الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو عن قامع المعتزلة وغيرها وشيخ أهل السنة أبي الحسن الأشعري، وهو عن أبي بكر بن علي الشَّاشي، عرف بالقفَّال الكبير، أول من صنف الجدل الحَسَن من الفقهاء ودوَّنه، وشرح "الرسالة"، وهو وأبو إسحاق المروزي وابن القطان عن أبي العباس بن سُرَيج. وكان ابن القطان خاتمة أصحابه، وهو عن الأنماطي، وهو عن المُزني والربيع المرادي، وهما عن الشافعي مصنف "الرسالة" وهي أول شيء وُضِع في أصول الفقه.
ولم يقع لصاحب الترجمة ما فيها من كلام الإمام مسموعًا، مع كون بعض شيوخ عصره -وهو السِّراج الكُومي- كان يرويه سماعًا في ضمن الكتاب بسندٍ شاميٍّ، إلا أنه لم يتهيأ له سماعه منه، وقد أخذناه من غيرِ واحدٍ من أصحاب الكُومي بالسماع، فلله الحمد (1).
[دراسة النحو:]
وحيث ذكرنا ما تقدَّم، فلا بأس بذكر سنده بالنَّحو، فنقول: قال شيخنا صاحب الترجمة: أخبرني بعلم النحو أبو الفرج الغزِّي إذنًا، عن أبي النُّون يونس بن إبراهيم الدبّوسي (2)، أنبأنا العلامة النحوي أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي الفضل المرسي، أخبرني العلامة النَّحوي اللُّغوي أبو اليُمْن زيد بن الحسن الكندي، أخبرني الإمام النحوي أبو محمد عبد اللَّه بن علي بن أحمد بن عبد اللَّه سبط الزاهد أبي منصور الخيَّاط، أخبرني الإمام النَّحوي أبو الكرم المبارك بن فاخر الدَّباس، أخبرني النحوي الأستاذ أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر بن برهان العسكري الحنفي، أخبرني النحوي أبو القاسم علي بن (3) عبد اللَّه الدقيقي، أخبرني
(1) من قوله: "ولم يقع لصاحب الترجمة" إلى هنا، ورد في (ط) بعد قوله:"عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه"، الآتي قريبًا.
(2)
في (ط): "أبي الثور يوسف بن إبراهيم الدوسي"، وهو تحريف شنيع. والدبوسي هو فتح الدين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني. توفي سنة 729 هـ. الدرر الكامنة 4/ 484 - 485.
(3)
"ابن" ساقطة من (أ).
أبو الحسن علي بن عيسى بن علي الرُّماني (1)، أخبرني النحوي القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد اللَّه بن المرزُبان السِّيرافي، أخبرني أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل البغدادي، الملقب مَبْرَمان، أخبرني أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، وهو أخذ عن أبي عثمان بكر بن محمد المازني الشيباني، وأبي عمر صالح بن إسحاق الجرمي (2)، وأخذ عن أبي الحسن سعيد بن مَسْعَدَة الأخفش الأوسط، وأخذ عن إمام النحاة أبي بشر عمرو بن عثمان سيبويه، وأخذ عن أبي عمرو بن العلاء البصري، وأخذ عن نصر بن عاصم الليثي البصري [الذي قيل: إنَّه أول من وضع العربية] (3)، وهو عن أبي الأسود الدؤلي، وهو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4).
ولنرجع لما كنا فيه.
وأكثر رضي الله عنه من التردُّد إلى العراقي المذكور، فقرأ عليه غير ما تقدم - مِنَ الكتب الكبار والأجزاء القصار الكثيرَ، وحمل عنه مِنْ "أماليه" جُملة مستكثرة، واستملى عليه بعضها، وأذِنَ له في تدريس "الألفية" و"شرحها"، و"النكت على ابن الصلاح" وسائر كتب الحديث وعلومه، وإفادتها، ولَقَّبه بالحافظ، وعظَّمه جدًّا، ونوَّه بذكره. وقال: إنه لرغبته في الخير غنِيٌّ عن الوصية، زاده اللَّه علمًا، وفهمًا، ووقارًا، وحلمًا، وسلَّمه حضرًا وسفرًا، وجمع له الخيرات زُمرًا.
قلت: وقد استجيب دعاءُ هذا العالم الربانيِّ والقطبِ النورانيِّ، وكان يُحيل في كثيرٍ مما يسأل عنه عليه، وربما كتب إليه بخطه يسأله عمَّا يحتاجُ إلى الوقوف عليه، كما سيأتي ذلك مبيَّنًا في محله.
ولازم العلامة إمام الأئمة عز الدين محمد بن أبي بكر بن
(1) تحرف في (أ، ح) إلى "الزنجاني".
(2)
في (ط): "ابن عمر صالح بن إسحاق الحربي"، تحريف. وانظر ترجمته "إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين" ص 145.
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ط).
(4)
من قوله: "وحيث ذكرنا" إلى هنا ورد في هامش (ب) بخط المصنف.
عبد العزيز بن محمد بن جماعة في غالب العلوم التي كان يُقرئها من سنة تسعين، إلى أن مات في سنة تسع عشرة في "شرح منهاج البيضاوي"، وفي "جمع الجوامع" و"شرحه" للشيخ، وفي "المختصر الأصلي" لابن الحاجب. والنصف الأول من "شرحه" للقاضي عضد الدين، وفي "المطول" للشيخ سعد الدين، وغير ذلك، وعلق عنه بخطِّه أكثر "شرح جمع الجوامع"، وأفاد فيه كثيرًا، ولم يحدِّث ابن جماعة بشيء من الحديث قبل شيء قرأه عليه صاحبُ الترجمة، وهو الجزء الخامس من "مسند السّراج" في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين، فإنني قرأت بخط صاحب الترجمة: لم يحدِّث شيخنا بشيء قط قبل هذا الأوان. انتهى.
وكان ابن جماعة يودُّ صاحبَ الترجمة كثيرًا، ويشهدُ له في غيبته بالتَّقدم ويتأدَّب معه إلى الغاية، ويكتبُ في الاستدعاءات ونحوها تحت خطه، كما رأيت ذلك في استدعاء بخط الشرف المناوي في سنة ثمان عشرة، التمس الإجازة فيه من صاحب الترجمة وغيره من الشيوخ، فكان صاحب الترجمة أوَّل مَنْ كتب. فكتب العزُّ بن جماعة تِلْوَ خطِّه، مع مبالغة شيخنا في تعظيمه، حتى إنَّه كان لا يسمِّيه في غيبته إلا إمام الأئمة.
وحضر دروس العلامة همام الدين بن أحمد الخوارزمي، الذي اتَّفق له معه ما يأتي في كائنة الهروي، وسمع من فوائده.
ومن قبله حضر دروس العلَّامة العجمي قنبُر بالجامع الأزهر. وكذا حضر دُروس غير واحد، كالدر ابن الطنبذي (1) وابن الصاحب (2)، والشهاب أحمد بن عبد اللَّه بن حسن البوصيري، وأخذ عن الشيخ جمال الدين عبد اللَّه بن خليل بن يوسف المارديني الحاسب المؤقِّت مِنْ فوائده. لكن ما اقتصرتُ عليه مِنَ الشُّيوخ أعلى وأولى.
(1)"الطنبذي" ساقطة من (أ).
(2)
في (أ): "ابن الصلاح"، خطأ. وهو بدر الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن الصاحب. توفي سنة 788 هـ. "الدرر الكامنة" 1/ 248 - 250، و"المجمع المؤسس" 3/ 67.
ونظر في لغة العرب، ففاق في استحضارها، حتى لقد رأيت النَّواجي يأتي إليه في كلِّ شهر بما يقف عليه مِنْ ذلك وشِبْهِه، فيراجعه فيه، فيزيحُ عنه إشكاله، ويرشده إلى فهمه بديهةً، بحيث يكثر الآن تأسُّفي على عدم ضبط ما كنت أحضرُه من ذلك.
وقرأ على شيخه العلامة شيخ الإقراء برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخي الفاتحة، ومن أول البقرة إلى قوله {الْمُفْلِحُونَ} [آية: 5]، بالروايات السَّبع، جامعًا لذلك بين طرق (1) الشاطبي و"العنوان"(2) و"التيسير"، وأذِنَ له الشيخ في الإقراء بذلك، وأشهد على نفسه -على العادة في ذلك- في سنة ست وتسعين وسبعمائة، وأخبره بقراءة هذا القدر المعيَّن على العلامة برهان الدين إبراهيم الجعبري (3) نزيل بلد الخليل. وبقراءة القرآن جميعه للسبعة أيضًا على العلامة شمس الدين السَّراج والبرهان الحُكري وأبي العباس المرادي وأبي عبد اللَّه الوادي آشي، وللعشرة على سيبويه الزمان أبي حيان، بأسانيدهم التي لا نُطيل بإيرادها. وكان شيخنا جوّده قبل ذلك كما تقدم.
وقرأ على العلَّامة أحدِ الأفراد في معناه البدر محمد بن إبراهيم البَشْتكي مجلسًا واحدًا من "مقدمة لطيفة في علم العروض"، وكان السبب في ذلك ما سمعتُه مِنْ شيخنا غيرَ مرة، قال: كنت في أوَّل الأمر أنظم الشعر مِنْ غير تقدم اشتغال في العَروض، فسألني شخص أن يقرأ عليَّ مقدمة في العروض سريعة المأخذِ، وأجبته لذلك، وواعدته ليوم عيَّنتُه له، ثمَّ توجهتُ في الحال مِنْ مصرَ إلى القاهرة، فاجتمعت بصاحبنا البدر البشتكي، وسألته عن مقدمة في ذلك سهلة التَّناول، فأشار إليها، فأخذتها منه، وقرأت عليه منها مجلسًا،
(1) في (ب، ط): "طريق".
(2)
في (ط): "الفنون".
(3)
في (ب، ط): "برهان الدين بن إبراهيم"، خطأ. وهو برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري المقريء. توفي سنة 732 هـ. الدرر الكامنة 1/ 50.
استفدت مه معرفة الفنِّ بكماله، ورجعتُ فأقرأتها السائل، ولم أحتج لقراءة باقيها. هذا معنى ما حكاه. فقد كتبته من حفظي.
وكثر انتفاعه به وبكتبه في الأدبيات، ولازمه قديمًا بضع سنين، [بل كان البدرُ يذكر أنه هو المشيرُ عليه في الاشتغال بالحديث](1)، ثم احتاج البشتكيُّ بعد ذلك للقراءة على صاحب الترجمة في الحديث كما سيأتي.
وجَدَّ رضي الله عنه بِهمَّة وافرةٍ وفكرةٍ (2) سليمة باهرة، في طلب العلوم، منقولها ومعقولها، حتى بلغ الغاية القُصوى، وصار كلامُه مقبولًا عند أرباب سائرِ الطَّوائف، لا يعْدُون مقالته لشدَّة ذكائه وقوَّة باعه، حتى كان حقيقًا بقول القائل:
وكان مِنَ العلوم بحيث يُقضى
…
له في كلِّ علمٍ بالجميع
واجتمع له من الشيوخ الذين يُشار إليهم، ويُعوَّلُ في حلِّ المشكلات عليهم ما لم يجتمع لأحدٍ مِنْ أهل عصره، لأنَّ كل واحدٍ منهم كان متبحِّرًا ورأسًا في فنه الذي اشتهر به، لا يلحق فيه، فالبلقيني في سَعَةِ الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقِّن في كثرة التصانيف، والعراقي في معرفة علم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والمجد الشيرازي في حفظ اللُّغة واطِّلاعه عليها، والغُمَاري في معرفة العربية ومتعلقاتها، وكذا المحب ابن هشام، كان حسنَ التَّصرُّف فيها لوفور ذكائه، وكان الغماري فائقًا في حفظها، والأبناسي في حُسن تعليمه وجَوْدَةِ تفهيمه، والعز ابن جماعة في تفنُّنه في علوم كثيرةٍ، بحيث إنه كان يقول: أنا أُقرِىءُ في خمسة عشر علمًا لا يعرف علماءُ عصري أسماءها، والتَّنوخيُّ في معرفته القراءات وعلوِّ سنده فيها. وهم -مع ذلك- في غاية التَّبجيل لصاحب الترجمة، والتكريم والتحرُّز عن مخاطبته بغير تعظيم، بل ربما راجعوه للتفهيم.
(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(2)
"وفكرة" لم ترد في (أ).
وقرأتُ بخط صاحب الترجمة في ترجمة المجد الشيرازي من "ذيله على الحفاظ" ما نصه: وهو آخرُ الرُّؤوس الذين أدركناهم موتًا، فإني أدركت على رأس القرن رؤساء في كلِّ فنٍّ، كالبلقيني، والعراقي، والغماري، وابن عرفة، وابن الملقن، والمجد هذا.
قلت: وابنُ عرفة إنَّما أجاز له.
واللَّه أسأل أن يعُمَّ الجميعَ بالرحمة، وأن يُلهِمَنا حفظَ الحديث النبوي وفهمه، ويوفقنا لشكر هذه النعمة، إنه قريب مجيب.