الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابعُ، أنْ يَقِف نَاجِزًا، فَإنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ، لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أنْ يَقُولَ: هُوَ وَقفٌ بَعْدَ مَوْتِي. فَيَصِحَّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَال أبو الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ.
ــ
2567 - مسألة: (الرابُع، أن يَقِفَ ناجِزًا، فإذا عَلَّقَه على شَرْطٍ، لم يَصِحَّ، إلَّا أن يقولَ: هو وَقفٌ بعدَ مَوْتِي. فيَصِحَّ في قَوْلِ الخِرَقِيِّ. وعندَ أبِي الخَطّابِ، لا يَصِحُّ)
لا يَصِحُّ تَعْلِيقُ ابْتِداءِ الوَقْفِ على شَرْطٍ في الحَياةِ، مثلَ أن يقولَ: إذا جاء رَأسُ الشّهْرِ فدارِى وَقفٌ -أو- فَرَسِي حَبِيسن -أو- إذا وُلِد لِي وَلَدٌ -أو- إذا قَدِم غائِب. ونحوُ ذلك. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا؛ لأنه نَقْل للمِلْكِ فيما لم يُبْنَ على التَّغْلِيبِ والسِّرايَةِ، فلم يَجُزْ تَعْلِيقُه على شَرْطٍ في الحَياةِ، كالهِبَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأما إذا قال: هو وَقْف بعدَ مَوْتِي. فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِي أنَّه يَصِحُّ، ويُعْتَبَرُ مِن الثُّلُثِ، كسائرِ الوَصايا. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. وقال القاضي: لا يَصِحُّ هذا؛ لأنه تَعْلِيق للوَقْفِ على شَرْطٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو عَلَّقَه على شَرْطٍ في حَياتِه. وحَمَل كلامَ الخِرَقِي على أنَّه قال: قِفُوا بعدَ مَوْتِي. فيكونُ وَصِيَّةً بالوَقْفِ لا إيقافًا. ولَنا على صِحَّةِ الوَقْفِ المُعَلَّقِ بالمَوْتِ، ما احْتَجَّ به أحمدُ، أنَّ عُمَرَ أوْصَى، فكان في وَصيته: هذا ما أوْصَى به عبدُ اللهِ عُمَرُ أميرُ المُومِنِين إن حَدَث به حَدَث، أنَّ ثَمْغًا (1) صَدَقَةٌ، والعَبْدَ الذي فيه، والسَّهْمَ الذي بخَيبَرَ، ورَقِيقَه الذي
(1) ثمغ: أرض تلقاء المدينة كانت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيه، والمائةَ وَسْقٍ الذي أطْعَمَنِي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، تَلِيه حَفْصَةُ ما عاشَتْ، ثم يلِيه ذو الرَّأي من أهْلِه، لا يُباعُ ولا يُشْتَرَى، يُنْفِقُه حيثُ؛ يَرَى مِن السائلِ، والمَحْرُومِ، وذَوي القُرْبَى، ولا حَرَجَ على مَن وَلِيَه إن أكَلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو اشْتَرَى رَقِيقًا. روَاهُ أبو دَاوُدَ (1) بنَحْو مِن هذا. وهذا نَصّ في مَسْألَتِنا، ووَقْفُه هذا كان بأمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولأنَّه اشْتَهَر في الصَّحابَةِ ولم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا، ولأنَّ هذا تَبَرُّع مُعَلَّق بالمَوْتِ، فصَحَّ، كالهِبَةِ والصدَقَةِ المُطْلَقَةِ. أو نقولُ: صَدَقَةٌ مُعَلَّقَةٌ بالمَوْتِ، فأشْبَهتْ غيرَ الوَقْفِ. وفارَقَ هذا التَّعْلِيقَ على شَرْطٍ في الحياةِ، بدَلِيلِ الصَّدَقَةِ المُطْلَقَةِ، أو الهِبَةِ، وغيرِهما، وذلك لأنَّ هذا وَصِيَّة، والوَصِيَّةُ أوْسَعُ
(1) في: باب ما جاء في الرجل ووقف الوقف، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود 2/ 105.
فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ، إلَّا أنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّن،
ــ
مِن التَّصَرُّفِ في الحياةِ، بدَلِيلِ جَوازِها بالمَجْهُولِ والمَعْدُومِ، وللمَجْهُولِ وللحَمْلِ، وغيرِ ذلك، وبهذا يَبِينُ فَسادُ قِياسِ مَن قاسَ على هذا الشَّرْطِ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ. وسَوَّى المُتَأخِّرُون مِن أصْحابِنا بينَ تَعْلِيقِه بالمَوْتِ، وتَعْلِيقِه بشَرْطٍ في الحَياةِ. ولا يَصِحُّ؛ لِما ذَكَرْنا مِن الفَرْقِ بينَهما.
فصل: (ولا يُشْتَرَطُ القَبُولُ، إلَّا أن يكونَ على آدَمِيٍّ مُعَيَّن، ففيه
فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أحَدُهُمَا، يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. فَإن لَمْ يَقْبَلْهُ أوْ رَدَّهُ، بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أنهُ أنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيه يَعْرِفُ انْقِرَاضَهُ؛ كَرَجُل مُعَيَّن، صُرِفَ إلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إلَى أنْ يَنْقَرِضَ، ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ.
ــ
وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يُشْتَرَطُ. فإن لم يَقْبَلْ أو رَدَّه، بَطَل في حَقِّه دُونَ مَن بعدَه، وصار كما لو وَقَف على مَن لا يجوزُ ثم على مَن يجوزُ، يُصْرَفُ في الحالِ إلى مَن بعدَه) وجُمْلةُ ذلك، أنَّ الوَقْفَ إذا كان على غيرِ مُعَيَّنٍ؛ كالمَساكِينِ، أو مَن لا يُتَصَوَّرُ منه القَبُولُ كالمَساجِدِ والقَناطِرِ، لم يَفتَقِرْ إلى القَبُولِ. وإن كان على آدَمِيٍّ مُعَيَّن، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يُشْتَرَطُ. اخْتارَه القاضي؛ لأنَّه أحَدُ نوْعَي الوَقْفِ، فلم يُشْتَرَطْ له القَبُولُ، كالنَّوْعِ الآخَرِ، ولأنَّه إزالةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ البَيْعِ والهِبَةَ والمِيراثَ، فلم يُعْتَبَرْ فيه قَبُول، كالعِتْقِ. والثاني، يُشْتَرطُ؛ لأنه تبَرُّعٌ لآدَمِيٍّ مُعَيّنٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكان مِن شَرْطِه القَبُولُ، كالهِبَةِ والوَصِيَّةِ، يُحَقِّقُه أنَّ الوَصِيَّةَ إذا كانت لآدَمِيٍّ مُعَينٍ، وَقَفَتْ على قَبُولِه، وإن كانت لغيرِ مُعَيَّن، كالمساكِينِ أو لِمَسجِدٍ أو نحوه، لم تَفْتَقِرْ إلى قَبُولٍ، كذا ههُنا. والأوَّلُ أوْلَى، والفَرْقُ بينَه وبينَ الهِبَةِ والوَصِيَّةِ، أن الوَقْفَ لا يَخْتَصُّ المُعَيَّنَ، بل يتَعَلَّقُ به حَقُّ مَن يَأتِي مِن البُطُونِ في المُسْتَقْبَلِ، فيكونُ الوَقْفُ على جَمِيعِهم، إلَّا أنَّه مُرَتَّب، فصار بمَنْزِلَةِ الوَقْفِ على الفُقَراءِ الذي لا يَبطُلُ برَدِّ واحدٍ منهم ولا يَقِفُ على قَبُولِه، والوَصِيَّةُ للمُعَين بخِلافِه. وهذا مَذْهَبُ الشافعي. وإذا قُلْنا: لا يَفْتَقِرُ إلى القَبولِ. لم يبطُلْ بالرَّد، كالعِتْقِ. وإن قلْنا: يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ. فرَدَّه، بَطَل في حَقه دُونَ مَن بعدَه. وصار كالوَقْفِ المنْقَطِعِ الابتِداءِ، يُخَرَّجُ في صِحَّتِه في حَقِّ مَن سِواه وبُطْلانِه وَجْهان، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا وَقَف على مَن لا يجوزُ ثم على مَن يجوزُ، فهو وَقْفٌ مُنْقَطِعُ الابْتِداءِ، كالوَقْفِ على عَبْدِه، أو أمِّ وَلَدِه، أو مَجْهُولٍ، فإن لم يَذْكُرْ له مآلًا فالوَقْفُ باطِل. وكذلك إن جَعَل له مآلًا يجوزُ الوَقْفُ عليه؛ لأنَّه أخَلَّ بأحَدِ شَرْطَيِ الوَقْفِ، فبَطَلَ، كما لو وَقَف ما لا يجوزُ وَقْفُه. وإن جَعَل له مآلًا يجوزُ الوَقْفُ عليه، كمَن يَقِفُ على عَبْدِه ثم على المَساكِينِ، ففي صِحَّتِه وَجْهان، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وللشافعيِّ قَوْلان، كالوَجْهَين. فإذا قُلْنا: يَصِحُّ. وهو قولُ القاضي، وكان مَن لا يجوزُ الوَقْفُ عليه لا يُمْكِنُ اعْتِبارُ انْقِراضِه؛ كالمَيِّتِ، والمَجْهُولِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والكَنائِسِ، صُرِف في الحالِ إلى مَن يجوزُ الوَقْفُ عليه؛ لأنَّنا لَمّا صَحَّحْنا الوَقْفَ مع ذِكر ما لا يجوزُ الوَقْفُ عليه، فقد ألْغَيناه؛ لتَعَذُّرِ التَّصْحِيح مع اعْتِبارِه، وإن كان مَن لا يجوزُ الوَقْفُ عليه يُمْكِنُ اعْتِبارُ انْقِراضِه؛ كأمِّ وَلَدِه، وعَبْدٍ مُعَيَّن، فكذلك. ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أَنه يُصْرَفُ في الحالِ (إلى مَصْرِفِ الوَقْفِ المُنْقَطِعِ، إلى أن يَنْقَرِضَ) مَن لا يجوزُ الوَقْفُ عليه، فإذا انْقَرَضَ صُرِف إلى مَن يجوزُ. ذَكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيل؛ لأنَّ الواقِفَ إنَّما جَعَلَه وَقْفًا على مَن يجوزُ بشَرْطِ انْقِراضِ هذا، فلا يَثْبُتُ بدُونِه، ويُفارِقُ ما لا يُمْكِنُ اعْتِبارُ انْقِراضِه؛ لتَعَذُّرِ اعْتِبارِه. ولأصْحابِ الشافعيِّ وَجْهان كهذَينِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان الوَقْفُ صَحِيحَ الطرَفَين مُنْقَطِعَ الوَسَطِ، كمَن وَقَف على وَلَدِه، ثم على عَبِيدِه، ثم على المَساكِينِ، خُرِّجَ في صِحةِ الوَقْفِ وَجْهان، بِناءً (1) على ما نَذْكُرُه في الوَقْفِ المُنْقَطِعِ الانْتِهاءِ. ثم يُنْظَرُ فيما لا يجوزُ الوَقْفُ عليه، فإن لم يُمْكِنِ اعْتِبارُ انْقِراضِه ألْغَيناهُ، إذا قُلْنا بالصِّحَّةِ، وإن أمْكَنَ اعْتِبارُ انْقِراضِه، فهل يُعْتَبَرُ أو يُلْغَى؟ على وَجْهَين، كما تَقدَّمَ. فإن كان مُنْقَطِعَ الطَّرَفَين صَحِيحَ الوَسَطِ، كمَن وقَف على عَبْدِه، ثم على أوْلادِه، ثم على الكَنِيسَةِ، خُرِّجَ في صِحَّتِه أيضًا وَجْهان، ومَصْرِفُه بعدَ مَن يجوزُ الوَقْفُ عليه إلى مَصْرِفِ الوَقْفِ المُنْقَطِعِ.
(1) سقط من: م.