الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استروح لإملاء شيء قد خُرِّج، ممّا لم يُحتج فيه لتَعَب المراجعة، فأملى من الأحاديث العشاريات السُّنن التي خرجها له صاحب الترجمة، صلة للأربعين التي خَرَّجها هو لنفسه. وكان ذلك بإشارة رفيقه الحافظ أبي الحسن الهيثمي، وولده الأستاذ أبي زرعة، وغيرهما، بعد أن كان انقطع الإملاءُ مدَّةً. وفيه من المنقبة ما لا يخفى.
ومنه ما قدمناه قريبًا عَنِ البساطي، فيُنظر ثمَّ.
[مراسلة الجلال البلقيني لابن حجر]
ومن ذلك أن قاضي القضاة، شيخ الإسلام جلال الدِّين البُلقيني، كان كثير الإرسال إليه، يلتمس منه الجواب عما يستشكله في هذا الفن، خصوصًا في الكتاب الذي عمله في "مبهمات البخاري"، فهو -كما شهد به الحافظ. البرهان الحلبي على ما حكاه ولده أبو ذرٍّ، كما تقدم عنه (1) - إنَّما مُعوَّله فيه على صاحب الترجمة، وليس يلحقه رحمه الله نَقْصٌ مِنْ ذلك، بل هو غايةُ الكمال.
وقد ظفَرْتُ بعدَّة أسئلة بخط المذكور أرسل بها لصاحب الترجمة، وأجابه عنها، فرأيت إثبات بعضها هنا ليستفاد.
[القول في رواية رافع بواب مروان عن ابن عباس]
الأول مُلخَّصه: قال البخاري (2) في تفسير سورة آل عمران: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، أنَّ ابن جريج أخبرهم، عن ابن أبي مُلَيكة، أن علقمة بن وقَّاص أخبره أن مروان قال لبوَّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كلُّ امرىء فَرِحَ بما أُوتي، وأحبَّ أن يُحمدَ، بما لم يفعل معذَّبًا، لنُعَذَّبَنَّ أجمعون. فقال ابن عباس رضي الله عنه: ما لكم ولهذه، إنما دعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء، فكتموه
(1) ص 321.
(2)
حديث رقم 4568 - الفتح 8/ 233.
إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمُدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرِحوا بما أتوا من كتمانهم، فيما سألهم، ثم قرأ ابن عباس:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} حتى قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 187 - 188].
تابعه عبد الرَّزاق عن ابن جريج: حدثنا ابن مُقاتل، أخبرنا الحجاج، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مُلَيكة، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه أخبره أن مروان، بهذا.
وأخرج مسلم الحديث في أبواب التَّوبة (1)، فقال: حدَّثنا زُهير بنُ حرب وهارون بنُ عبد اللَّه -واللفظ الزهير- قال: حدثنا حجَّاجُ بنُ محمد، عن ابن جُريج، أخبرني ابنُ أبي مُلَيكة، أن حُمَيدَ بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أنَّ مروان قال: اذهب يا رافع -لبوابه- إلى ابن عباس، فقُل: لئن كان كلُّ امرىء منَّا فرِحَ بما أتى، وأحب أن يُحمد بما لم يفعل معذبًا، لنُعَذَّبَنَّ أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه! إنَّما أنزلت هذه الآية في قوم مِنْ أهل الكتاب: ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 187] هذه الآية (2).
وتلا ابن عباس: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]. وقال ابن عباس: سألهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدُوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتَوْا مِنْ كتمانهم إيَّاه ما سألهم عنه.
فأخرج المتكلِّمُون على أطراف الصحيحين هذا الحديث في ترجمة حُميد بن عبد الرحمن عن ابن عباس، وفي ترجمة علقمةَ بن وِقاص عن ابن عباس، ليس فيه لرافعٍ بوَّابِ مروانَ روايةٌ. وطريق حُميد رواها مِنْ
(1) برقم 2778.
(2)
من قوله: "حتى قوله" إلى هنا، سقط من (أ).
أصحاب الكتب الأربعة: الترمذيُّ والنَّسائيُّ. ووقع في "الكاشف" للذهبي: رافع بواب مروان عن ابن عباس، وعنه علقمة بن وقاص وغيره، وعلَّمَ عليه البخاري والنسائي. وهذا يقتضي أن يكونَ رافعٌ هو الذي روى عنه علقمة بن وقَّاص وغيرُه هذا الحديث، والأرجحُ ما صنعه في الأطراف، ويكون حميدٌ وعلقمةُ قد سمعا قولَ مروان لبوابه، أو سمعا قولَ ابنِ عبَّاسٍ لبوَّابِ مروان الذي هو المسنِد، فلم يرويا ذلك عَنْ رافعٍ أصلًا، فلا يُذْكَرُ رافع في الرواة لهذا الحديث، فإن كان حديث غيره، فلا أدري.
فكتب صاحب الترجمة ما نصُّه:
الجوابُ، وباللَّه التوفيق: لم يروِ علقمةُ بنُ وقَّاص ولا حميدُ بنُ عبد الرحمن بن عوف عن بوابِ مروانَ بنِ الحكم حديثًا غير المسؤول عنه، إن كان كلٌّ منهما إنما سمع جواب ابن عباس مِنْ رافع على ظاهر سياق رواية هشام بن يوسف، وعبدِ الرزاق، وحجَّاجِ بن محمد المِصِّيصي، بل ولا روى حميدٌ وعلقمةُ المذكوران عن ابن عبَّاسٍ حديثًا غيره فيما أعلم. وقد روى الحديثَ المذكورَ التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ، كلاهما في التفسير، مِنْ طريق حجاج بن محمد نحو سياق مسلم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وليس فيه أيضًا تصريحٌ بأنَّ حُميدًا سمع ذلك مِنَ ابن عباس. وهكذا رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن حجَّاج، وهكذا رواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن جعفر بن سُنيد بن داود، عن أبيه، عن حجاج، وهكذا رواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا المطرِّز، حدثنا الرَّماديُّ -يعني أحمد بن منصور- وابن زنجوية -يعني محمد بن عبد الملك- ومحمد بن إشكاب، وعبَّاس، يعني: ابن محمد الدُّوْري-. قالوا: حدَّثنا حجاج بن محمد مثله. وهكذا رواه الجوزقي في "المتَّفق" من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن حجاج، وهكذا رواه أبو نعيم في "المُستخرَج على مُسلم"، من طريق الحسنِ بن محمد بن الصَّباح الزَّعفراني، وعبدِ الرحمن بن يونس الرَّقِّي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ويوسفَ بنِ سعيد بن مسلم، كلهم عن حجَّاج، لم يختلفُوا عليه في السياق، بل سياقُهم لموضِعِ الحاجة الآن مِنْ هذا الخبر مثل سياق مُسلم سواء.
وأمَّا طريقُ عبد الرَّزاق التي علَّقها البخاري بمتابعة هشام بن يوسف عليه، فقال أبو جعفر بن جرير الطَّبري في "تفسيره": حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن أبي مُلَيكة، أنَّ علقمة بن وقَّاص أخبره أنَّ مروان قال لبوَّابه: اذهب يا رافعُ إلى ابن عباس، فقل له: لئن كان كل أمرئ منّا فرح بما أتى وأحب أن يُحمَدَ بما لم يفعلَ معذَّبًا، لنُعَذَّبَنَّ أجمعون. فقال ابن عباس: مالكم ولهذه. . . فذكر الحديث.
وهكذا رواه الإسماعيلي (1) في "المستخرج على صحيح البخاري" عن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، عن أبي عروبة الحُسين بن محمد بن أبي معشر الحراني، عن سَلمَةَ بن شبيب، عن عبد الرزاق به. فاتَّفقَ هؤلاء الثَّلاثة مِنْ أصحاب ابن جريج -وهم: هشامُ بنُ يوسف وعبد الرَّزاق الصَّنعانيان، وحجَّاجُ بنُ محمَّد المِصِّيصي- على سياق القصة. وخالف الصَّنعانيان المصِّيصيَّ في اسم الراوي للقصة، فاتفقا على أنَّه عَنْ علقمَة. وقال حجاجٌ: عن حُميد، فنظرنا: هل نجد لحجاجٍ متابعًا ليَبْعُدَ الترجيحُ بالأكثريَّة ويُرْجَع إلى الجمع، فإذا محمدُ بن عبد الملك بن جريج قد رواه عن أبيه بمتابعة حجاج بن محمد، إلا أنه لم يُسم رافعًا.
وأخرجه الإمام الكبير أبو محمد إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن رَوْح بن عبادة، حدثنا محمدُ بن عبد الملك بن جريج، عن أبيه، عن ابن أبي مليكة، أنَّ حُمَيْدَ بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بعث إلى ابن عباس: واللَّه لَئِنْ كان كلُّ امرىءٍ منَّا فَرِح بما أتى وأحبَّ أن يُحمد بما لم يفعل معذبًا، لنُعذّبنَّ أجمعون، فقال ابن عباس: إنما أُنزلت في أهل الكتاب، فذكر الحديث كما تقدم.
وهكذا رواه الإسماعيلي في "مستخرجه" من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النَّيسابوريِّ، عن روح بن عبادة، إلا أنَّه لم يَسُقْ لفظه.
(1) ما في "تغليق التعليق" 4/ 192 أن الذي أخرج هذه الطريق هو أبو نعيم في "مستخرجه" لا الإسماعيلي.
وذَهَل الحاكم فرواه (1) في "المستدرك" من طريق إسحاق بن راهويه، وزعم أنَّ الشيخين لم يخرجاه. انتهى.
وظاهر سياق رواية محمد يشعر بأن (2) حُميدَ بنَ عبد الرحمن كان عند ابن عباس لمَّا جاءه رسول مروان، ويؤيِّدُ ذلك عدمُ ذكرِه الرسول هنا وتسميته؛ لأنه غيرُ مقصود بالرواية.
وإذا احتمل هذا في السياق الذي عن حميد بن عبد الرحمن، احتمل مثله في السياق الذي عن علقمة بن وقاص؛ لأنه لا يخلو مِنْ أن يكونَ ابنَ جريج حَفِظَه عن ابن أبي مُليكة عنهما جميعًا، فكان تارة يحدِّث به عن هذا، وتارة عن هذا، أو يكون ابنُ جريج سمعه مِنَ ابن أبي مليكة عن أحدهما، وعندما أدَّاه حدَّث به مرَّةً على الصواب ومرة على الوهم.
فإن كان الأول -وهو (3) الراجح- وهو ظاهرٌ مِنْ تَصَرُّف صاحبي الصَّحيح، فإنَّهما لا يجعلان الاختلاف مِنْ ثقةٍ حافظٍ على ثقتين حافظين، إذا كان على حدٍّ سواء علة (4) قادحة. بل إنما يُعللان هما ومَنْ تبِعَهُما بالاختلاف، حيث يترجَّحُ أحدٌ الثِّقتين على الآخر بوجه قويِّ مِنْ وجوه الترجيح. أو يكونُ التردُّد واقعًا بين ثقةٍ وضعيفٍ. فمثلُ هذا عندهم مِنَ العلل القادحة. وقلَّ أن يُوجَدَ في الكتابين بهذه المثابة شيءٌ بخلاف الأول، ففي الكتاب عدةُ أحاديث كذلك.
وإن كان الثاني، بأن كان ابنُ جريج إنَّما سمعه مِنَ ابنِ أبي مُليكة عن واحد، فحدَّثَ به وتارةً على الصواب، وتارةً على الوهم، فيترجَّحُ عندي روايةُ حجاج بن محمد؛ لأنَّه أثبتُ النَّاس في ابن جُريج، وبذلك وصفه الإمامُ أحمد بن حنبل، ومعلَّى بن منصور الرازي، وقدَّمه يحيى بنُ معين على أبي عاصم. وقال إسحاق بن إبراهيم السُّلمي: كان حجَّاجُ بنُ محمد
(1)"فرواه" ساقطة من (ب).
(2)
في (أ): "بأنه".
(3)
في (ط): "هو"، بدون الواو.
(4)
في (أ): "علته".
نائمًا أوثَق مِنْ عبد الرزاق يقظان.
قلت؛ وما يُحكى مِنْ أنَّه اختلط، قد ذكر إبراهيم الحربيُّ أنَّه لم يضرّه الاختلاط، وأن يحيى بنَ معين اجتمع به أوَّلَ ما تغيَّر حفظهُ، فقال لابنه: لا تدخل عليه (1) أحدًا.
حتى لو سلمنا أنَّه ضرَّه الاختلاط، فإنَّ سماعَ الإمام أحمد منه في غاية الإتقان، ولا سيما وقد تابعه محمد بنُ عبد الملك بن جُريج. ولا ريبَ أنَّ آلَ الرجل إذا كانوا عُدُولًا، أولى بإتقان حديثه مِنْ غيرهم، وأما اتفاق (2) هشام وعبد الرزاق، فلا تأثير له؛ لأن سماعهما كان واحدًا، واللَّه أعلم.
وقد اعترض الإسماعيليُّ، رحمه اللَّه تعالى، على البخاري في إخراج هذا الحديث [فقال ما نصُّه: رحمَ اللَّه أبا عبد اللَّه، فإنه أخرج هذا الحديث] (3)، في "الصحيح"، مع الاختلاف فيه على ابن جريج، فقال عبد الرزاق وهشام: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة. وقال حجاج: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن حميد بن عبد الرحمن. قال: ثم إن مرجِعَ الحديث إلى بوَّابِ مروان، عن ابن عباس. وبوابُ مروان وحرسيُّهُ بمنزلةٍ واحدةِ، ثم لم يذكر -يعني البخاري- حديث عُروة عن مروان، عن بُسرة بنت صفوان في مَسِّ الذَّكَر. ولا فرقَ بينهما، إلا أن البواب مسمًّى والحَرسيُّ غيرُ مسمًّى، وكلاهما غيرُ معروف. فاللَّه يغفرُ لنا وله. انتهى كلامه.
والجواب عن الأول، بأنا قد بينَّا أن البخاري لا يُعلِّلُ بمثل هذا الاختلاف إما كان دائرًا على ثقات على شرطه. وأمَّا كونُه لم يخرِّج حديث بُسرة، وهو شبيه بهذا الحديث في الاختلاف فيه على عروة [وهل
(1)"عليه" ساقطة من (ط).
(2)
في (أ، ح): "إتقان".
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ب).
سمعه] (1) من مروان عن بسرة، أو من حرسيِّ مروان، عن بسرة، أو لقِيَ بُسرَة فشافَهها به، فقدِ اختلفَ الرُّواةُ فيه على الأوجه الثلاثة.
ونحن، وإن سلَّمنا أنَّ هذا الاختلاف لا يضرُّ الخبر، لأنَّ مروانَ مِنْ رجال البخاري. لا كما توهَّم بعضُ النَّاس أنَّه لا يجوز الاحتجاج به، فعروة قد سمع الخبرَ منه أولًا على كل حال، وإنَّما أراد الاستثبات فيه، فأرسل الحرسيَّ ليستثبتها فيه. ولولا أنَّ الحرسيَّ المذكور كان عند عروة عدلًا، لما اعتمده، كيف وقد صحَّ لنا بالطَّريق الصَّحيح أنَّ عروة سمعه بعدُ مِنْ بُسرة، فقد رواه ابنُ خزيمة في "صحيحه" وابن حِبَّان في "صحيحه" أيضًا عنه، عن محمد بن رافع، عن ابن أبي فُدَيك -وهو محمد بن إسماعيل- عن ربيعة بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسرة، به. قال عروة: فسألتُ بُسْرَةَ، فصدَّقته. ورواه ابن حبان في "صحيحه" أيضًا، والدارقطني والحاكم من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة، أنَّ مروانَ حدَّثه عن بُسرة به. قال: فأنكر ذلك عروة، فسألَ بُسرةَ فصدَّقته. ورواه الحاكم أيضًا من طريق حماد بن زيد، والمنذر بن عبد اللَّه الحِزَامي، وعنبسة بنِ عبد الواحد، وحُميد بن الأسود، ويحيى بن سعيد القطَّان، كلهم عن هشام، عن أبيه، أنَّه سمعه من بسرة. وقال ابن خزيمة؛ قد سمع عروة خبرَ بُسرة منها، لا كما توهمَّه بعضُ النَّاس أنَّ الخبر واهٍ لطعنه في مروان. انتهى.
وقد قدَّمنا أن مروان مِنْ رجال البخاري، فيلزمه على هذا إخراجُ حديثه، إلا أنا (2) نقول: يحتمل أن يكون فيه عنده علةٌ غيرُ هذا الاختلاف لم نطَّلع نحن عليها، فلا يلزمه إخراجه، لانحطاطه عن شرطه. نعم، لا يمنعُ ذلك مِنَ القول بصحَّته، لما تقرَّر مِنْ ضيقِ شرطه في "جامعه"؛ لأنّ الترمذيَّ حكى عنه أنَّه صحَّحه، واللَّه أعلم.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).
(2)
في (ب): "لأنا".
وأما إشعار كلام الإسماعيلي بأنَّ البخاريَّ إنما خرَّج هذا الحديث، وأعرض عن حديث بسرة، لأن الحَرسيَّ في حديث بُسرة لم يُسمَّ والبواب في حديث ابن عباس قد سُمِّيَ، فليس بصواب. وكذا تعليلُه الخَبَر بأنَّ رافعًا غيرُ معروف، لما قدَّمناه مِنْ سياق محمد بن عبد الملك بن جُريج، الذي أخرج الإسماعيليُّ إسناده فقط، فإنَّ ظاهره أنه مِنْ رواية حُميد بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، إذ لا ذِكْر لرافعٍ فيه أصلًا، واللَّه أعلم.
وأما ما وقع في "الكاشف" مِنْ ترجمة رافع، فتلك آفةُ الإجحاف في الاختصار، فإنَّ نصَّ المزِّيِّ في "التهذيب": رافع المدني، بواب مروان بن الحكم، أرسله مروانُ إلى ابن عباس يسأله عن قول اللَّه تعالى:{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188]. حكى ذلك عنه حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعلقمةُ بن وقَّاص، وكأنَّهما سمعا منه جوابَ ابنِ عباس، روي له البخاري والنَّسائي. انتهى.
وعليه فيه مآخذ:
الأول: أنَّ هذا البواب لم يذكرهُ أحدٌ في رجال الصحيحين، لا الكَلَاباذِي، ولا ابن مَنْجُويَة، ولا ابن طاهر، ولا عبد الغني، ولا غيرهم. ولم أرَ أحدًا مِمَّن صنَّف في أسماء الرجال مُطلقًا أفرده بترجمة، لا البخاري، ولا ابن أبي خيثمة، ولا ابنُ سعد، ولا ابنُ حِبَّان، ولا ابن عَدِيٍّ، ولا غيرهم. نعم أورده ابن أبي حاتم مختصرًا جدًا، فقال: رافع المدني بواب مروان روى عن. . . روى عنه. . . . سمعت أبي يقولُ ذلك. هكذا رأيتُه في عدة نسخ من كتاب "الجرح والتعديل"، منها نسخة قديمة جدًا، قُرِئت على أصحاب المصنف قبل الأربعمائة، فلم يذكر شيخه، ولا الرَّاوي عنه، مع أنَّ هذا الحديث الذي جاء ذِكرُه فيه مشهور، قد أخرجه ابنُ أبي حاتم في "تفسيره". فلو كان هو المقصود بالرِّواية فيه، لما خفِيَ عليه حالُ شيخِه والراوي عنه. وكأنَّه لما رأى اسمه في هذا الحديث، احتمل عنده أن يكونَ له روايةٌ غيرُ هذا، فسأل أباه عنه، فلم يستحضر، فكتبه احتياطًا، وبيَّض له، فكأنه لم يذكره.