الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.
ــ
2581 - مسألة: (ولا يَدْخُلُ فيه وَلَدُ البَناتِ، وهل يَدْخُلُ فيه وَلَدُ البَنِين؟ على روايتَين)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في ذلك، فرُوِيَ عنه ما يَدُلُّ على أنَّه يكونُ وَقْفًا على أوْلادِه، وأوْلادِ بَنِيه الذُّكُورِ والإِناثِ، ما لم تَكُنْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُه عن ذلك، دُونَ أولادِ البَناتِ. قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَرُّوذِيُّ: قلْتُ لأبي عبدِ اللهِ: ما تقولُ في رجلٍ وَقَف ضَيعَةً على وَلَدِه، فمات الأوْلادُ وتَرَكُوا النِّسْوَةَ حَوامِلَ؟ فقالي: كلُّ ما كان مِن أوْلادِ الذُّكُورِ، بناتٍ كُنَّ أو بَنِين، فالضَّيعَةُ مَوْقُوفَةٌ عليهم، وما كان مِن أوْلادِ البَناتِ فليس لهم فيه شيءٌ؛ لأنَّهم مِن رجلٍ آخَرَ. ووَجْهُ ذلك أنَّ اللهَ تعالى لَمّا قال:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (1). دَخَل فيه وَلَدُ البَنِين وإن سَفَلُوا، ولَمّا قال:{وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} . تَناوَلَ وَلَدَ البَنِين. فالمُطْلَقُ مِن كَلامِ الآدَمِيِّ إذا خَلا عن قَرِينَةٍ، يَنْبَغِي أن يُحْمَلَ على المُطْلَقِ مِن كَلامِ اللهِ تعالى، ويُفَسَّرَ بما يُفَسَّرُ به. ولأنَّ وَلَدَ الوَلَدِ وَلَدٌ، بدَلِيلِ قولِه تعالى:{يَابَنِي آدَمَ}
(1) سورة النساء 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} . وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا يا بَنِي إسْماعِيلَ، فَإنَّ أَباكُمْ كَانَ رَامِيًا» (1). وقال: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ» (2). ولأنَّه لو وَقَف على وَلَدِ فُلانٍ، وهم قَبِيلةٌ، دَخَل فيه وَلَدُ البَنِين، فكذلك إذا لم يَكونُوا قَبِيلَةً. والرِّوايةُ الثانيةُ، لا يَدْخُلُ فيه وَلَدُ الوَلَدِ بحالٍ، وسواءٌ في ذلك وَلَدُ البَنِين ووَلَدُ البَناتِ. اخْتارَه القاضي وأصْحابُه؛ لأنَّ الوَلَدَ حَقِيقَةً وعُرْفًا إنَّما هو وَلَدُه لصُلْبِه، وإنَّما سُمِّيَ وَلَدُ الوَلَدِ وَلَدًا مَجازًا، ولهذا يَصِحُّ نَفْيُه، فيقالُ: ما هذا وَلَدِي، إنَّما هو وَلَدُ وَلَدِي. فأمّا وَلَدُ البَناتِ فلا يَدْخُلُون بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّهم لم يَدْخُلُوا في قَوْلِه تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} . قال الشاعِرُ (3):
بَنُونا بَنُو أبْنائِنا وبَناتُنا
…
بَنُوهُنَّ أبْناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ
(1) أخرجه البخاري، في: باب التحريض على الرمي، من كتاب الجهاد، وفي: باب قول الله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ. . . .} ، من كتاب الأنبياء، وفي: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل، من كتاب المناقب. صحيح البخاري 4/ 45، 179، 219. وابن ماجه، في: باب الرمي في سبيل الله، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 941. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 364، 4/ 50.
(2)
أخرجه ابن ماجه، في: باب من نفى رجلا من قبيلة، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 871. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 871.
(3)
نسب البيت للفرزدق. وهو في: الحماسة، لأبي تمام 1/ 274. وانظر حاشية دلائل الإعجاز 374.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن قال: على (1) وَلَدِي لصُلْبِي. فهو آكَدُ في اخْتِصاصِه بالوَلَدِ دونَ وَلَدِ الوَلَدِ. وإن قال: على وَلَدِي، [ووَلَدِ وَلَدِي](2)، ثم على المَساكِينِ. دَخَل فيه البَطْنُ الأوّلُ والثانِي، ولم يَدْخُلْ فيه (3) البَطْنُ الثالِثُ. وإن قال: على وَلَدِي، ووَلَدِ وَلَدِي، ووَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي. دَخَل فيه ثلاثةُ بُطُونٍ دُونَ مَنْ بعدَهم. ومَوْضِعُ الخِلافِ المُطْلَقُ، فأمّا مع وُجُودِ دَلالةٍ تَصْرِفُ إلى أحَدِ المَحْمِلَين، فإنَّه يُصْرَفُ إليه بغيرِ خِلافٍ، مثلَ أن يقولَ: على وَلَدِ فلانٍ. وهم قَبِيلَةٌ ليس فيهم وَلَدٌ مِن صُلْبه، [فإنَّه يُصْرَفُ إلى وَلَدِ الأوْلادِ بغيرِ خِلافٍ. وكذلك إن قال: على أولادِي -أو- وَلَدِي. وليس له وَلَدٌ مِن صُلْبِه] (4). أو قال: ويُفَضَّلُ الوَلَدُ أكْبَرُ -أو- الأفْضَلُ -أو الأعْلَمُ- على غيرِهم.
(1) بعده في م: «ولد» .
(2)
في الأصل: «وولدي» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو قال: فإذا خَلَتِ الأرْضُ مِن عَقِبِي عاد إلى المَساكِينِ. أو قال: على وَلَدِ وَلَدِي غيرِ ولَدِ البَناتِ -أو- غيرِ وَلَدِ فلانٍ. أو قال: يُفَضَّلُ البَطْنُ الأعْلَى على الثانِي. أو قال: الأعْلَى فالأعْلَى. وأشباهُ ذلك. فهذا يَصْرِف لَفْظَه إلى جميعِ نَسْلِه وعاقِبَتِه. فإنِ اقتَرَنَتْ به قَرِينَةٌ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ أوْلادِه لصُلْبِه بالوَقْفِ، مثلَ أن يقولَ: على وَلَدِي لصُلْبِي. أو: الذين يَلُوننِي. ونحو هذا، فإنَّه يَخْتَصُّ بالبَطْنِ الأوَّلِ دُونَ غيرِهم. وإذا قُلْنا بتَعْمِيمِهم، إمّا للقَرِينَةِ، وإمّا لقَوْلِنا: إنَّ المُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ. ولم يكُنْ في لَفْظِه ما يَقْتَضِي تَشْرِيكًا ولا تَرْتِيبًا، احْتَملَ أن يكونَ بينَ الجميعِ على التَّشْرِيكِ؛ لأنَّهم دَخَلُوا في اللَّفْظِ دُخُولًا واحِدًا، فوَجَبَ أن يَشْتَرِكُوا فيه، كما لو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أقَرَّ لهم بدَينٍ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ على التَّرْتِيبِ، على حَسَبِ التَّرْتِيبِ في المِيراثِ. وهذا ظاهِرُ كلامَ أحمدَ؛ لقولِه في مَن وَقَفَ على وَلَدِ عليِّ بنِ إسماعيلَ، ولم يَقُلْ: إن مات وَلَدُ عليِّ بنِ إسماعيلَ دُفِعَ إلى وَلَدِ وَلَدِه. فمات وَلَدُ عليِّ بنِ إسماعيلَ، وتَرَك ولَدًا، فقال: إن مات وَلَدُ عليِّ بنِ إسماعيلَ دُفِعَ إلى وَلَدِه أيضًا؛ لأنَّ هذا مِن وَلَدِ عليِّ بنِ إسماعيلَ. فجعَلَه لوَلَدِ مَن مات مِن وَلَدِ عليِّ بنِ إسماعيلَ عندَ مَوْتِ أبيه، وذلك لأنَّ وَلَدَ البَنِين لَمّا دَخَلُوا في قولِ اللهِ تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} . لم يَسْتَحِقَّ وَلَدُ البَنِين شيئًا مع وُجُودِ آبائِهِم، واسْتَحَقوا عندَ فَقْدِهم، كذا ههُنا. فأمّا إن وَصَّى لوَلَدِ فُلانٍ، وهم قَبِيلَةٌ، فلا تَرْتِيبَ، ويَسْتَحِقُّ الأعْلَى والأسفلُ على كلِّ حالٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن رَتَّبَ فقال: وَقَفْتُ هذا على وَلَدِي، ووَلَدِ وَلَدِي، ما تَناسَلُوا وتَعاقَبُوا، الأعْلَى فالأعْلَى -أو (1) - الأقْرَبُ فالأقْرَبُ -أو- الأوَّلُ فالأوَّلُ -أو- البَطْنُ الأوّلُ ثم البطْنُ الثاني -أو- على أوْلادِي، ثم على أوْلادِ أوْلادِي -أو- على أوْلادِي، فإذا انْقَرضُوا فعلى أوْلادِ أوْلادِي. [فكلُّ هذا على](2) التَّرْتِيبِ، لا يَسْتَحِقُّ البَطْنُ الثاني شيئًا حتى يَنْقَرِضَ البَطْنُ الأوّلُ كلُّه. ومتى بَقِيَ واحِدٌ مِن البَطْنِ الأوّلِ كان الجميعُ له؛ لأنَّ الوَقْفَ ثَبَت بقولِه، فيُتْبَعُ فيه (3) مُقتَضَى كلامِه. وإن قال: على أوْلادِي وأوْلادِ هم، ما تَعاقَبُوا وتَناسَلُوا، على أنَّه مَن مات منهم عن وَلِدٍ كان ما كان جارِيًا عليه جارِيًا على وَلَدِه. كان دَلِيلًا على التَّرْتِيبِ؛ لأنَّه لو اقْتَضَى التَّشْرِيكَ لاقْتَضَى التَّسْويةَ، ولو جَعَلْنا لوَلَدِ الوَلَدِ سَهْمًا مثلَ سَهْمِ أبِيه، ثم دَفَعْنا إليه سهْمَ أبِيه، صار له سَهْمان، ولغيرِه سهْمٌ، وهذا يُنافِي التَّسْويةَ، ولأنَّه يُفْضِي إلى تَفْضِيلِ وَلَدِ الابْنِ على الابْنِ، والظاهِرُ مِن إرادَةِ الواقِفِ خِلافُ هذا. فإذا ثَبَت التَّرْتِيبُ فإنَّه تَرْتِيبٌ بينَ كلِّ والدٍ ووَلَدِه، وإذا مات عن وَلَدٍ انْتقَلَ إلى وَلَدِه سَهْمُه، سواءٌ بَقِيَ مِن البَطنِ الأوّلِ أحَدٌ أو لم يَبْقَ.
(1) في م: «و» .
(2)
في م: «فعلى هذا» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن رَتَّبَ بعضَهم دُونَ بعضٍ، فقال: وقَفْتُ على وَلَدِي ووَلَدِ وَلَدِي، ثم على أوْلادِهم. أو: على أوْلادِي، ثم على أوْلادِ أوْلادِي وأوْلادِهم، ما تَناسَلُوا وتعاقَبُوا. أو قال: على أوْلادِي وأوْلادِ أوْلادِي، ثم على أوْلادِهم وأوْلادِ أوْلادِهم، ما تناسَلُوا. فهو على ما قالِ، يَشتَرِكُ (1) مَن شَرَّكَ بينَهم بالواو المُقْتَضِيَةِ للجَمْعِ والتَّشْرِيكِ، ويُرَتَّبُ مَن رَتَّبَه بحَرْفِ التَّرْتِيبِ، ففي المسألةِ الأُولَى يَشْتَرِكُ الوَلَدُ ووَلَدُ الوَلَدِ، فإذا انقرَضُوا، صار لمَن بعدَهم. وفي الثانيةِ يَخْتَصُّ به الوَلَدُ، فإذا انْقَرضُوا، صار مُشْتَرَكًا بينَ مَن بعدَهم. وفي الثالثةِ يَشْتَرِكُ فيه البَطْنان الأوَّلان دُونَ غيرِهم، فإذا انْقَرَضُوا اشتَرَكَ فيه مَن بعدَهم.
فصل: فإن قال: وَقَفْتُ على أوْلادِي، ثم على أوْلادِ أوْلادِي، على أنَّه مَن مات مِن أوْلادِي عن ولَدٍ، فنَصِيبُه لوَلَدِه -أو- فنَصِيبُه لإِخوَتِه -أو- لوَلَدِ وَلَدِه -أو- لوَلَدِ أخِيه -أو- لأخَواتِه -أو- لوَلَدِ أخَواتِه. فهو على ما شَرَطَه. وإن قال: ومَن مات منهم عن وَلَدٍ، فنَصِيبُه لوَلَدِه، ومَن مات منهم عن غيرِ وَلَدٍ، فنَصِيبُه لأهْلِ الوَقْفِ. وكان له ثلاثة بَنِين، فمات أحَدُهم عن ابْنَين، انْتَقَلَ نَصِيبُه إليهما، ثم مات الثَّاني عن غيرِ وَلَدٍ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فنَصِيبُه لأخِيه وابْنَيْ أخِيه بالسَّويَّةِ؛ لأنَّهم أهْلُ الوَقْفِ. ثم إن مات أحَدُ ابْنَيِ الابْنِ عن غيرِ وَلَدٍ، انْتقَلَ نَصِيبُه إلى أخِيه وعَمِّه؛ لأنَّهما أهْلُ الوَقْفِ. ولو مات أحَدُ البَنِين الثلاثةِ عن غيرِ وَلَدٍ، وخَلَّف أخَوَيه (1) وابْنَيْ أخٍ له، فنَصِيبُه لأخَوَيه دُونَ ابْنَيْ أخِيه؛ لأنَّهما ليسا مِن أهْلِ الوَقْفِ ما دام أبُوهُما حَيًّا، فإذا مات أبُوهُما صار نَصِيبُه لهما، فإذا مات الثالثُ، كان نَصِيبُه لابنَيْ أخِيه بالسَّويَّةِ، إن لم يُخَلِّفْ وَلَدًا، فإن خَلَّفَ ابْنًا واحدًا، فله نَصِيبُ أبِيه، وهو النِّصْفُ، ولابْنَيْ عَمِّه النِّصْفُ بينَهما نِصْفَين. وإن قال: مَن مات منهم عن غيرِ وَلَدٍ، كان ما كان جارِيًا عليه جاريًا على مَن هو في دَرَجَتِه. وكان الوَقْفُ مُرَتَّبًا بَطْنًا بعدَ بَطْنٍ، كان نَصيبُ المَيِّتِ عن غيرِ وَلَدٍ لأهْلِ البَطْنِ الذي هو منه، وإن كان مُشْتَرَكًا بينَ البُطُونِ كلِّها، احْتَمَلَ أن يكونَ نَصِيبُه بينَ جميعِ أهْلِ الوَقْفِ؛ لأنَّهم في اسْتِحْقاقِ الوَقْفِ سواءٌ، فكانوا في دَرَجَتِه مِن هذه الجِهَةِ، ولأنَّنا لو صَرَفْنا نَصيبَه إلى بعضِهم، أفْضَى إلى تَفْضيلِ بعضِهم على بعضٍ، والتَّشْرِيكُ يَقْتَضي التَّسْويَةَ. فعلى هذا، يكونُ وُجُودُ هذا الشَّرْطِ كعَدَمِه؛ لأنَّه لو سَكَت عنه كان الحُكْمُ كذلك. ويَحْتَمِلُ أن يَعُودَ نَصيبُه إلى سائِرِ البَطْنِ الذي
(1) في الأصل: «إخوته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو منه؛ لأنَّهم في دَرَجَتِه في القُرْبِ إلى الجَدِّ (1) الذي يَجْمَعُهم، ويَسْتَوي في ذلك إخْوَتُه وبَنُو عَمِّه وبَنُو عَمِّ أبيه؛ لأنَّهم سواءٌ في القُرْبِ، ولأنَّنا لو شَرَّكْنا بينَ أهْلِ الوَقْفِ كلِّهم في نَصِيبِه، لم يَكُنْ في هذا الشَّرْطِ فائِدَةٌ، والظاهِرُ أنَّه قَصَدَ شَيئًا يُفِيدُ. فعلى هذا، إن لم يَكُنْ في دَرَجَتِه أحَدٌ، بَطَلَ هذا الشَّرْطُ، وكان الحُكْمُ فيه كما لو لم يَذْكُرْه. وإن كان الوَقْفُ على البَطْنِ الأوّلِ، على أنَّه مَن مات منهم عن وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُه إلى وَلَدِه، ومَن مات عن غيرِ وَلَدٍ انْتقَلَ نَصِيبُه إلى مَن في دَرَجَتِه، ففيه ثلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، أن يكونَ نَصِيبُه بينَ أهْلِ الوَقْفِ كلِّهم، يَتَساوَوْنَ فيه، سواءٌ كانوا مِن بَطْن واحدٍ أو مِن بُطُونٍ، وسواءٌ تَساوَتْ أنْصِباؤُهُم في الوَقْفِ أو اخْتَلَفَتْ؛ لِما ذَكَرْنا مِن قبلُ. والثاني، أن يكونَ لأهْلِ بَطْنِه، سواءٌ
(1) في م: «الحد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانوا مِن أهْلِ الوَقْفِ أو لم يكُونُوا، مثلَ أن يكونَ. البَطْنُ الأوَّلُ ثلاثةً، فمات أحَدُهم عن ابْنٍ، ثم مات الثاني عن ابْنَينِ، فمات أحَدُ الابْنَين وتَرَك أخاه وابْنَ عَمِّه وعَمَّه وابْنًا لعَمِّه الحَيِّ، فيكونَ نصِيبُه بينَ أخِيه وابْنَيْ عَمِّه. والثالثُ، أن يكونَ لأهْلِ بَطْنِه مِن أهْلِ الوَقفِ، فيكونَ على هذا لأخِيه وابْنِ عُمِّه الذي مات أبُوه. فإن كان في دَرَجَتِه في النَّسَبِ مَن ليس مِن أهْلِ الاسْتِحْقاقِ بحالٍ، كرجلٍ له أربعة بَنِين، وَقَف على ثلاثةٍ منهم على هذا الوَجْهِ المَذْكُورِ، وتَرَك الرابعَ، فمات أحَدُ الثّلاثةِ عن غيرِ وَلَدٍ، لم يَكُنْ للرّابعِ فيه شيءٌ؛ لأنَّه ليس مِن أهْلِ الاسْتِحْقاقِ، أشْبَهَ ابْنَ عَمِّهم.
فصل: وإن وَقَف. على بَنِيه وهم ثلاثةٌ، على أنَّ مَن مات مِن فُلانٍ وفُلانٍ وأوْلادِهم عن وَلَدٍ فنَصِيبُه لوَلَدِه، وإن مات فلانٌ فنَصِيبُه لأهْلِ الوَقفِ، فهو على ما شَرَط. وكذلك إن كان بَنُون وبَناتٌ، فقال: مَن مات مِن الذُّكُورِ فنَصِيبُه لوَلَدِه، ومَن مات مِن البَناتِ فنَصِيبُها لأهْلَ الوَقفِ. فهو على ما قال. وإن قال: على أوْلادِي، على أن يُصْرَفَ إلى البَناتِ منه ألْفٌ، والباقي للبَنِين. لم يَسْتَحِقَّ البَنُون شيئًا حتى تَسْتَوْفِيَ البَناتُ الألْفَ؛ لأنَّه جَعَل للبَناتِ مُسَمًّى، وجَعَل للبَنِين الفاضِلَ عنه، والحُكمُ فيه على ما قال: لأنَّه جَعَل البَناتِ كذَوي الفُرُوضِ، وجَعَل البَنِين كالعَصَباتِ الذين لا يَسْتَحِقُّون إلَّا ما فَضَل عن ذَوي الفُرُوضِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان له ثلاثةُ بَنِينَ (1)، فقال: وَقَفْتُ على وَلَدِي فُلانٍ وفُلانٍ، وعلى وَلَدِ وَلَدِي. كان الوَقْفُ على الابْنَين المُسَمَّيَين، وعلى أوْلادِهما، وأوْلادِ الثالثِ، ولا شيءَ للثالثِ. وقال القاضي: يَدْخُلُ الثالثُ في الوَقْفِ. وذَكَر أنَّ أحمدَ قال في رجُلٍ قال: وَقَفْتُ هذه الضَّيعَةَ على وَلَدِي فُلانٍ وفُلانٍ، وعلى وَلَدِ ولَدِي. وله ولدٌ غيرُ هؤلاءِ، قال: يَشْتَرِكُون في الوَقْفِ. واحْتَجَّ القاضي بأنَّ قَوْلَه: وَلَدِي. يَسْتَغْرِقُ الجِنْسَ، فيَعُمُّ (2) الجميعَ، وقولَه: فُلانٍ وفُلانٍ. تَأْكِيدٌ لبعضِهم، ولا يُوجِبُ إخْراجَ بقِيَّتِهم، كالعَطْفِ في قَوْلِه:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} (3). ولَنا، أنَّه أبْدَلَ بعضَ الوَلَدِ مِن اللَّفْظِ المتَناولِ للجميعِ، فاخْتَصَّ بالبعضِ المُبْدَلِ، كما لو قال: على وَلَدِي فُلانٍ. وذلك لأنَّ بَدَلَ البَعْضِ يُوجبُ اخْتِصاصَ الحُكْمِ به، كقوْلِ اللهِ تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا} (4). لَمّا خَصَّ المُسْتَطِعَ بالذِّكْرِ، اخْتَصَّ الوُجُوبُ به. ولو قال: ضَرَبْت زَيدًا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «فيعلم» .
(3)
سورة البقرة 98.
(4)
سورة آل عمران 97.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَأْسَه. أو: رَأيتُ زَيدًا وَجْهَه. اخْتَصَّ الضَّرْبُ بالرَّأْسِ، والرُّؤْيَةُ بالوَجْهِ. ومنه قولُ القائِلِ: طَرَحْتُ الثِّيابَ بعضَها فوقَ بعضٍ. فإنَّ الفَوْقِيَّةَ تَخْتَصُّ بالبَعْضِ مع عُمُومِ اللَّفْظِ الأوَّلِ. كذا ههُنا. وفارَقَ العَطْفَ، فإنَّ عَطْفَ الخاصِّ على العامِّ يَقْتَضِي تَأْكِيدَه، لا تَخْصِيصَه. وكلامُ أحمدَ: هم شُرَكاءُ. يَحْتَمِلُ أن يَعُودَ إلى أوْلادِ أوْلادِه، أي يَشْتَرِكُ أوْلادُ المَوْقُوفِ عليهما وأوْلادُ غيرِهما؛ لعُمُومِ لَفْظِ الواقِفِ فيهم، ويتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلامِه عليه؛ لقِيامِ الدَّليلِ عليه. ولو قال: على وَلَدِي فُلانٍ وفُلانٍ، ثم على المَساكِينِ. خُرِّجَ فيه مِن الخِلافِ مثلُ ما ذكَرْنا. قال شيخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أن يَدْخُلَ في الوَقْفِ وَلَدُ ولَدِه؛ لأنَّنا قد ذَكَرْنا مِن قبلُ أنَّ ظاهِرَ كلامِ أحمدَ أنَّ قولَه: وَقَفْتُ على وَلَدِ وَلَدِي. يتَناوَلُ نَسلَه وعاقِبَتَه كلَّها.
فصل: ومَن وَقَف على أوْلادِه أبي أوْلادِ غيرِه، وله حَمْلٌ، لم يَسْتَحِقَّ شيئًا قبلَ انْفِصالِه؛ لأنَّه لم تَثْبُتْ له أحْكامُ الدُّنْيا قبلَ انْفِصالِه. وقال أحمدُ، في روايةِ جَعْفَرِ بنَ محمدٍ، في مَن وَقَف نَخْلًا على قَوْمٍ وما تَوالدُوا، ثم
(1) في: المغني 8/ 201.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وُلِد مَوْلُودٌ: فإن كانتِ النَّخْلُ قد أُبِّرَتْ، فليس له فيه شيءٌ، وهو للأولِ، وإن لم تَكُنْ قد أُبِّرَتْ، فهو معهم. وإنَّما قال ذلك لأنَّها قبلَ التَّأْبِيرِ تَتْبَعُ الأصْلَ في البَيعِ، وهذا المَوْجُودُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَه مِن الأصْلِ، فتَتْبَعُه حِصَّتُه مِن الثَّمرَةِ، كما لو اشْتَرَى ذلك النَّصِيبَ مِن الأصْلِ، وبعدَ التَّأْبيرِ لا تَتْبَعُ الأصْلَ، ويَسْتَحِقُّها مَن كان له الأصْلُ، فكانت للأولِ، لأنَّ الأصْلَ كان كلُّه له، فاسْتَحَقَّ ثَمَرَتَه، كما لو باعَ هذا النَّصِيبَ منها، ولم يَسْتَحِقَّ المَوْلُودُ منها شيئًا، كالمُشْتَرِي. وهكذا الحُكْمُ في سائِرِ الثَّمَرِ الظاهِرِ على الشَّجَرِ، لا يَسْتَحِقُّ المَوْلُودُ منه شيئًا، ويَسْتَحِقُّ مِمّا ظَهَر بعدَ ولادَتِه. وإن كان الوَقْفُ أرْضًا فيها زَرْعٌ يَسْتَحِقُّه البائِعُ، فهو للأوّلِ. وإن كان مِمّا يَسْتَحِقُّه المُشْتَرِي، فللمَوْلُودِ حِصَّتُه منه؛ لأنِّ المَوْلُودَ يَتَجَدَّدُ اسْتِحْقاقُه للأصْلِ كتَجَدُّدِ مِلْكِ المُشْتَرِي فيه.