الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَال، أُمْهِلَ الشَّهْرَينِ، وَالثَّلَاثَةَ، فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيرُهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
2478 - مسألة: (فإن طَلَب الإِمْهال، أُمْهِلَ)
مُدَّةً قَرِيبَةً؛ كالشَّهْرَين، والثَّلاثَةِ، ونحوها؛ لأنَّه يَسِيرٌ. فإن بادَرَ غيرُه فأحْياهُ في مُدَّةِ المُهْلَةِ أو قبلَ ذلك، مَلَكَه بالإِحْياءِ، في أحَدِ الوَجْهَين. لأنَّ الإِحْياءَ يُمْلَكُ به، والتَّحَجُّرَ لا يُمْلَكُ به، فيَثْبُتُ المِلْكُ بما يُمْلَكُ به دُونَ ما لا يُمْلَكُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به، كمَن سَبَق إلى مَعْدِنٍ أو مَشْرَعَةٍ، فجاء غيرُه فأزاله وأخَذَه، ولعُمُومِ الحديثِ في الإِحْياءِ. والثانِي، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّ مَفْهُومَ قَوْلِه عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيتَةً في غَيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِيَ لَهُ» (1). أنَّها لا تكونُ له إذا كان لمُسْلِمٍ فيها حَقٌّ، وكذلك قَوْلُه:«مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» (2). وروَى سعيدٌ في «سُنَنِه» (3) أنَّ عُمَرَ قال: مَن كانت له أرْضٌ -يَعْنِي من تحَجَّرَ أرْضًا- فعَطَّلَها ثَلاثَ سِنِين، فجاءَ قَوْمٌ يُعَمِّرُونَها، فهم أحَقُّ بها. وهذا يَدُلُّ على أنَّ مَن عَمَّرَها قبلَ ثَلاثِ سِنِين لا يَمْلِكُها. ولأنَّ الثانِيَ أحْيا في حَقِّ غيرِه فلم يَمْلِكْه، كما لو أحْيا ما تتَعَلَّقُ به مَصالِحُ مِلْكِ غيرِه، ولأنَّ حَقَّ المُتَحَجِّرِ أسْبَقُ، فكان أوْلَى، كحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ على شِراءِ المُشْتَرِي.
(1) تقدم تخريجه في:.
(2)
تقدم تخريجه في 5/ 291.
(3)
أخرجه البيهقي، في: باب ما يكون إحياء وما يرجى فيه من الأجر، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى 6/ 148.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن ضُرِبَتْ للمُتَحَجِّرِ مُدَّةٌ، فانْقَضَتِ المُدَّةُ ولم يُعَمِّرْ، فلغَيرِه أن يُعَمِّرَه ويَمْلِكَه؛ لأنَّ المُدَّةَ ضُرِبَتْ له ليَنْقَطِعَ حَقُّه بمُضِيِّها، وسَواءٌ أَذِنَ له السُّلْطانُ في عِمارَتِها أو لم يَأْذَنْ. وإن لم يَكُنْ للمُتَحَجِّرِ عُذْرٌ في تَرْكِ العِمارَةِ، قِيلَ له: إمّا أن تُعَمِّرَ، وإمّا أن تَرْفَعَ يَدَك. فإن
فَصْلٌ: وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ، بَلْ يَصِيرُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ.
ــ
لم يُعَمِّرْها، كان لغيرِه عِمارَتُها. فإن لم يُقَلْ له شيءٌ، واسْتَمَرَّ تَعْطِيلُها، فقد ذَكَرْنا حديثَ عُمَرَ في المسألَةِ قبلَها. ومَذْهَبُ الشافعيِّ في هذا الفَصْلِ والمسألةِ قبلَها على نحو ما ذَكَرْنا.
فصل: (وللإِمامِ إقْطاعُ المَواتِ لمَن يُحْيِيه، ولا يُمْلَكُ بالإِقْطاعِ، بل يَصِيرُ كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ) على ما ذَكَرْنا. ولا يَنْبَغِي أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُقْطَعَ إلَّا ما قَدَر على إحْيائِه؛ لأنَّ إقْطاعَه أكْثَرَ منه إدْخالُ ضَرَرٍ على المسلمين بلا فائدَةٍ فيه. فإن فَعَل ثمَّ تَبَيَّنَ عَجْزَه عن إحْيائِه، اسْتَرْجَعَه منه، كما اسْتَرْجَعَ عُمَرُ رضي الله عنه مِن بِلَالِ بنِ الحارِثِ ما عَجَز عن عِمارَتِه مِن العَقِيقِ الذي أقْطَعَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فرُوىَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ بلال بنَ الحارِثِ العَقِيقَ أَجْمَعَ، [فلَمّا كان](1) عُمَرُ، قال لبِلالٍ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يُقْطِعْك لتَحِيزَه (2) عن النّاسِ، إنَّما أقْطَعَك لتُعَمِّرَ، فخُذْ منها ما قَدَرْتَ على عِمارَتِه، ورُدَّ الباقِيَ. رَواه أبو عُبَيدٍ في «الأمْوالِ» (3). وذكر سعيدٌ في «سُنَنِه» [قال: حَدَّثَنا] (4) عبدُ العزيزِ بنُ مُحمدٍ، عن رَبِيعةَ، قال: سَمِعْتُ الحارِثَ بنَ بلالِ بنِ الحارِثِ يقولُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ بِلال بنَ الحارِثِ العَقِيقَ، فلَمّا وَلِيَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، قال: ما أُقْطِعْتَه لتَحْجُبَه، فأقْطِعْهُ النّاسَ. وروَى عَلْقَمَةُ بنُ وائلٍ، عن أبِيه،
(1) في م: «وإن» .
(2)
في م: «لتحجبه» .
(3)
في: باب الإقطاع، من كتاب أحكام الأرضين. الأموال 273.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من أقطع قطيعة أو تحجر أرضا. . .، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى 6/ 149. وانظر ما تقدم في صفحة 91.
(4)
في م: «عن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَه أرْضًا بحَضْرَ مَوْتَ (1). قال التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال سعيدٌ: حَدَّثَنا سُفيانُ، عن ابنِ أبي نُجَيحٍ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ ناسًا مِن جُهَينَةَ أو مُزَينَةَ أرْضًا، فعَطَّلُوها، فجاء قَوْمٌ فأحْيَوْها، فخاصَمَهم الذين أقْطَعَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فقال عُمَرُ: لو كانت قَطِيعَةً منِّي أو مِن أبي بكرٍ، لم أرُدَّها، ولكِنَّها قَطِيعَةٌ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأنا أرُدُّها (2).
فصل: وقد روَى وائِلُ بنُ حُجْرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَه أرْضًا، فأرْسَلَ مُعاويَةَ، أن أعْطِه إيّاهُ، أو أَعْلِمْه إيَّاهُ. حديثٌ صحيحٌ (3). وأقْطَعَ الزُّبَيرَ حُضْرَ فَرَسِه (4)، فأجْرَى فَرَسَه حتى قام ورَمَى بسَوْطِه، فقال: «أعْطُوهُ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 154. والترمذي، في: باب ما جاء في القطائع، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 151، 152. والدارمي، في: باب في القطائع، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 268. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 399.
(2)
أخرجه حميد بن زنجويه، في: باب إحياء الأرض وإحيازها. . . من كتاب أحكام الأرضين وإقطاعها. . . الأموال 2/ 644.
(3)
هو المتقدم في الحاشية قبل السابقة.
(4)
حضر فرسه: عدوها، أي قدر ما تعدو عدوة واحدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنْ حَيثُ وَقَعَ السَّوْطُ». رَواه سعيدٌ، وأبو داودَ (1). وذَكَر البُخارِيُّ (2)، عن أنَسٍ قال: دَعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأنْصارَ ليُقْطِعَ لهم بالبَحْرَين، فقالُوا: يا رسولَ اللهِ، إن فَعَلْتَ فاكْتُبْ لإِخْوانِنا [مِن قُرَيشٍ](3) بمِثْلِها. ورُوِيَ أنَّ أبا بكرٍ أقْطَعَ طَلْحَةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ أرْضًا، وأقْطَعَ عُثمانُ خَمْسَةً مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ الزُّبَيرَ، وسَعْدًا، وابنَ مسعودٍ، وأُسامَةَ بنَ زيدٍ، وخَبَّابَ بنَ الأرَتِّ. ورُوِيَ عن نافعٍ أبي عبدِ اللهِ، أنَّه قال لعُمَرَ: إنَّ قِبَلَنا أرْضًا بالبَصْرَةِ، ليست مِن أرْضِ الخَراجِ، ولا تَضُرُّ بأحَدٍ مِن المسلمين، فإن رَأيتَ أن تُقْطِعَنِيها أَتَّخِذُ فيها قَصِيلًا (4) لخَيْلِي. قال: فكَتَبَ عُمَرُ إلى أبي موسى: إن كانت كما يَقُولُ، فأقْطِعْها إيّاه. رَوَى هذه الآثارَ كلَّها أبو عُبَيدٍ في «الأمْوالِ» (5). إذا ثَبَت هذا، فإنَّ مَن أقْطَعَهُ الإِمامُ شيئًا مِن المَواتِ، لم يَمْلِكْه بذلك، لكنْ يَصِيرُ أحَقَّ به، كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ، على ما ذَكَرْنا مِن حديثِ بِلالِ بنِ الحارِثِ، حيث اسْتَرْجَعَ منه عُمَرُ ما عَجَز عن إحْيائِه (6). ولو
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 158. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 156.
(2)
في: باب القطائع، وباب كتابة القطائع، من كتاب المساقاة. صحيح البخاري 3/ 150. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 111.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
القصيل: ما اقتطع من الزرع أخضر لعلف الدواب.
(5)
في: باب الإقطاع، من كتاب أحكام الأرضين. . . الأموال 276 - 278.
(6)
تقدم تخريجه في صفحة 127.