الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحبَّ أحمد بن نصر اللَّه البغدادي، يموت بعدَ ثلاثة أيام بعدد الأبيات، وكان متوعكًا، فكان كذلك.
قلت: وقد اتَّفق لي أنني أخبرت بوفاة القاضي بدر الدين ابن الصَّواف الحنفي، وكنت في ذلك الوقت أكتبُ حديث علي رضي الله عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا عزَّى رجلًا قالا: "آجركم اللَّه ورحِمَكم". وإذا هنّأ قال: "بارك اللَّه لكم وبارك عليكم". فطبقت الكتاب وتوجَّهت فعزَّيت وهنّأت. وكل هذا استطراد. والكلام في استيفاء ذلك فيه طول فليُقتصر على ما ذكر.
[السفر إلى حلب وسماعه:]
وكان قد عزم وهو بدمشق على التوجه إلى البلاد الحلبية، ليأخذ بها عن خاتمة المسندين بها عمر بن أيدغمش، فبلغته وفاته، فتخلَّف عَنِ التوجُّه إليها، وهو كما قال: على كلِّ خيرٍ مانع، لكنه كان قد قرأ على شيخه التنوخي، بإجازته مِنْ شيخ ابن أيدغمش الذي انفرد عنه بالسماع وهو العزّ إبراهيم بن صالح (1) بن العجمي - شيئًا.
ثم يسَّر اللَّه عز وجل بعد دهرٍ -وذلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة- له السفر إلى حلب، وذلك أنَّ السلطان الأشرف برسباي توجه إلى آمد، لدفع أذى التركمان الذين تغلَّبُوا على بلاد آمد وماردين وغيرها بعد اللَّنكية، لما كثر مِنْ إفسادهم، ونهبِ أموال الرعايا، وقطع الطُّرقِ على القوافل، وغير ذلك مما اشتهر. وخرج بالعسكر المصري ومعه الشافعي صاحب الترجمة، ورفقته القضاة الثلاثة: الحنفي، وهو البدر العنتابي، والمالكي، وهو الشمس البساطي، والحنبلي، وهو المحب بن نصر اللَّه البغدادي، مشايخ الإسلام وأئمة الأنام، والخليفة أمير المؤمنين المعتضد باللَّه داود ابن المتوكل، على جاري العادة في كل ذلك. وكان البُروز بعد صلاة الجمعة حادي عشري رجب مِنَ السنة، فلم يَخْلُ سفره مِنْ فائدة.
(1) في (أ): "إبراهيم بن صالح بن صالح"، والذي في ترجمته من "الدرر الكامنة" 1/ 27: إبراهيم بن صالح بن هاشم.
وكان شيخنا هو والمالكي والحنبلي مع جمَّال واحدٍ، وأمدهما شيخنا كثيرًا، حتى [بلغني أن البساطي قال: لست مسافرًا مع السلطان، إنما أنا مسافر مع القاضي الشافعي] (1).
وكتب عن رفيقه قاضي المالكية العلامة البساطي ببلبيس في المذاكرة بحثًا [كتبته في ترجمة البساطي](2)، وعن نائبه قاضي المنصورة شمس الدين ابن كميل بالصَّالحية حكاية.
وسمع بظاهر بَيْسان مِنْ رفيقه شيخنا بالإجازة العلَّامة قاضي الحنابلة المحب أحمد بن نصر اللَّه البغدادي حديثًا مِنْ "سنن أبي داود"، وغير ذلك. وممَّا كتبه عنه: أنه سمع سودون النائب يقول: التُّركُ إن أحبُّوك أكلوك، وإن أبغضوك قتلوك.
وكتب أيضًا عن شيخنا قاضي الحنفية العلَّامة البدر محمود بن أحمد العنتابي أشياء مِنْ نظمه، بل وسمع عليه حديثًا كما سيأتي.
وعن القاضي عز الدين عبد العزيز (3) بن علي (بن العز) الحنبلي بالخَرِبَة دون دمشق حكاية، وهي: أنَّه سمع القاضي شمس الدين ابن
الدَّيري يقول: سمعت الشيخ علاء الدين البسطامي ببيت المقدس يقول -وقد سأله- هل رأيت الشيخ تقيَّ الدين ابن تيمية؟ فقال: نعم، قلت: كيف كانت صفته؟ فقال: هل رأيت قبَّة الصخرة؟ فلت: نعم. قال: كان كقبة الصخرة مُلِىء كتبًا لها لسانٌ ينطق.
وحصَّل فوائدَ ونوادر علَّقها في "تذكرته" التي سماها "جلب حلب". وهي في نحو أربعة أجزاء حديثية، ما هي عندي.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ب).
(3)
في (أ): "عز الدين بن عبد العزيز"، خطأ. وانظر ترجمته في "إنباء الغمر" 9/ 194، والمقصد الأرشد 2/ 173، والضوء اللامع 4/ 222.