الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَتَى أخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، أوْ فَرَّطَ فِيهَا، ضَمِنَهَا.
ــ
الحَرامِ، وتَضْيِيعِ الواجِبِ مِن تَعْرِيفِها وأداءِ الأمَانةِ فيها، فكان تَركُه أوْلَى وأسْلَمَ، كولايةِ مالِ اليَتيمِ، وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بالضَّوالِّ، فإنه لا يجوزُ أخْذُها مع ما ذَكَرُوه، وكذلك ولايةُ مالِ الأيتامَ.
2504 - مسألة: (ومتى أخَذَها ثم رَدَّها إلى مَوضِعِها، [أو فَرَّطَ فيها، ضَمِنَها)
إذا أخَذَ اللُّقَطَةَ، ثم رَدَّها إلى مَوْضِعِها] (1)، ضَمِنَها. رُوِيَ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك عن طَاوُس، وبه قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ: لا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه رُوِيَ عن عُمَرَ، أنَّه قال لرجل وَجَد بَعِيرًا: أرْسِلْه حيث وَجَدْتَه. رَواه الأثْرَمُ (1). ولِما رُوِيَ عن جَرِيرِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّه رَأى في بَقَرِه بَقَرة قد لَحِقَتْ بها، فأمَرَ بها فَطُرِدَتْ حتى تَوارَتْ (2). ولَنا، أنَّها أمانَة حَصَلَتْ في يَدِه، لَزِمَه حِفْظُها، وتَرْكُها تَضْيِيعُها. فأمّا حَدِيثُ عُمَرَ، فهو في الضّالَّةِ التي لا يَحِلُّ أخْذُها. فإذا أخَذَه احْتَمَلَ أنَّ له رَدَّه إلى مكانِه، ولا ضَمانَ عليه؛ لهذه الآثارِ، ولأنَّه كان واجِبًا عليه تَرْكُه في مكانِه ابْتِداءً، فكان له ذلك بعد أخْذِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَبْرَأ مِن ضَمانِه برَدِّه؛ لأنَّه دَخَل في ضَمانِه، فلم يَبْرَأ برَدِّه إلى مكِانِه، كالمَسْرُوقِ، وما يَجُوزُ الْتِقاطُه. فعلى هذا، لا يَبْرأ إلَّا برَدِّه إلى الإِمامِ أو نائِبِه. وأمّا عُمَرُ فهو كان الإِمامَ، فإذا أمَر برَدِّه. فهو كأخْذِه منه. وحَدِيثُ جَرِير لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّه لم يَأخُذِ البَقَرَةَ، ولا أخَذَها غُلامُه، إنَّما لَحِقَتْ بالبَقَرِ مِن غيرِ فِعْلِه ولا اخْتِيارِه. كذلك (3) يَلْزَمُه ضَمانُها إذا فَرَّط فيها؛ لأنَّها أمانَة، فهي كالوَدِيعةِ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 197.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 197.
(3)
في م: «ولذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن ضاعَتِ اللّقَطَةُ مِن مُلْتَقِطِها في حَوْلِ التَّعْرِيفِ بغيرِ تَفْرِيطٍ، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّها أمانة في يَدِه، فهي كالوَدِيعةِ. فإن الْتَقَطَها آخَرُ، فعَلِمَ أنَّها ضاعتْ مِن الأوَّلِ فعليه رَدُّها إليه؛ لأنَّه قد ثَبَت له حَقُّ التَّمَوُّلِ وَولايةُ التَّعْرِيفِ والحِفْظِ، فلا يَزُولُ بالضياعِ. فإن لم يَعْلَمِ الثّاني بالحالِ حتى عَرَّفَها حَوْلًا، مَلَكَها؛ لأنَّ سَبَبَ المِلكِ وُجِدَ منه مِن غيرِ عُدْوانٍ، فَثَبَتَ المِلْكُ به، كالأوَّلِ، ولا يَمْلِكُ الأوَّلُ انْتِزاعَها منه؛ لأنَّ المِلْكَ مُقَدَّمٌ على حَقِّ التَّملُّكِ. فإذا جاء صاحبُها أخَذَها مِن الثاني، وليس له مُطَالبةُ الأوَّلِ؛ لأنَّه لم يُفَرِّطْ. وإن عَلِمَ الثاني بالأوَّلِ، فرَدَّها إليه، فأبَى أخْذَها، وقالْ: عَرِّفْها أنت. فعرَّفَها، مَلَكَها أيضًا؛ لأنَّ الأوَّلَ تَرَك حَقَّه، فسَقَطَ. وإن قال: عَرِّفْها، ويكونُ مِلْكُها لي. ففَعَلَ، فهو نائِبُه في التَّعْرِيفِ، ويَمْلِكُها الأولُ؛ لأنَّه وَكَّلَه في التَّعْرِيفِ، فصَحَّ، كما لو كانتْ في يَدِ الأوَّلِ. وإن قال: عَرِّفْها، وتكونُ بَينَنا. ففَعَلَ، صَحَّ أيضًا، وكانتْ بينهما؛ لأنَّه أسْقَطَ حَقَّه مِن نِصْفِها، ووَكَّلَه في الباقِي. وإن قَصَد الثّاني بالتَّعْرِيفِ تَمَلُّكَها لنَفْسِه دُونَ الأوَّل، احْتَمَلَ وَجْهَين؛ أحدُهما، يَمْلِكُها الثّاني، لأنَّ سَبَبَ المِلْكِ وُجِدَ منه، فمَلَكَها، كما لو أذِنَ له الأوَّلُ في تَعْرِيفِها لنَفْسِه. والثّانِي، لا يَمْلِكُها؛ لأنَّ ولايةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّعْرِيفِ للأوَّلِ، أشْبَهَ ما لو غَصَبَها مِن المُلْتَقِطِ غاصِبٌ فعَرفَها. وكذلك الحُكْمُ إذا عَلِمَ الثّانِي بالأوَّلِ فعَرَّفها، ولم يُعْلِمْه بها. ويُشْبِهُ هذا مَن تحَجَّرَ مَواتًا إذا سَبَقَه غيرُه (1) إلى ما حَجَّرَه، فأحْياهُ بغيرِ إذْنِه. فأمّا إن غَصَبَها غاصِبٌ مِن المُلْتَقِطِ فعَرَّفَها، لم يَمْلِكْها، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه تَعَدَّى بأخْذِها ولم يُوجَدْ منه سَبَبُ تَملّكِها، فإنَّ الالْتِقاطَ مِن جُمْلَةِ السَّبَبِ، ولم يُوجَدْ منه. ويُفارِقُ هذا إذا الْتَقَطَها ثانٍ، فإنَّه وُجِدَ منه سببُ (2) الالتِقاطِ والتَّعْرِيفِ.
فصل: ومَن اصْطادَ سَمَكةً مِن البَحْرِ، فوَجَدَ فيها دُرَّةً أو عَنْبَرَةً، أو شيئًا مِمّا يكونُ في البَحْرِ، فهو للصَّيّادِ؛ لأنَّ ذلك يكون في البَحْرِ. قال اللهُ تعالى:{وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} (3). ولأنَّ الأصْلَ عَدَمُ مِلْكِها لغَيرِه. فإن باعَها الصَّيّادُ ولم يَعْلَمْ، فوَجَدَها المُشْتَرِي في بَطْنِها، فهي للصَّيادِ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه إذا لم يَعْلَمْ به، فما باعهُ ولا رَضِيَ بزَوالِ مِلْكِه عنه، فأشْبَهَ مَن باع دارًا له مال مَدْفُونٌ فيها. فإن وَجَدَ دَراهِمَ أو دَنانِيرَ، فهي لُقَطَةٌ، لأنَّ ذلك لا يُخْلَقُ في البَحْرِ، ولا يكونُ إلَّا للآدَمِيِّ، فكان لُقَطَةً، كما لو وَجَدَه في البَرِّ (4). وكذلك الحُكْمُ في الدُّرَّةِ والعَنْبَرَةِ إذا كان فيها أثَرٌ لآدَمِيٍّ، كالمَثْقُوبَةِ، والمُتَّصِلَةِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة فاطر 12.
(4)
في النسخ: «البحر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو غيرِهما. أو كانتِ العَنْبَرَةُ تُفّاحَةً ونحوَ ذلك، مِمَّا لا يُخْلَقُ عليه في البَحْرِ تكونُ لُقَطَةً، لأنَّها لم تَقَعْ في البَحْرِ، حتى تَثْبُتَ اليَدُ عليها، فهي كالدِّينارِ، فمتى وَجَدَها الصَّيّادُ فعليه تَعْرِيفُها، لأنَّه مُلْتَقِطُها، وإن وَجَدَها المُشْتَرِي، فالتَّعْرِيف عليه؛ لأنَّه واجِدُها، ولا حاجَةَ إلى البِدايَةِ بالبائِعِ، فإنَّه لا يَحْتَمِلُ أن تكونَ السَّمَكَةُ ابْتَلَعَتْ ذلك بعدَ اصْطِيادِها ومِلْكِ الصَّيّادِ لها، فاسْتَوَى هو وغيرُه. فأمّا إن اشْتَرَى شاةً ووَجَدَ في بَطْنِها دُرَّةً أو عَنْبَرَةً أو دَنانِيرَ أو دَراهِمَ، فهي لُقَطَةٌ يُعَرِّفُها، ويَبْدَا بالبائِعِ، لأنَّه يَحْتَمِلُ أن تكونَ ابْتَلَعَتْها مِن مِلْكِه، فيَبْدَا به، كقَوْلِنا في مَن اشْتَرَى في دارًا فوَجدَ فيها مالًا مَدْفُونًا. وإن اصْطادَ السَّمَكَةَ مِن غيرِ البَحْرِ، كالنَّهْرِ والعَينِ، فحُكْمُها حُكْمُ الشّاةِ، في أنَّ ما وُجِدَ في بَطْنِها مِن ذلك فهو لُقَطَةٌ، لأنَّ ذلك لا يكونُ إلَّا في البَحْرِ عادَةً. ويَحْتَمِلُ أنَّ النَّهْرَ إذا كان مُتَّصِلًا بالبَحْرِ، فهو كما لو صادَها منه؛ لأنَّها قد تَبتَلِعُ ذلك في البَحْرِ، ثم تَخْرُجُ إلى النَّهْرِ، وإن لم يَكُنْ مُتَّصِلا به، فهو لُقَطَةٌ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ للصَّيّادِ، لقولِ اللهِ تعالى:{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} .
فصل: وإن وَجَدَ عَنْبَرَةً على السّاحِلِ، فهي له، لأنَّه يُمْكنُ أنَّ البَحْرَ ألْقاها، والأصْلُ عَدَمُ المِلْكِ فيها، فكانت مُباحَةً لآخِذِها، كالصَّيدِ. وقد روَى سَعِيدٌ، عن إسماعيلَ بنِ عَيّاش، عن مُعاويَةَ بنِ عَمْرِو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَبْدَرِيِّ (1)، قال: ألْقَى بَحْرُ عَدَنَ عَنْبَرَةً مِثلَ البَعِيرِ، فأخَذَها ناسٌ بعَدَنَ، فكَتَبَ إلى عُمَرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ، فكَتَبَ إلينا، أن خُذُوا منها الخُمْسَ، وادْفَعُوا إليهم سائِرَها، وإن باعوكُمُوها فاشْتَرُوها. فأرَدْنا أن نَزِنَها، فلم نَجِدْ مِيزانًا يُخْرِجُها، فقَطَعْناها ثِنْتَينِ ووَزَنّاها، فوَجَدْناها (2) سِتَّمائةَ رَطْل، فأخَذْنا خُمْسَها، ودَفَعْنا سائِرَها إليهم، ثم اشْتَرَيناها بخَمْسَةِ الآفِ دِينارٍ، وبَعَثْنا بها إلى عُمَرَ، فلم يَلْبَثْ إلَّا قَلِيلًا حتى باعَها بثَلاثةٍ وثَلاثِين ألْفَ دِينارٍ.
فصل: وإن صاد غَزالًا فوَجَدَه مَخْضُوبًا، أو في عُنُقِه خَرَزٌ، أو في أذُنِه قُرْط، ونحوَ ذلك ممّا يَدُلُّ على ثُبُوتِ اليَدِ عليه، فهو لُقَطَة؛ لأنَّ ذلك يَدُلُّ على أنَّه كان مَمْلُوكًا. قال أحمدُ، في مَن ألْقَى شَبَكَةً في البَحْرِ فوَقَعَتْ فيها سَمَكَةٌ، فجَذَبَتِ الشَّبَكَةَ، فمَرَّت بها في البَحْرِ، فصادَها رَجُلٌ: فإنَّ السَّمَكَةَ له، والشَّبَبهَةُ يُعَرِّفُها ويَدْفَعُها إلى صاحِبِها. فجَعَلَ الشَّبَكَةَ لُقَطَةً؛ لأنَّها كانت (3) مَمْلُوكَةً لآدَمِي، والسَّمَكَةُ لمَن صادَها؛ لأنَّها كانت مُباحَةً، ولم يَمْلِكْها صاحِبُ الشَّبَكَةِ؛ لكَوْنِ شَبَكَتِه لم تُثْبِتْها، فبَقِيَتْ على الإِباحةِ. وهكذا لو نَصَب فَخًّا أو شرَكًا، فوَقَعَ فيه صَيدٌ مِن صُيُودِ البَرِّ فأخَذَه وذَهَب به، فصادَه آخَرُ، فهو لمن صادَه، ويَرُدُّ الآلةَ إلى صاحِبِها، فإن لم يَعْرِفْ صاحِبَها
(1) في م: «الصدرى» . وفي المغني 8/ 318: «العبدى» . ولم نهتد إليه.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهي لُقَطَةٌ. وقال أحمدُ، في رَجُل انْتَهَى إلى شَرَكٍ فيه حِمارُ وَحْش أو ظَبي قد شارَفَ المَوْتَ، فخَلَّصَه وذَبَحه: فهو لصاحِبِ الحِبَالةِ (1)، وما كان من الصَّيدِ في الحِبَالةِ (1) فهو لمَن نَصَبَها، وإن كان بازِيًّا أو صَقْرًا أو عُقَابًا. وسُئِلَ عن بازِي أو صَقْر أو كَلْبٍ مُعَلَّم أو فَهْدٍ، ذَهَب عن صاحِبِه، فدَعَاهُ فلم يُجِبْه، ومَرَّ في الأرضَ حتى أتَى لذلك أيام، فأتَى قَرْيَةً، فسَقَطَ على حائِطٍ، فدَعَاهُ رَجُل فأجابَهُ. قال: يَرُدُّه على صاحِبِه. قيلَ له: فإن دَعَاهُ فلم يُجِبْه، فنَصَبَ له شَرَكًا فصادَه به. قال: يَرُدُّه على صاحِبِه. فجَعَلَه لصاحِبِه؛ لأنَّه قد مَلَكَه، فلم يزُلْ مِلْكُه عنه بذَهَابِه، والسَّمَكَةُ في الشَّبَكَةِ لم يَكُنْ مَلَكَها ولا حازَها، وكذلك جَعَل ما وَقَع في الحِبَالةِ مِن الصَّقْرِ والعُقابِ لصاحِبِ الحِبَالةِ (1)، ولم يَجْعَلْه ههُنا لمَن وَقَع في شَرَكِة؛ لأنَّ هذا فيما عُلِمَ أنَّه قد كان مَمْلُوكًا لإِنْسانٍ فذَهَبَ، وإنَّما يُعْلَمُ هذا بالخَبَرِ، أو بوُجُودِ ما يَدُلّ على المِلْكِ فيه، كوُجُودِ السَّيرِ في رِجْلِه أو آثار التَّعْلِيمِ، مثلَ اسْتِجابَتِه للذي يَدْعُوه، ونحو ذلك، فإن لم يُوجَدْ ما يَدُلّ على أنَّه مَمْلُوك، فهو لمَن صادَه؛ لأنَّ الأصْلَ إباحَتُه وعَدَمُ الملْك فيه.
فصل: ومَن أخِذَتْ ثِيابُه في الحَمّامِ ووَجَد بَدَلَها، أو أخِذَ مَداسُه وتُرِكَ له بَدَلُه، لم يَمْلِكْه بذلك. قال أحمدُ، في مَن سُرِقَتْ ثيابُه ووَجَدَ غيرَها: لم يَأخُذْها، فإن أخَذَها عَرَّفَها سَنَةً، ثم تَصدَّقَ بها. إنَّما قال
(1) في الأصل: «الحبولة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك؛ لأنَّ آخِذَ الثِّيابِ لم تَقَع بينَه وبينَ مالِكِها مُعاوَضَة تَقْتَضِي زَوال مِلْكِه عن ثِيابِه، فإذا أخَذَها فقد أخَذ مال غيرِه، ولا يَعرِفُ صاحِبَه، فيُعَرفُه، ويَتَصَدَّقُ به، كالصَّدَقَةِ باللُّقَطَةِ. قال شيخُنا (1): ويحتَمِلُ أن يُنْظَرَ في هذا، فإن كانت ثَمَّ قَرِينةٌ تَدُلُّ على السَّرِقَةِ، بأن تكونَ ثِيابُه أو مَداسُه خَيرًا مِن المتْرُوكِ له، وكانت مما لا يَشْتَبهُ على الآخِذِ بثِيابِه ومَداسِه، فلا حاجَةَ إلى التَّعرِيفِ؛ لأنَّ التَّعرِيفَ إنَّما جُعِلَ على المالِ الضّائِعِ مِن رَبِّه، ليَعلَمَ به ويَأخُذَه. وتارِكُ هذا عالِمٌ به راض بِبَدَلِه عِوَضًا عما أخَذَه، ولا يَعتَرِفُ أنَّه له، فلا يحصُلُ مِن تَعرِيفِه فائِدَةٌ، فإذًا ليس بمَنْصُوص عليه، ولا هو في مَعنَى المَنْصُوصِ. وفيما يَصنَعُ به ثَلاثة أوْجُهٍ؛ أحدُها، يتَصَدَّقُ بها، على ما ذَكَرنا. والثاني، أنه يُباحُ له أخْذُها؛ لأنَّ صاحِبَها في الظّاهِرِ تَرَكَها له باذِلًا إيّاها عِوَضًا عمّا أخَذَه، قصارَ كالمُبِيحِ له أخْذَها بلِسانِه، فصارَ كمَن قَهر إنْسانًا على أخْذِ ثَوْبِه ودَفَع إليه دِرهمًا. والثالثُ، يَرفَعُها إلى الحاكِمِ ليَبِيعَها ويَدفَعَ إليه ثَمَنَها عِوَضًا عن مالِه. والوَجْهُ الثاني أقْرَبُ إلى الرِّفْقِ بالنّاسِ؛ لأنَّ فيه نَفْعًا لمَن سُرِقَتْ ثِيابُه بحُصُولِ عِوَض عنها، ونَفْعًا للسّارِقِ بالتَّخْفِيفِ عنه مِن الإِثمِ، وحِفْظًا لهذه الثِّيابِ المَتْرُوكَةِ مِن الضَّياعِ، وقد أباحَ بعضُ أهْلِ العِلْم في من له على إنْسانٍ حَقٌّ مِن دَين أو غَصبٍ، أن يَأخُذ مِن مالِه بقدرِ حَقِّه إذا عَجَز عن اسْتِيفائِه بغيرِ ذَلك، فههُنا مع رِضَاءِ مَن عليه الحَقُّ بأخْذِه
(1) في: المغني 8/ 319.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوْلَى. وإن كانت ثَمَّ قَرِينةٌ دالَّةٌ على أنَّ الآخِذَ للثِّيابِ إنَّما أخَذَها ظَنًّا منه أنّها ثِيابُه، مثلَ أن تكون المَتْروكَةُ مثلَ الأخُوذَةِ أو خيرًا منها، وهي مما تَشْتَبِهُ بها، فيَنْبَغِي أن يُعَرِّفَها ههُنا؛ لأنَّ صاحِبَها لم يَتْرُكْها عَمدًا، فهي بمَنْزِلَةِ الضّائِعَةِ. والظاهِرُ أنَّه إذا عَلِمَ بها أخَذها ورَدَّ ما كان أخَذَه، فتَصِيرُ كاللُّقَطَةِ في المعنَى، وبعدَ التَّعرِيفِ إذا لم تُعرَفْ، فَفِيها الأوْجُهُ الثلاثةُ المَذْكُورَةُ، إلَّا أنَّنا إذا قُلْنا: يأخُذُها أو يَبِيعُها الحاكِمُ ويَدفَعُ إليه ثَمَنَها. فإنَّما يأخُذُ بقَدرِ قِيمَةِ ثِيابِه مِن غيرِ زِيادَةٍ؛ لأنَّ الزّائِدَ فاضِلٌ عَمّا يَسْتَحِقُّه، ولم يَرضَ صاحِبُها بتَركِها عِوَضًا عَمّا أخَذَه، فإنَّه لم يأخُذْ غيرَها اخْتِيارًا منه لتَركِها، ولا رضِىَ بالمُعاوَضَةِ بها. وإذا قُلْنا: إنَّه يَنفَعُها إلى الحاكِمِ ليَبِيعَها ويَدفَعَ إليه ثَمَنَها. فله أن يَشْتَرِيَها عمَّا (1) في ذمَّتِه، في يسْقِطَ عنه مِن ثَمَنِها ما قابَلَ ثِيابَه، ويَتَصَدَقَ بالباقِي.
فصل: نَقَلَ الفَضْلُ بنُ زِيادٍ، عن أحمدَ، إذا تتازَعَ صاحِبُ الدّارِ والسّاكِنُ في دِفْنِ في الدّارِ، فقال كلٌّ مِنْهُما: أنا دَفَنْتُه. يُبَين كلُّ واحدٍ منهما ما الذي دَفنَ، فكُلُّ مَن أصابَ الوَصفَ فهو له، وذلك لأنَّ ما يوجدُ من الدَّفْنِ في الأرضِ ممّا عليه علامةُ السلمين، فهو لُقَطَة، واللُّقَطَةُ تُسْتَحَقُّ بوصفِها، ولأنَّ المُصِيبَ للْوَصفِ في الظّاهِرِ هو مَن كان ذلك في يَدِه، فكان أحَقَّ به، كما لو تَنازَعَهُ أجْنَبِيّان، فوَصَفَه أحَدُهما.
فصل: ومَنْ وَجَد لُقَطَةً في دارِ الحربِ، فكان في جَيشٍ، فقال
(1) في م: «بثمن» .