الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ في هَذَا الْفَصْلِ.
فَصْلٌ: وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ، لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالةٍ وَلَا غَيرِهَا.
ــ
2598 - مسألة: (والوَصِيَّةُ كالوَقْفِ في هذا التَّفْصِيلِ)
لأنَّ مَبْناها على لَفْظِ المُوصِي، أشْبَهتِ الوَقْف.
فصل: (وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ، لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالةٍ وَلَا غَيرِهَا) ويَلْزَمُ بمُجَرَّدِ القَوْلِ؛ لأنَّه تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ البَيعَ والهِبَةَ والمِيراثَ، فلَزِمَ بمُجَرَّدهِ، كالعِتْقِ. وعنه: لا يَلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ وإخْراجِ الوَقْفِ عن يَدِه. اخْتاره ابنُ أبي موسى. كالهِبَةِ. والصَّحِيحُ الأوّلُ، وقد ذَكَرْناه. وذَهَب أبو حنيفةَ إلى أنَّ الوَقْفَ لا يَلْزَمُ بمُجَرَّدِه، وللواقِفِ الرُّجُوعُ فيه ألا أن يُوصِيَ به بعدَ مَوْتِه، فيَلْزَمُ، أو يَحْكُمَ بلُزُومِه حاكِمٍ. وحكاه بعضُهم عن عليٍّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابنِ مَسْعُودٍ، وابنِ عَبَّاسٍ. وخالفَ أبا حنيفةَ صاحِبَاه، فقالا كقَوْلِ سائرِ أهْلِ العِلْمِ. واحْتَجَّ بعضُهم: بما رُوِيَ أنَّ عبَدَ اللهِ بنَ زيدٍ، صاحِبَ الأذَانِ، جَعَل حائِطَه صَدَقةً، وجَعَلَه إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فجاء أُبواه إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسولَ اللهِ، لم يَكُنْ لنا عَيشٌ إلَّا هذا الحائِطَ. فرَدَّه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم ماتا فورِثهما. رَواه المَحَامِلِيُّ (1) في «أمالِيه» (2). ولأنَّه إخْراجُ مالِه على وَجْهِ القُرْبةِ مِن مِلْكِه، فلا يَلْزَمُ بمُجَرَّدِ القَوْل، كالصَّدَقَةِ. قُلْنا: هذا القَوْلُ يُخالِفُ السُّنّةَ الثابتَةَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وإجماعَ الصَّحابةِ رضي الله عنهم، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعُمَرَ في وَقْفِه:«لَا يُبَاعُ أصْلُها، وَلا يُبْتَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ» (3). قال التِّرْمِذِيُّ العَمَلُ على هذا الحَدِيثِ عندَ أهْلِ العِلْمِ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم، لا نَعْلَمُ بينَ المُتَقَدِّمِين منهم في ذلك
(1) أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي القاضي الفقيه، صاحب «الأمالي» المتوفى سنة ثلاثين وثلاثمائة. تاريخ التراث العربي 1/ 1/ 357.
(2)
وأخرجه النسائي، في: ميراث الولد للوالد المنفرد، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 4/ 66.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 362.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتِلافًا. قال الحُمَيدِيُّ: تَصَدَّقَ أبو بكرٍ بدارِه على وَلَدِه، وعُمَرُ برَبْعِه عندَ المَرْوةِ على وَلَدِه، وعُثمانُ برُومَةَ (1)، وتَصَدَّقَ عليٌّ بأرْضِه بيَنْبُعَ، وتَصَدَّقَ الزُّبَيرُ بدارِه بمَكَّةَ ودارِه بمِصْرَ وأمْوالِه بالمَدِينةِ على وَلَدِه، وتَصَدَّقَ سَعْدٌ بدارِه بالمَدِينةِ ودارِه بمِصْرَ على وَلَدِه، وعَمْرُو بنُ العاصِ بالوَهْطِ (2) ودارِه بمَكَّةَ على وَلَدِه، وحَكِيمُ بنُ حِزام بدارِه بمَكَّةَ والمَدِينةِ على وَلَدِه، فذلك كله إلى اليَوْمِ (3). وقال جابر: لم يكُنْ أحدٌ مِن أصْحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم له مَقْدِرَة إلَّا وَقَف. وهذا إجْماعٌ منهم، فإنَّ الَّذي قَدَر على الوَقْفِ منهم وَقَف، واشْتَهَرَ ذلك، فلم يُنْكِرْه أحَدٌ، فكان إجْماعًا، ولأنَّه إزالةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بالوَصِيَّةِ، فإذا نَجَزَه في حالِ الحَياةِ لَزِم مِن غيرِ حُكْمٍ، كالعِتْقِ. وحَدِيثُ عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ إن ثَبَت
(1) أي بئر رومة بالمدينة.
(2)
الوهط: مال كان لعمرو بن العاص بالطائف.
(3)
أخرجه البيهقي، في: باب الصدقات المحرمات، من كتاب الوقف. السنن الكبرى 6/ 161.