الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينَ عبدِ الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد -يعني. بعض ما يكون بين النَّاس- فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "دَعُوا لي أصحابي، إنَّ أحدكم لو أنفقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، لم يبلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه".
[جواب ابن حجر عن الحديث]
فكتب صاحب الترجمة ما نصه:
الحمد للَّه وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. أما بعدُ، فقد وقفَ العبدُ على هذه الفوائد الفرائد، والجواهر الزَّواهر، فلم يجدها أبقَتْ مقالًا لقائل، ولا مرمى لمناضل.
وحاصلُ الأمر: أنَّ المسألة تتعلَّقُ بحديث الأعمش عن أبي صالح في النَّهي عن سبِّ الصحابة رضي الله عنهم، هل هو عَنْ أبي هريرة، أو أبي سعيد، أو عنهما جميعًا. فقد تلخص في هذه الفوائد جميع ما يتعلَّقُ بتحرير ذلك، ومحلُّ النَّظر إنَّما هو فيما رواه مسلم عن مشايخه الثَّلاثة: يحيى بن يحيى، وأبي كُريب، وأبي بكر بن أبي شيبة، ثلاثتهم عَنْ أبي معاوية، هل راوية هؤلاء عن أبي معاوية أنَّ الحديث مِنْ مسند أبي هريرة أو أبي سعيد، ولا يفصِلُ الأمر في ذلك إلا النَّظرُ فيمن رواه عن هؤلاء الثَّلاثة غيرُ مسلم، فإن وجدنا مَنْ رواه عنهم، أو عن أحدهم، وافق مسلمًا، أو وجدنا بعضًا وافقه، وبعضًا خالفه، حسن القول بأنه كان عند أبي معاوية على الوجهين إن استوى الجميع في الحفظ والإتقان. وإن وجدناهم أطبقُوا على مخالفته، فنرجِّحُ روايتهم على روايته، إذ العدد الكثيرُ أولى بالحفظ مِنَ الواحد، كما قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه.
فأمَّا أبو بكر بن أبي شيبة، فلم نجده مِنْ روايته عن أبي معاوية إلا مِنْ مسند أبي سعيد، كذلك أورده في "مسنده" وفي "مصنَّفه" جميعًا. وكذلك أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه على مُسلم" عَنِ الطَّلحي، عن عُبيد بن غنَّام، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وأما أبو كريب، فوجدناه مِنْ رواية ابن ماجه عنه، إلا أنَّ نسخ "ابن ماجه"
اختلفت فيه؛ ففي بعضها: عن أبي هريرة، وفي بعضها: عن أبي سعيد. ورأيت هذا الحديث في نسخة الحافظ زكي الدين المنذري، وقد كتب في الحاشية بخطه: عن أبي سعيد، وضَبَّبَ على أبي هريرة في الأصل، فيحتمل أن يكونَ اعتمد على قولِ صاحب "الأطراف" مِنْ أنَّ أبا كُريب إنَّما رواه مِنْ حديثِ أبي سعيد، ويحتملُ (1) أن يكون تبين له بطريقٍ أُخرى. ثم وجدته في أصلٍ عتيقٍ جدًا، تاريخُ الأسْمِعَة فيه في سنة سبع وسبعين وثلثمائة، وقد قُرىء على أصحاب أصحاب ابن ماجه (2)، وهو في نهاية الضبط والتحرير. ووجدته فيه:"عن أبي سعيد الخُدري" مِنْ غير تردُّد.
وسنبين فيما بعدُ أنَّه يتعين أنْ يكونَ عنده: عَنْ أبي كُريب مِنْ مُسند أبي هريرة.
وأما يحيى التميمي، فلم أقف عليه منْ روايته الآن.
وظهر لي مِنْ سياق أبي نُعيم الأصفهاني في "مستخرجه على صحيح مسلم". أن الحديث عند مسلم عَنْ هؤلاء الثلاثة إنَّما هو مِنْ حديث أبي سعيد. وبيانُ ذلك أنَّه قال ما نصه:
حدَّثنا أبو بكر الطَّلحي، حدَّثنا عُبيد بن غنَّام، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. (ح).
وحدثنا عبد اللَّه بنُ محمَّد ومحمدُ بنُ إبراهيم، قالا: حدَّثنا أحمدُ بنُ علي -هو أبو يعلى الموصلي- حدَّثنا أبو خيثمة. (ح).
وحدَّثنا جعفر بنُ محمد، حدثنا أبو حُصين الوادعى، حدَّثنا يحيى بنُ عبد الحميد. (ح).
وحدَّثنا أبو بكر بن مالك، حدَّثنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، حدَّثني أبي. (ح).
(1)"ويحتمل" ساقطة من (أ).
(2)
في (أ): "عن أصحاب ابن ماجه".
وحدَّثنا أبو عمرو بنُ حمدان، حدَّثنا الحسنُ بنُ سفيان، حدَّثنا أحمد بن جوَّاس أبو عاصم، قالوا: أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، فذكر الحديث. وقال في آخره: لفظ أبي بكر [رواه مسلم عن أبي بكر،](1) ويحيى بن يحيى، وأبي كريب، كلهم عن أبي معاوية.
فظاهر هذه العبارة يقتضي أنَّ مسلمًا إنَّما رواه عَنْ هؤلاء الثلاثة، عن أبي معاوية بالإسناد الذي ساقه أبو نعيم. ويؤيِّدُ ذلك اصطلاحُه في جميع كتابه "المستخرج" على نحو ذلك، إذا أخرجَ الحديثَ على الموافقة أو البدلية، ينتهي بالإسناد إلى الشيخ الذي اتَّفق إسنادُه وإسنادُ مسلم فيه، ثمَّ يُحيل على الباقي. وعلي هذا، فلعلَّ الخللَ الواقعَ في نُسَخ "صحيح مسلم" مِنَ الرواة عنه، ويبرأ هو حينئذٍ مِنَ الوهم. ويُقوِّي ذلك أنَّ الدارقطنيَّ قد جزم في "العلل" بأنَّ الصواب أنه مِنْ مسندِ أبي سعيد، ولم يتعرَّض في كتاب "التَّتبُّع" لهذا الإسناد. ولا لكونِ مسلمٍ وهمَ فيه. فالظاهر أنَّ الوهمَ ممَّن دُونَ مسلمٍ.
وأمَّا ما وقع عند ابن ماجه، فلا ريبَ أنَّه غلط، لأنه قَرَنَ بين روايات وكيع وجرير وأبي معاوية، وصيَّرها كُلَّها عن أبي هريرة. وقد أطبق المصنِّفون على أنَّ رواية جريرٍ ووكيع لهذا الحديث عن الأعمش إنَّما هو مِنْ حديثِ أبي سعيد، فرواه مسلمٌ كما تقدَّم مِنْ حديثهما. وهكذا رواهُ أبو نُعيم في "المستخرج" مِنْ طريق إسحاق بن راهويه وأبي خيثمة زهير بن حرب ومحمد بن مهران، كلهم عَنْ جريرٍ من حديثِ أبا سعيد أيضًا.
ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النَّوع الثامن مِنَ القسم الثالث عن محمد بن إسحاقَ بن إبراهيم، وهو أبو العباس السَّرَّاج، قال: حدَّثنا محمد بن الصَّباح، حدَّثنا جرير، فذكره مِنْ مسند أبي سعيد. ومحمد بن الصباح، هو شيخ ابن ماجه في هذا الخبر. وقد صيَّره أبو العباس السَّراج، وهو مِنَ الحُفَّاظ، إذ رواه عنه عن أبي سعيد.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).
وكذلك رويناه في كتاب "فضائل الصحابة" لِطراد بن محمد بن علي الزَّينبي، حدَّثنا أحمد بن محمد بن عمر المعدل إملاءً، حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مسلم، حدَّثنا عبدُ اللَّه بن أحمد بن الحسن الحرَّاني، حدَّثنا داود بن عمر -وهو الضَّبِّي، حدَّثنا جريرُ بنُ عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: كان بينَ خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلامٌ، فذكر القصَّة والحديث.
وهكذا رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، عن أبيه عن جرير.
وكذا رواه ابنُ عساكر في "تاريخه" في ترجمة عبد الرحمن بن عوف، من طريق نصر بن زياد عن جرير.
وأما رواية وكيع، فرويناها في كتاب "فضائل الصحابة" له مِنْ مسند أبي سعيد، وكذا رويناها في "نسخته" رواية إبراهيم بن عبد اللَّه العبسي القصَّار عنه، كذلك مِنْ حديث أبي سعيد.
وكذلك رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن وكيع، ورواه البزَّار في "مسنده" عن عمرو بن عليِّ الفلَّاس عن وكيع كذلك.
وكذا رواه خيثمةُ في "فضائل الصحابة"، والهيثم بن كليب الشاشي في "مسنده"، كلاهما عَنِ القصَّار، عن وكيع، وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه المستخرج على مسلم" عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، وإبراهيم بن عبد اللَّه القصَّار وابن أبي رجاء المصِّيصي، كلهم عن وكيع كذلك.
وكذا رواه الجَوزقي في "المتَّفق" من طريق الأحْمسي وعبد اللَّه بن هاشم الطوسي، كلاهما عن وكيع.
وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه" عن الحسين (1) بن عبد اللَّه القطان، عن موسى بن مروان، عن وكيع كذلك.
وكذا رواه تمام في "فوائده" والبيهقي في "السنن الكبير" مِنْ طريق
(1) في (ط): "الحسن"، تحريف، وانظر صحيح ابن حبان الرقم 7253.
إبراهيم بن عبد اللَّه، عن وكيع كما ذكرنا. وقال البيهقي بعده: رواه مسلمٌ عن أبي سعيد الأشج وغيره، عن وكيع.
وكذا أخرجه الحافظ أبو بكر بن مَنْجُويَة في آخر الجزء التاسع من "فوائد أبي زكريا المُزَكِّي"(1) من طريق إبراهيم بن عبد اللَّه، عن وكيع، وقال بعده: أخرجه مسلم عَنْ أبي كُريب وغيره عن وكيع، وكذا صنع الحافظ أبو محمد بن الأخضر في "تخريجه لفوائد شُهدة الكاتبة".
فقد ظهر أن روايتي وكيعٍ وجريرٍ عن الأعمش إنما هي مِنْ مسند أبي سعيد.
فإن كان ما وقع في "ابن ماجه" مِنْ جَمْعِه بين روايات الثلاثة، وجعلها مِنْ مسند أبي هريرة منه، فقد وهم في ذلك بلا شك، وإن كان لم يُخرِّجْهُ مِنْ رواية الثلاثة إلا مِنْ حديث أبي سعيد، ووقع الخللُ في ذلك مِنَ الرُّواة عنه -وهو المتبادر إلى الذهن- فيقوَى حينئذٍ أنَّ رواية أبي كُريب له عَنْ أبي معاوية إنَّما هي مِنْ مسند أبي سعيد. فتوافق رواية الأئمةِ له عَنْ أبي معاوية، ولا سيما وفيهم مثلُ أحمد بن حنبل، وأبي خَيْثَمة، وأحمد ابن مَنيع، ومَسدَّدٍ، والحسن بن عليِّ الحلواني، وغيرهم مِنَ الحفَّاظ الأَثبات. فيقوِّي ما جزم به الدارقطني وغيره.
وقد وقع لي هذا الحديث [عاليًا جدًا من حديث](2) أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، أوردته في "تغليق التعليق"(3) وهو ما قرأت على المحبِّ محمد بن محمد بن محمد بن منيع، أن عبد اللَّه ابن أبي التائب أخبره، أخبرنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن شُهدة، أن طِرَاد بن محمد أخبرهم، أخبرنا أبو نصر بن حسنُون، أخبرنا أبو جعفر بن البختري، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية،
(1) في (أ): "المربي"، تحريف. وهو يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، مترجم في السير 17/ 295.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (أ).
(3)
4/ 60.
عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، الحديث.
هكذا أخرجه الحافظ أبو علي البَرداني في كتاب "فضائل الصحابة" لطراد، وقال بعده: رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وغيره، عن أبي معاوية.
وهذا الإطلاق يشبه ما تقدَّم عن أبي نعيم الحافظ.
وممَّن رواه عن أبي معاوية، فجعله من مسند أبي سعيد غيرُ من تقدَّم ذكرُه: الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، وعبد اللَّه بن هاشم، وسعيدُ بن يحيى الواسطي، وعليُّ بن حرب الطَّائي، ومحمدُ بن جامعٍ العطَّار، وعلي بن الجعد.
ورويناه في "جُزء" علي بن عبد العزيز البَغَوي عن أبي عُبيد القاسم بن سلام عن أبي معاوية. وكذا أخرجه أبو عبيدٍ في "غريب الحديث" له.
وقال الجوزقي في "المتَّفق"؛ أخبرنا مكِّيُّ بن عَبْدان، حدَّثنا عبد اللَّه بن هاشم، وهو الطُّوسي، حدَّثنا أبو معاوية، فذكره كذلك.
وقال خيثمة بنُ سليمان في "فضائل الصحابة": حدثنا خلفُ ابن محمَّدٍ الواسطي، حدثنا سعيدُ بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، به.
وكذلك رويناه في "فوائد" أبي محمد عبد اللَّه بن علي الأبنوسي انتقاء أبي علي البرداني له، من طريق الحافظ الفقيه أبي بكر بن زياد النيسابوري، حدثنا عليُّ بن حرب، حدثنا أبو معاوية، فذكره.
وستأتي رواية محمد ابن جامع قريبًا إن شاء اللَّه تعالى.
وقال ابن حبان في "صحيحه" في النوع الثالث من القسم الثاني: أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصُّوفي، حدَّثنا عليُّ بن الجعد، حدثنا شُعبة وأبو معاوية، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي سعيد الخُدري، فذكره. فقرن عليُّ بنُ الجعد في روايته بين شعبة وأبي معاوية.
وكذا رويناه في "أمالي محمد بن إسماعيل الورَّاق" عن عُمر بن إسماعيل بن أبي غيلان. وكذا رويناه في "البشرانيات" عن الورَّاق مثله.
وهكذا رواه الإسماعيلي في "صحيحه" عن محمد بن يحيى أبي بكر المروزي، وأبي القاسم البَغَوي، وغير واحد، كلهم عن علي بن الجعد مقرونًا.
قلت: ولا يصحُّ عَنْ شعبةَ إلا مِنْ حديث أبي سعيد. وقد وَهِم فيها أبو مسعود الرَّازي على أبي داود الطيالسي، فحدَّث بها عنه، عن شعبة، فقال: عَنْ أبي هريرة، حكى ذلك الخطيبُ وسيأتي.
وأمَّا رواية حجاج بن نُصير الفَسَاطيطي، فَوَهِم فيها على شعبة، وقد نصَّ على ذلك أبو عبد اللَّه بن مَنْده في بعض تخاريجه (1). وقد رواه أحمد بن حنبل في "مسنده" أيضًا عن محمد بن جعفر غُنْدَر، وأبي النضر هاشم بن القاسم، عن شعبة مِنْ مسند أبي سعيد. [وكذا رواه أبو داود الطَّيالسي في "مسنده" عن شعبة"]، (2)، وكذا رواه أبو مسلم الكَجِّي في "السنن" له، عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة. وكذا رواه الحسن بن سفيان في "مسنده" عن عبيد اللَّه بن معاذ بن مُعاذ عن أبيه، عن شُعبة، كما ذكره مسلم. وأخرجه الإسماعيلي في "صحيحه" عَنِ الحسن كذلك، وأبو نُعيم في "مستخرجه" عن أبي عمرو بن حمدان، عن الحسن بن سفيان. ورواه أبو عوانة في "صحيحه" مِنْ رواية شُعيب بن حرب، عن شعبة كذلك. ورواه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى المروزي، عن عاصم بن علي، عن شعبة مثله. وكذلك رويناه في الجزء الثامن مِنْ "أمالي المَحَاملي" رواية ابن خُرَّشيد قُوله عنه، قال: حدَّثنا محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن حيان، حدثنا شبابة بن سوَّار، عن شُعبة به.
فهذا محمَّد بن جعفر غُنْدَر، وهو مِنْ أحفظ أصحاب شعبة وعلي بن الجَعْد، وهو أيضًا مِنَ الأثبات، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعمرو بنُ مرزوق، ومُعَاذ بن معاذ العنبري، وشبابةُ بن سَوَّار، وأبو داود الطيالسي،
(1) في (أ، ح، ط): "تاريخه"، تحريف.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ب).
وهو مِنَ المُقدَّمين في حفظ حديث شعبة، وخالد بن الحارث، وشعيبُ بن حرب، وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي، وغيرهم مِنْ حُفَّاظ أصحاب شعبة، قد رووه عنه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، فلا تُعادِلُ روايةُ حجاج بن نصير روايتهم، بل جزمَ الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزَّار في "مسنده" بأنَّ الأعمش إنَّما رواه عَنْ أبي صالح، عن أبي سعيد، فإنَّه رواه عن عمرو بن علي، عن وكيع، كما تقدَّمتِ الإشارةُ إليه، وقال عَقِبَهُ: هذا الحديث رواه الأعمشُ عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ورواه عاصمُ بنُ بهدلة، وزيدُ بن أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ثم قال: والطَّريقان عندي جميعًا صحيحان.
قلت: وروايةُ زيد بن أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة لم أقف عليها بعدُ. بل وقفت على روايةِ زيدِ بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري في المعنى. رواه ابنُ مردويه في "التفسير" مِنْ وجهين صالِحَيْن إلى زيدِ بن أسلم، به. فإن كان إسنادُ الرِّواية التي أشار إليها البزَّارُ صحيحًا إلى زيد بن أسلم، فتقْوى رواية عاصم بها، ويصحُّ قولُ البزَّارِ: إن الطريقين صحيحان، واللَّه أعلم.
وممَّن رواه عن الأعمش غيرُ مَنْ تقدَّم، فجعله مِنْ مسند أبي سعيد، سوى مَنْ تقدم: قال عبدُ بنُ حُميد في "مسنده": حدثنا أحمدُ بنُ يونس، حدثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تسبُّوا أصحابي". الحديث.
وكذا رواه خيثمةُ في "فضائل الصحابة" له عن الجِنِيني، عن أحمد بن يونس.
وكذا رويناه في الجزء الثاني من "فوائد أبي الفتح الحدَّاد" رواية السِّلفي عنه، مِنْ طريق عاصم بن يوسف اليربوعي، عن إسرائيل.
ورواه البرقاني في "المصافحة" عن عبد اللَّه بن عمر الجوهري،
حدَّثكم محمَّدُ بن أيوب، أنبأنا أحمد بن يونس، بسنده:"لا تسبُّوا أصحابي، دَعُوا لي أصحابي، فإنَّ أحدكم لو أنفق [كلَّ يومٍ] (1) مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، لم يبلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". قال البرقاني؛ استحسنتُ قوله فيه: "كلَّ يوم"، مع حُسْنِ إسناده.
وقال أبو عوانة في "صحيحه": حدثنا موسى بن إسحاق القوَّاس، حدَّثنا يحيى بنُ عيسى الرملي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، مثله.
[وقال مُسدَّدٌ في "مسنده": حدثنا عبد اللَّه بن داود الخُرَيْبي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، مثله](2)، وهذه الطريق هي التي أشار إليها البخاري في مَنْ تابع شُعبة.
ورويناه في "فوائد" أبي الحُسين عبد اللَّه بن إبراهيم الزَّبيبي (3)، حدَّثنا أبو معشر الحسن بن سُليمان بن نافع الدَّارمي البصري، حدثنا محمَّد بن جامع العطَّار، حدثنا أبو معاوية، ووكيعٌ، وعبد اللَّه بن داود، ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، به.
وقال ابن أبي خَيْثَمة في "تاريخه": حدثنا ابنُ الأصبهاني، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: فذكر نحو حديث شريك، إلا أنه قال:"ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَه". وقال أيضًا: حدثنا ابنُ الأصبهاني، حدثنا شريك عن الأعمش، عن أبي صالح، عن رجل مِنْ أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالَّذي نفسي بيده، لو أنَّ أحدكم أنفقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ رُبْع أحدهم ولا نَصِيفَه".
(1)"كل يوم" ساقطة من (أ).
(2)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(3)
في الأصول: "الزينبي"، تحريف. وهو عبد اللَّه بن إبراهيم بن جعفر بن بيان، أبو الحسين الزبيبي البغدادي، مترجم في سير أعلام النبلاء 16/ 258.
ولا يضرُّ هذا الإبهام، لأنَّ شريكًا كان في حفظه شيءٌ بعد ولايته القضاء، فلعلَّه شكَّ فيه فأبهمه. وسأل ابنُ أبي حاتمٍ أباه عن رواية شريك هذه، فقال: قد رواه أبو الأحوص عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وهو الصَّحيح.
وقد تقدَّمت روايةُ إسرائيل عن الأعمش مضافةً إلى تخريج تمَّام، فحصل لنا أنَّ جريرًا ووكيعًا وشُعبة وعبد اللَّه بن داود الخُرَيبي ومحاضِرَ بنَ المورِّع، وروايته علَّقها البخاريُّ، ورويناها موصولة في الجزء الثانى من "فوائد أبي الفتح الحداد" رواية السِّلفي من طريق أحمد بن يونس بن المسيَّب الضَّبيِّ، عن محاضر، وقد بينت ذلك في "تغليق التعليق"(1). وإسرائيل (2) بن يونُسَ، وأبا الأحوص سلَّام بن سُليم، وأبا بكر بن عياش، ويحيى بنَ عيسى الرملي، رَوَوْهُ عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد مِنْ غير خلاف عنهم في ذلك، إلا ما رواه حجاجُ بنُ نصيرٍ عَنْ شعبة، وإلا ما حكاه الخطيبُ عَنْ أبي مسعود، عن أبي داود، عن شُعبة، وإلا ما حكاه الدارقطنيُّ والخطيبُ أنَّ نصرَ بنَ علي رواه عن عبد اللَّه بن داود.
وهاتان الروايتان شاذَّتان، لأنَّ شعبة إنَّما رواه عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، كما قدمناه. وكذا أبو داود، إنَّما رواه في "مسنده" عن شُعبة من حديث أبي سعيد، لا مِنْ حديث أبي هريرة. وأمَّا حجاجٌ فلا يُحْتَجُّ به إذا تفرَّد، فكيف إذا خالف! وكذا رواية عبد اللَّه بن داود الخُرَيبي قد ذكرنا أنَّ مسدَّدًا رواها في "مسنده" على الصواب الذي أشار إليه البخاري، ومُسدَّدٌ مسدَّد. واللَّه أعلم.
وأما رواية زيدِ بن أبي أنيسة، فقد رواها الطبراني في "الأوسط" عن أحمد بن علي الأبَّار، عن مخلد بن مالك، كما تقدم إسناده مِنْ عند
(1) 4/ 62.
(2)
قوله: و"إسرائيل" متمم لقوله: "ومحاضر بن المورع".
الإسماعيلي في مسند الأعمش، وقال بعده: لم يروه بهذا السند إلا زيدُ بنُ أبي أُنيسة، ورواه شعبةُ وغيرُه عَنِ الأعمش، عن أبي صالحٍ عن أبي سعيد.
فهذا -الطبراني مع سَعَةِ حفظه- يجزِمُ بأنَّ شعبة إنَّما رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة. وهكذا جزم عليُّ بن المديني في "العلل" بأنَّ الأعمش إنَّما رواه عَنْ أبي صالح، عن أبي سعيد، وأنَّ زائدة رواه عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: والأعمشُ أثبتُ في أبي صالح مِنْ غيره. فإمَّا أن يكون لم تقع له روايةُ حجَّاجِ بن نُصير، أو لم يعتدَّ بها لضعفه.
وروى هذا الحديث الدارقطنيُّ في كتاب "الأفراد" له مِنْ طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وذكر أنَّ بعض مشايخه تفرَّد بزيادة لفظةٍ فيه، ولم يذكر في "العلل" أنَّ ابن أبي الشوارب رواه لما ذكر اختلاف أصحاب أبي عوانة عليه فيه. وقد اختُلِفَ على أبي عَوَانة اختلافًا يدلُّ على أنَّه كان يشكُّ فيه.
قال ابن شاهين: حدثنا الباغندي، حدَّثنا شيبانُ بنُ فرُّوخ، حدَّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عَنْ أبي سعيد، فذكره.
وسيأتي في كلام الخطيب أنَّ أبا كاملٍ الجَحْدَرِي ومُسدَّدًا وافقا شيبان بن فَرُّوخ على الشَّكِّ فيه، وأنَّ عفان بن مسلم ويحيى بن حماد روياه عنه، فقالا: عن أبي هريرة. وأبو عَوَانةَ كان يحدِّث مِنْ كتابه ومن حفظه، فحيث يحدِّثُ مِنْ كتابه، فهو ثبت، وحيث يحدِّث مِنْ حفظه، فيشُكُّ أو يَهِمُ. وعلي هذا يُحْمَلُ اختلافُ هؤلاء الحفَّاظ عنه.
وروى الدارقطني في هذا الكتاب حديثَ محمد بن جُحادة عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وقال: تفرَّد به داودُ بن الزّبرقان عنه.
قلت: وداود بن الزبرقان كذَّبه إبراهيم بن يعقوب الجُوزَجاني، وضعَّفه
الجمهور، ونقل ابنُ حِبَّان في كتاب "الضعفاء" أنَّ أحمد بن حنبل حَسَّنَ القولَ فيه.
قال الدارقطني: وخالفه الحسن بن أبي جعفر، فرواه عَنْ محمد بن جُحادة، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد. انتهى كلامه.
قلت: وحديثُ الحسن هذا أخرجه خيثمةُ بن سليمان في "فضائل الصحابة" له عن عبد اللَّه بن أحمد بن أبي مَسَرَّة، عن محمد بن عبد الملك الأزدي، حدَّثنا الحسن بن أبي جعفر، عن محمد بن جُحادة، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تقولُوا في أصحابي إلا خيرًا، فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده. . . " فذكر الحديث.
والحسن المذكور ضعَّفه جماعةٌ ووُصِفَ بالصِّدق، وقال ابنُ عديِّ: إنَّ له عَنْ محمد بن جحادة نسخةً مستقيمةً، فعلى هذا، فروايتُه لهذا الحديث أقوى مِنْ رواية داود بن الزِّبرقان. وأمّا ما وقع في "الأطراف" مِنْ أنَّ محمد بنَ جُحادة رواه عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، فهو وَهْمٌ مِنَ المصنِّف، فإنَّ محمد بن جُحادة إنَّما رُوِيَ عنه، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، بلا واسطة الأعمش.
وقد قدَّمنا قولَ الدَّارقطني: إن داود بن الزبرقان تفرَّد به عنه، وكذلك رويناه في الجزء الثالث مِنْ "حديث أبي طاهر المُخَلِّص" انتقاء البَقَّال، قال: حدثنا محمَّدُ بن هارون -هو أبو حامد الحضرمي- حدَّثنا محمد بن معاوية -هو الأنماطي- حدَّثنا داودُ بن الزبرقان، به، وليس فيه "الأعمش". وكذلك هو في الجزء الخامس مِنْ "حديث المخلص" انتقاء أبي الفتح بن أبي الفوارس بهذا الإسناد. وكذا رويناه في الجزء السادس عشر من "البِشْرانيَّات"، قال: أنبأنا محمد بن زيد بن علي الأنصاري، حدثنا عبد اللَّه بن ناجية، حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي، به.
وطالعت "مسند محمد بن جحادة"، جمع أبي القاسم الطَّبراني، فلم أجد هذا الحديث فيه، لا في ترجمة أبي صالح، ولا في ترجمة الأعمش. وكذا طالعتُ "مسند محمد بن جحادة"، جمع أبي بكر الخرائطي، فلم أجد