الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ أحمَدَ، لَا تُملَكُ إلا الْأثْمَانُ. وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذهبِ. وَهل لَهُ الصَّدَقَةُ بِغَيرها؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
2510 - مسألة: (وعن أحمدَ، لا تُملَكُ إلَّا الأثْمانُ. وهو ظاهِرُ المَذْهبِ. وهل له الصَّدَقَةُ بغيرِها؟ على رِوايَتَين)
كُل ما جازَ الْتِقاطُه، مُلِكَ بالتَّعرِيف عندَ تَمامِه، أثْمانًا كان أو غيرَها. وهو ظاهِرُ كلامِ الخرَقِيِّ. ونُقِلَ ذلك عن أحمدَ، فرَوَى عنه محمدُ بنُ الحَكَمِ، في الصَّيّادِ يَقَعُ في شَبَكَتِه الكِيسُ أو النُّحاسُ، يُعَرِّفُه سَنَةً، فإن جاء صاحِبُها، وإلا فهو كسائِرِ مالِه. وهذا نَصّ في النُّحاس. وقال ابنُ أبي مُوسى: هل حُكْمُ العُرُوضِ في التعرِيفِ وجَوازِ التَّصَرُّفِ بعدَ ذلك حُكْمُ الأثْمانِ؟ على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِوايَتَين؛ أظْهرُهما، أنَّها كالأثْمانِ. قال شَيخُنا (1): ولا أعلَمُ بينَ أكْثَرِ أهْلِ العلْمِ فرقًا بينَ الأثْمانِ والعُرُوضِ في ذلك. وقال أكْثَرُ أصحابِنا: لا تملَكُ العُرُوضُ بالتعرِيفِ. قال القاضِي: نص عليه أحمدُ في رِوايةِ الجَماعةِ. واخْتَلَفُوا فيما يصنَعُ بها، فقال أبو بكر، وابنُ عَقِيل: يُعَرِّفُها أبدًا. وقال القاضي: هو بالخِيارِ بينَ أن يُقِيمَ على تَعرِيفِها حتى يَجِئَ صاحِبُها، وبينَ دَفْعِها إلى الحاكِمِ ليَرَى رَأيَه فيها. وهل له بَيعُها بعدَ الحَوْلِ والصَّدَقَةُ. بها؟ على روايَتَين؛ إحداهُما، يَجُوزُ، كما تجوزُ الصدَقَة بالغُصُوبِ التي لا يُعرَفُ أربابُها. والثّانيةُ، لا يجوزُ؛ لأنّه يَحتَمِلُ أن يَظْهرَ صاحِبُها فيَأخُذَها. وقال الخَلَّالُ: كُل مَن روَى عن أحمدَ، روَى عنه أنَّه يُعَرِّفُه سَنَةً ويَتَصَدَّقُ به، والذي روَى عنه أنّه يُعَرِّفُها أبدًا، قول قَدِيم
(1) في: المغني 8/ 303.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَجَع عنه. واحتَجُّوا بأنَّه قد رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عَبّاس، وابنِ مَسْعُودٍ مثلُ قَوْلِهم. ولأنَّها لُقَطَة لا تُملَكُ في الحَرَمِ، فلا تُملَكُ في غيرِه، كالإِبِلِ. ولأنَّ الخَبَرَ وَرَد في الأثْمانِ، وغيرُها لا يُساويها؛ لعَدَم الغَرَضِ المُتَعَلِّقِ بعَينها، فمثلُها يَقُومُ مَقامَها مِن كُلِّ وَجْهٍ. ولَنا، عُمُومُ الأَحادِيثِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في اللُّقَطَةِ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن اللُّقَطَةِ، فقال:«عَرِّفها سَنَةً» . ثم قال في آخِرِه: «فَشَأنَكَ بِها» . أو: «فَانْتَفع بِها» . وفي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَدِيثِ عِياضِ بنِ حمارٍ: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً» . وهو لَفْط عام. وقد روَى الجُوزْجانيُّ، والأثْرَمُ في كِتابَيهما: ثنا أبو نُعَيم، ثنا هِشَامُ بنُ سعدٍ، قال: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، قال: أتَى رَجل رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ تَرَى في مَتَاع يُوجَدُ في الطَرِيقِ المُعتادِ، أو في قَريَةٍ مَسْكُونَةٍ؟ قال:«عَرِّفْهُ سَنَة، فَإنْ جَاءَ صاحِبُهُ، وإلَّا فَشْأنَكَ بِهِ» (1). ورَوَيا أنَّ سُفْيانَ بنَ عبدِ اللهِ وَجَد عَيبَةً (2)، فأتَى بها عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فقال: عَرِّفْها سَنَةً، فإن عُرِفَتْ وَإلَّا فَهِيَ لَكَ. زاد الجُوزْجانِيُّ: فلم تُعرَفْ، فلَقِيَه بها العامَ المُقْبِلَ (3) فذَكَرها له، فقال عُمَرُ: هي لك، إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَنا بذلك. ورَواه النسَائِي (4). وهذا نَصُّ في غيرِ الأثْمانِ. وروَى الجُوزْجانِيُّ بإسْنادِه، عن الحُرِّ بنِ الصَّيَّاحِ (5)، قال: كنتُ عند ابنِ عُمَرَ بمَكَّةَ، إذ جاءَه رَجُلٌ، فقال: إنِّي وَجَدتُ هذا البُردَ، وقد نَشَدتُه وعَرَّفْتُه، فلم يَعرِفْه أحَدٌ، وهذا يَوْمُ الترويَةِ، يوم يَتَفَرَّقُ النّاسُ. فقال: إن شِئْتَ قَوَّمتَه قِيمَةَ عَدْلٍ ولَبِسْتَه، وكنتَ له ضامِنًا، متى جاء صاحِبُه دَفَعتَ إليه ثَمَنَه، وإن
(1) أخرجه النسائي، في: باب المعدن، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 33.
(2)
العيبة: وعاء من خوص ونحوه، أو وعاء من جلد ونحوه يكون فيه المتاع.
(3)
سقط من: م.
(4)
في: باب ذكر الاختلاف على الوليد بن كثير. . . .، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى 3/ 421. كما أخرجه الطحاوي، في: باب اللقطة والضوال، من كتاب الإجارات. شرح معاني الآثار 4/ 137، 138.
(5)
في م: «الصباح» :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يَجِيء له طالِب فهو لك إن شِئْتَ. ولأنّ ما جازَ الْتِقاطُه مُلِكَ بالتَّعرِيفِ، كالأثْمانِ، وما حَكَوه عن الصحابةِ إن صَحَّ، فقد حَكَينا عن عُمَرَ وابْنِه خِلافَه. وقولُهم: إنَّها لُقَطَة لا تُملَكُ في الحَرَمِ. مَمنُوعٌ، ثم هو مَنْقُوض بالأثْمانِ، وقِياسُها على الإبِلِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ معها حِذَاءَها وسِقَاءَها، تَرِدُ الماءَ وتأكلُ الشَّجَرَ حتى يَأتِيها رَبُّها، ولا يُوجَدُ ذلك في غيرِها، ولأنَّ الإبلَ لا يجوزُ الْتِقاطُها، فلا تُملَكُ، وههُنا يَجُوزُ الْتِقاطُها، فتملَكُ به، كالأثْمانِ. وقَوْلُهم: إنَّ النَّصَّ خاصٌّ في الأثْمانِ. قُلْنا بل هو عام في كُلِّ لُقَطَةٍ، فيَجِبُ العَمَلُ بعُمُومِه، كان وَرَد فيها نَصّ خاص، فقد رُوِيَ خَبَر عام، فيُعمَلُ بهما، ثم قد رَوَيناه في العُرُوضِ، فيَجبُ العَمَلُ به، كما وجَب العَمَلُ بالخاصِّ في الأثْمانِ ثم لو اخْتَصَّ الخَبَرُ بالأثْمانِ، لوَجَبَ أن يُقاسَ عليها ما في مَعناها، كسائِرِ النُّصُوصِ التي عُقِلَ مَعناها ووُجِدَ في (1) غيرِها، وههُنا قد وُجدَ المعنَى، فيَجِبُ قِياسُه على المَنْصُوصِ عليه، بل المَعنَى ههُنا آكَدُ، فيَثْبُتُ الحُكْمُ فيه بطَرِيقِ التنبِيهِ (2) بَيانُه أنَّ الأثْمانَ لا تَتْلَفُ بمُضِيِّ الزَّمانِ عليها وانْتِظارِ صاحِبِها بها أبدًا، والعُرُوضُ تَتْلَفُ بذلك، ففي النِّداءِ عليها دائِمًا هلَاكُها وضَياعُ مالِيَّتها على صاحِبِها ومُلْتَقِطِها وسائِرِ النّاسِ، وفي إباحَةِ الانْتفاعِ بها ومِلْكِها بعدَ التَّعرِيفِ حِفْظ لمالِيَّتها على صاحِبِها بدَفْعِ قِيمَتِها إليه، ونَفْعٌ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «البينة» .