الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنْ وَقَفَ عَلى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، أوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ، أوْ قَال: وَقَفْتُ. وَسَكَتَ، انصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيهِ إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عَلَيهِمْ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ. وَالأخْرَى، إِلَى أقْرَبِ عَصَبَتِهِ. وهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤهُم؟ عَلَى وَجْهَينِ. وَقَال الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يَكُون وَقْفًا عَلَى الْمَساكِينِ.
ــ
2568 - مسألة: (وإن وَقَف على جِهَةٍ تَنْقَطِعُ ولم يَذْكُرْ له مآلًا، أو وَقَف على مَن يجوزُ ثم على مَن لا يجوزُ، أو قال: وَقَفْتُ. وسَكَت، انْصَرَفَ بعدَ انْقِراضِ مَن يجوزُ الوَقْفُ عليه إلى وَرَثَةِ الواقِفِ وَقْفًا عليهم، في إحْدَى الرِّوايَتَين. والأخْرَى، إلى أقْرَبِ عَصَبَتِه. وهل يَخْتَصُّ به فُقَراؤهم؟ على وَجْهَين. وقال القاضي في مَوْضِعٍ: يكونُ وَقْفًا على المَساكِينِ)
وجملةُ ذلك، أنَّ الوَقْف الذي لا اختِلافَ في صِحَّتِه عندَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القائِلِين بصِحَّةِ الوَقْفِ، ما كان مَعْلُومَ الابتِداءِ والانْتِهاءِ، غيرَ مُنْقَطِعٍ، مثلَ أن يُجْعَل على المَساكِينِ، أو طائِفةٍ لا يجوزُ بحُكْمِ العادَةِ انْقِراضُهم. وإن كان غيرَ (1) مَعْلُومِ الانْتِهاءِ، مثلَ أن يَقِف على قَوْم يجوزُ انْقِراضُهم بحُكْمِ العادَةِ، ولم يَجْعَلْ آخِرَه للمَساكِينِ ولا لجِهَةٍ غيرِ مُنْقَطِعَةٍ، فهو صحِيحٌ أيضًا. وبه قال مالِك، وأبو يُوسُفَ، والشافعيُّ في أحَدِ قَوْلَيه. وقال [أبو حنيفةَ، و](2) محمدُ بنُ الحَسَنِ: لا يَصِح. وهو القولُ الثاني للشافعيِّ؛ لأنَّ الوَقْفَ مُقْتَضاه التَّأبِيدُ، فإذا كان مُنْقَطِعًا صار وَقْفًا على مَجْهُولٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو وَقف على مَجْهُولٍ في الابتِداءِ. ولَنا، أنَّه تَصَرُّف مَعْلُومُ المَصْرِفِ، فصَحَّ، كما لو صَرَّحَ بمَصْرِفِه المُتَّصِلِ، ولأنَ الإطْلاقَ إذا كان له عُرْف، حُمِل عليه، كنَقْدِ البَلَدِ، وعُرْفُ المَصْرِفِ ههُنا أوْلَى الجِهاتِ به، فكأنه عَيَّنهَم. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يَنْصَرِفُ عندَ انْقِراضِ المَوْقُوفِ عليهم إلى أقارِبِ الواقِفِ. وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: يكونُ وَقْفًا على أقْرَبِ الناسِ إلى الواقِفِ، الذَّكَرُ والأنثَى فيه سواء.
(1) سقط من: م.
(2)
زيدة من: الأصل. وهو قولهما. انظر فتح القدير 6/ 213.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعنِ أحمدَ، أنَّه يُصْرَفُ إلى المَساكِينِ. اخْتارَه القاضِي، والشَّرِيف أبو جَعْفر؛ لأنَّهم مَصْرِفُ الصَّدَقاتِ وحُقُوقِ اللهِ تعالى مِن الكَفّاراتِ ونحوها، فإذا وُجِدَتْ صَدَقة غيرُ مُعَيَنةِ المَصْرِفِ، انْصَرَفَتْ إليهم، كما لو نَذَر صَدَقَةً مُطْلقَةً. وعن أحمدَ رِواية ثالثة، أنَّه يُجْعَلُ في بَيتِ مالِ المُسْلِمِين؛ لأنَّه مال لا مُسْتَحِقَّ له، فأشبَه مال مَن لا وارِثَ له. وقال أبو يُوسُفَ: يَرْجِعُ إلى الواقِفِ وإلى وَرَثَتِه، إلَّا أن يقولَ: صَدَقَة مَوْقُوفَةٌ يُنْفَقُ منها على فلانٍ وفُلانٍ. فإذا انْقَرَضَ المُسَمَّى، كانت على الفُقَراءِ والمَساكِينِ؛ لأنَّه جَعَلَها صَدَقَةً على مُسَمى، فلا تكونُ على غيرِه، ويُفارِقُ ما إذا قال (1): يُنْفَقُ منها على فُلانٍ وفُلانٍ. فإنه جَعَل الصَّدَقَةَ مُطْلَقَةً. ولَنا، أنَّه أزَال مِلْكَه للهِ تعالى، فلم يَجُزْ أن يَرْجِعَ إليه،
(1) في م: «كان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما لو أعْتَقَ عَبْدًا، والدَّلِيلُ على صَرْفِه إلى أقارِبِ الواقِفِ، أنَّهم أوْلَى الناسِ بصَدَقَتِه، لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَتُكَ عَلَى غَيرِ ذِي رَحِمِكَ صَدَقَةٌ، وصَدَقَتُكَ على ذِي رَحِمِكَ صَدَقَة وصِلَة» (1). وقال: «إنَّكَ أنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ» (2). ولأنَّهم أوْلَى الناسِ بصَدَقاتِه النَّوافِلِ والمَفْرُوضاتِ، فكذلك صَدَقَتُه المَنْقُولَةُ. إذا ثَبَت هذا، فإَّنه يكونُ للفُقَراءِ منهم والأغْنِياءِ في إحْدى الرِّوايَتَين عن أحمدَ، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقيِّ، لأنَّ الوَقْفَ لا يَخْتَصُّ الفُقَراءَ، ولأنَّه لو وَقَف
(1) تقدم تخريجه في 7/ 280.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 343. في حديث: «والثلث كثير».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أولادِه، تَناوَلَ الأغْنِياءَ والفُقَراءَ، كذا ههُنا. وفيه وَجْه آخَرُ، أنَّه يَخْتَصُّ الفُقَراءَ منهم؛ لأنَّهم أهْلُ الصَّدَقاتِ دُونَ الأغْنِياءِ، ولأنَّنا خَصَصْنا الأقارِبَ بالوَقْفِ، لكَوْنِهم أوْلَى الناسِ بالصَّدَقَةِ، وأوْلَى الناسِ بالصَّدَقَةِ الفُقَراءُ دُونَ الأغْنِياء. واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ في مَن يَسْتَحِقُّ الوَقْفَ مِن أقْرباء الواقِفِ، ففي إحْدى الرِّوايَتَين، يَختَصّ بالوَرَثةِ منهم؛ لأنهم الذين صَرَف اللهُ إليهم ماله بعدَ مَوْتِه واسْتِغْنائِه عنه، فكذلك يُصْرَفُ إليهم مِن مالِه ما لم يَذْكُرْ له مَصْرِفًا. فعلى هذا، يكونُ بينَهم على حَسَبِ مِيراثِهم، ويكونُ وَقْفًا عليهم. نَصَّ عليه أحمدُ، وذكَرَه القاضي؛ لأنَّ الوَقْفَ يَقتَضِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التّأكيدَ، وإنَّما صَرَفْناه إلى هؤلاءِ؛ لأنَّهم أحَقُّ الناسِ بصَدَقَتِه، فيُصْرَفُ إليهم مع بَقائِه صَدَقَةً. ويَحْتَمِلُ أن يُصْرَفَ إليهم على سَبِيلِ الإرْثِ، على ما ذَكَرَه الخِرَقِي، ويَبْطُلُ الوَقفُ فيه، كقَوْلِ أبي يُوسُفَ. والرِّوايَةُ الثانيةُ، يكونُ وَقْفًا على أقْرَبِ عَصَبَةِ الواقفِ دُونَ بَقِيَّةِ الوَرَثَةِ (1)، ودُونَ البَعِيدِ مِن العَصَباتِ، فيُقَدَّمُ الأقْرَبُ فالأقْرَبُ، على حَسَبِ اسْتِحْقاقِهِم لوَلاءِ (2) المَوالِي، لأنَّهم خُصُّوا بالعَقْلِ عنه، وبمِيراثِ مَوالِيه، فخُصُّوا بهذا أيضًا. قال شيخُنا (3): وهذا لا يَقْوَى عندِي، فإنَّ اسْتِحْقاقَهم لهذا دُونَ غيرِهم مِن الناسِ لا يكونُ إلَّا بدَلِيل، مِن نَصٍّ أو إجْماعٍ، ولا نَعْلَمُ فيه نَصًّا ولا إجْماعًا، ولا يَصِحُّ قِياسُه على مِيراثِ وَلاءِ المَوالِي؛ لأنَّ عِلَّتَه لا تَتَحَقَّقُ ههُنا، وأقْرَبُ الأقْوالِ فيه صَرْفه
(1) في م: «الوراث» .
(2)
في الأصل، ر 1:«كولاء» .
(3)
في: المغني 8/ 212.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى المَساكِينِ، لأنَّهم مَصارِفُ مالِ اللهِ وحُقُوقِه، فإن كان في أقارِبِ الواقِفِ مَساكِينُ، كانوا أوْلَى به، لا على سَبِيلِ الوُجُوبِ، كما أنَّهم أوْلَى بزَكاتِه وصِلاته مع جَوازِ الصَّرْفِ إلى غيرِهم، ولأنّا إذا صَرَفْناه إلى أقارِبِه على سَبِيلِ التَّعْيِينِ، فهي أيضًا جِهَة مُنْقَطِعَة، فلا يَتَحَقَّقُ اتِّصالُه إلَّا بصَرْفِه إلى المَساكِينِ. فإن لم يَكُنْ للواقِفِ أقارِبُ، أو كان له أقارِبُ فانْقَرَضُوا، صُرِف إلى الفُقَراءِ والمَساكِينِ (1) وَقْفًا عليهم؛ لأنَّ القَصْدَ به الثَّوابُ الجارِي عليه على وَجْهِ الدَّوامِ، وإنَّما قَدَّمْنا الأقارِبَ على المَساكِينِ؛ لكَوْنِهم أوْلَى، فإذا لم يَكونُوا، فالمَساكِينُ أهْل لذلك، فصُرِفَ إليهم، إلَّا على قَوْلِ مَن قال: إنَّه يُصْرَفُ إلى وَرَثَةِ الواقِفِ مِلْكًا لهم. فإنَّه يُصْرَفُ عندَ عَدَمِهم إلى بَيتِ المالِ؛ لأنَّه بَطَل الوَقْفُ فيه بانْقِطاعِه، فصار مِيراثًا لا وارِثَ له، فكان بَيتُ المالِ أوْلَى به.
(1) في م: «أو المساكين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن وَقَف على مَن يجوزُ، ثم على مَن لا يجوزُ، كمَن وَقَف على أوْلادِه، ثم على البِيَعِ، صَحَّ الوَقْفُ أيضًا، ويَرْجِعُ بعدَ انْقِراضِ مَن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يجوزُ الوَقف عليه إلى مَن يُصْرَفُ إليه الوَقْفُ المُنْقَطِعُ، كالمسألَةِ قبلَها؛ لأنَّ ذَكر مَن لا يجوزُ الوَقْفُ عليه وعَدَمَه واحِدٌ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ الوَقْفُ؛ لأَنه جَمَع بينَ ما يجوزُ وما لا يجوزُ، فأشبَهَ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ.
فصل: فإن قال: وَقَفْتُ هذا. وسَكَتَ، أو قال: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ. ولم يَذْكُرْ سَبِيلَه، فلا نَصَّ فيه. وقال ابنُ حامِدٍ: يَصِحُّ الوَقْف. قال