الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إلا أن يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا، مُجَرَّبًا فِي الإصَابَةِ.
ــ
2552 - مسألة: (ولا يُقْبَلُ قولُ القائف إلا أن يكونَ ذَكَرًا عَدْلًا، مُجَرَّبًا في الإِصَابَةِ)
وفي اعْتِبارِ حُرِّيَّته وَجْهان مِن «المُحَرَّرِ» (1). القافَةُ قَوْمٌ يَعْرِفُون الأنْسابَ بالشَّبَهِ، ولا يَخْتَصُّ ذلك بقَبيلةٍ. وقد قِيلَ: أكثرُ ما يكونُ ذلك في بَنِي مُدْلِجٍ رَهْطِ مُجَزِّزٍ المُدْلِجِيِّ. وكان إياسُ بنُ مُعاويَةَ
(1) بعده في م: «قوله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُزَنِيُّ قائِفًا. ولا يُقْبَلُ قولُ القائِفِ إلَّا أن يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا، مُجَرَّبًا في الإِصابَةِ؛ لأنَّ قَوْلَه حُكْمٌ، فاعْتُبِرَتْ له هذه الشُّرُوطُ. قال القاضي، في مَعْرِفةِ القائِفِ بالتَّجْرِبةِ: هو أن يُتْرَكَ الصَّبِيُّ مع عَشَرَةِ رِجالٍ غيرِ مَن يَدَّعِيه، ويُرَى إيّاهُم، فإن ألْحَقَه بواحدٍ منهم، سَقَطَ قَوْلُه؛ لِتَبَيُّنِ خَطَئِه. وإن لم يُلْحِقْه بواحدٍ منهم أرَيناهُ إيّاه مع عِشْرِينَ منهم مُدَّعِيه، فإن ألْحَقَه به لَحِق. ولو اعْتُبِرَ بأن يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ مع قَوْم فيهم أبوه أو أخُوه، فإذا ألْحَقَه بقَرِيبِه، عُرِفَتْ إصابَتُه، وإن ألْحَقَه بغيرِه سَقَطَ قَوْلُه ، جازَ. وهذه التَّجْرِبَةُ عندَ عَرْضِه على القائِفِ للاحْتِياطِ في مَعْرِفَةِ إصَابَتِه، ولو لم نجَرِّبْه بعدَ أن يكونَ مَشْهُورًا بالإِصابَةِ وصِحَّةِ المَعْرِفَةِ في مَرّاتٍ كثيرةٍ، جازَ، فقد رُوِيَ أنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ في وَلَدِه مِن جارِيته، وأبى أن يَسْتَلْحِقَه، فمَر به إياسُ بنُ مُعاويَةَ في المَكْتَبِ، ولا يَعْرِفُه، فقال له: ادْعُ لي أباكَ. فقال له المُعَلِّمُ: ومَن أبو هذا؟ قال: فلانٌ. قال: مِن أين عَلِمْتَ أنَّه أبوه؟ قال: هو أشْبَهُ به مِن الغُرَابِ بالغُرَابِ. فقامَ المُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلى أبِيه فأعْلَمَه بقَوْلِ إياسٍ، فخَرَجَ الرَّجُلُ وسأل إياسًا: مِن أينَ عَلِمْتَ أنَّ هذا وَلَدِي؟ فقال: سُبْحانَ اللهِ، وهل يَخْفَى ذلك على أحَدٍ، إنَّه لأشْبَهُ بك مِن الغُرَابِ بالغُرَابِ. فَسُرَّ الرجُلُ واسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: نُقِلَ عن أحمدَ، أنَّه لا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ اثْنَين مِن القافَةِ، ولَفْظُ الشَّهادَةِ منهما، فرَوَى عنه الأثْرَمُ أنَّه قِيلَ له: إذا قال أحَدُ القافَةِ: هو لهذا. وقال الآخَرُ: هو لهذا. قال: لا يُقبَلُ قَوْلُ واحدٍ حتى يَجْتَمِعَ اثْنانِ فيَكُونانِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شاهِدَين. فإذا شَهِدَ اثْنان مِن القافَةِ أنَّه لهذا، فهو لهذا؛ لأنَّه قَوْلٌ يَثْبُتُ به النَّسَبُ، أشبَهَ الشهادَةَ. ولأنَّه حُكْمٌ بالشَّبَهِ في الخِلْقَةِ، فاعتُبِرَ فيه اثْنانِ، كالحُكْمِ بالمثلِ في جَزَاءِ الصَّيدِ. وقال القاضِي: يُقْبَلُ قولُ الواحِدِ؛ لأنَّه حُكْم، ويَكْفِي في الحُكْمِ قَوْلُ واحدٍ. وحَمَل كَلامَ أحمدَ على ما إذا تَعارَضَ قَوْلُ القائفين، فقال: إذا خالفَ القائِفُ غيرَه تَعارضا وسَقَطا. ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اكْتَفَى بقَوْلِ مُجَزِّزٍ وحدَه. فإن قال اثْنانِ قَوْلًا وخَالفَهُما واحدٌ، فقَوْلُهما أوْلَى؛ لأنَّه أقْوَى مِن قَوْلِ واحدٍ، وإن عارَضَ قَوْلُ اثْنَين قَوْلَ اثْنَينِ، سَقَطَ قولُ الجَمِيعِ. فإن عارَضَ قولُ اثْنَين قولَ ثَلاثةٍ أو أكثَرَ، لم يُرَجَّحْ وسَقَط الجميعُ، كما لو كانت إحْدَى البَيِّنتَين اثْنَين، والأُخْرَى ثلاثةً، فأمّا إن ألْحَقَتْه القافةُ بواحِدٍ، فجاءَتْ قافَةٌ أُخْرَى فألْحَقَتْه بآخَرَ، كان للأوَّلِ؛ لأنَّ قَوْلَ القائِفِ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الحاكِمِ، إذا حَكَم حُكْمًا لم يَنْتَقِضْ بمُخَالفةِ غيرِه (1) له، وكذلك (2) لو ألْحَقَتْه بواحدٍ ثم عادَتْ فألْحَقَتْه بغيرِه كذلك. وإن أقَامَ الآخَرُ بَيِّنةً أنَّه وَلَدُه، حُكِمَ له به وسَقَط قولُ القائِفِ؛ لأنَّه بَدَلٌ، فسَقَطَ بوُجُودِ الأصْلِ، كالتَّيَمُّمِ مع الماءِ.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «لذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا ألْحَقَتْه القافَةُ بكافِرٍ أو رَقِيقٍ، لم يُحْكَمْ بكُفْرِه ولا رِقِّه؛ لأنَّ الحُرِّيَّةَ والإسْلامَ ثَبَتا له بظاهِرِ الدّارِ، فلا يَزُولُ ذلك بمُجَرَّدِ الشبَهِ والظَّنِّ، كما لم يَزُلْ ذلك بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِن المُنْفَرِدِ. وإنَّما قَبِلْنا قولَ القافةِ في النَّسَب للحاجَةِ إلى إثْباتِه، ولكَوْنِه غيرَ مُخالِفٍ للظّاهِرِ، ولهذا اكْتَفَينا فيه بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِن المُنْفَرِدِ، ولا حاجَةَ إلى إثْباتِ رِقِّه وكُفْرِه، وإثْباتُهُما يُخالِفُ الظّاهِرَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: لو ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيطِ إنْسان، فأُلحِقَ نَسَبُه به؛ لانْفِرادِه بالدَّعْوَى، ثم جاء آخَرُ فادَّعاهُ، لم يَزُلْ نَسَبُه عن الأوَّلِ؛ لأنَّه حُكِمَ له به، فلا يَزُولُ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. فإن ألْحَقَتْه به القافَةُ، لَحِقَ به وانْقَطَعَ عن الأوَّلِ، لأنَّها بَيِّنةٌ في إلْحاقِ النَّسَبِ، فيَزُولُ بها الحُكْمُ الثابِتُ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، كالشَّهَادَةِ.