الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ أوْدَعَهُ بَهِيمَةً، فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ، ضَمِنَ، إلَّا أن يَنْهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ عَلْفِهَا.
ــ
2438 - مسألة: (وإن أوْدَعَه بَهِيمَةً، فلم يَعْلِفْها حتَّى ماتت، ضَمِنَها، إلَّا أن يَنْهاه المالِكُ عن عَلْفِها)
إذا أوْدَعَه بَهِيمَةً، ولم يَأمُرْه بعَلْفِها، لَزِمَه ذلك. وبه قال الشافعيُّ. ويَحتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه. وبه قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّه اسْتَحْفَظَه إيّاها، ولم يَأمُرْه بعَلْفِها، والعَلْف على مالكِها، فإذا لم يَعْلِفْها كان هو المُفَرِّطَ. ولَنا، أَنَّه لا يَجُوزُ إتْلافُها، ولا التَّفْرِيطُ فيها، فإذا أمَرَه بحِفْظِها تَضَمَّنَ ذلك عَلْفَها وسَقْيَها، فإن تَرَك عَلْفَها حتَّى تَلِفَتْ، ضَمِنَها؛ لأنَّه مُفَرِّطٌ فيها. فإن أمَرَه صاحِبُها بعَلْفِها وسَقْيِها، لَزِمَه ذلك لحُرْمَةِ صاحِبِها؛ لأَنه أخَذَها منه على ذلك، ولحُرْمَةِ البَهِيمَةِ، فإن الحَيَوانَ يَجِبُ إحْياؤه بالعَلْفِ والسَّقْي. ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه عَلْفُها، إلَّا أن يَقْبَلَ ذلك؛ لأنَّ هذا تَبَرُّعٌ به، فلا يَلْزَمُه بمُجَرَّدِ أمْرِ صاحِبِها، كغيرِ الوَديعةِ. والأوَّلُ أوْلَى. ثم يُنْظَرُ؛ فإن قَدَر المُسْتَوْدَعُ على صاحِبِها أو وَكِيله، طالبَه بالإنْفاقِ عليها، أو يَرُدُّها عليه، أو يَأذَنُ له في الإنْفاقِ عليها ليَرْجِعَ به. فإن عَجَز عن صاحِبِها أو وكِيله، رَفَع الأمْرَ إلى الحاكِمِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن وَجَد لصاحِبِها مالًا أنْفَقَ عليها منه، وإن لم يَجِدْ مالًا فَعَل ما يَرَى لصاحِبِها الحَظَّ فيه، مِن بَيعِها، أو بَيعِ بَعْضِها وإنْفاقِه عليها، أو إجارَتها، أو الاسْتِدانَةِ على صاحِبِها، ويَدْفَعُه إلى المُودَعِ لينفِقَه عليها، أو إلى غيرِه فيُنْفِقُ عليها، إن رَأى ذلك. ويَجُوزُ أن يَأذَنَ للمُودعِ أن يُنْفِقَ عليها مِن مالِه، ويكونَ قابِضًا مِن نَفْسِه لنَفْسِه، ويَكِلُ ذلك إلى اجْتِهادِه في قَدْرِ ما يُنْفِقُ، ويَرْجِعُ به على صاحِبِها، فإنِ اخْتَلَفَا في قَدْرِ النَّفَقَةِ، قُبِل قولُ المُودَعِ إذا ادَّعَى النَّفَقَةَ بالمَعْرُوفِ، وإنِ ادَّعَي زِيادَةً، لم يُقْبَلْ. وإنِ اخْتَلَفا في قَدرِ المُدّةِ، فالقولُ قولُ صاحِبِها؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ ذلك. وإن لم يَقدِرْ على الحاكِمِ، فأنْفَقَ عليها مُحْتَسِبًا بالرُّجوعِ على صاحِبِها، وأشْهَدَ على الرُّجُوعِ، رَجَع بما أنْفَقَ؛ لأنه مَأذُونٌ فيه عُرْفًا، ولا تَفْرِيطَ منه إذ لم يَجِدْ حاكِمًا. وإن فَعَل ذلك مع إمْكانِ اسْتِئْذانِ الحاكِمِ مِن غيرِ إذْنِه، ففيه رِوايَتان. نَصَّ عليهما فيما إذا أنفَق على البَهِيمَةِ المَرْهُونَةِ مِن غيرِ إذْنِ الرّاهِن؛ إحْداهما، يَرْجِعُ؛ لأنَّه مَأذُونٌ فيه عُرْفًا. والثانيةُ، لا يَرْجِعُ؛ لأنَّه مُفرط بتَرْكِ اسْتِئْذانِ الحاكِمِ. وإن أنْفَقَ مِن غيرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إشْهادٍ، مع العَجْزِ عن اسْتِئْذانِ الحاكِمِ، أو مع إمْكانِه، ففي الرُّجُوعِ أيضًا وَجْهان، وَجْهُهما ما ذَكَرْنا. ومتى عَلَف البَهِيمَةَ أو سَقاها في دارِه أو غيرِها، بنَفْسِه أو أمَرَ غلامَه أو صاحِبَه ففَعَلَ ذلك، كما يَفْعَلُ كما في بَهائِمِه، على ما جَرَتْ به العادَةُ، فلا ضَمانَ فيه؛ لأنَّ هذا مَأذُون فيه عُرْفًا، لجَرَيانِ العادَةِ به، فأشْبَهَ المُصَرَّحَ به.
فصل: فإن نَهاه المالِكُ عن عَلْفِها وسَقْيِها، لم يَجُزْ له تَرْكُ عَلْفِها؛ لأنَّ للحَيَوانِ حُرْمَةً في نَفْسِه يَجِبُ إحْياؤه لحَقِّ اللهِ تعالى. فإن عَلَفَها وسَقاها، فهو كما لو لم يَنْهَه، وإن تَرَكَها حتَّى تَلِفَتْ، لم يَضْمَنْها. وهو قولُ أكْثَرِ أصْحابِ الشَّافعيِّ. وقال بَعْضُهم: يَضْمَنُ؛ لأنَّه تَعَدَّى بتَرْكِ عَلْفِها، أشْبَهَ ما إذا لم يَنْهَه. وهو قولُ ابنِ المُنْذِرِ؛ لنَهْي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن إضاعَةِ المالِ، فيَصِيرُ أمْرُ مالِكِها وسُكوتُه سَواءً. ولَنا، أنَّه مُمْتَثِلٌ قولَ صاحِبِها، فلم يَضْمَنْها، كما لو أمَرَه بقَتْلِها، ففَعَل، وكما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لو قال: لا تُخْرِجِ الوَدِيعَةَ وإن خِفْتَ عليها. فخاف عليها ولم يُخْرِجْها، أو أمَرَه بإلقائِها في نارٍ. وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذَكَرُوه. ومَنَع ابنُ المُنْذِرِ الحُكْمَ فيما إذا أمَرَه بإتْلافِها فأتْلَفَها. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه نائِبُ صاحِبِها، فلم يَغْرَمْ، كما لو اسْتَنابَه في مُباحٍ، والتَّحْرِيمُ أثَرُه في بَقاءِ حَقِّ الله تعالى. وهو الإثْمُ، أمّا حَق الآدَمِيِّ فلا يَبْقَى مع إذْنِه في تَفْويته، ولأنَّها لم تَتْلَفْ بفِعْلِه، وإنَّما تَلِفَتْ بتَرْكِ العَلْفِ المَأذُونِ فيه، أشْبَهَ ما إذا نَهاه عن إخْراجِها مع الخَوْفِ، فلم يُخرِجْها.