الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ بَيعُهُ إلا أنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ، فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إِذَا لَمْ يصْلُحْ لِلْغَزْو، بِيعَ وَاشْتُرِىَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ. وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ في مَوْضِعِهِ، وَعَنْهُ، لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ لَكِنْ تنْقَلُ آَلتُهَا إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
ــ
فليس فيه ذِكْرُ الوَقْفِ، والظاهِرُ أنَّه جَعَلَه صَدَقةً غيرَ مَوْقُوفٍ، اسْتَنابَ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فرأى والِدَيه أحَقَّ النَّاسِ بصَرْفِها إليهما، ولهذا لم يَرُدَّها إليه، إنَّما دَفَعَها إليهما. ويَحْتَمِلُ أنَّ الحائِطَ كان لهما، وكان هو يَتَصَرَّفُ فيه بحُكْمِ النِّيابةِ عنهما، فتَصَرَّفَ بهذا التَّصَرُّفِ بغيرِ إذْنِهما، فلم يُنَفِّذاه، وأتَيا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرَدَّه إليهما. والقِياسُ على الصَّدَقَةِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّها تَلْزَمُ في الحَياةِ بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ، وإنَّما يَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ، والوَقْفُ لا يَفْتَقِرُ إليه، فافْتَرقا.
2599 - مسألة:، (وَلَا يَجُوزُ بَيعُهُ إلا أنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ، فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إِذَا لَمْ يصْلُحْ لِلْغَزْو، بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ. وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ في مَوْضِعِهِ، وَعَنْهُ، لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ لَكِنْ تنْقَلُ آَلتُهَا إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ)
وجملةُ ذلك، أنَّه لا يجوزُ بَيعُ الوَقْفِ ولا هِبّتُه؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِ عُمَرَ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«غَيرَ أنَّه لا يُبَاعُ أَصْلُها ولا يُبْتاعُ، وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» (1). فإن تَعطّلَتْ مَنافِعُه بالكُلِّيَّةِ؛ كدارٍ انْهَدَمَتْ، أو أرْضٍ خَرِبَتْ وعادَتْ مَواتًا لا يمكنُ عِمارَتُها، أو مَسْجِدٍ انْتَقلَ أهْلُ القَرْيةِ عنه، وصار في مَوْضعٍ لا يُصَلَّى فيه، أو ضاق بأهْلِه ولم يُمْكِنْ تَوْسِيعُه في مَوْضِعِه، فإن أمْكَنَ بَيعُ بعضِه ليُعَمَّرَ به بَقِيَّتُه، جاز بَيعُ البَعْضِ. وإن لم يُمْكِنْ الانْتِفاعُ بشيءٍ منه، بِيعَ جَمِيعُه. قال أحمدُ، في رِوايةِ أبي دَاوُدَ: إذا كان في المَسْجِدِ خَشَبتان لهما قِيمَة، جاز بَيعُهما وصَرْفُ ثَمَنِهما عليه. وقال في رِوايةِ صالح: يُحَوَّل المَسْجِدُ خَوْفًا مِن اللُّصُوصِ، وإذا كان مَوْضِعُه قَذِرًا. قال القاضي: يَعْنِي إذا كان ذلك يَمْنَعُ الصَّلاةَ فيه. ونَصَّ على جَوازِ بَيع عَرْصَتِه في رِوايةِ عبدِ اللهِ، وتكونُ الشَّهادَةُ في ذلك على الإِمامِ. قال أبو بكر: وقد رَوَى علي بنُ سعيدٍ، أنَّ المَساجِدَ لا تُباعُ، وإنَّما تُنْقَلُ آلتُها. قال: وبالقَوْلِ الأوَّلِ أقُولُ؛ لإِجْماعِهم على جَوازِ (2) بَيعِ الفَرَسِ الجَبِيسِ -يَعْنِي المَوْقُوفةَ على الغَزْو- إذا كَبِرَتْ فلم تَصْلُحْ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 362.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للغَزْو، وأمْكَنَ الانْتِفاعُ بها في شيءٍ آخَرَ، مثلَ أن تَدُورَ في الرَّحَى، أو يُحْمَلَ عليها تُرابٌ، أو تكونَ الرَّغْبَةُ في نِتاجِها. أو حِصانًا يُتَّخَذُ للطِّراقِ، فإنَّه يَجوزُ بَيعُها، ويُشْتَرَى بثَمَنِها ما يَصْلُحُ للغَزْو. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال محمدُ بنُ الحَسَنِ: إذا خَرِب المَسْجِدُ أو الوَقْفُ، عاد إلى مِلْكِ واقِفِه؛ لأنَّ الوَقْفَ إنَّما هو تَسْبِيلُ المَنْفعَةِ، فإذا زالتْ مَنْفَعَتُه زال حَقُّ المَوْقُوفِ عليه منه، فزال مِلْكُه عنه. وقال مالِكٌ، والشافعيُّ: لا يجوزُ بَيعُ شيءٍ مِن ذلك؛ لقول رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُبْتَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ» . ولأنَّ ما لا يَجُوزُ بَيعُه مع بَقاءِ مَنافِعِه، لا يجوزُ مع تَعَطُّلِها، كالمُعْتَقِ، والمَسْجِدُ أشْبَهُ الأشْياءِ بالمُعْتَقِ. ولَنا، ما رُوِيَ أنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، كَتَب إلى سَعْدٍ، لمّا بَلَغَه أنَّه قَدْ نُقِب (1) بَيت المالِ الَّذي بالكُوفَةِ، أنِ انْقُلِ المَسْجِدَ الَّذي بالتَّمَّارينَ، واجْعَلْ بَيتَ المالِ في قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فإنَّه لن يَزال في المَسْجِدِ مُصَلٍّ. وكان هذا بمَشْهَدٍ مِن الصَّحابةِ، ولم يَظْهَرْ خِلافُه، فكان إجْماعًا. ولأنَّ فيما ذكَرْناه اسْتِبقاءً للوَقْفِ بمَعْناه عندَ تَعَذُّرِ إبْقائِه بصُورَتِه، فوَجَبَ ذلك، كما لو اسْتَوْلَدَ
(1) نقب؛ بفتح القاف: تخرَّق. ونُقِب؛ بالبناء للمجهول: نقبه بعض الناس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجارِيَةَ المَوْقُوفةَ، أو قَبَّلَها، أو قَبَّلَها غيرُه. قال ابنُ عَقِيلٍ: الوَقْفُ مُوبَّدٌ، فإذا لم يُمْكِنْ تَأْبِيدُهُ على وَجْهِ تَخْصِيصِه، اسْتَبْقَينا الغَرَضَ، وهو الانْتِفاعُ على الدَّوامِ في عَينٍ أُخْرى، وإيصالُ الأَبدالِ جَرَى مَجْرَى الأعْيانِ، وجُمُودُنا على العَينِ مع تَعَطُّلِها تَضْيِيعٌ للغَرَضِ. ويَقْرُبُ هذا مِن الهَدْي إذا عَطِب، فإنَّه يُذْبَحُ في الحالِ، وإن كان يَخْتَصُّ بمَوْضِعٍ، فلّمَا تَعذَّرَ تَحْصِيلُ الغَرَضِ بالكُلِّيَّةِ، اسْتُوْفِيَ منه ما أمكنَ، وتُرِك مُراعاةُ المَحَلِّ الخاصِّ عندَ تَعَذُّرِه، لأنَّ مُراعاتَه مع تَعَذُّرِه تُفْضِي إلى فَواتِ الانْتِفاعِ به بالكُلِّيَّةِ، وهكذا الوَقْفُ المُعَطَّلُ المَنافِع. ولَنا على محمدِ بنِ الحَسَنِ، أنَّه إزالةُ مِلْكٍ على وَجْهِ القُرْبةِ، فلا يَعُودُ إلى مالِكِه باخْتِلالِه وذَهابِ مَنافِعِه كالعِتْقِ.