الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أنهُ يَحْصُل بِالقوْلِ والفِعْلِ الدَّال عَلَيهِ؛ مِثْلَ أنْ يبنِيَ مَسْجِدًا وَيَأذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، أوْ يَجْعَلَ أرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، أوْ سِقَايَةً وَيَشرَعَهَا لَهُمْ. وَالأُخْرَى، لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ.
ــ
2553 - مسألة: (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أنهُ يَحْصُل بِالقوْلِ والفِعْلِ الدَّال عَلَيهِ؛ مِثْلَ أنْ يبنِيَ مَسْجِدًا وَيَأذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، أوْ يَجْعَلَ أرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، أوْ سِقَايَةً وَيَشرَعَهَا لَهُمْ)
ظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّ الوَقْفَ يَحْصُلُ بالفِعْلِ مع القَرائِنِ الدّالَّةِ عليه التي ذكرناها. قال أحمدُ في روايةِ أبي داودَ، وأبي طالبٍ، في مَن أدْخَلَ بَيتًا في المَسْجِدِ وأذِن فيه: لم يَرْجِعْ فيه. وكذلك إذا اتَّخَذَ المَقابِرَ وأذِن للناسِ، والسِّقايَةَ، فليس له الرُّجُوعُ. هذا قولُ أبي حنيفةَ. (و) الرِّواية (الأخْرَى، لا يَصِحُّ إلَّا بالقَوْلِ) ذَكَرَها القاضي. وهو مَذْهَبُ الشافعي. وأخَذَه القاضي مِن قولِ أحمدَ، إذ سَألَه الأثْرَمُ عن رجلٍ أحاطَ حائِطًا على أرْض ليَجْعَلَها مَقْبَرَةً، ونَوَى بقَلْبِه، ثم بَدا له العَوْدُ؟ فقال: إن كان جَعَلَها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للهِ فلا يَرْجِعُ. قال شيخُنا (1): وهذا لا يُنافِي الرِّوايةَ الأولَى، فإنَّه إن (2) أرادَ بقَوْلِه: إن كان جَعَلَها للهِ. أي نَوَى بتَحْويطِها جَعْلَها للهِ، فهذا تَأكيدٌ للرِّوايةِ الأولَى وزِيادَةٌ عليها، إذ مَنَعَه مِن الرُّجُوعِ بمُجَرَّدِ التَّحْويطِ مع النِّيَّةِ، وإن أرادَ بقَوْلِه: جَعَلَها للهِ. أي اقْتَرَنَتْ بفِعْلِه قَرائِنُ دالَّةٌ على إرادَةِ ذلك مع إذْنِه للناسِ في الدَّفْنِ فيها، فهو الرِّوايَةُ الأولَى بعَينها، وإن أرادَ: إذا وَقَفَها بقولِه. فيَدُلُّ بمَفْهُومِه على أنَّ الوَقْفَ لا يَحْصُلُ بمُجَرَّدِ التَّحْويطِ والنيَّةِ، وهذا لا يُنافِي الرِّوايةَ الأولَى؛ لأنَّه في الأولَى انْضَمَّ إلى فِعْلِه إذنه للناسِ في الدَّفْنِ، ولم يُوجَدْ هاهُنا، فلا تَنافِيَ بينهما، ولم يُعْلَمْ مُرادُه مِن هذه الاحْتِمالاتِ، فانْتَفَتْ هذه الرِّوايةُ، وصارَ المذْهَبُ رِوايةً واحِدَةً. واحْتَجُّوا بأنَّ هذا تَحْبِيسٌ على وَجْهِ القُرْبَةِ، فوَجب أن لا يَصِحَّ بدُونِ اللَّفْظِ، كالوَقْفِ على الفُقَراءِ. ولَنا، أنَّ العُرْفَ جارٍ بذلك، وفيه دَلالة على الوَقْفِ، فجاز أن يَثْبُتَ به، كالقَوْلِ، وجَرَى
(1) في: المغني 8/ 190.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَجْرَى مَن قَدَّمَ إلى ضَيفِه طَعامًا كان إذنا في أكْلِه، ومَن مَلأ خابِيَةَ ماءٍ على الطَّرِيقِ كان تَسْبِيلًا له، ومَن نَثَر نِتارًا كان إذنا في أخْذِه، كذلك دُخُولُ الحَمّام واسْتِعْمالُ مائِه مِن غيرِ إذنٍ مُباحٌ بدَلالةِ الحالِ. وقد ذَكَرْنا في البَيعِ أنَّه يَصِحُّ بالمُعاطاةِ، وكذلك الهِبَةُ والهَدِيَّةُ؛ لدَلالةِ الحالِ، كذلك هذا. وأمّا الوَقْفُ على المَساكِينِ، فلم تَجْرِ به عادَة بغيرِ لَفْظٍ، ولو كان شيءٌ جَرَتْ به العادَة أو دَلَّتِ الحالُ عليه، كان كمَسْألتِنا.