الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات بمكة المشرفة في خامس عشري (1) رمضان سنة خمس وثمانين وسبعمائة، ودفن بالمَعْلاة بتربة سفيان بن عيينة منها، كما وجد ذلك بلوح هناك، وأغفل القاضي تقي الدين الفاسي ذكره من "تاريخه"، وأفادناه صاحبنا محدث مكة (2)، دام النفع به.
وأما تقي الدين، فهو جد المكثر زين الدين. أبي الطيب أحمد المدعو شعبان بن محمد بن تقي الدين محمد المذكور. الذي اعتنى به صاحب الترجمة، وأسمعه الكثيرَ بمصر والشام وغيرهما على خلائق لا يُحصَوْنَ كثرة. وأخذ عنه الطلبة وأضرَّ وانقطع. وكان في ظلِّ شيخنا، ثم ولده. ومات في سنة تسع وخمسين وثمانمائة. وكان مولده في سنة ثمانين وسبعمائة، رحمه الله وإيانا.
[والده]
وأما نور الدين، فهو والد صاحب الترجمة. قال (3): وكان مولده في حدود العشرين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح بن سيد الناس وطبقته، وتعانى من بين إخوته الاشتغال بالعلم، فمهر في الفقه والعربية والأدب، وقال الشعر فأجاد. ووقَّع في الحكم، وناب قليلًا عن ابن عقيل، ثم تركه لجفاء ناله من ابن جماعة لما عاد بعد صرف ابن عقيل. من أجل تحققه بصحبة ابن عقيل.
وأقبل على شأنه، وأكثر الحج والمجاورة. وله عدة دواوين؛ منها "ديوان الحرم"، مدائح نبوية ومكية في مجلدة.
وكان موصوفًا بالعقل، والمعرفة والديانة، والأمانة، ومكارم الأخلاق،
(1) في (ب، ط): "عشر"، عشري.
(2)
هو نجم الدين بن فهد المتوفى سنة 885 هـ. وكلامه هذا في كتابيه: "إتحاف الورى بأخبار أم القرى" 3/ 343، و"الدر الكمين". ولم يُطبع بعد.
(3)
في "إنباء الغمر" 74/ 75.
ومحبة الصالحين، والمبالغة في تعظيمهم، ومن محفوظاته "الحاوي"، وله استدراك على "الأذكار" للنووي. فيه مباحث حسنة. وكان ابن عقيل يحبه ويعظمه، ورأيت خطّه له بالثناء البالغ.
ولما قدم الشيخ جمال الدين بن نباتة مصر أخيرًا، أنزله عنده ببيت من أملاكه في جواره، وطارحه ومدحه بما هو مشهور في "ديوانه"، ثم انحرف عنه، وانتقل إلى القاهرة، كعادته مع أصحابه في سرعة تقلُّبه، عفا اللَّه عنه. آمين.
قرأت بخط ابن القطان، وأجازنيه: كان يحفظ "الحاوي الصغير"، وينظم الشعر، وكان مجازًا بالفتوى، وبالقراءات السبع، حافظًا لكتاب اللَّه تعالى، معتقدًا في الصالحين وأهل الخير، جعله اللَّه تعالى منهم.
وكان قد أوصى أن يكفَّن في ثياب الشيخ يحيى الصنافيري، قال: ففعلنا به ذلك، وهو القائل، ومن خطه نقلت:
يا رب أعضاء السجود عتقتها
…
من فضلك الوافي وأنت الواقي
والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى
…
فامنُنْ على الفاني بعتق الباقي
مات في يوم الأربعاء، ثالث عشري شهر رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وتركني ولم أكمل أربع سنين، وأنا الآن أعقله كالذي يتخيَّل الشيء ولا يتحققه، وأحفظ منه أنه قال: كنية ولدي أحمد أبو الفضل.
قلت: وأمه هي ابنة محمد بن براغيث، كما استفدت ذلك من ترجمة أخيها أحمد بن محمد بن براغيث، شهاب الدين أحد الأعيان بالقاهرة. فإن صاحب الترجمة ترجمه في "الدرر" (1) وقال فيه: هو خال أبي. مات في شوال سنة ست وسبعين وسبعمائة. انتهى.
(1) 1/ 258.
قلت (1): وديوانه السابق وقفت عليه بخطه.
وكتب الجمال ابن نباتة بخطه ما صورته:
أنشدني القاضي نور الدين ابن حجر بمصر المحروسة لنفسه من أبيات:
واشتعل القلبُ بنار الغضا
…
واشتغل الفكرُ بما لا يطاقْ
وقلت صلني يا حبيبى هنا
…
كي أشتفي منك بطيب التَّلاقْ
فقال لي إني غزالٌ فلا
…
تَحْسَبن يا هذا بزاق الزلاق
ومن شعره يذكر صنعة أبيه في البر:
سكندرية كم ذا
…
يزهو قماشك عزَّا
فطمت نفسي عنها
…
فلست أطلب بزَّا
وله أرجوزة ذكر فيها وقعة بيبغا، جاء منها:
وطلع السلطان نحو القلعة
…
فأسعد الرحمن تلك الطلعة
وله موشح أوله:
هل تُرى بعد الظَّما
أروى بما أشتهي
مِنْ رَشْفِ ذاك اللَّعسِ
وكتب إليه البرهان القيراطي، وقد أهدى له المذكور صحن كنافة، فقال:
بالشِّعر والثغر إمسائي وإصباحي
…
والخدّ في ليل ذاك الصُّدغ مصباحي
من لي بأهيف قلبي مِنْ لواحظه
…
وقدّه بين سيَّاف ورمَّاح
(1)"قلت": من (ط).
طبت حلاوة ريقٍ منه أسكرني
…
سكري بحلواء نور الدين يا صاحِ
أُعيذُ بالشمس صحنًا مثل بَدْرِ دُجًا
…
منه (1) سرى والدجى لم يمحه ماحي
جاءت كنافته نحوي مملَّحةً
…
حَلَا بها العيش في شختور ملاحِ
فخفض عيشي بها والنِّيل مرتفعٌ
…
جددت فيه بعرس النيل أفراحي
حويتها في ليالي الصوم منه ولم
…
أقل وقد زرتُه في رفقتي ياحي
وللقيراطي في ذلك أيضًا عدة مقاطيع أخذها مضمنًا، فقال:
أهديت نور الدين صحنَ كُنافةٍ
…
مخروطة كالفضَّة البيضاءِ
من فيض كفِّك جاده قطرُ النَّدا
…
وانحلَّ فيه خيطُ كلِّ سماءِ
وقوله مضمِّنًا أيضًا:
أنورَ الدِّين قد أهديت صحنًا
…
كُنافته سقاها قطرُ مزنِكْ
وقد نبَّهتُ نسمة جودكم لي
…
وقلت لها: "ألا هُبِّي بصحنكْ"
وقوله:
أتى منك نور الدين صحنُ كُنافةٍ
…
حلا وغدا ما في حلاوته مَنُّ
وبالسُّكَّرِ المذرور خُشِّن وجهُه
…
فنَعَّمَ عيشي بالهنا ذلك الصحنُ
وقوله:
مولاي نور الدين صحنك (2) لم يزل
…
يروي مكارِمَك الصحيحة عن عطا
صدقَتْ قطايفُك الكبار حلاوة
…
بفمي وليس بمنكر صدق القَطَا
وكتب إليه البرهان أيضًا يهنيه لما قدم من مكة:
(1)"منه" ساقطة من (ب).
(2)
في (ب، ط، ح): "ضيفُك".
تقبَّل اللَّه حجًّا جئت منه إلى
…
منازل زانها مذ جئتَها الخفرُ
ما قمت يا حجريِّ البيت مستلمًا
…
إلا درى بالمقام الحِجْر والحَجَرُ
أكثرت حجًّا وتطوافًا فقلت لمن
…
ضاهى وكم لعليٍّ بعدها عُمرُ
يقبِّل الأرض وينهي هناء بجوار ذلك البيت المحرم، والوصول لكيما السعادة عند الظفر بذلك الحجر المكرم، والسير الذي تودُّ العينُ لو اكتحلت من إثمده بمرود، والعيش الأبيض بذي الخال الأسود والمقام بالمقام، والسعادة التي أحلَّت مولانا بالبيت الحرام، والحِجْر الذي ظفر به الفائزون فغنموا أجورًا، وانقطع عنه العاجزون، فرأوه حِجْرًا محجورًا. كم سكر الساعون بين المروتين، وكحلوا نواظرهم حال السعي بينهما بالميلين الأخضرين سرورًا يتبعه سرور، ونظرة لاح لها من إشراق ما (1) وَجه مولانا نور على نور. فهنيئًا لمولانا طوافُه وتركعه، وشربُه مِنْ ماء زمزم وتضلُّعه، وتعبُّده الذي يقطع الزمان في اتصاله ولا يقطعه، والصاعدُ من الكلم الطَّيب الذي يتقبَّله اللَّه، والعمل الصالح يرفعُه، لقد استفرغ وسعه في جلاء صحائف الحسنات، وأفنى دَرَج سُلَّماته، ليقعد -إذا قامت الساعة- على أعلى الدرجات، ما سار مِنْ حَرم إلا إلى حرم. ولا ارتحل من معدن كرم إلا إلى معدن كرم، فطُوبى لإيابه بطيبة، وللَّه فوزه بالمقام الذي خضعت الملائكة والملوك له هيبة. لقد اجتنى من تلك الروضة ثمار العفو يانعة، واجتلى مِنْ حرم من انشقَّ له القمرُ شمس الرِّضا طالعة، وحبذا عودُه إلى الأوطان بعد قضاء الأوطار، وقدومه في الوفد الذي أضاعت بُدور وجوههم في أهله الأكدار، والرَّكبِ الذين تضوع أرواح نجدٍ عند قدومهم، لقرب العهد من الدار.
وكتب البرهان إلى الجمال ابن نباتة أبياتًا، جاء منها مما يتعلق بالمذكور قوله:
(1)"ما" ساقطة من (ح).
طارحت من حجرٍ أديبًا درةً
…
تسمو جريرًا في الورى وصفاته
وجرَيْتُما بَحْرَينِ حين نطقتما
…
والخصم ودَّ وقوفه وسكاته
وممَّن كتب عنه من نظمه: الشهاب ابن أبي حِجْلة، فإنه كتب بخطه: أنشدني نور الدين ابن حَجَر مِنْ قصيدة في حادثة إسكندرية:
لو تَرى الأطفال لما أُسِرُوا
…
وبنُو الأصفر في سوء ظَفَرْ
الأبيات
…
قال صاحب الترجمة: أنشدنيها سراج الدين عمر بن الصيرفي بالإسكندرية سنة سبع وتسعين وسبعمائة، قال أنشدنا ابن حجر لنفسه في واقعة الإسكندرية المشهورة:
أيُّ خطبٍ أورثَ الجفنَ سهرْ
…
وكوى القلب بنار وضَرَرْ
كلَّما قيل انطَفَتْ نارُ الأسى
…
زاد في الأحشاء للحين شررْ
أيُّها السائل عما قد جرى .. أفَتَرْضى عن عيانٍ بخبرْ
نطق الجامدُ من عبرتنا
…
بلسان الحال والثغر عبَرْ
نفذ الأمر فلا ردَّ (1) له
…
كل شيء بقضاءً وقدرْ
حصلت في الثَّغر أدهى فتنةٍ
…
صيَّرت ما تُبصِرُ العينُ أثرْ
لو ترى الأطفال لما أُسروا
…
وبنو الأصفر في سوء ظفَرْ
طرقوا الثغرَ لعشرين انقضت
…
وثلاثٍ جئن مِنْ قبل صفرْ
عام سبعٍ بعدَ ستين ولم
…
يكُ فيها مثلُها منذ عَمَرْ
يا لها من جمعة قد فَرَّقَتْ
…
بين أحباب فلم يُغْنِ الحذرْ
دخلوها عنوة فانتهبت
…
صورَ الأقمار عبَّادُ الصورْ
(1) في (ب، ط): "فلا رادّ"، وكتبت كذلك في (ح)، حيث كتبها المصنف بخطه في جذاذة ملحقة بالأصل، ثم شطب الألف في الكلمة.
كم مليحٍ ذبحوا فاقتربت
…
ساعة الوحشة وانشقَّ القمرْ
ومنها:
حبْقَرا ولَّى ومن تابعه
…
وحريقُ الباب أدهى وأمرْ
لم يقف للطَّعن إلا ساعةً
…
من نهارٍ أو كلمحٍ بالبصرْ
في سبيل اللَّه ما حلَّ (1) بنا .. معشرَ الإسلام مِنْ هذا الخطرْ
لكن البشرى لنا مهما جرى
…
مِنْ صغيرٍ وكبيرٍ مستَطَرْ
نحن فرقان بحكمٍ منصفٍ
…
حكمة بالغة تقضي الوطرْ
إن قتلانا لفي برد الرِّضا
…
بين جنَّاتٍ وحُورٍ ونَهَرْ
عندَّ ربِّ العرش في مقعده
…
وقتيلُ الروم في حرِّ سقَرْ
وقال شيخنا أيضًا: أنشدني الشيخ المبارك جمال الدين أبو محمد عبد اللَّه بن خليل العباسي -نسبة إلى الشيخ أبي العباس الضرير، وهو شيخ الزاوية المنسوبة إلى يحيى الصنافيري- بالقرافة بحضور شيخنا أبي إسحاق الأبناسي في شوال سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بزاوية الشيخ بالمقسم، أن والدي أبا الحسن عليًّا العسقلاني أنشده لنفسه (2):
أحبَّتنا هنَّاكمُ اللَّه بالذي
…
عُنيتم به مُذ زُرتُمُ المغْنى
سررنا لكم لكننا لانقطاعنا
…
حزَّ بالُنا لا سيما غبتُم عنَّا
وأنشدنا أيضًا أن أبي أنشده لنفسه عدة مقاطيع وقصائد.
قال صاحب الترجمة: وأنشدني الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان الخوَّاص الأسيوطي في أواخر ذي القعدة سنة سبع وتسعين بإسكندرية أن والدي أنشده لنفسه في تاجر أهدى إلى السلطان فيلًا:
(1) في (أ): "ما حلت"، وكانت كذلك في (ح) بخط المصنف، ثم جعلها "حلَّ".
(2)
انظر "المجمع المؤسس" 3/ 138.