الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إلا أنْ يُقِيمَ بَيَنةً أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. وَعَنْهُ، لَا يُلْحَقُ بِامْرَأةٍ ذَاتِ زَوْجٍ، وَعَنْهُ، إِنْ كَانَ لهَا إِخْوَةٌ أوْ نَسَبٌ مَعْرُوف، لَمْ يُلْحَقْ بِهَا وَإلَّا لَحِقَ.
ــ
هذا، تكونُ نَفَقَتُه في بَيتِ المالِ.
فصل: فإن كان المُدَّعِي ذِمِّيًّا، لَحِقَ به؛ لأنَّه أقْوَى مِن العَبْدِ في ثُبُوتِ الفِراشِ، فإنَّه يَثْبُتُ له النِّكاحُ والوَطْءُ في المِلْكِ. وقال أبو ثَوْرٍ: لا يَلْحَقُ به؛ لأَنَّه مَحْكُومٌ بإسْلامِه. ولَنا، أنَّه أقَرَّ بنَسَبِ مَجْهُولِ النَّسَبِ، يُمْكِنُ أن يكونَ منه، وليس في إقْرارِه إضْرارٌ لغيرِه، فيَثْبُتُ إقْرارُه، كالمُسْلِمِ.
2545 - مسألة: (ولا يَتْبَعُ الكافِرَ في دِينِه إلَّا أن يُقِيمَ بَيِّنةً أنَّه وُلِدَ على فِراشِه)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه يَتْبَعُ الكافِرَ في النَّسَب لا في الدِّينِ، ولا حَقَّ له في حَضانَتِه، ولا يُسَلَّمُ إليه؛ لأنَّه لا ولايَةَ للكَافِرِ على المُسْلِمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الشافعيُّ، في أحَدِ قَوْلَيهِ: يَتْبَعُه في دِينِه؛ لأنَّ كُلَّ ما لَحِقَ به بنَسَبِه لَحِقَه به في دِينِه؛ كالبَيِّنَةِ، إلَّا أنَّه يُحالُ بَينَه وبَينَه. ولَنا، أنَّ هذا مَحْكُومٌ بإسْلامِه، فلا يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ في كُفْرِه، كما لو كان مَعْرُوفَ النَّسَب، ولأنَّها دَعْوَى تُخالِفُ الظاهِرَ، فلم تُقْبَلْ بمُجَرَّدِها، كدَعْوَى رِقِّه، ولَأنَّه لو تَبِعَه في دِينِه لم يُقْبَلْ إقرارُه بنَسَبِه؛ لأنَّه يكونُ إضْرارًا به، فلا يُقْبَلُ، كدَعْوَى الرِّقِّ. أما مُجَرَّدُ النَّسَبِ بدُونِ اتِّباعِه في الدِّينِ، فمَصْلَحَةٌ عارِيَةٌ عن الضَّرَرِ، فَقُبِلَ قَوْلُه فيه. ولا يجوزُ قَبُولُه فيما هو أعْظَمُ الضَّرَرِ والخِزْيِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. فإن أقام بَيِّنَةً أنَّه وُلِدَ على فِراشِه لَحِقَ به نَسَبًا ودِينًا. كذلك ذَكرَه ههُنا. وهو قولُ بعضِ أصحابِنا؛ لأنَّه ثَبَت أنَّه ابْنُه ببَيِّنَةٍ. وقِياسُ المَذْهَبِ أنَّه لا يَلْحَقُه في الدِّينِ، إلَّا أن تَشْهَدَ البَيِّنةُ أنَّه وَلَدُ كافِرَينِ حَيَّينِ؛ لأنَّ الطِّفْلَ يُحْكَمُ بإسْلامِه بإسلامِ أحَدِ أبَوَيهِ أو مَوْتِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان المُدَّعِي امْرأةً، فرُويَ عن أحمدَ، أنَّ دَعْوَتَها تُقْبَلُ، ويَلْحَقُها نَسَبُه؛ لأنَّها أحَدُ الأبَوَين، أشْبَهَتِ الأبَ، ولأنَّه يُمْكِنُ كَوْنُه منها، كما يُمْكِنُ أن يكونَ مِن الرَّجُلٍ بل أكْثَرُ؛ لأنَّها تَأْتِي به مِن زَوْجٍ ووَطْءِ شُبْهةٍ، ويَلْحَقُها وَلَدُها مِن الزِّنى دُونَ الرَّجُلِ. وقد رُوِيَ في قِصَّةِ داوُدَ وسُليمانَ، عليهما السلام، حين تحاكَمَ إليهما امْرأتان كان لهما ابْنان، فذَهَبَ الذِّئْبُ بأحَدِهما، فادَّعَتْ كلُّ واحِدَةٍ منهما أنَّ الباقِيَ ابْنُها، فحَكَمَ به داوُدُ للكُبْرَى، وحَكَم به سليمانُ للصُّغْرَى بمُجَرَّدِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدَّعْوَى منهما (1). وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشافعيِّ. فعلى هذه الرِّوايَةِ، يَلْحَقُ بها دُونَ زَوْجِها؛ لأنَّه لا يجوزُ أن يَلْحَقَه نَسَبُ وَلَدٍ لم يُقِرَّ به. ولذلك إذا ادَّعَى الرَّجُلُ نَسَبَه، لم يَلْحَقْ بزَوْجَتِه. فإن قِيلَ: الرَّجُلُ يُمْكِنُ أن يكونَ له وَلَدٌ مِن امْرأةٍ أُخْرَى، ومِن أمَتِه، والمَرْأةُ لا يَحِلُّ لها نِكاحُ غيرِ زَوْجِها، ولا يَحِلُّ لغيرِه وَطْؤُها. قُلْنا: يُمْكِنُ أن تَلِدَ مِن وَطْءِ شُبْهَةٍ أو غيرِه. وإن كان الوَلَدُ يَحْتَمِلُ أن يكونَ مَوْجُودًا قبلَ تَزَوُّجِها بهذا الزَّوْجِ، أمْكَنَ أن يكُونَ مِن زَوْجٍ آخَرَ. فإن قيل: إنَّما قُبِلَ الإقْرارُ بالنَّسَبِ مِن الزَّوْجِ لِما فيه من المَصْلَحَةِ ودَفْعِ العارِ عن الصَّبِيِّ، وصِيانَتِه عن النِّسْبَةِ إلى كَوْنِه وَلَدَ زِنًى، ولا يَحْصُلُ هذا بإلْحاقِ نَسَبِه بالمَرْأةِ، بل في إلْحاقِ نَسَبِه بها دُونَ زَوْجِها تَطَرُّقُ العارِ إليه وإليها. قُلْنا: بل قَبِلْنا دَعْواه؛ لأنَّه يَدَّعِي حَقًّا لا مُنازِعَ له فيه، ولا مَضَرَّةَ فيه على أْحَدٍ، فَقُبِلَ قَوْلُه فيه، كدَعْوَى المالِ، وهذا مُتَحَقِّق في دَعْوَى المَرْأةِ. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّها إن كانَتْ ذاتَ زَوْجٍ، لم يَثْبُتِ النَّسَبُ بدَعْواها؛ لإفْضائِه إلى إلْحاقِ النَّسَبِ بزَوْجِها بغيرِ إقْرارِه ولا رِضاه، أو إلى أنَّ امْرَأتَه وُطِئَتْ
(1) أخرجه البخاري، في: باب قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ. . . .} من كتاب الأنبياء، وفي: باب إذا ادعت المرأة ابنا، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 4/ 198، 8/ 194، 195. والنسائي، في: باب حكم الحاكم بعلمه، من كتاب القضاء. المجتبى 8/ 206، 207.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بزِنًى أو شُبْهَةٍ، وفي ذلك ضَرَرٌ عليه، فلا يُقْبَلُ قَوْلُها فيما يُلْحِقُ الضَّرَرَ به. وإن لم يَكُنْ لها زَوْجٌ، قُبِلَتْ دَعْواها؛ لعَدَمِ الضَّرَرِ. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشافعيِّ أيضًا. ورُوِيَ عن أحمدَ رِوايةٌ ثالِثَةٌ، نَقَلَها الكَوْسَجُ عن أحمدَ، في امْرَأةٍ ادَّعَتْ وَلَدًا: إن كان لها إخْوةٌ أو نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فلا تُصَدَّق إلَّا بِبَيِّنةٍ، وإن لم يَكُنْ لها دافِعٌ، لم يُحَلْ بينَها وبَينَه؛ لأنَّه إذا كان لها أهْلٌ ونَسَبٌ مَعْرُوفٌ، لم تَخْفَ ولادَتُها عليهم، ويَتَضرَّرُون بإلْحاقِ النَّسَبِ بها؛ لِما فيه مِن تَعْيِيرِهم بولادَتِها مِن غيرِ زَوْجِها، وليس كذلك إذا لم يَكُنْ لها أهْلٌ. قال شَيخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أن لا يَثْبُتَ النَّسَبُ بدَعْوَاها بحالٍ. وهذا قولُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأصحاب الرَّأْي. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ على أنَّ النَّسَبَ لا يَثْبُتُ بدَعْوَى المَرْأةِ؛ لأنَّها يُمْكِنُها إقامةُ البَيِّنَةِ على الولادَةِ، فلا يُقْبَلُ قَوْلُها بمُجَرَّدِه، كما لو عَلَّقَ زَوْجُها طَلَاقَهَا بولادَتِها. ولَنا، أنَّها أحَدُ الوالِدَين، أشْبَهَتِ الأبَ، وإمْكانُ البَيِّنَةِ لا يَمْنَعُ قَبُولَ القَوْلِ، كالرَّجُلِ، فإنَّه يُمْكِنُه إقامَةُ البَيِّنَةِ أنَّ هذا وُلِدَ على فِراشِه. وإن كان المُدَّعِي أمَةً فهي كالحُرَّةِ، إلَّا أنّا إذا قَبِلْنا دَعْواهَا في نَسَبِه، لم نَقْبَلْ قَوْلَها في رِقِّه؛ لأنَّنا لا نَقْبَلُ الدَّعْوَى فيما يَضُرُّه، كما لم نَقْبَلِ الدَّعْوَى في كُفْرِه إذا ادَّعَى نَسَبَه كافِرٌ.
(1) في: المغني 8/ 370.