المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قوة الاستحضار حال القراءة والدرس] - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[حديث: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم]

- ‌[القول في رواية ميمون بن أبي شبيب عن عائشة]

- ‌[أقسام الكتاب]

- ‌المقدمة في التعريف بشيخ الإسلام والمحدث والحافظ

- ‌[شيخ الإسلام]

- ‌[من اشتهر بلقب شيخ الإسلام]

- ‌[تعريف المحدِّث]

- ‌[آداب المحدث]

- ‌[وصية الذهبي للمحدثين]

- ‌[أقسام علوم الحديث]

- ‌[مَنْ يُطلق عليه لقب المحدث]

- ‌[الحافظ]

- ‌[اختصاص العرب بسرعة الحفظ]

- ‌[سلسلة الحفاظ]

- ‌الباب الأولفي ذكر نسبه ومولده وبلدته، وبشارة أبيه به وشهرته ونبذة من تراجم من علمته مِنْ سلفه وإخوته الكرام، أسكنه اللَّه وإياهم دار السلام

- ‌[نسبه]

- ‌[كنيته ولقبه]

- ‌[التلقيب بالإضافة إلى الدين]

- ‌[نسبته]

- ‌[مولده]

- ‌[بشارة والده به]

- ‌[شهرته]

- ‌[أسلافه]

- ‌[والده]

- ‌[إخوته وأخواته]

- ‌الباب الثانيفي صفة مبدأ أمره، ونشأته، وذكر طلبه للعلم ورحلته، وتعيين من أخذ عنه دراية

- ‌[نشأته:]

- ‌[سماعه بمكة:]

- ‌[سرعة حفظه:]

- ‌[طلبه العلم:]

- ‌[دراسته الفقه:]

- ‌[سلسلة الفقه:]

- ‌[سلسلة أصول الفقة]

- ‌[دراسة النحو:]

- ‌[رحلاته]

- ‌رحلته إلى قوص:

- ‌[رحلته إلى الإسكندرية:]

- ‌[رحلته إلى الحجاز:]

- ‌[رحلته إلى اليمن:]

- ‌[اجتماعه بالفيروزآبادي:]

- ‌[رحلته الثانية إلى اليمن:]

- ‌[من لقيهم من العلماء بمكة والمدينة:]

- ‌[رحلته إلى الشام]

- ‌[الأمور المساعدة على طلب العلم]

- ‌[شرب ماء زمزم لقضاء الحوائج]

- ‌[سرعة الكتابة الحسنة:]

- ‌[الصحبة الطيبة من طلبة العلم:]

- ‌[عدم التردُّد إلى الكبراء:]

- ‌[استثمار الوقت]

- ‌[بركة ابن حجر]

- ‌[السفر إلى حلب وسماعه:]

- ‌[التواضع في طلب العلم:]

- ‌[ذكر الأماكن التي زارها الحافظ ابن حجر]

- ‌ذكر القائمة المشار إليها ونصها: "البلدانيات" لكاتبه

- ‌[الاعتناء بالبلدانيات]

- ‌شيوخه

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌القسم الثالث

- ‌مروياته

- ‌صحيح البخاري

- ‌صحيح مسلم

- ‌السنن لأبي داود

- ‌الجامع للترمذي

- ‌السنن للنسائي

- ‌[السنن الكبرى للنسائي]

- ‌السنن لابن ماجه

- ‌الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك

- ‌الموطأ رواية أبي مصعب

- ‌مسند الشافعي

- ‌السُّنن له رواية المزني

- ‌[السنن للشافعي رواية ابن عبد الحكم]

- ‌واختلاف الحديث له

- ‌مسند الدارمي وهو على الأبواب

- ‌مسند عبد

- ‌مسند أحمد

- ‌مسند مسدد

- ‌مسند الطيالسي

- ‌مسند الشهاب للقضاعي

- ‌صحيح ابن خزيمة

- ‌صحيح ابن حبان

- ‌المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم

- ‌السنن للدارقطني

- ‌السنن للبيهقي

- ‌الأدب المفرد للبخاري

- ‌بر الوالدين له

- ‌الأدب للبيهقي

- ‌السِّيرة تهذيب ابن هشام

- ‌عيون الأثر في فنون المغازي والسِّيَر لابن سيد الناس

- ‌بشرى اللَّبيب بذكرى الحبيب له

- ‌دلائل النبوة للبيهقي

- ‌الشمائل النبوية للترمذي

- ‌الشفاء للقاضي عياض

- ‌مكارم الأخلاق للخرائطي

- ‌مساوىء الأخلاق له

- ‌الزهد لابن المبارك

- ‌الحلية لأبي نعيم

- ‌الدُّعاء للطبراني

- ‌الترغيب للتَّيْمي

- ‌فضائل القرآن لأبي عبيد

- ‌المجالسة للدِّينوري

- ‌المعجم الأوسط للطبراني

- ‌المعجم الصغير له

- ‌البعث لابن أبي داود

- ‌الثاني من حديث ابن مسعود لابن صاعد

- ‌مشيخة الرازي

- ‌سداسياته

- ‌جزء أبي الجهم

- ‌جزء سفيان بن عيينة

- ‌جزء مأمون

- ‌جزء ابن مخلد

- ‌الأول الكبير والثاني، كلاهما من حديث المخلِّص

- ‌المسلسل بالأولية

- ‌الباب الثالثفي ثناء الأئمة عليه

- ‌ ثناء الأئمة عليه

- ‌[المحب ابن الهائم]

- ‌برهان الدين الأبناسي

- ‌[عبد الرحمن بن محمد العلوي]

- ‌سراج الدين ابن الملقِّن

- ‌[سراج الدين البُلقيني]

- ‌[الحافظ العراقي]

- ‌[تقي الدين الدِّجْوي]

- ‌[الحافظ الهيثمي]

- ‌[ابن خلدون]

- ‌[الشهاب الحُسباني]

- ‌[ابن حجي الحسباني]

- ‌[ابن درباس]

- ‌[ابن ظهيرة المكي]

- ‌[الفيروزآبادي]

- ‌[حميد الدين التركماني]

- ‌[عز الدين ابن جماعة]

- ‌[كمال الدين الشُّمُنِّي]

- ‌[جمال الدين الأقفهسي]

- ‌[جلال الدين البلقيني]

- ‌[نفيس الدين العلوي]

- ‌[أبو زرعة العراقي]

- ‌[شمس الدين ابن الديري]

- ‌[شرف الدين التَّبَّاني]

- ‌[ابن مغلي]

- ‌[البدر البشتكي]

- ‌[الشمس البرماوي]

- ‌[التَّقيُّ الفاسي]

- ‌[تقي الدين الكرماني]

- ‌[المجد البرماوي]

- ‌[ابن الجزري]

- ‌[الشهاب الكلوتاتي]

- ‌[ابن الغرابيلي]

- ‌[ابن حجة الحموي]

- ‌[زين الدين الخوافي]

- ‌[ابن الخياط]

- ‌[علاء الدين البخاري]

- ‌[سبط بن العجمي]

- ‌[ناصر الدين الفاقوسي]

- ‌[ابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[أبو شعرة الحنبلي]

- ‌[شمس الدين البساطي]

- ‌[ابن خطيب الناصرية]

- ‌[المقريزي]

- ‌[ابن نصر اللَّه البغدادي]

- ‌[شمس الدين ابن عمار]

- ‌[شمس الدين الونائي]

- ‌[عثمان بن عمر الزَّبيدي]

- ‌[شمس الدين القاياتي]

- ‌[عز الدين عبد السلام]

- ‌[الشهاب ابن المجدي]

- ‌[ابن قاضي شهبة]

- ‌[برهان الدين بن خضر]

- ‌[رضوان العقبي]

- ‌[ابن أبي الوفاء]

- ‌[تغري برمش]

- ‌[ابن التنسي]

- ‌[ابن العليف]

- ‌[ابن حسان]

- ‌[أبو الفتح المراغي]

- ‌[موفق الدِّين الإبِّي]

- ‌[ابن الضياء]

- ‌[ابن الهُمام]

- ‌[زين الدين القلقشندي]

- ‌[أبو البركات الغزِّي]

- ‌[ابن كُحيل]

- ‌[علم الدين البلقيني]

- ‌[تقي الدين ابن فهد]

- ‌[تقي الدين القلقشندي]

- ‌[الشهاب الحجازي]

- ‌[قاسم بن قطلوبغا]

- ‌[أبو ذر الحلبي]

- ‌[برهان الدين البقاعي]

- ‌[نجم الدين بن فهد]

- ‌[ابن الشِّحنة]

- ‌[شهاب الدين بن الأخصاصي]

- ‌[قطب الدين الخيضري]

- ‌فصل

- ‌[الناقلين عن ابن حجر في تصانيفهم]

- ‌[مراسلة الحافظ العراقي لابن حجر]

- ‌[مراسلة الجلال البلقيني لابن حجر]

- ‌[القول في رواية رافع بواب مروان عن ابن عباس]

- ‌[القول في حديث "لا تسبُّوا أصحابي

- ‌[جواب ابن حجر عن الحديث]

- ‌فصل

- ‌[حديث رأيت عيسى وموسى وابراهيم]

- ‌[القول في التفريق بين جنادة بن أبي خالد وجنادة بن أبي أميَّة]

- ‌[عنايته بالكتب]

- ‌[تعقُّباته على الكتب]

- ‌[الأربعون التساعيات لأبي علي الصيرفي]

- ‌[الأربعون العشاريات لابن الجزري]

- ‌[الكامل لابن عدي]

- ‌[الأنساب لابن السمعاني]

- ‌[تعقُّبه أبا عليٍّ الصدفي]

- ‌[شرح البخاري لمُغلطاي]

- ‌[تعقُّبه أبا زرعه العراقي]

- ‌[تعقُّبه الحافظ ابن رجب الحنبلي]

- ‌[الحكاية الرباعية المنسوبة للبخاري]

- ‌[تعقُّبه ابن جماعة في العَروض]

- ‌[التعقب على حلّ لغز]

- ‌[تعقبه على ابن جماعة]

- ‌[كمال الظَّرف]

- ‌[عدم جواز تصرُّف الناسخ فيما ينسخ]

- ‌[تعقُّبه على ابن الملقِّن]

- ‌[المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم]

- ‌[سماع رقية بنت الشرف محمد من ابن المصري]

- ‌[إجازة ابن قريش للسويداوي]

- ‌[قياس ارتفاع النيل]

- ‌فصل

- ‌[طبقات الشافعية لابن الملقِّن]

- ‌[الإجابة للزركشي]

- ‌[شرح العمدة للبرماوي]

- ‌[شرح البخاري للعيني]

- ‌[مصنفات المقريزي]

- ‌[قوة الاستحضار حال القراءة والدَّرس]

- ‌الأشعار المنظومة في مدح الحافظ ابن حجر

- ‌[برهان الدين المليجي]

- ‌[الجُحافي]

- ‌[ابن قوقب]

- ‌[برهان الدِّين البقاعي]

- ‌[ابن نصر اللَّه العسقلاني]

- ‌[ابن أبي السعود]

- ‌[الشِّهاب التَّروجي]

- ‌[ابن العماد الأقفهسي]

- ‌[ابن مبارك شاه]

- ‌[الشهاب ابن صالح]

- ‌[ابن عربشاه]

- ‌[ابن كُحيل]

- ‌[ابن القُرْدَاح]

- ‌[الشِّهاب الحجازي]

- ‌[الشهاب المنصوري]

- ‌[الشهاب ابن والي]

- ‌[الشهاب السَّيرجي]

- ‌[الزُّعيفريني]

- ‌[المجد الزَّمزمي]

- ‌[ابن حجَّة الحموي]

- ‌[أبو بكر الزبيدي]

- ‌[ابن صدقة]

- ‌[حسن الصَّفدي]

- ‌[ابن العُليف]

- ‌[خطَّاب بن عمر الدمشقي]

- ‌[ولغيره [في العكس]

- ‌[الأقفهسي]

- ‌[غرس الدين خليل]

- ‌[رضوان العقبي]

- ‌[شعبان الآثاري]

- ‌[المرشدي]

- ‌[تاج الدين الأذرعي]

- ‌[زين الدين البكري]

- ‌[عبد الرحمن الشاذلي]

- ‌[عُبيد الرِّيمي]

- ‌[جلال الدين البلقيني]

- ‌[ابن الخراط]

- ‌[ابن الديري]

- ‌[عبد الرحمن الصوفي]

- ‌[عبد السلام البغدادي]

- ‌[عبد الغني الشرجي]

- ‌[الإشليمي]

- ‌[عبد القادر النحريري]

- ‌[الطَّويلي]

- ‌[الجوجري]

- ‌[ابن العديم]

- ‌[التاج عبد الوهاب]

- ‌[الدواليبي]

- ‌[أبو الحسن العراقي]

- ‌[وما وجدت عندي باقيها]

- ‌[ابن المغلي]

- ‌[الأسواني]

- ‌[الجعبري]

- ‌[عمر الطرابلسي]

- ‌[الطنوبي]

- ‌[مجد الدين ابن مكانس]

- ‌[قاسم بن قطلوبغا]

- ‌[البدر البشتكي]

- ‌[القباقبي]

- ‌[ابن خطيب داريّا]

- ‌[شمس الدين البساطي]

- ‌[شمس الدين الأسيوطي]

- ‌[شمس الدين الدجوي]

- ‌[المراغي]

- ‌[البدر المارديني]

- ‌[بدر الدين الدماميني]

- ‌[الشريف الأسيوطي]

- ‌[شمس الدين القادري]

- ‌[ابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[شمس الدين النَّواجي]

- ‌[ابن المصري]

- ‌[شمس الدين الطنتدائي]

- ‌[قطب الدين المكي]

- ‌[شمس الدين الهيثمي]

- ‌[ابن الفالاتي]

- ‌[محمد بن عمر الحنفي]

- ‌[ابن قرقماس]

- ‌[الرّاعي]

- ‌[البدر سبط الحسني]

- ‌[شمس الدين الزركشي]

- ‌[زين الدين الخوافي]

- ‌[البكري]

- ‌[ابن ناهض]

- ‌[مسافر بن عبد اللَّه]

- ‌[نعمة اللَّه الجرهي]

- ‌[الفرَّاء]

- ‌[الشريف]

- ‌[شخص من المنزلة]

الفصل: ‌[قوة الاستحضار حال القراءة والدرس]

فليس ذلك مِنْ شكر العلم، واللَّه المستعان.

[شرح البخاري للعيني]

وقرأتُ بخطه أيضًا: "شرح البخاري" لبدر الدين العيني. أخذه من "فتح الباري" لابن حجر، ونقص منه وزاد فيه قليلًا، ولكن أكثرَهُ يسوقُه بحروفه، الورقةَ والورقتين وأقلَّ وأكثر، أو يعترض عليه اعتراضاتٍ واهية (1).

قلت: وقد بيَّنها صاحبُ الترجمة في مصنَّفه "انتقاض الاعتراض"، رحمهم الله أجمعين.

[مصنفات المقريزي]

وقرأت بخطه أيضًا في ترجمة الأديب المؤرخ الشهاب أحمد بن الحسن بن عبد اللَّه بن طوغان الأوحدي ما نصه: اعتنى بعمل خُطط القاهرة، ومات عنه مسوَّدة، فبيَّضه الشيخ تقي الدين المقريزي.

قلت: وكذا عَمل في "تاريخ مصر" للقطب الحلبي، فإنَّه لم يبيض منه غيرَ المحمدين وبعض الهمزة، فأخذ المسوَّدة بتمامها، ولخَّص تراجمها، ولم ينسُب له -فيما رأيتُ- ولا الترجمة الواحدة.

[قوة الاستحضار حال القراءة والدَّرس]

وكان رحمه الله، لسعة حفظه ووفور استحضاره، لا يمتنع مِنْ كتابة الفتاوى، بل والتَّصنيف وغيره في حالة الإسماع، كما أشير لشيء مِنْ ذلك في الباب الثاني. ويَردُّ مع ذلك على القارىء السَّقطَ في السَّند، والتحريفَ فيه، وفي المتن، وأمرُهُ في ذلك أجلُّ من أن يذكر.

ولقد حكى لي قاضي القضاة البدر ابن التَّنَسي المالكي رحمه اللَّه تعالى، قال: كنت آتيه للقراءة عليه، فلا أراه يترُكُ الكتابة حين قراءتي، فعل

(1) في (أ): "وتعرض عليه اعتراضات".

ص: 394

ذلك معي مرارًا. فقلت في نفسي: أنا أجيءُ مِنَ المكان البعيد، وهو لا يعبأ بي، فعسى أن يحصُل خللٌ أو تحريفٌ، وصِرْتُ في ألَمٍ بذلك. فأضمرتُ في نفسي يومًا أنَّني أتعمَّدُ إسقاط شيءٍ أمتحنُه به، ففعلت ذلك. فبمجرَّدِ أن مررتُ فيه، رفع رأسه وقال: أعِدْ، فأعدت القراءة على الصَّواب، فأطرق (1)، وعلمت أنه غيرُ غافلٍ عني.

قلت: ورأينا منه العجب في ذلك.

وقد قال الخطيب في "تاريخ بغداد": حدثني الأزهري، قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصّفار، فجلس ينسخُ جزءًا، والصَّفار يُملي، فقال له رجل: لا يصِحُّ سماعُك وأنت تنسخُ. فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلافُ فَهْمِك. تحفظ كم أملى الشيخ؟ فقال: لا. قال: أملى ثمانية عشر حديثًا، الحديث الأول: عن فلان عن فلان، ومتنه كذا. والحديث الثاني: عن فلان عن فلان، ومتنه كذا. ثم مرَّ في ذلك حتى أتى (2) على الأحاديث، فتعجب النَّاس منه، أو كما قال.

وحكى العماد ابن كثير عن شيخه المِزِّيّ أنَّه كان يكتب في مجلس السماع ويَنْعَس في بعض الأحيان، ويرُدُّ على القارىء ردًا جيدًا بيِّنًا واضحًا، بحيث يتعجَّبُ القارىءُ ومَنْ حضر.

وحكى ذلك الذهبيُّ أيضًا في ترجمته مِنَ "الحفَّاظ" فقال: وكان يطالع وينقُل الطِّباقَ إذا حدَّث، وهو في ذلك لا يكادُ يخفى عليه شيْءٌ ممَّا يقرأ، بل يَرُدُّ في المتن والإسناد ردًا مفيدًا، يتعجَّب منه فُضلاءُ الجماعة.

قلت: وهكذا كان صاحبُ الترجمة كما تقدم، بل ربما قُرىء عليه بعد العشاء وهو ناعس، فيرُد أيضًا، وإن لم يكن أهل الحديث يتركونه يتمادى في النُّعاس.

ومن أظرف ما رأيتُه في ذلك: أنَّ بعضَ طلبته مِنْ أصحابنا رآه مُطْرِقَ

(1)"فأطرق" ساقطة من (ب).

(2)

في (أ): "مرَّ".

ص: 395

الرَّأس، فتوهم أنَّه ناعسٌ، فأخذ يضربُ الأرض بمفتاحه مرَّةً بعد أخرى، وأكثرَ مِنْ ذلك، وصاحبُ الترجمة ينظرهُ، وهو يبالغ في ذلك، ولا يرفَعُ رأسه، إلى أن زاد، فعند ذلك قال له: يا أخي، ما مِنْ ضربةٍ إلا وأنا أراها بعيني، أو كما قال. وهذا لسَعَةِ حلمه وعلمه بأحوال الطَّلبة.

وممن بلَّغني عنه مِنَ المتأخرين أنَّه كان يقرِّر "شرح الألفية" لابن المصنِّف وهو ناعسٌ، لشدة إتقانه للفن، الشَّيخُ العارف باللَّه تعالى شمس الدين البوصيري، كما أخبرني بذلك تلميذُه شيخُ المذهب الحنبلي العزُّ العسقلاني.

وقد قال الرافعي رحمه الله في "أماليه": كان أبو الحسن الطالقاني شيخُنا ربما قُرِىءَ عليه الحديثُ وهو يصلِّي، ويصغي إلى ما يقول القارىء، وينبِّهُه إذا زلَّ، يعني بالإشارة. انتهى.

وكذا حُكي عن الدَّارقطني، قال الصُّوري: سمعت رجاء بن محمد يقول: كُنَّا عند الدارقطني وهو يصلي، فقرأ القارىء "نسير بن ذعلوق" فغيَّره "يسير" فسبَّح الدارقطني، فقال القارىء:"بشير" فتلا الدارقطني: {ن وَالْقَلَمِ} .

وحكى حمزةُ نحوها، لكن قال: إنَّ القارىء قرأ عمرو بن سعيد، فسبَّح الدارقطني، [فوقف القارىء](1)، فقرأ الدارقطني:{يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ} .

قلت: والنَّاس في ذلك متفاوتون؛ وأعلاهم رُتبة ما يُعزى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنَّه أصيب بسهمٍ في بعض الحُروب، فجذب السَّهمَ، وبقي النَّصلُ في عُضوه، فقيل له: إن لم يخرج العضو لا يمكن إخراجُ النَّصلِ، ويُخاف مِنْ إيذائك، فقال لهم: إذا اشتغلتُ بالصلاة فاستخرجوه (2)، ففعلوا ذلك، ولم يشعر به. فإنَّه لمَّا فرغ مِنْ صلاته، قال:

(1) ساقطة من (أ).

(2)

في (أ): "فأخرجوه".

ص: 396

لِمَ لَمْ تستخرجوا (1) النَّصل؟ فقالوا: قد فعلنا.

ونحوه ما حُكِيَ عن عُروة بن الزُّبير رضي الله عنهما، أنَّه حصلت له أَكِلَةٌ، فأشير بقطع العُضو. وفُعِلَ ذلك وهو في الصَّلاة، فما تضوَّر وجهُه، وهذا لشدة الخشوع.

إذا عُلِمَ هذا، فلم يكن صاحبُ الترجمة بالمتشدِّد في الإسماع، بل كان -كما حكاها ابن كثير عن المِزِّي- يحضرُ عنده مَنْ يفهم ومَنْ لا يفهم. والبعيدُ مِنَ القارىء، والنَّاعس والمتحدِّث، والصبيان الذين لا يضبط أحدهم، بل يلعبون (2) غالبًا، ولا يشتغلون بمجرَّد السماع، ويكتب للكلِّ بحضور المِزِّي السماع.

ثمَّ قال ابنُ كثير: وبلغني عَنِ القاضي التَّقيِّ سليمان بن حمزة، أنَّه زُجر في مجلسه الصِّبيان عَنِ اللَّعب، فقال: لا تزجرُوهم، فإنَّا إنَّما سمعنا مثلهم.

وكفى بهذين الإمامين (3) سلفًا، بل فعلُه هو حجة لغيره.

ولو تتبعت مَنْ جرى مجراهم في ذلك، لخرجتُ عن المقصود، لا سيما وقد أوضحتُ المسألة في "حاشية الألفية وشرحها"، واللَّه الموفق.

وقد سُئِلَ عمَّن يحضُر مجلسَ الحديث ممَّن لا يفهم العربي، أيكتُب له حضورٌ أو سماع؟ فقال: سماع.

ومِنْ سَعَةِ حفظه: أنَّه حضر ليلةً مِنْ ليالي رمضان بجانب الحاكم للصَّلاة خلف ابن الكُويز، إذ صَلَّى للناس التراويح عقب ختمه القرآن على جاري عادة الأولاد. فجلس بجانب المحراب ينتظر مجيء المذكور، وكان الشيخُ شهابُ الدين بن أسد يقرأ في "الترغيب والترهيب" للمنذري للجماعة الحاضرين إلى أذان العشاء. فلمَّا انتهت القراءةُ ثمَّ الصلاة، ومشي القاريءُ

(1) في (أ): "تُخرجوا".

(2)

في (أ): "لا ينضبط أحدهم بل يلقنون".

(3)

في (أ): "بهذا الإمام".

ص: 397

المذكور في خدمته مع الجماعة. قال له شيخنا: يا شيخ شهاب الدين، سقط مِنْ نسختك حديثُ كذا، حديث كذا. فقال: واللَّه يا مولانا شيخ الإسلام، بل حذفتُ ذلك عمدًا، لعدم إتقاني للفظهما (1) الساعة، وما تيسَّر لي قبلَ المجيء تحريرُهما فسكت.

حكى لي ذلك الشيخ شهاب الدين الحجازي، واستغرب ذلك، والأمرُ وراء هذا:

نزلوا بمكة في قبائل نَوْفَلٍ

ونزلت بالبيداء أبعدَ منزلِ

رحمه الله وإيانا.

(1) في (ب): "لحفظهما".

ص: 398