الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ، كَالْمِلْحِ، وَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالْكُحْلِ، وَالْجَصِّ، بِالْإحْيَاءِ، وَلَيسَ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ.
ــ
وليس ذلك بأوْلَى مِن تَحْدِيدِه بشيءٍ آخَرَ، كمِيلٍ أو نِصْفِ مِيلٍ. وهذا التَّحْدِيدُ الذي ذَكَرُوه، واللهُ أَعلمُ، يَخْتَصُّ بما قَرُب مِن المِصْرِ أو القَرْيَةِ، ولا يَجُوزُ أن يكونَ حَدًّا لكلِّ ما قَرُب مِن عامِرٍ؛ لأنَّه يُفْضِي إلى أنَّ مَن أحْيا أرْضًا في مَواتٍ، حَرُم إحْياءُ شيءٍ مِن ذلك المَواتِ على غيرِه، ما لم يَخْرُجْ عن ذلك الحَدِّ.
2468 - مسألة: (ولا تُمْلَكُ المَعادِنُ الظّاهِرَةُ؛ كالمِلْحِ، والقارِ، والكُحْلِ، والجَصِّ، والنِّفْطِ، بالإحْياءِ، وليس للإمامِ إقْطاعُه)
وجملةُ ذلك، أنَّ المَعَادِنَ الظّاهِرَةَ، وهي التي يُوصَلُ إلى ما فيها مِن غيرِ مُؤْنَةٍ، يَنْتابُها النّاسُ، ويَنْتَفِعُون بها؛ كالمِلْحِ، والماءِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والكِبْرِيتِ، والقِيرِ (1)، والمُومْيا (2)، والنِّفْطِ، والكُحْلِ، والبِرامِ (3)، والياقُوتِ، ومَقاطِعِ الطِّينِ، وأشْباهِ ذلك، لا يُمْلَكُ بالإحْياءِ، ولا يَجُوزُ إقْطاعُه لأحَدٍ مِن النّاسِ، ولا احْتِجارُه دُونَ المسلمين؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا بالمسلمين وتَضْيِيقًا عليهم، ولِما روَى أبو عُبَيدٍ، وأبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ، بإسْنادِهِم (4)، عن أَبْيَضَ بنِ حَمّالٍ، أنَّه اسْتَقْطَعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم المِلْحَ الذي بمَأْرِبَ، فلَمّا وَلَّى، قِيلَ: يا رسولَ اللهِ، أتَدْرِي ما أقْطَعْتَ له؟ إنَّما أقْطَعْتَه الماءَ العِدَّ (5). فرَجَعَه منه. قال: قلتُ: يا
(1) القير: الزفت.
(2)
موميا: مادة تجمد فتصير قارا تفوح منه رائحة الزفت المخلوط بالماء، تلطخ به أجساد الموتى حتى تحفظ لا تتغير. الجامع لمفردات الأدوية 4/ 169.
(3)
البرام: القدور من الحجارة.
(4)
أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 155، 156. والترمذي، في: باب ما جاء في القطائع، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 149، 150. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب إقطاع الأنهار والعيون، في كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 827. والدارمي، في: باب في القطائع، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 268. وأبو عبيد في الأموال 275.
(5)
العِدّ: الجاري.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولَ اللهِ، ما يُحْمَى (1) مِن الأرَاكِ؟ قال:«مَا لَمْ تَنَلْهُ أخْفَافُ الْإبِلِ» . وهو حديثٌ غريبٌ. ورَواه سعيدٌ، قال: حَدَّثَنِي إسماعيلُ بنُ عَيّاشٍ، عن عَمْرِو بنِ قَيس المَأْرِبِيِّ (2)، عن أبيه، عن أَبْيَضَ بن حَمّالٍ المَأْرِبِيِّ (2) قال: اسْتَقْطَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعْدِنَ المِلْحِ بمَأْرِبَ، فأقْطَعَنِيه، فقِيلَ: يا رسولَ اللهِ، إنَّه بمَنْزِلَةِ الماء العِدِّ. يَعْنِي أنَّه لا يَنْقَطِعُ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلا إذَنْ» . ولأنَّ هذا يتَعَلَّقُ به مَصالِحُ المسلمين العامَّةُ، فلم يَجُزْ إحْياؤُه ولا إقْطاعُه، كمَشارِعِ الماءِ وطُرُقاتِ المسلمين. قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا مِن مَوَادِّ اللهِ الكريمِ، وفيضِ جُودِه الذي لا غَناءَ عنه، ولو مَلَكَه أحَدٌ بالاحْتِجارِ، مَلَك مَنْعَه، فضاق على النّاسِ، فإن أخَذَ العِوَضَ عنه أغْلاه، فخَرَجَ عن الوَضْعِ الذي وَضَعَه الله به مِن تَعْمِيمِ ذوي الحَوائِجِ مِن غيرِ كُلْفَةٍ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ. ولا أعْلَمُ فيه مُخالِفًا.
(1) بعده في م: «لي» .
(2)
في ر 1: «المازني» . وانظر المشتبه للذهبي 564.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا المَعادِنُ الباطِنةُ، وهي التي لا يُوصَلُ إليها إلَّا بالعَمَلِ والمُؤْنَةِ؛ كمعادِنِ الذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والحَدِيدِ، والنُّحاسِ، والرَّصاصِ، والبَلُّورِ، والفَيرُوزَجِ، فإن كانت ظاهِرَةً، لم تُمْلَكْ أيضًا بالإِحْياءِ؛ لِما ذكَرْنا في التي قبلَها. وإن لم تكنْ ظاهِرَةً، فحَفَرَها إنْسانٌ وأَظْهَرَها، لم يمْلِكْها بذلك في ظاهِرِ المَذْهَبِ، وظاهِرِ مَذْهَبِ الشافعيِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَها بذلك. وهو قولٌ للشافعيِّ؛ لأنَّه مَواتٌ لا يُنْتَفَعُ به إلَّا بالعَمَلِ والمُؤْنَةِ، فمُلِكَ بالإِحْياءِ، كالأرْضِ، ولأنَّه بإظْهارِه تَهَيَّأَ للانْتِفاعِ به مِن غيرِ حاجةٍ إلى تَكْرارِ ذلك العَمَلِ، فأشْبَهَ الأرْضَ إذا أحْياها بماءٍ أو حاطَها. وَوَجْهُ الأوَّلِ، أنَّ الإِحْياءَ الذي يُمْلَكُ به هو العِمارَةُ التي يتَهَيّأُ بها المُحْيَا للانْتِفاعِ مِن غيرِ تَكْرارِ عَمَلٍ، وهذا حَفْرٌ وتَخْرِيبٌ يَحْتاجُ إلى تَكْرارٍ عندَ كلِّ انْتِفاعٍ. فإن قِيلَ: فلو احْتَفَرَ