الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِنْدَ الْقَاضِي، حَرِيمُهَا قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَقِيلَ: بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيهِ فِي تَرْقِيَةِ مَائِهَا.
وَقِيلَ: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ مَا عُدَّ إِحْيَاءً، وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ. وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ؛ كَالسَّقْي، وَالْحَرْثِ، فَلَيسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إِحْيَاءٌ.
ــ
2474 - مسألة: (وقِيلَ: حَرِيمُها قَدْرُ مَدِّ رِشائِها مِن كلِّ جانِبٍ)
لِما ذَكَرنا مِن الحديثِ. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّ ظاهِرَ كَلامِه في هذا الكِتابِ، وظاهِرَ كَلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه يَمْلِكُ حَرِيمَ البِئْرِ. ونُقِل عن الشافعيِّ. وقال القاضي: بل يكونُ أحَقَّ به.
2475 - مسألة: (وقِيلَ: إحْياءُ الأرْضِ ما عُدَّ إحْياءٌ، وهو عِمارَتُها بما تَتَهَيَّأُ به لِما يُرَادُ منها)
وقد ذَكَرْنا ذلك (وقِيلَ: ما يتَكَرَّرُ كلَّ عامٍ؛ كالسَّقْي، والحَرْثِ، فليس بإحْياءٍ، وما لا يتَكَرَّرُ فهو إحْياءٌ) لأنَّ العُرْفَ أنَّ حَرْثَ الأرْضِ مَرَّةً ليس بإحْياءٍ، وأنَّ عَمَلَ الحائطِ عليها ونحوه إحْياءٌ. وللشافعيِّ وَجْهٌ في أنَّ الزَّرْعَ والحَرْثَ إحْياءٌ. وقد ذَكَرْناه. فإن كانت كثيرَةَ الدَّغَلِ (1) والحَشيشِ، كالمُرُوجِ التي لا يُمْكِنُ زَرْعُها إلَّا بتَكْرارِ حَرْثِها وتَنْقِيَةِ دَغَلِها وحَشِيشِها المانِعِ مِن زَرْعِها، كان إحْياءٌ على قِياسِ ما ذكَرْنا أوَّلًا.
(1) الدغل: اشتباك النبات وكثرته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولابُدَّ أن يكونَ البِئْرُ فيها ماءٌ، فإن لم تَصِلْ إلى الماءِ، فهو كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ، على ما نَذْكُرُه. وقَوْلُه: ومَن حَفَر بِئْرًا عادِيَّةً. يُحْمَلُ على البِئْرِ التي انْطَمَّتْ وذَهَب ماؤُها، فجَدَّدَ حَفْرَها وعِمارَتَها، أو انْقَطَعَ ماؤُها، فاسْتَخْرَجَه، ليكونَ ذلك إحْياءً لها. فأمَّا البِئْرُ التي لها ماءٌ يَنْتَفِعُ به المسلمون، فليس لأحَدٍ احْتِجارُه ومَنْعُه؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ المَعادِنِ الظّاهِرَةِ التي يَرْتَفِقُ بها النّاسُ، وهكذا العُيُونُ النّابِعَةُ، ليس لأحَدٍ أن يَخْتَصَّ بها. ولو حَفَر رجلٌ بِئْرًا للمسلمين يَنْتَفِعُونَ بها، أو يَنْتَفِعُ بها مُدَّةَ إقامَتِه عندَها ثمَّ يَتْرُكُها، لم يَمْلِكْها، وكان له الانْتِفاعُ بها، فإذا تَرَكَها كانت للمسلمين كلِّهم، كالمَعادِنِ الظّاهِرَةِ، وهو أحَقُّ بها ما دام مُقِيمًا عندَها؛ لأنَّه سابِقٌ إليها، فهو كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ.
فصل: وإذا كان لإنْسانٍ شَجَرَةٌ في مَواتٍ، فله حَرِيمُها قَدْرَ ما تَمُدُّ إليه أغْصانَها حَواليها، وفي النَّخْلَةِ مَدُّ جَرِيدِها؛ لِما روَى أبو سعيدٍ قال: اخْتُصِمَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فأمَرَ بجَرِيدَةٍ مِن جَرائِدِها فَذُرِعَتْ، فكانت سَبْعَةَ أذْرُعٍ أو خَمْسَةَ أذْرُعٍ، فَقَضَى بذلك. رَواه أبو داودَ (1). وإن غَرَس شَجَرَةً في مَواتٍ، فهي له وحَرِيمُها، وإن سَبَق إلى شَجَرٍ مُباحٍ؛ كالزَّيتُونِ، والخَرُّوبِ، فسَقاه وأصْلَحَه، فهو له، كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ، فإن طَعَمَه (2) مَلَكَه
(1) في: باب أبواب من القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 284.
(2)
في الأصل: «ركبه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بذلك وحَرِيمَه؛ لأنَّه تَهَيَّأَ للانْتِفاعِ به لِما يُرادُ منه، فهو كسَوْقِ الماءِ (1) إلى الأرْضِ المَواتِ، ولقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» (2).
فصل: ومَن كانت له بِئْرٌ فيها ماءٌ، فحَفَرَ آخَرُ قَرِيبًا منها بِئْرًا يَنْسَرِقُ إليها ماءُ البِئْرِ الأُولَى، فليس له ذلك، سَواءٌ كان مُحْتَفِرُ الثانيةِ في مِلْكِه؛ مثلَ رَجُلَين مُتَجاورَين في دارَين، حَفَر أحَدُهما في دارِه بِئْرًا، ثمَّ حَفَر (3) الآخَرُ بِئْرًا أعْمَقَ منها، فسَرَى إليها ماءُ الأُولَى، أو كانتا في مَواتٍ، فسَبَق أحَدُهما فحَفَرَ بِئْرًا، ثمَّ جاء آخَرُ فحَفَر قَرِيبًا منها بِئْرًا تَجْتَذِبُ ماءَ الأُولَى. ووافَقَ الشافعيُّ في هذه الصُّورَةِ الثانيةِ؛ لأنَّه ليس له أن يَبْتَدِئَ مِلْكَه على وَجْهٍ يَضُرُّ بالمالِكِ قبلَه. وقال في الأُولَى: له ذلك؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ مُباحٌ في مِلْكِه، فجازَ له فِعْلُه، كتَعْلِيةِ دارِه. وهكذا الخِلافُ في كلِّ ما يُحْدِثُه الجارُ ممَّا يَضُرُّ بجارِه، مثلَ أن يَجْعَلَ دارَه مَدْبَغَةً أو حَمّامًا يَضُرُّ بعَقارِ جارِه بِحَمْي نارِه ورَمادِه ودُخَانِه، أو يَحْفِرَ في أصْلِ حائِطِه حُشًّا (4) يتَأَذَّى جارُه برائِحَتِه وغيرِها، أو يَجْعَلَ دارَه مَخْبِزًا في وَسَطِ العَطّارِين، ونحوه ممَّا يُؤْذِي جارَه. وقال الشافعيُّ: له ذلك كلُّه. ورُوِيَ ذلك عن أحمدَ. وهو قولُ بعضِ الحَنَفِيَّةِ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ مُباحٌ في مِلْكِه، أشْبَهَ بِناءَه ونَقْضَه. ولَنا،
(1) في م: «المال» .
(2)
تقدم تخريجه في 5/ 291.
(3)
سقط من: م.
(4)
الحش: بيت الخلاء.