الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلامَامِ أنْ يُحْييَ أرْضًا مِنَ الْمَوَاتِ، تَرْعَى فِيهَا دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا، مَا لمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ. وَلَيس ذَلِكَ لِغَيرِهِ.
ــ
شيء. وبهذا قال الشافعي، وحُكِيَ عن أبي حنيفةَ. وقال أبو يُوسُفَ، ومحمد: يَشْتَرِكُ جَمِيعُهم في إكْرائِه كلِّه؛ لأنَّهم يَنْتَفِعُونَ بجَمِيعِه، فإن ما جاوَزَ الأوَّلَ مَصَب لمائِه، وإن لم يَسْقِ أرْضَه. ولَنا، أنَّ الأوَّلَ إنما يَنْتَفِعُ بالماءِ الذي في مَوْضِعِ شرْبِه، وما بعدَه إنَّما يَخْتَصُّ بالانْتِفاعِ (1) مِن دُونِه، فلا يُشارِكُهم في مُؤنَتِه، كما لا يُشارِكُهم في نَفْعِه. فإن كان يَفْضُلُ عن جَمِيعِهم منه ما يَحْتاجُ إلى مَصْرِفٍ، فمُؤنته على جَمِيعِهم؛ لاشْتِراكِهم في الحاجَةِ إليه والانْتِفاعِ به، فكانت مُؤنته عليهم كلِّهم، كأوَّلِه.
2488 - مسألة: (وللإِمامِ أن)
يَحْمِيَ (أرْضًا مِن المَواتِ، تَرْعَى فيها دَوابُّ المسلمين التي يَقُومُ بحِفْظِها، ما لم يُضَيِّقْ على النّاسِ) ولا يجوزُ ذلك (لغيرِه) مَعْنَى الحِمَى، أن يَحْمِيَ أرْضًا، يَمْنَعُ النّاسَ رَعْيَ حَشِيشِها، ليَخْتَصَّ بها. وكانتِ العَرَبُ في الجاهِلِيَّةِ تَعْرِفُ ذلك، فكان منهم مَن إذا انْتَجَعَ بَلَدًا أقام كَلْبًا على نَشْزٍ، ثم اسْتَعْواه، ووَقَف له مِن كلِّ ناحِيَةٍ مَن يسْمَع صَوْتَه بالعُواءِ، فحيثُ انْتَهَى صَوْتُه حَماه مِن كل ناحِيَةٍ لنَفْسِه، ويَرْعَى مع النّاسِ فيما سِواه. فنَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنه؛ لِما
(1) بعده في م: «به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فِيه مِن التضْيِيقِ على النّاسِ ومَنْعِهِم مِن الانْتِفاعِ بشيء لهم فيه حَق، فرَوَى الصَّعْبُ بنُ جَثّامَةَ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لا حِمَى إلَّا للهِ وَلِرَسُولِه» . رَواه أبو داودَ (1). وقال عليه الصلاة والسلام: «النَّاسُ شُرَكَاءُ في ثَلَاث؛ فِي المَاءِ، والنَّارِ، والكَلَأ» . رَواه الخَلالُ (2). فليس لأحَد مِن النّاسِ أن يَحْمِيَ سِوَى الأئِمّةِ؛ لِما ذَكَرْنا مِن الخَبَرِ والمَعْنَى. فأمّا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقد كان له أن يَحْمِيَ لنَفْسِه وللمسلمين؛ لقَوْلِه: «لا حِمَى إلَّا لِلّهِ ولِرَسُولِهِ» . ولم يَحْمِ لنَفْسِه شيئًا، وإنَّما حَمَى للمسلمين، فرَوَى ابنُ عُمَرَ، قال: حَمَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيعَ لخَيلِ المسلمينُ. رَواه أبو عُبَيدٍ (3). والنَّقِيعُ، بالنُّونِ: مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فيه الماءُ، فيَكْثُرُ فيه الخِصْبُ؛ لمَكانِ الماءِ الذي يَصِيرُ فيه. وأمّا سائِرُ أئِمَّةِ المسلمين، فليس لهم أن يَحْمُوا لأنْفُسِهِم شيئًا، ولكن لهم أن يَحْمُوا مواضِعَ لتَرْعَى فيها خَيلُ المُجاهِدِين، ونَعَمُ الجِزْيَةِ، وإبِلُ الصَّدَقَةِ، وضَوالُّ الناسِ التي يَقُومُ الإمامُ بحِفْظِها، وماشِيَةُ الضَّعِيفِ مِن النّاسِ، على وَجْهٍ لا يَسْتَضِرُّ به مَن سِواه مِن الناسِ. وبهذا
(1) في: باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، من كتاب الخراج. سنن أبي داود 2/ 160. كما أخرجه البخاري، في: باب لا حمى إلا لله ولرسوله، من كتاب المساقاة، وفي: باب أهل الدار يبيتون. . . .، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري 3/ 148، 4/ 74. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 38، 71، 73.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 80.
(3)
في: باب حمى الأرض ذات الكلأ والماء. الأموال 298.كما أخرجه الإمام أحمد، في: السند 2/ 155، 157.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافعي في صَحِيحِ قَوْلَيه. وقال في الآخَرِ: ليس لغيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَحْمِيَ؛ لقَوْلِه: «لَا حِمَى إلَّا لِلّهِ ولِرَسُولِهِ» . ووَجْهُ الأولِ، أن عُمَرَ وعُثْمانَ حَمَيا، واشْتَهَر ذلك في الصحابةِ، فلم يُنْكَرْ عليهما، فكان إجْماعًا، فرَوَى أبو عُبَيدٍ (1)، بإسْنادِه، عن عامِرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، أحْسَبُه عن أبيه، قال: أتى أعْرابِي عُمَرَ، فقال: يا أمِيرَ المُومِنِينَ، بِلادُنا قاتَلْنا عليها في الجاهِلِيةِ، وأسْلَمْنا عليها في الإسْلامِ، عَلامَ تَحْمِيها؟ قال: فأطْرَقَ عُمَرُ، وجَعَلَ يَنْفُخ ويَفْتِلُ شارِبَه وكان إذا كَرَبَه أمْر قتَل شارِبَه، ونَفَخ. فلَمّا رَأى الأعْرابِيُّ ما به جَعَل يُرَدِّدُ ذلك، فقال عُمَرُ: المال مالُ اللهِ، والعِبادُ عِبادُ اللهِ، واللهِ لولا ما أحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللهِ ما حَمَيتُ مِن الأرْضِ شِبْرًا في شِبْر. قال مالِك: بَلَغَنِي أنَّه كان يَحْمِلُ في كلِّ عام على أرْبَعِين ألْفًا مِن الظَّهْرِ. وعن أسْلَمَ تال: سَمِعْتُ عُمَرَ يقولُ لِهُنَيٍّ حينَ اسْتَعْمَلَه على حِمَى الربْذَةِ (2): يا هُنَيُّ، اضْمُمْ جَناحَك عن الناسِ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فإنها مُجابَةٌ، وأدْخِلْ رَبَّ الصرِيمَةِ والغَنِيمَةِ، ودَعْنِي مِن نَعَمِ بنِ عَوْفٍ ونَعَمِ بنِ عَفّانَ، فإنَّهما إن هَلَكَتْ ماشِيَتُهما رَجَعا إلى نَخْل وزَرْع، وإن هذا المِسْكِينَ إن هَلَكَتْ ماشِيَتُه جاء يَصْرُخُ: يا أمِيرَ المُومِنِينَ. فالكَلأ أهْوَنُ عَلَيَّ أمْ غُرْمُ الذَّهَبِ والوَرِق، إنَّها أرْضُهم قاتلُوا عليها في الجاهِلِيةِ، وأسْلَمُوا عليها
(1) في: الأموال 299.
(2)
الربذة: موضع قرب المدينة.