الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ وَقَفَ عَلَى أهْلِ قَرْيَتِهِ أوْ قَرَابَتِهِ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ وَإنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا.
ــ
وأجْمَعَ العُلَماءُ على حَجْبِها بالذَّكَرِ والأُنْثَى. وإن قال: لعُمُومَتِه. فالظّاهِرُ أنَّه مِثْلُ الإِخْوَةِ، يشْمَلُ (1) الذَّكَرَ والأُنْثَى؛ لأنَّهم إخْوَةُ أَبِيه. وإن قال: لبَنِي إخْوَتِه. أو: لبَنِي عَمِّه. فهو للذُّكُورِ دُونَ الإِناثِ. إذا لم يكونُوا قَبِيلةً، والفَرْقُ بينَهما أنَّ الإِخْوَةَ والعُمُومَةَ ليس لهما لَفْظٌ مَوْضُوع يَشْمَلُ الذَّكَرَ والأُنْثَى سِوى هذا اللَّفْظِ، وبَنو الإخْوَةِ والعَمِّ لهم لَفْط يَشْمَلُ الجَمِيعَ، وهو لَفْظُ الأوْلادِ، فإذا عَدَل عن اللَّفْظِ العامِّ إلى لَفْظِ البَنِين، دَلَّ على إرادَةِ الذُّكُورِ، ولأنَّ لَفْظَ العُمُومَةِ أشْبَهُ بلَفْظِ الإخْوَةِ، ولَفْظُ بَنِي الإخْوَةِ والعَمِّ يُشْبِهُ بَنِي فُلانٍ، وقد دَلَّلْنا عليهما. والحُكْمُ في تَناوُلِ اللَّفْظِ للبَعِيدِ مِن العُمُومَةِ وبَني العَمِّ والإِخْوَةِ، حُكْمُ ما ذَكَرْنا في وَلَدِ الوَلَدِ، مع القَرِينةِ وعَدَمِها في المَسائِلِ المُتَقَدِّمَةِ.
2593 - مسألة: (وَإنْ وَقَفَ عَلَى أهْلِ قَرْيَتِهِ أوْ قَرَابَتِهِ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ وَإنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا)
وجملةُ ذلك، أنَّ الإِنسَانَ إذا وَقَف على أهْلَ قَرْيَتِه أو قَرابَتِه
(1) في م: «لا يشمل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو أتَى بلَفْظٍ عامٍّ يَدْخُلُ فيه المسلمون والكُفّارُ، والواقِفُ مُسْلِمٌ، فهو للمسلمين خاصَّة، ولا شيءَ للكفَّارِ. وقال الشافعيُّ: يَدْخُلُ فيه الكفّارُ، لأنَّ اللَّفْظَ يَتَناوَلُهم بعُمُومِه. ولَنا، أنَّ الله تعالى قال:{يُوْصِيِكُمُ اللهُ فِي أوْلَادِكُمْ} (1). فلم يَدْخُلْ فيه الكُفّارُ إذا كان المَيِّتُ مُسْلِمًا، وإذا لم يَدْخُلُوا في لَفْظِ القرْآنِ مع عُمُومِه، لم يَدْخُلُوا في لَفْظِ الواقِفِ، ولأنَّ ظاهِرَ حالِه أنَّه (2) لا يُرِيدُ الكُفّارَ، لِما بينَه وبينَهم مِن عَداوَةِ الدِّينِ، وعَدَمِ الوُصْلَةِ المانِعَةِ (3) مِن المِيراثِ ووُجُوبِ النَّفَقةِ، ولذلك خَرَجُوا مِن عُمُومِ اللَّفْظِ في الأوْلادِ والإِخْوَةِ والأزْواجِ، وسائِرِ الألْفاظِ العامَّةِ في المِيراثِ، فكذا ههُنا، فإن صَرَّحَ بهم دَخَلُوا، لأنَّ إخْراجَهم يُتْرَكُ به صَرِيح المَقال، وهو أقْوَى مِن قَرِينةِ الحالِ. وإن وَقَف عليهم وأهْلُ القَرْيةِ كلُّهم كُفَّارٌ، أو وَقَف على قَرابَتِه وكلُّهم كُفّارٌ، دَخَلُوا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهم، إذ في إخْراجِهم رَفْعُ اللَّفْظِ بالكُلِّيَّةِ. فإن كان فيها مُسْلِمٌ واحِدٌ والباقِي كُفّارٌ، دَخَلُوا أيضًا، لأنَّ إخْراجَهم ههُنا
(1) سورة النساء 11.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «المانع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالتَّخْصِيصِ بَعيدٌ، وفيه مُخالفةُ الظاهِرِ مِن وَجْهَين؛ أحدُهما، مُخالفَةُ لَفْظِ العُمُومِ. والثاني، حَمْلُ اللَّفْظِ الدّالِّ على الجَمْعِ على المُفْرَدِ. وإن كان أكْثَرُ كُفَّارًا، فهو للمُسْلِمِين، في ظاهرِ كلامِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه أمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عليهم وصَرْفُه إليهم، والتَّخْصِيصُ يَصِحُّ، وإن كان بإخْراجِ الأَكْثَرِ. ويَحْتَمِلُ أن يَدْخُلَ الكُفّارُ في الوَصِيّةِ؛ لأنَّ التَّخْصِيصَ فِي مثلِ هذا بَعِيدٌ، فإنَّ تَخْصِيصَ الصُّورَةِ النّادِرَةِ قَرِيبٌ، وتَخْصِيصَ الأَكْثَرِ بَعِيدٌ يَحْتاجُ إلى دَلِيل قَويٍّ. والحُكْمُ في سائرِ ألْفاظِ العُمُوم؛ كالإِخْوَةِ، والأعْمامِ، وبَنِي عَمِّه، واليَتامَى، والمَساكِينِ، كالحُكمِ في أهْلِ قَرْيَتِه. فأما إن كان الواقِفُ كافِرًا، فإنَّه يَتَناوَلُ أهْلَ دِينِه؛ لأنَّ لَفْظَه يَتَناوَلُهم، والقَرِينَةُ تَدُلُّ على إرادَتِهم، فأشْبَهَ وَقْفَ المُسْلِمِ، يَتناوَلُ أهْلَ دِينِه. وهل يَدْخُلُ فيه المُسْلِمون؛ يُنْظرُ؛ فإن وُجِدَتْ قَرِينَةٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دالَّةٌ على دُخُولِهم، مثلَ أن لا يكونَ في القَرْيةِ إلَّا مُسْلِمُون، دَخَلُوا، وكذلك إن لم يَكُنْ فيها إلَّا كافِرٌ واحِدٌ وباقي أهْلِها مُسْلِمُون، وإنِ انْتَفَتِ القَرائِنُ، ففي دُخُولِهم وَجْهان؛ أحَدُهُما، لا يَدْخُلُون؛ كما لم يَدْخُلِ الكُفّارُ في وَقْفِ المُسْلِمِ. والثاني، يَدْخُلُون؛ لأنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ يَتَناوَلُهم، وهم أحَقُّ بوَصِيَّتِه مِن غيرِهم، فلا يُصْرَفُ اللَّفْظُ عن مُقْتضاه ومَن هو أحَقُّ بحُكْمِه إلى غيرِه. فإن كان في القَرْيةِ كافِرٌ مِن غيرِ أهْلِ دِينِ الواقفِ، لم يَدْخُلْ؛ لأنَّ قَرِينةَ الحالِ تُخْرِجُه، ولم يُوجَدْ فيه ما وُجِد في المُسْلِمِ مِن الأوْلَويَّةِ (1)، فبَقِيَ خارِجًا بحالِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَخْرُجَ، بِناءً على تَوْرِيثِ الكُفّارِ بعضِهم مِن بعض مع اخْتِلافِ دِينِهم.
(1) في م: «الأُولى» .