الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ، لَمْ يُمْلَكْ بِالْإحْيَاءِ. وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
إليها مُسْلِمٌ فأحْيا فيها مَوَاتًا لم يَمْلِكْه؛ لأنَّهم صُولِحُوا في بِلادِهم، فلا يَجُوزُ التَّعرُّضُ لشيءٍ منها، عامِرًا كان أو مَوَاتًا؛ لأنَّ المَوَاتَ تابعٌ للبَلَدِ، فإذا لم يَمْلِكْ عليهم البَلَدَ لم يَمْلِكْ مَوَاتَه. ويُفارِقُ دارَ الحَرْبِ، حيث يَمْلِكُ مَواتَها؛ لأنَّ دارَ الحَرْبِ على أصْلِ الإباحَةِ، وهذه صالحْناهم على تَرْكِها لهم. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَها مَن أحْياها؛ لعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّها مِن مُباحَاتِ دارِهم، فجاز أن يَمْلِكَها مَن وُجِد منه سبَبُ تَمَلُّكِها، كالحَشِيشِ والحَطَبِ. وقد رُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه ليس في السَّوادِ مَواتٌ. يَعْنِي سَوادَ العِراقِ. قال القاضي: هو مَحْمُولٌ على العامِرِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحمدَ قال ذلك لكونِ السَّوادِ كان مَعْمُورًا كلَّه في زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطّاب، حينَ أخَذَه المسلمون مِن الكُفّارِ، حتى بَلَغنا أنَّ رَجُلًا منهم (1) سَأل أَن يُعْطَى خَرِبَةً، فلم يَجِدُوا له خَرِبةً فقال: إنَّما (1) أرَدْتُ أن أُعْلِمَكم كيف أخَذْتُمُوها مِنّا. وإذا لم يكنْ فيها مَواتٌ حينَ مَلَكَها المسلمون، لم يَصِرْ فيها مَواتٌ بعدَه؛ لأنَّ ما دَثَر مِن أمْلاكِ المسلمين لم يَصِرْ مَواتًا، على إحْدَى الرِّوايَتَين.
2467 - مسألة: (وما قَرُب مِن العامِرِ وتَعَلَّقَ بمَصالِحِه، لا يُمْلَكُ بالإحْياءِ. فإن لم يتَعَلَّقْ بمَصالِحه، فعلى رِوَايَتَينِ)
كلُّ ما تعَلَّقَ بمَصالِح
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العامِرِ؛ مِن طُرُقِه، ومَسِيلِ مائِه، ومُطَّرَحِ قُمامَتِه، ومُلْقَى تُرابِه، وآلاتِه، لا يَجُوزُ إحْياوه، بغيرِ خِلافٍ في المَذْهَبِ. وكذلك ما تعَلَّقَ بمَصالِحِ القَرْيَةِ؛ كفِنائِها، ومَرْعَى ماشِيَتِها، ومُحْتَطبِها، وطُرُقِها، ومَسِيلِ مائِها، لا يُمْلَكُ بالإحْياءِ، لا نَعْلَمُ فيه أيضًا خِلافًا بينَ أهلِ العِلْم. وكذلك حَرِيمُ البِئْرِ والنَّهْرِ والعَينِ، وكلُّ مَمْلُوكٍ لا يَجُوزُ إحْياءُ ما تعَلَّقَ بمَصالِحِه؛ لقولِه عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيتَةً في غَيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِيَ لَهُ» (1). مَفْهُومُه أنَّ ما تَعَلَّق به حَقُّ مُسْلِمٍ لا يُمْلَكُ بالإحْياءِ. ولأنَّه تابعٌ للمَمْلُوكِ، ولو جَوَّزْنا إحياءَه، لبَطَلَ المِلْكُ في العامِرِ علي أهْلِه. وذَكَر القاضي أنَّ هذه المَرافِقَ لا يَمْلِكُها المُحْيي
(1) تقدم تخريجه في صفحة 80.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالإحْياءِ، لكنْ هو أحَقُّ بها مِن غيرِه؛ لأنَّ الإحْياءَ الذي هو سَبَبُ المِلْكِ لم يُوجَدْ فيها. وقال الشافعيُّ: يَمْلِكُ بذلك. وهو ظاهِرُ قولِ الخِرَقِيِّ في حَرِيمِ البِئرِ؛ لأنَّه مَكانٌ اسْتَحَقَّه بالإحْياءِ، فمَلَكَه، كالمُحْيِي، ولأنَّ مَعْنَى المِلْكِ مَوْجُودٌ فيه؛ لأنَّه يَدْخُلُ مع الدّارِ في البَيعِ، ويَخْتَصُّ به صاحِبُها. فأمّا ما قَرُب مِن العامِرِ ولم يتَعَلَّقْ بمَصالِحِه، فيَجُوزُ إحياؤُه، في إحْدَى الرِّوايَتَين. قال أحمدُ في رِوايَةِ أبي الصَّقْرِ، في رَجُلَين أحْيَيا قِطْعَتَين مِن مَواتٍ، وبَقِيَتْ بينَهما رُقْعَةٌ، فجاء رجلٌ ليُحْيِيَها، فليس لهما مَنْعُه. وقال في جَبّانَةٍ بينَ قَرْيَتَينِ: مَن أحْياها فهي له. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لعُمُومِ قَوْلِه عليه السلام: «مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيتَةً فَهِيَ لَهُ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ بِلال بنَ الحارِثِ العَقِيقَ (1)، وهو يَعْلَمُ أنه بينَ (2) عِمارَةِ المَدِينَةِ. ولأنَّه مَواتٌ لم تتَعَلَّقْ به مَصْلَحَةُ العامِرِ، فجاز إحْياؤُه، كالبَعِيدِ. والثانيةُ، لا يَجُوزُ إحْياؤُه. وبه قال أبو حنيفةَ، واللَّيثُ؛ لأنَّه في مَظِنَّةِ تَعَلُّقِ المَصْلَحَةِ به، فإَّنه يَحْتَمِلُ أن يَحْتاجَ إلى فَتْحِ بابٍ في حائِطِه إلى فِنائِه ويَجْعَلَه طَرِيقًا، أو يَخْرَبَ حائِطُه فيَجْعَلَ آلاتِ البِناءِ في فِنائِه، وغيرِ ذلك، فلم يَجُزْ تَفْويت ذلك عليه، بخِلافِ البَعِيدِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّما يُرْجَعُ في القَرِيبِ والبَعِيدِ إلى العُرْفِ. وقال اللَّيثُ: حَدُّه غَلْوَةٌ (3)، وهو [خُمْسُ خُمْسِ الفَرْسَخِ] (4). وقال أبو حنيفةَ: حَدُّ البَعِيدِ هو الذي إذا وَقَفَ الرجلُ في أدْناه، فصاح بأعْلَى صَوْتِه، لم يَسْمَعْ أدْنَى أهْلِ المِصْرِ إليه. ولَنا (5)، أنَّ التَّحْدِيدَ لا يُعْرَفُ إلَّا بالتَّوْقِيفِ، ولا يُعْرَفُ بالرَّأْي والتَّحَكُّمِ، ولم يَرِدْ مِن الشَّرْعِ تَحْدِيدٌ له، فوَجَبَ أن يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ، كالقَبْضِ والإِحْرازِ، فقولُ مَن حَدَّدَ بهذا تَحَكُّمٌ بغيرِ دَلِيلٍ،
(1) انظر ما تقدم في 6/ 577 وما سيأتي في صفحة 127.
(2)
في م: «من» .
(3)
تقدر بثلاثمائة إلى أربعمائة ذراع.
(4)
في المغني 8/ 150: «خمس الفرسخ» .
(5)
في م: «الثاني» .