الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإنْ كَانَ فِيِهَا آثارُ الْمِلْكِ وَلَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
2463 - مسألة: (فإن كان فيها آثارُ المِلْكِ ولا يُعْلَمُ لها مالِكٌ، ففيه رِوايَتانِ)
وجملةُ ذلك، أن المَواتَ قِسْمان؛ أحَدُهما، ما لم يَجْرِ عليه مِلْكٌ لأحَدٍ ولم يُوجَدْ فيه أثَرُ عِمارَةٍ، فهذا يُمْلَكُ بالإحْياءِ، بغيرِ خِلافٍ بينَ القائِلِين بالإحْياءِ؛ لأنَّ الأخْبارَ المَرْويَّةَ مُتَناولَةٌ له. القِسْمُ الثانِي، ما جَرَى عليه مِلْكٌ، وهو ثَلاثةُ أنْواعٍ؛ أحَدُها، ما له مالِكٌ مُعَيَّنٌ، وهو ضَرْبان؛ أحَدُهما، ما مُلِك بشِراءٍ أو عَطيَّةٍ، فهذا لا يُمْلَكُ بالإحْياءِ، بغيرِ خِلافٍ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ العُلَماءُ أنَّ ما عُرِف بمِلْكِ مالِكٍ غيرِ مُنْقَطِعٍ، أنَّه لا يَجُوزُ إحياؤُه لأحَدٍ غيرِ أرْبابِه. الثانِي، ما مُلِك بالإحْياءِ ثم تُرِك حتى دَثَر وعاد مَواتًا، فهو كالذي قبلَه سَواءً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال مالِكٌ: تُمْلَكُ؛ لعُمُومِ قَوْلِه: «مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيتَةً فَهِيَ لَهُ» . ولأنَّ أصْلَ هذه الأرْضِ مُباحٌ، فإذا تُرِكَتْ حتى تَصِيرَ مَواتًا، عادَتْ إلى الإباحَةِ، كمَن أخَذَ ماءً مِن نَهْرٍ ثم رَدَّه فيه. ولَنا، أنَّ هذه أرْضٌ يُعْرَفُ مالِكُها، فلم تُمْلَكْ بالإحْياءِ، كالتي مُلِكَتْ بشِراءٍ أو عَطيَّةٍ، والخَبَرُ مُقَيَّدٌ بغيرِ المَمْلُوكِ، بقَوْله في الرِّوايَةِ الأخْرَى:«مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيتَةً لَيسَتْ لأحَدٍ» . وقَوْلِه: «مِنْ غيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ» (1). وهذا يُوجِبُ تَقْيِيدَ مُطْلَقِ حَدِيثِه. وقال هِشامُ بنُ عُرْوَةَ، في تَفْسِيرِ قَوْلِه عليه السلام:«لَيسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» : والعِرْقُ الظّالِمُ أن يَأْتِيَ الرجلُ الأرْضَ المَيتَةَ لغيرِه، فيَغْرِسَ فيها. رَواه سعيدُ بنُ مَنْصُورٍ في «سُنَنِه» . ثم الحديث مَخْصُوصٌ بما مُلِك بشِراءٍ أو عَطيَّةٍ، فنَقِيسُ عليه مَحَلَّ النِّزاعِ. ولأنَّ سائِرَ الأمْوالِ لا يَزُولُ المِلْكُ عنها بالتَّرْكِ، بدَلِيلِ سائِرِ الأمْلاكِ إذا تُرِكَتْ حتى
(1) انظر تخريج البخاري السابق في صفحة 76.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَشَعَّثَتْ. وما ذَكَرُوه يَبطُلُ بالمَواتِ إذا أحْياه إنْسانٌ ثم باعَه، فتَرَكَه المُشْتَرِي حتى عاد مَواتًا، وباللُّقَطَةِ إذا مَلَكَها ثم ضاعَتْ منه، ويُخالِفُ ماءَ النَّهْرِ، فإنَّه اسْتُهْلِكَ. النَّوْعُ الثانِي، ما يُوجَدُ فيه آثارُ مِلْكٍ قَدِيمٍ جاهِلِيٍّ، كآثارِ الرُّومِ ومَساكِنِ ثَمُودَ ونحوهم، فهذا يُمْلَكُ بالإِحْياءِ، في أظْهَرِ الرِّوايَتَين؛ لِما ذَكَرْنا مِن الأحاديثِ، ولأنَّ ذلك المِلْكَ لا حُرْمَةَ له؛ لِما روَى طاوُسٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«عَادِيُّ الأرْضِ للهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ بَعْدُ» . رَواه سعيدٌ في «سُنَنِه» ، وأبو عُبَيدٍ في «الأمْوالِ» (1). وقال: عادِيُّ الأرْضِ؛ التي كان بها ساكِنٌ في آبادِ الدَّهْرِ، فانْقَرَضُوا، فلم يَبْقَ منهم أنِيسٌ، وإنَّما نَسَبَها إلى عادٍ؛ لأنَّهم كانُوا مع تَقَدُّمِهِم ذوي قُوَّةٍ وبَطْشٍ وآثارٍ كَثِيرةٍ، فنُسِبَ كلُّ أثَرٍ قَدِيمٍ إليهم. والرِّوايَةُ الثانيةُ، لا تُمْلَكُ؛ لأنها إمّا لمُسْلم أو ذِمِّيٍّ أو بَيتِ المالِ، أشْبَهَ
(1) أخرجه أبو عبيد، في: باب الإقطاع، من كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها. . .، الأموال 272. كما أخرجه البيهقي، في: باب لا يترك ذمي يحييه. . .، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى 6/ 143
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما لو تَعَيَّنَ مالِكُه. قال شيخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أنَّ كلَّ ما فيه أثَرُ المِلْكِ، ولم يُعْلَمْ زَوالُه قبلَ الإسْلامِ أنَّه لا يُمْلَكُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّ المسلمين أخَذُوه عامِرًا فاسْتَحَقُّوهْ، فصار مَوْقُوفًا بوقْفِ عُمَرَ له، فلم يُمْلَكْ، كما لو عُلِم مالِكُه. النَّوْعُ الثالثُ، ما جَرَى عليه المِلكُ في الإسْلامِ لمُسلِمٍ أو ذِمِّيٍّ غيرِ مُعَيَّنٍ، فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه لا يُمْلَكُ بالإحْياءِ. وهو إحْدَى الرِّوايَتَين عن أحمدَ، نَقَلَها عنه أبو داودَ، وأبو الحارثِ؛ لِما روَى كَثِيرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ أحْيَا أرْضًا مَوَاتًا في غَيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» (2).
(1) في: المغني 8/ 147.
(2)
انظر ما تقدم في صفحة 76.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد. . .، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى 6/ 142.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقَيَّدَه بكَوْنِه في غيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ. ولأن هذه الأرْضَ لها مالِكٌ، فلم يَجُزْ إحْياؤُها، كما لو كان مُعَيَّنًا، فإنَّ مالِكَها إن كان له وَرَثةٌ، فهي لهم، وإن لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ، وَرِثَه المسلمون. والثانيةُ، أنَّها تُمْلَكُ بالإحْياءِ. نَقَلَها صالِحٌ وغيرُه. وهي مَذْهَبُ أبي حنيفةَ، ومالِكٍ؛ لعُمُومِ الأخْبارِ، ولأنَّها أرْضٌ مَواتٌ لا حَقَّ فيها لقَوْمٍ بأعْيانِهم، أشْبَهَتْ ما لم يَجْرِ عليه مِلْكُ مالِكٍ، ولأنَّها إن كانت في دارِ الإسْلامِ، فهي كلُقَطَةِ دارِ الإسْلامِ، وإن كانت في دارِ الكُفْرِ، فهي كالرِّكازِ.