الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيرِهِ.
ــ
2472 - مسألة: ويَلْزَمُه بَذْلُ (ما فَضَل مِن مائِه لبَهائِمِ غيرِه)
لِما روَى أبو هُرَيرَةَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ ليَمْنَعَ
وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ غَيرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
بِهِ فَضْلَ الْكَلأ، مَنَعَهُ اللهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ» (1)(وهل يَلْزَمُه بَذْلُه لزَرْعِ غيرِه؟ على رِوايَتَين) إحْداهما، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّ الزَّرْعَ لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه. والثانيةُ، يَلْزَمُه؛ لِما روَى إياسُ بنُ عبْدٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ فَضْلِ الْمَاءِ (2). وعن بُهَيسَةَ (3) عن أبِيها، أنَّه قال: يا نبيَّ اللهِ، مَا الشيءُ الذي لا يَحِلُّ مَنْعُه؟ قال:«الْمَاءُ» . رَواه أبو داودَ (4).
(1) أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بلفظ قريب منه، في: المسند 2/ 183، 221.
والذي عن أبي هريرة: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» ونحوه، عند البخاري 9/ 31. ومسلم 3/ 1198. وأبي داود 2/ 248. والترمذي 5/ 273. وابن ماجه 2/ 828. والإمام أحمد 2/ 244، 272، 309، 360، 440، 482، 494، 500.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 79.
وهناك أنَّه إياس بن عبد الله، والصواب ما هنا. انظر مصادر التخريج المتقدمة، وتهذيب التهذيب 1/ 389، 390.
(3)
في م: «بهنسة» .
(4)
في: باب ما لا يجوز منعه، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 388. كما أخرجه الدارمي، في: باب في الذي لا يحل منعه، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 269، 270. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 480، 481.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو شَرَع إنْسانٌ في حَفْرِ مَعْدِنٍ ولم يَصِلْ إلى النَّيلِ، صار أحَقَّ به، كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ. فإذا وَصَل إلى النَّيلِ صار أحَقَّ بالأخْذِ منه، ما دام مُقِيمًا على الأخْذِ منه. وهل يَمْلِكُه بذلك؟ فيه ما قد ذَكَرْنا مِن قبلُ. فإن حَفَر آخَرُ مِن ناحِيَةٍ أُخْرَى، لم يكنْ له مَنْعُه، وإذا وَصَل إلى ذلك العِرْقِ، لم يكنْ له مَنْعُه، سَواءٌ قُلْنا: إنَّ المَعْدِنَ يُمْلَكُ بحَفْرِه. أو لم نَقُلْ؛ لأنَّه إن مَلَكَه، فإنَّما يَمْلِكُ المَكانَ الذي حَفَره، وأمَّا العِرْقُ الذي في الأرْضِ فلا يَمْلِكُه بذلك، ومَن وَصَل إليه مِن جِهَةٍ أُخْرَى، فله أخْذُه. ولو ظَهَر في مِلْكِه مَعْدِنٌ بحيثُ يَخْرُجُ النَّيلُ عن أرْضِه، فحَفَرَ إنْسانٌ مِن خارِجِ أرْضِه، كان له أن يَأْخُذَ ما خَرَج عن أرْضِه منه؛ لأنَّه لم يَمْلِكْه، إنَّما مَلَك ما هو مِن أجْزاءِ أرْضِه، وليس لأحَدٍ أن يَأْخُذَ ما كان داخِلًا في أرْضِه مِن أجْزاءِ الأرْضِ الباطِنَةِ، كما لا يَمْلِكُ أخْذَ أجْزائِها الظّاهِرَةِ. ولو حَفَر كافِرٌ في دارِ الحَرْبِ مَعْدِنًا فوَصَلَ إلى النَّيلِ، ثمَّ فَتَحَها المسلمون عَنْوَةً، لم يَصِرْ غَنِيمَةً، وكان وُجُودُ عَمَلِه (1) وعَدَمُه واحِدًا؛ لأنَّ عامِرَه لم يَمْلِكْه بذلك، ولو مَلَكَه فإنَّ الأرْضَ تَصِيرُ كلَّها وَقْفًا للمسلمين، وهذا يَنْصَرِفُ إلى مَصْلَحةٍ مِن مَصالِحِهم، فتَعَيَّنَ لها، كما لو ظَهَر بفِعْلِ اللهِ تعالى.
(1) في الأصل: «علمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن مَلَك مَعْدِنًا، فعَمِلَ فيه غيرُه بغيرِ إذْنِه، فما حَصَّلَه منه فهو لمالِكِه، ولا أجْرَ للغاصِبِ على عَمَلِه؛ لأنَّه عَمِل في مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فهو كما لو حَصَد زَرْعَ غيرِه. وإن قال مالِكُه: اعْمَلْ فيه ولك ما يَخْرُجُ منه. فله ذلك، وليس لصاحِبِ المَعْدِنِ فيه شيءٌ؛ لأنَّه إباحَةٌ مِن مالِكِه، فمَلَك ما أخَذَه، كما لو أباحَه الأخْذَ مِن بُسْتانِه. وإن قال: اعْمَلْ فيه على أنَّ ما رَزَق اللهُ مِن نَيلٍ كان بينَنا نِصْفَين. فعَمِل، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَجُوزُ، وما يَأْخُذُه يكونُ بينَهما، كما لو قال: احْصُدْ هذا الزَّرْعَ بنِصْفِه -أو- ثُلُثِه. ولأنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ عليها، فصَحَّ العَمَلُ فيها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ببَعْضِه، كالمُضارَبَةِ في الأثْمانِ. والثّانِي، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ ما يَحْصُلُ منه مَجْهُولٌ، ولأنَّه لا يَصِحُّ أن يكونَ إجارَةً، لأنَّ العِوَضَ مَجْهُولٌ، والعَمَلَ مَجْهُولٌ، ولا جَعالةً؛ لأنَّ العِوَضَ مَجْهُولٌ، ولا مُضارَبَةً؛ لأنَّ المُضارَبَةَ إنَّما تَصِحُّ بالأثْمانِ على أن يُرَدَّ رَأْسُ المالِ ويكونَ له حِصَّةٌ مِن الرِّبْحِ، وليس ذلك ههُنا. وفارَقَ حَصادَ الزَّرْعِ بنِصْفِه أو جُزْءٍ منه؛ لأنَّ الزَّرْعَ مَعْلُومٌ بالمُشاهَدَةِ، وما عُلِم جَمِيعُه عُلِم جُزْؤُه، بخِلافِ هذا. وإن قال: اعْمَلْ فيه كذا ولك ما يَحْصُلُ منه، بشَرْطِ أن تُعْطِيَنِي ألْفًا -أو- شيئًا مَعْلُومًا. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه بَيعٌ لمَجْهُولٍ، ولا يَصِحُّ أن يكونَ مَعْلُومًا (1)، كالمُضارَبةِ؛ لِما ذَكَرْنا؛ ولأنَّ المُضارَبةَ تكونُ بجُزْءٍ مِن النَّماءِ لا دَراهِمَ مَعْلُومَةٍ. قال أحمدُ: إذا أخَذَ مَعْدِنًا مِن قَوْمٍ على أن يَعْمُرَه يَعْمَلَ فيه ويُعْطِيَهم ألْفَيْ مَنٍّ (2) أو ألْفَ مَنٍّ صُفْرًا، فذلك مَكْرُوهٌ. ولم يُرَخِّصْ فيه.
(1) في المغني 8/ 159: «معاملة» .
(2)
المَنّ: كيل أو ميزان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا اسْتَأْجَرَ رجلًا ليَحْفِرَ له عَشَرَةَ أذْرُعٍ في دَورِ كذا بدِينارٍ، صَحَّ؛ لأنَّها إجارَةٌ مَعْلُومَةٌ. وإن ظَهَر عِرْقُ ذَهَبٍ، فقال: اسْتَأْجَرْتُك لتُخْرِجَه بدِينارٍ. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ العَمَلَ مَجْهُولٌ. وإن قال: إنِ اسْتَخْرَجْتَه فلك دِينارٌ. صَحَّ، ويكونُ جَعالةً؛ لأنَّ الجَعالةَ تَصِحُّ على عَمَلٍ مَجْهُولٍ، إذا كان العِوَضُ مَعْلُومًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وما نَضَب عنه الماءُ مِن الجَزائِرِ، لم يُمْلَكْ بالإِحْياءِ. قال أحمدُ، في رِوايَةِ العَبّاسِ بنِ موسى (1): إذا نَضَب الماءُ عن جَزِيرَةٍ إلى قَناةِ رجلٍ، لم يَبْنِ فيها؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا، وهو أنَّ الماءَ يَرْجِعُ. يَعْني أنَّه يَرْجِعُ إلى ذلك المَكانِ، فإذا وَجَدَه مَبْنِيًّا، رَجَع إلى الجانِبِ الآخَرِ، فأضَرَّ بأهْلِه. ولأنَّ الجَزائِرَ مَنْبِتُ الكَلَأ والحَطَبِ، فجَرَى مَجْرَى المَعادِنِ الظّاهِرَةِ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا حِمَى في (2) الأرَاكِ» (3). قال أحمدُ، في رِوايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عن عُمَرَ أنَّه أباح الجَزائِرَ. يَعْنِي أباح ما يَنْبُتُ في الجَزائِرِ مِن النّباتِ، وقال: إذا نَضَب الفُراتُ عن شيءٍ، ثمَّ نَبَت فيه نَباتٌ، فجاء رجلٌ يَمْنَعُ النّاسَ منه، فليس له ذلك. فأمَّا إن غَلَب الماءُ على مِلْكِ إنْسانٍ، ثمَّ عاد فنَضَب عنه، فله أخْذُه، ولا يَزُولُ مِلْكُه بغَلَبةِ الماءِ عليه. فإن كان ما نَضَب عنه الماءُ لا يَنْتَفِعُ به أحَدٌ، فعَمَّرَه رجلٌ عِمارَةً لا تَرُدُّ الماءَ، مثلَ أن يَجْعَلَه مَزْرَعَةً، فهو أحَقُّ به مِن غيرِه؛ لأنَّه مُتَحَجِّرٌ لِما ليس لمُسْلِمٍ فيه حَقٌّ، فأشْبَهَ التَّحَجُّرَ في المَواتِ.
(1) العباس بن محمد بن موسى الخلال، بغدادي، من أصحاب الإمام أحمد الأولين، الذين كان يعتد بهم، وله مسائل عن أبي عبد الله، يقول فيها: قبل الحبس وبعده. طبقات الحنابلة 1/ 239.
(2)
في م: «إلا في» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 156. والدارمي، في: باب في الحمى، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 269.
فَصْلٌ: وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ، أَوْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً.
ــ
فصل: قال، رحمه الله:(وإحْياءُ الأرْضِ أن يَحُوزَها بحائِطٍ، أو يُجْرِيَ لها ماءً) ظاهِرُ كلامِه ههُنا، أنَّ تَحْويطَ الأرْضِ إحْياءٌ لها، سَواءٌ أرادَها للبِناءِ أو للزَّرْعِ، أو حَظِيرَةً للغَنَمِ، أو الخَشَبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخِرَقِيِّ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ عليِّ بنِ سعيدٍ، فقال: الإِحْياءُ: أن يُحَوِّطَ عليها حائِطًا، أو يَحْفِرَ فيها بِئْرًا أو نَهْرًا. ولا يُعْتَبَرُ في ذلك تَسْقِيفٌ، وذلك لِما روَى الحَسَنُ عن سَمُرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أحَاطَ حَائِطًا عَلَى أرْضٍ فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ أبو داودَ، والإِمامُ أحمدُ في «مُسْنَدِه» (1). ورُوِيَ عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلُه (2). ولأنَّ الحائِطَ حاجِزٌ مَنِيعٌ، فكان إحْياءً، أشْبَهَ ما لو جَعَلَها حَظِيرَةً للغَنَمِ. ويُبَيِّنُ هذا أنَّ القَصْدَ لا اعْتِبارَ به، بدَلِيلِ ما لو أرادَها حَظِيرَةً للغَنَمِ (3)، فبَناهَا بجِصٍّ وآجُرٍّ وقَسَمَها بُيُوتًا، فإنَّه يَمْلِكُها. وهذا لا يُصْنَعُ للغَنَمِ مثلُه. ولابُدَّ أن يكونَ الحائِطُ مَنِيعًا يَمْنَعُ ما وراءَه، ويكونَ ممَّا جَرَتِ العادَةُ بمثلِه. ويَخْتَلِفُ باخْتِلافِ البُلْدانِ، فإن كان مِمّا (4) جَرَتْ عادَتُهم
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في إحياء الموات، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 159. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 12، 21.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 381.
(3)
بعده في النسخ: «كما لو جعلها حظيرة للغنم» . وانظر المغني 8/ 177.
(4)
في م: «ممن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالبِناءِ بالحَجَرِ وَحْدَه، كأهْلِ حَوْرَانَ، أو بالطّيِنِ، كأهْلِ الغُوطَةِ بدِمَشْقَ، أو بالخَشَبِ أو القَصَبِ، كأهْلِ الغَوْرِ، كان ذلك إحْياءً. وإن بَناه بأقْوَى ممَّا جَرَتْ به عادَتُهم، كان أوْلَى. وقال القاضي: في صِفَةِ الإِحْياءِ رِوايَتانِ؛ إحْداهُما، ما ذَكَرْنا. والثّانيةُ، الإِحْياءُ ما تَعارَفَه النّاسُ إحْياءً؛ لأنَّ الشَّرْعَ وَرَد بتَعْلِيقِ المِلْكِ عليه، ولم يُبَيِّنْه، ولا ذَكَر كَيفِيَّتَه، فيَجِبُ الرُّجُوعُ فيه إلى ما كان إحْياءً في العُرْفِ، كما أنَّه لَمّا وَرَد باعْتِبارِ القَبْضِ والحِرْزِ ولم يُبَيِّنْ كَيفِيَّتَه، كان المَرْجِعُ فيه إلى العُرْفِ، ولأنَّ الشّارِعَ لو عَلَّقَ الحُكْمَ على مُسَمًّى باسْمٍ، لتَعَلَّقَ بمُسَمّاه عندَ أهْلِ اللِّسانِ، فكذلك (1) يَتَعَلَّقُ الحُكْمُ بالمُسَمَّى إحياءً عندَ أهْلِ العُرْفِ،
(1) في م: «فلذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يُعَلِّقُ الحُكْمَ على ما ليس إلى مَعْرِفَتِه طَرِيقٌ، فلَمّا لم يُبَيِّنْه، تَعَيَّنَ العُرْفُ طَرِيقًا لمَعْرِفَتِه، إذ ليس له طَرِيقٌ سِواه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الأرْضَ تُحْيَى دارًا للسُّكْنَى، وحَظِيرَةً، ومَزْرَعَةً، فإحْياءُ كلِّ واحِدَةٍ مِن ذلك بما تَتَهَيَّأُ به للانْتِفاعِ الذي أُرِيدَتْ له. فأمَّا الدّارُ، فبأن يَبْنِيَ حِيطانَها بما جَرَتْ به العادَةُ، ويُسَقِّفَها؛ لأنَّها لا تَصْلُحُ للسُّكْنَى إلَّا بذلك. والحَظِيرَةُ إحْياؤُها بحائِطٍ جَرَتْ به العادَةُ لِمْثلِها، وليس مِن شَرْطِها التَّسْقِيفُ؛ لأنَّ العادَةَ لم تَجْرِ به، وسَواءٌ أرادَها حَظِيرَةً للماشِيَةِ، أو للخَشَبِ، أو للحَطَبِ، أو نحو ذلك. فإن جَعَل عليها خَنْدَقًا، لم يَكُنْ إحياءً؛ لأنَّه ليس بحائطٍ ولا عِمارَةٍ، إنَّما هو حَفْرٌ وتَخْرِيبٌ، وكذلك إن حاطَها بشَوْكٍ وشِبْهِه، لا يكونُ إحياءً، ويكونُ تَحَجُّرًا، لأنَّ المُسافِرَ قد يَنْزِلُ مَنْزِلًا ويُحَوِّطُ على رَحْلِه بنحوٍ مِن ذلك، ولو نَزَل مَنْزِلًا فنَصَبَ فيه بَيتَ شَعَرٍ أو خَيمَةً، لم يكنْ إحْياءً. وإن أرادَها للزِّراعَةِ، فبأن يُهَيِّئَها لإِمْكانِ الزَّرْعِ فيها، فإن كانت لا تُزْرَعُ إلَّا بالماءِ، فبأنْ يسُوقَ إليها ماءً مِن نَهْرٍ أو بِئْرٍ، وإن كان المانِعُ مِن زَرْعِها كَثْرَةَ الأحْجارِ، كأرْضِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللَّجاةِ (1)، فإحْياؤُها بقَلْعِ أحْجارِها وتَنْقِيَتِها حتى تَصْلُحَ للزَّرْعِ، وإن كانت غِياضًا وأشْجارًا، كأرْضِ الشِّعْرَى (2)، فبأنْ يَقْلَعَ أشْجارَها، ويُزِيلَ عُرُوقَها المانِعَةَ مِن الزَّرْعِ. وإن كانت ممَّا لا يُمْكِنُ زَرْعُه إلَّا بحَبْسِ الماءِ عنه، كأرْضِ البَطائِحِ، فإحياؤُها بِسَدِّ الماءِ عنها وجَعْلِها بحالٍ يُمْكِنُ زَرْعُها؛ لأنَّ بذلك يُمْكِنُ الانْتِفاعُ بها فيما أرادَها له، مِن غيرِ حاجَةٍ إلى تَكْرارِ ذلك في كلِّ عامٍ، فكان إحياءً، كسَوْقِ الماءِ إلى أرْضٍ لا ماءَ لها. ولا يُعْتَبَرُ في إحْياءِ الأرْضِ حَرْثُها، ولا زَرْعُها؛ لأنَّ ذلك ممَّا يتَكَرَّرُ كلَّما أراد الانْتِفاعَ بها، فلم يُعْتَبَرْ في الإِحْياءِ، كسَقْيِها، وكالسُّكْنَى في البُيُوتِ، ولا يَحْصُلُ الإِحْياءُ بذلك إذا فَعَلَه بمُجَرَّدِه؛ لِما ذَكَرْنا. ولا يُعْتَبَرُ في إحْياءِ الأرْضِ للسُّكْنَى نَصْبُ الأبْوابِ على البُيُوتِ. وبه قال الشافعيُّ فيما ذَكَرْنا في الرِّوايَةِ الثانيةِ، إلَّا أنَّ له وَجْهًا في أنَّ حَرْثَها وزَرْعَها إحياءٌ لها، وأنَّ ذلك مُعْتَبَرٌ في إحْيائِها لا يَتِمُّ بدُونِه، وكذلك نَصْبُ الأبْوابِ على البُيُوتِ؛ لأنّه ممَّا جَرَتِ العادَةُ به، أشْبَهَ السَّقْفَ. ولا يَصِحُّ هذا؛ لِما ذَكَرْنا، ولأنَّ السُّكْنَى مُمْكِنَةٌ بدُونِ نَصْبِ الأبْوابِ، فأشَبَهَ تَطْيِينَ سُطُوحِها وتَبْيِيضَها.
(1) في م: «الحجاز» .
واللَّجاة: اسم للحَرَّة السوداء التي بأرض صَلْخَد من نواحي الشام، فيها قرى ومزارع وعمارة واسعة. معجم البلدان 4/ 350.
(2)
الشعرى: جبل عند حرة بني سليم.