الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رحلاته]
وأما رحلته، فأقول بعد سياق قوله:
وإذا الدِّيار تَنكَّرت سافرتُ في
…
طلب المعارف هاجرًا لدياري
وإذا أقمتُ فمؤنسي كُتبي، فلا
…
أنفكُّ في الحالين مِنْ أسفَارِي
رحلته إلى قوص:
أولُ ما رحل -فيما علمته- في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، إلى قوص وغيرها، من بلاد الصعيد. لكنه لم يستفدْ بها شيئًا مِنَ المسموعات الحديثية، بل لقي جماعة مِنَ العلماء، منهم قاضي "هُو" نور الدين علي بن كريم الدين محمد بن محمد بن النعمان الأنصاري، المتوفى سنة إحدى وثمانمائة لقيه بـ "هُو"، وهي بالقرب مِنْ قُوص الصَّعيد الأعلى، فذكر له أنَّه لقي بعض أصحاب أبي العباس الملثَّم، الذي قيل فيه: إنه عُمِّرَ، وروى عن معمر (1) الذي قل فيه: إنَّه صحابي، وهذا شيءٌ لا يُعتمد عليه، كما صرَّح به شيخنا في ترجمة معمر من "لسان الميزان". وكتب عنه ما حكى عن قاضي قُوص، أنه كان في منزله، فخرج عليه ثُعبان مَهُولُ المنظر، ففزعَ منه، فضربه فقتله، فاحتمل في الحال مِنْ مكانه، ففُقِدَ مِنْ أهله، فأقام مَعَ الجِنِّ إلى أن حملوه إلى قاضيهم، فادَّعى عليه وليُّ المقتول، فأنكر، فقال له القاضي: على أيِّ صورةٍ كان المقتول؟ فقيل: في صورة ثُعبان، فالتفت
(1) في (ط): "عمر"، وهو تحريف.
القاضي إلى مَنْ بجانبه، فقال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول "من تزيَّا لكم فاقتلوه". وأمر القاضي بإطلاقه، فرجعوا به إلى منزله (1).
قلت: وهذه الحكاية عندنا مِنْ طرق، ينتهي كلُّ طريق منها إلى مَنِ اتَّفق له مثلُها أو شبهها. واللَّه أعلم بصحة ذلك.
ومنهم عبد الغفار بن أحمد بن عبد الغفار بن نوح، حفيد مصنف "الوحيد في سلوك طريق أهل التوحيد"، وسمع منه عن أبيه عن جده، شيئًا مِنْ خبر أبي العبَّاس الملثم المشار إليه قريبًا.
ومنهم ابن السَّراج قاضي قُوص، لقيه بها مع جماعة مِنْ أهل الأدب، سمع مِنْ نظمهم. وبلغني أنه أنشد هناك قوله:
نزلتُ في هُوّ بالصَّعيد على (2)
…
قومٍ على النَّاس بالعُلى تاهُو
في (3) بلدة من صلاحهم عَمَرت
…
أقول عند أذكارهم: يَاهُو
وقوله:
وبلدة (4) الحُسن في الصعيدِ
…
وأهلها أكرمُ العبيدِ
تَوضَّ منها بجنبِ نهرٍ
…
وصَل بالجامع الجديدِ
وقوله يمدح ابن النعمان الماضي:
الحسن يا للَّه أطيب بلدة
…
طابت وطاب مزاجها وخفيقُها
وغدا فتى النُّعمان فيها مفردًا
…
فكأنما هو للعلوم شقيقُها
وسمعت أن شخصًا من أهلها يلقب البُجَّ (5) استدعاه لمنزله في ضيافة،
(1) انظر "إنباء الغمر" 4/ 71 - 72، والضوء اللامع 6/ 20 - 21.
(2)
في (ب): "نزلت من الصعيد على".
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
في (ب): "بلدة".
(5)
في (ط): "الشيخ".
وتركه بالمنزل، وخرج لبعض مهماته فأبطأ، فكتب له صاحبُ الترجمة بالحائط:
وبلدةٍ لم أجد خِلًّا يُؤانسني
…
فيها سوى البُجِّ والأشجان في وقَدِ
فقلت: يا قلبُ طِرْ منها تَجِد فَرَجًا
…
وأنت يا بُجُّ في حِلٍّ مِنَ البلدِ
وترك المنزل وانصرف:
قلت: وللبدر الدماميني:
يا طالعًا للصعيد يَقصِدُهُ
…
لتجتلي العينُ حسنَ مرآهُ
دَعْ عنك باللَّه قُوصَهم "وقِنَا"
…
فما يَسُرُّ القلوب إلا "هُو"
وقوله:
يا رب إنا قد أتينا نشتكي
…
ما في الصعيد لنا من الأضرارِ
فارحم وداركني (1) فقوصُ لحرّها
…
تحكي لظًى و"قنا" عذاب النارِ
انتهى.
ومات ابنٌ لقاضي "هُو" يُكنى أبا العباس، فكتب صاحب الترجمة على قبره:
رحم اللَّه أعظُمًا دفنوها
…
لك (2) تحت الثرى أبا العباسِ
وسقى المُزنُ ذلك اللَّحد (3) غيثًا
…
غَدَقًا هامِلًا بغير قياسِ
قال وهو بالقطيعة من بلاد الصعيد:
(1) في (أ): "وأدركني".
(2)
"لك" ساقطة من (ب).
(3)
في (ب، ط): "وسقى لحدك المزن"، وهي كذلك في (ح)، وكتب في هامشها: لعله. وسقى المزن ذلك اللحد غيثًا.