه في غير ما موضعٍ على ما بلغني. وأرسل له بأسئلة خَفِيَ عليه الأمرُ فيها عند شرحه "للسُّنن لأبي داود"، فأجابه عنها. لكنه ما تيسَّر الإرسال بها لقرب وفاة السَّائل مِنْ زمن المسألة. نعم أعطاها شيخنا، بحضرتي، لولده عبد القادر، وقد وَفَدَ عليه بعد وفاة والده، وقال له؛ إن أمكن إلحاق هذه في محالِّها، فلا بأس. وما علمتُ ما اتَّفق فيها، والظاهر أنَّه لم يلحق شيئًا مِنْ ذلك لوفاته أيضًا عَن قريب، رحمهم الله وإيانا.
ثم رأيته في باب تنزيل النَّاس منازلهم من الأدب من "شرحه" نقل عنه بقوله: قال شيخنا ابن حجر.
وشيخ الوقت العارف المربي شمس الدين محمد بن عمر الواسطي العمري، أكثر النقل عنه في تصانيفه بقوله: قال سيدنا ومولانا قاضي القضاة حافظ العصر.
ومن جملة ذلك أنَّه صنَّف كتابًا في أسباب المغفرة، فلخَّص فيه كثيرًا من "الخصال المكفرة" لشيخنا صاحب الترجمة، وكان كثيرًا ما يرسل يسأله عن أحاديث وغيرها. وأسئلته له موجودةٌ الآن عند ولده الشيخ أبي العباس، على ما أخبرني بذلك، أرجو الوقوف عليها إن شاء اللَّه تعالى.
وحكى لي بعض الثقات أنَّه سمعه يقول: إن القاضي جلال الدين البلقيني أنكر على (3) شيخه الشيخ أبي العباس الزَّاهد شيئًا، فناضل عنه
(1) و (2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).
(3)
في (أ): "عليه".
صاحبُ الترجمة، وبيَّن أن الصواب معه، فكان يرعى له ذلك.
وكذا أكثر النَّقلَ عنه في تصانيفه التاريخية ونحوها، فقيهُ الشام التَّقيُّ ابن قاضي شهبة، وأكثرُ المتأخرين في "طبقات الشافعية" له مِنْ كلامه. وأكثر ما يقولُ: قال الحافظ، وربما وصفه بحافظ العصر (1). زاد في بعض المواطن وأديبه.
[وممن نقل عنه: الجلال المحلي والتقي الشُّمُني وآخرون، لا يمكن الوقوفُ على حصرهم، منهم عالم الحنابلة العز الحنبلي، لا سيما في الكتاب الذي ابتكرَ وضعه في المراثي المنظومة، الذي رتبه على حروف المعجم، بل عقد في كل باب مِنْ أبوابه فصلًا لزيادات صاحب الترجمة فيه](2).
والتمس منه العلامة أبو البركات الغرَّاقي، رحمهما اللَّه، إفادة ما وقف على حافظ البلاد الحلبية الأمر فيه في "شرحه على الشفاء" ومعظمه في الرجال. وكأن المصنف كان أوصى أبا البركات بذلك، ففعل ذلك في كثير منها، ثم تشاغل عن باقيها، لكنه التمس مِنَ السائل إفرادها في كُرَّاسة ليسهل الأمر عليه في مراجعتها، وما أظنُّه تيسَّر. إلى غير ذلك مما اشتهر ذكره وانتشر.
وأرسل إليه الشيخ بدر الدين العيني مرارًا يسأل عن أشياء في الرِّجال وغيرها.
وقد شاهد الأئمة مِنْ جلالته ما أعجز عن ذكره، مما هو دالٌّ على عظيم منزلته وعلو قدره. فمن ذلك ما حكيتُه في قصة تمتام عن البلقيني شيخ الإسلام (3)، ومنه أيضًا ما حدَّثنا الثقةُ أنَّ حافظَ الوقت الزين أبا الفضل الراقي خرّج في "الأربعين العشاريات" له "الحديث المسلسل بالآخرية"،
(1) في (ب، ط): "قال حافظ العصر".
(2)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(3)
انظر ص 266 من هذا الجزء.