الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغهِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَعَنْهُ، يُقْبَلُ. وَقَال الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهَلْ يُقْبَلُ فِي غَيرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.
ــ
2543 - مسألة: (وإن أقَرَّ بالرِّقِّ بعد بُلُوغِه، لم يُقْبَلْ. وعنه، يُقْبَلُ. وقال القاضِي: يُقْبَلُ فيما عليه، رِوايةً واحِدَةً، وهل يُقْبَلُ في غيرِه؟ على رِوايَتَين)
إذا ادَّعَى إنْسانٌ رِقَّ اللَّقِيطِ بعد بُلُوغِه، فصَدَّقَه، وكان قد اعْتَرَفَ بالحُرِّيَّةِ لنَفْسِه قبلَ ذلك، لم يُقْبَلْ إقْرارُه بالرِّقِّ؛ لأنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اعْتَرَفَ بالحُرِّيَّةِ، وهي حَقٌّ للهِ تعالى، فلا يُقْبَلُ رُجُوعُه في إبْطالِها. وإن لم يَكُنِ اعْتَرَفَ بالحُرِّيَّةِ، احْتَمَلَ وَجْهَين؛ أحَدُهما، يُقْبَلُ. وهو. قولُ أصحابِ الرَّأْي؛ لأنَّه مَجْهُولُ الحالِ، أقَرَّ بالرِّقِّ، فَقُبِلَ، كما لو قَدِمَ رَجُلانِ مِن دِارِ الحَرْبِ، فأقَرَّ أحَدُهما للآخَرِ بالرِّقِّ، وكإقْرارِه بالحَدِّ والقِصاصِ في نفْسِه، فإنَّه يُقْبَلُ وإن تَضَمَّنَ فَواتَ نَفسِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ. قال شَيخُنا (1): وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّه يَبْطُلُ به حَقُّ اللهِ تعالى في الحُرِّيَّةِ المَحْكُومِ بها، فلمِ يَصِحَّ، كما لو أقَرَّ بالحُرِّيَّةِ قبل ذلك، ولأنَّ الطِّفْلَ المَنْبُوذَ لا يَعْلَمُ رِقَّ نفْسِه ولا حُرِّيَّتَها، ولم يَتَجَدَّدْ له حالٌ يَعْرِفُ به رِقَّ نَفْسِه؛ لأنَّه في تلك الحالِ مِمَّن لا يَعْقِلُ، ولم يَتَجَدَّدْ له رِقٌّ بعدَ الْتقاطِه، فكان إقْرارُه باطِلًا. وهذا قولُ ابنِ القاسِمِ، وابنِ المُنْذِرِ. وللشافعيِّ
(1) في: المغني 8/ 385.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهانِ، كما ذَكَرْنا. فإن قُلْنا: يُقْبَلُ إقْرارُه. صارَتْ أحْكامُه أحْكامَ العَبِيدِ فيما عليه خاصَّةً. وهذا الذي قاله القاضِي. وبه قال أبو حنيفةَ، والمُزَنِيُّ. وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ؛ لأنَّه أقَرَّ بما يُوجِبُ حَقًّا عليه وحَقًّا له، فوَجَبَ أن يَثْبُتَ ما عليه دُونَ ماله، كما لو قال: لِفُلانٍ عَلَيَّ ألْفٌ، وَلِي عندَه رَهْنٌ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُقْبَلُ إقْرارُه في الجَميعِ. وهو القَوْلُ الثاني للشافعيِّ؛ لأنَّه يَثْبُتُ ما عليه، فيَثْبُتُ ما لَه، كالبَيِّنةِ، ولأنَّ هذه الأحكامَ تَبَعٌ للرِّقِّ، فإذا ثَبَتَ الأصْلُ بقَوْلِه، ثَبَتَ التَّبَعُ، كما لو شَهِدَتِ امْرأةٌ بالولادةِ، ثَبَتَت، وثَبَتَ النَّسَبُ تَبَعًا لها.
فصل: فأمّا إن أقَرَّ بالرِّقِّ ابْتداءً لإِنْسانٍ، فصَدَّقَه، فهو كما لو أقَرَّ به جَوابًا، وإن كَذَّبَه، بَطَل إقْرارُه. فإن أقَرَّ به بعدَ ذلك لرَجُلٍ آخَرَ، جازَ. وقال بعضُ أصحابِنا: يَتَوَجَّهُ أن لا يُسْمَعَ إقْرارُه الثاني؛ لأنَّ إقْرارَه الأوَّلَ يَتَضَمَّنُ الاعْتِرافَ بنَفْي مالكٍ له سِوَى المُقَرِّ له، فإذا بَطَل إقْرارُه برَدِّ المُقَرِّ له، بَقِيَ الاعْتِرافُ بنَفْي مالكٍ له غيرِه، فلم يُقْبَلْ إقْرارُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بما نَفَاهُ، كما لو أقَر بالحُرِّيَّةِ ثم أقَرَّ بعد ذلك بالرِّقِّ. ولَنا، أنَّه إقْرارٌ لم يَقبَلْه المُقَرُّ له، فلم يَمْنَعْ إقْرارَه ثانيًا، كما لو أقَرَّ له بثَوْبٍ ثم أقَرَّ به لآخَرَ بعدَ رَدِّ الأوَّلِ، وفارَقَ الإِقْرارَ بالحُرِّيَّةِ، فإن الإقْرارَ بها لم يَبْطُلْ ولم يُرَدَّ.
فصل: فإذا قَبِلْنا إقْرارَه بالرِّقِّ بعد نِكاحِه، وهو ذَكَرٌ، وكان قبلَ الدُّخُولِ، فَسَد النِّكاحُ في حَقِّه؛ لأنَّه عَبْدٌ تَزَوَّجَ بغيرِ إذْنِ مَوالِيه، ولها عليه نِصْفُ المَهْرِ؛ لأنَّه حَق عليه، فلم يَسْقُطْ بقَوْلِه. وإن كان بعدَ الدُّخُولِ، فَسَد نِكاحُه، وعليه المَهْرُ كلُّه؛ لِما ذَكَرْنا، لأنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الطَّلاقَ. فإذا أقَرَّ به قُبِلَ، ووَلَدُه حُرٌّ تابعٌ لأُمِّه. وإن كان مُتَزَوِّجًا بأمَةٍ فوَلَدُه لسَيِّدِها ويتَعَلَّقُ المَهْرُ برَقَبَتِه؛ لأنَّ ذلك مِن جِناياتِه، يَفْدِيه سَيِّدُه أو يُسَلِّمُه. وإن كان في يَدِه كَسْبٌ، اسْتَوْفَى المَهْرَ منه؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ إقْرارُه به لسَيِّدِه بالنِّسْبةِ إلى امْرَأتِه، ولا يَنْقَطِعُ حَقُّها منه بإقْرارِه. وإن قُلْنا: يُقْبَلُ قَوْلُه في جميعِ الأحكامِ. فالنِّكاحُ فاسِدٌ؛ لكَوْنِه تَزَوَّجَ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، ويُفَرَّقُ بينهما، ولا مَهْرَ لها عليه إن لم يَكُنْ دَخَل بها، وإن كان دَخَل بها، فلها عليه المَهْرُ المُسَمَّى، في إحْدَى الرِّوايَتَين، والأُخْرَى، خُمْسَاه.
فصل: وإن كان اللَّقِيطُ أُنْثَى، وقُلْنا: يُقْبَلُ فيما عليه خاصَّةً. فالنِّكاحُ صَحِيح في حَقِّه. فإن كان قَبْلَ الدُّخُولِ فلا مَهْرَ لها؛ لإقْرارِها بفَسادِ نِكاحِها، وأنَّها أمَةٌ تَزَوَّجَتْ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، والنِّكاحُ الفاسِدُ لا يَجبُ المَهْرُ فيه إلَّا بالدُّخُولِ. وإن كان دَخَل بها، لم يَسْقُطْ مَهْرُها، ولسَيِّدِها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأقَلُّ؛ مِن المُسَمَّى أو مَهْرِ المِثْلِ؛ لأنَّ المُسَمَّى إن كان أقَلَّ، فالزَّوْجُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الزِّيادَةِ عليه، وقَولُها غيرُ مَقْبُولٍ في حَقِّه. وإن كان الأقَلُّ مَهْرَ المِثْلِ، فهي وسَيِّدُها يُقِرّان بفَسادِ النِّكاحِ، وأنَّ الواجِبَ مَهْرُ المِثْلِ، فلا يَجِبُ أكْثَرُ منه، إلَّا على الرِّوايَةِ التي يَجِبُ فيها المُسَمَّى في النِّكاحِ الفاسِدِ، فيَجِبُ ها هنا قَلَّ أو كَثُرَ؛ لإقْرارِ الزَّوْجِ بوُجُوبِه. وأمّا الأوْلادُ، فأحْرارٌ، لا تَجِبُ قِيمَتُهم؛ لأنَّها لو وَجَبت لوَجَبَتْ بقَوْلِها، ولا يَجِبُ بقَوْلِها حَقٌّ على غيرِها، ولا يَثْبُتُ الرِّقُّ في حَقِّ أوْلادِها بقَوْلِها. فأمّا بقاءُ النِّكاحِ، فيُقالُ للزَّوْجِ: قد ثَبَت أنَّها أمَةٌ وَلَدُها رَقِيق لسَيِّدِها، فإنِ اخْتَرْتَ المُقَامَ على ذلك فأقْم، وإن شِئْتَ فَفارِقْها. وسواءٌ كان مِمَّن يَجُوزُ له نِكاحُ الإِمَاءِ أو لم يَكُنْ؛ لأنَّنا لو اعْتَبَرْنا ذلك وأفْسَدْنا نِكاحَه، لكان إفسادًا للعَقْدِ جَمِيعِه بقَوْلِها؛ لأنَّ شُرُوطَ نِكاحِ الأمَةِ لا تُعْتَبَرُ في اسْتِدامَةِ العَقْدِ، إنَّما تُعْتَبرُ في ابْتِدائِه. فإن قيل: فقد قَبِلْتُمْ قَوْلَها في أنَّها أمَةٌ في المُسْتَقْبَلِ، وفيه ضَرَرٌ على الزَّوْجِ. قُلْنا: لم يُقْبَلْ قَوْلُها في إيجابِ حَقٍّ لم يَدْخُلْ في العَقْدِ عليه، فأمّا الحُكْمُ في المُسْتَقْبَلِ، فيُمْكِنُ إيفاءُ حَقِّه وحَقِّ مَن ثَبَت له الرِّقُّ عليها، بأن يُطَلِّقَها، فلا يَلْزَمُه ما لم يَدْخُلْ عليه، أو يُقِيمَ على نِكاحِها، فلا يَسْقُطُ حَقُّ سَيِّدِها. فإن طَلَّقَها اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الحُرَّةِ؛ لأنَّ عِدَّةَ الطَّلاقِ حَقٌّ للزَّوْجِ، بدَلِيلِ أنَّها لا تَجِبُ إلَّا بالدُّخُولِ، وسَبَبُها النِّكاحُ السابِقُ، فلا يُقْبَلُ قَوْلُها في تَنْقِيصِها، وإن مات، اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الأمَةِ؛ لأنَّ المُغَلَّبَ فيها حَقُّ الله تِعالى،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بدَلِيلِ وُجُوبِها قبلَ الدُّخُولِ، فقُبِلَ قَوْلُها فيها. وإن قُلْنا بقَبُولِ قَوْلِها في جميِعِ الأحْكامِ، فهي أمَةٌ تَزَوَّجَتْ بغيرِ إذْن سَيِّدِها، فنِكاحُها فاسِدٌ، ويُفرَّقُ بينَهما، ولا مَهْرَ لها إن كان قبلَ الدُّخولِ. وإن كان دَخَل بها، وَجَب لها مَهْرُ أمَةٍ تَزَوَّجَتْ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، على ما ذُكِرَ في مَوْضِعِه. وهل يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ أو المُسَمَّى؟ فيه روايتان. وتَعْتَدُّ حَيضَتَينِ؛ لأنَّه وَطْءٌ في نِكاحٍ فاسِدٍ. وأوْلادُه أحْرارٌ؛ لاعْتقادِه حُرِّيَّتَها، فهو مَغْرُورٌ، وعليه قيمَتُهُم يومَ الوَضْعِ. وإن مات فليس عليها عِدَّةُ الوَفاةِ.
فصل: فإن كان قد تَصَرَّفَ ببَيع أو شِراءٍ، فتَصرُّفُه صَحِيحٌ، وما عليه مِن الحُقُوقِ والأثْمانِ يُؤَدَّى مِمّا في يَدِه، وما بَقِيَ ففي ذِمَّتِه؛ لأنَّ مُعامِلَه لا يُقِرُّ برِقِّه. وإن قُلْنا بقَبُولِ إقْرارِه في جميعِ الأحْكامِ، فَسَدَتْ عُقُودُه كلُّها، ووَجَبَ رَدُّ الأعْيانِ إلى أرْبابِها إن كانت باقِيةً، وإن كانت تالِفةً وَجَبَتْ قِيمَتُها في رَقَبَتِه أو في ذِمَّتِه، على ما ذَكَرْنا في اسْتِدانَةِ العَبْدِ؛ لأنَّه ثَبَت برِضَا صاحِبِه.
فصل: فإن كان قد جَنَى جنايَةً مُوجِبَةً للقِصاصِ، فعليه القَوَدُ، حُرًّا كان المَجْنِيُّ عليه أو عَبْدًا؛ لأنَّ إقْرارَه بالرِّقِّ يَقْتَضِي وُجُوبَ القَوَدِ عليه، فيما إذا كان المَجْنِيُّ عليه عَبْدًا أو حُرًّا، فقُبِلَ إقْرارُه فيه. وإن كانتِ الجنايَةُ خطأً، تَعَلَّقَ أرْشُها برَقَبَتِه؛ لأنَّ ذلك مُضِرٌّ به، فإن كان أرْشُها أكْثَرَ مِن قِيمَتِه، وكان في يَدِه مالٌ، اسْتَوْفَى منه. وإن كانْ ممَّا تَحْمِلُه العاقِلَةُ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه في إسْقاطِ الزِّيادَةِ؛ لأنَّ ذلك يَضُرُّ بالمَجْنِيِّ عليه، فلا يُقْبَلُ