الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أوْ أكْثَرُ، لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ بهَا. وَإنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ أوْ عَدَمِهِا، عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ أوْ مَعَ أقَارِبِهِمَا إِنْ مَاتَا.
ــ
2546 - مسألة: (فإنِ ادَّعاه اثْنان أو أكْثَرُ، لأحَدِهم بَيِّنةٌ، قُدِّمَ بها. فإنِ اسْتَوَوْا في الْبَيِّنَةِ أو عَدَمِها، عُرِضَ معهما على القافَةِ أو مع أقارِبِهما إن ماتا)
الكلامُ في ذلك في فُصُولٍ؛ أحدُها، أنه إذا ادَّعاه مُسْلِمٌ وكافِرٌ، أو حُرٌّ وعَبْدٌ، فهما سَوَاءٌ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: المُسْلِمُ أوْلَى مِن الذِّمِّيِّ، والحُرُّ أوْلَى مِن العَبْدِ؛ لأنَّ على اللَّقِيطِ ضَرَرًا في إلْحاقِه بالعَبْدِ والذِّمِّيِّ، فيكونُ إلْحاقُه بالحُرِّ المُسْلِمِ أوْلَى، كما لو تَنازَعُوا في الحَضانةِ. ولَنا، أنَّ كُلَّ واحدٍ لو انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُه، فإذا تَنازَعُوا تَساوَوْا في الدَّعْوَى، كالأحْرارِ المُسْلِمِينَ. وما ذَكَرُوه مِن الضَّرَرِ لا يَتَحَقَّقُ، فإنَّنا لا نَحْكُمُ برِقِّه ولا كُفْرِه. ولا يُشْبِهُ النَّسَبُ الحَضانَةَ، بدَلِيلِ أنَّنا نُقَدِّمُ في الحَضانَةِ المُوسِرَ والحَضَرِيَّ، ولا نُقَدِّمُهُما في دَعْوَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النَّسَبِ. ولأنَّ الحَضانَةَ إنَّما يُراعَى فيها حَقُّ الطِّفْلِ حَسْبُ، وهاهُنا يَنْبَغِي أن يُرَاعَى حَقُّ المُدَّعِي أيضًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: إذا كان عَبْدٌ (1)، امْرَأته أمَة، في أيدِيهما صَبِيٌّ، فادَّعَى رَجُلٌ مِن العَرَبِ امْرأتُه عَرَبِيَّة أنَّه ابْنُه مِن امْرأتِه، وأقامَ العَبْدُ بَيِّنةً بدَعْواه، فهو ابنُه في قولِ أبي ثَوْرٍ وغيرِه. وقال أصحابُ الرأي: يُقْضَى به للعَرَبِيِّ، للعِتْقِ الذي يَدْخُلُ فيه، وكذلك إن كان المُدَّعِي مِن المَوالِي عِندَهم. قال شَيخُنا (2): وهذا غيرُ صَحِيح؛ لأنَّ العَرَبَ وغيرَهم في أحْكامِ اللهِ تعالى ولُحُوقِ النَّسَبِ بهم سَواءٌ.
الفصلُ الثاني، أنَّه إذا ادَّعاهُ اثْنان أو أكثرُ، وكان لأحَدِهما بَيِّنة، فهو ابْنُه، وإن أقامَ كلُّ واحدٍ منهم بَيِّنةً، تَعارَضَتْ وسَقَطَتْ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ اسْتِعْمالُها هاهُنا؛ لأنَّ اسْتِعْمالها في المالِ إمّا بقِسْمَتِه بين المُتنازِعَينِ، ولا يمكنُ هاهُنا، أو بالقُرْعَةِ، والقُرْعَةُ لا يَثْبُتُ بها النَّسَبُ. فإن قِيلَ: إنما يَثْبُتُ هاهُنا بالبَيِّنةِ لا بالقُرْعَةِ، وإنَّما القُرْعَةُ مُرَجحَة. قُلْنا: فيَلْزَم أنَّه إذا اشْتَرَكَ رَجُلانِ في وَطْءِ امْرأةٍ، وأتَتْ بوَلَدٍ، أن يُقْرَعَ بينَهما، ويكونَ لُحُوقه بالوَطْءِ لا بالقُرْعَةِ.
(1) في الأصل، م:«عند» .
(2)
في: المغني 8/ 371.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصلُ الثالثُ، أنَّه إذا لم تَكُنْ بَيِّنة، أو تعارَضَتْ بَيِّنتان وسَقَطَتا، أُرِيَ القافَةَ معهما، أو مع عَصَبَتِهما عند فَقْدِهِما، فَتُلْحِقهُ بمَن ألْحَقَتْه به منهما. هذا قولُ أنس، وعطاءٍ، والأوْزاعِيِّ، والليثِ، والشافعيِّ، [وأبِي ثَوْرٍ] (1). وقال أصحابُ الرَّأي: لا حُكْمَ للقافَةِ، ويُلْحَقُ بالمُدَّعِيَين جميعًا؛ لأنَّ الحُكْمَ بالقِيافَةِ مَبْنِيٌّ على الشَّبَهِ والظَّنِّ والتَّخْمِينِ، فإنَّ الشَّبَهَ يُوجَدُ بين الأجانِبِ، ويَنْتَفِي بينَ الأقارِبِ، ولهذا رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ رَجُلًا أتَاهُ، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ امْرَأتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أسْوَدَ. فقال:«هَلْ لَكَ مِن إبلٍ؟» قال: نعم. قال: «فما ألْوَانُهَا؟» قال: حُمْرٌ. قال: «هَلْ فيها مِنْ أوْرَقَ؟» قال: نعم. قال: «أنَّى أتاها ذَلِكَ؟» قال: لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَ. قال: «وهذا لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَ» . مُتَّفَق عليه (2). قالوا: ولو كان الشَّبَهُ كافِيًا لاكتُفِيَ به في وَلَدِ المُلاعِنَةِ، وفيما إذا أقَرَّ أحَدُ الوَرَثةِ بأخٍ فأنْكَرَهُ الباقُونَ. ولَنا، ما رُوِيَ
(1) في الأصل، ر 2، م:«وأبي» .
(2)
أخرجه البخاري، في: باب من شبه أصلا معلوما. . . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخاري 9/ 125. ومسلم، في: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1137.
كما أخرجه أبو داود، في: باب إذا شك في الولد، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 525. والنسائي، في: باب إذا عرض بامرأته. . . .، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 146، 147. والإمام أحمد، في المسند 2/ 239، 409.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن عائِشةَ، رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دَخَل عليها مَسْرُورًا تَبْرُقُ أسَارِيرُ وَجْهِه، فقال:«ألمْ تَرَي أنَّ مُجَزِّزًا المُدْلِجِيَّ نَظَر آنِفًا إلَى زَيدٍ وَأُسَامَةَ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُما وَبَدَتْ أقْدَامُهُمَا، فَقَال: إنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ؟» . مُتَّفَق عليه (1). فَلولا جَوازُ الاعْتِمادِ على القيَافَةِ لَما سُرَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا اعْتَمَدَ عليه، ولأن عُمَرَ، رضي الله عنه، قَضَى به بحَضْرَةِ الصَّحابةِ، فلم يُنْكِرْه مُنْكِر، فكان إجْماعًا، ويَدُلُّ على ذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في وَلَدِ المُلاعِنَةِ:«انْظُرُوهَا، فَإنْ جَاءَتْ بِهِ حَمْشَ السَّاقَين (2) كَأنه وَحَرَةٌ (3)، فَلَا أرَاهُ إلا قَدْ كَذَبَ عَلَيهَا، وَإنْ جَاءَت بِهِ جَعْدًا، جُمالِيًّا (4)، سَابغَ الألْيَتَين، خَدَلَّجَ السَّاقَين (5)، فَهُوَ للَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» .
(1) أخرجه البخاري، في: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب المناقب، وفي: باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الفضائل، وفي: باب القائف، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 4/ 229، 5/ 29، 8/ 195. ومسلم، في: باب العمل بإلحاق القائف الولد، من كتاب الرضاع. صحيح مسلم 2/ 1081، 1082.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في القافة، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 526. والترمذي، في: باب ما جاء في القافة، من أبواب الولاء. عارضة الأحوذي 8/ 290، 291. والنسائي، في: باب القافة، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 151، 152. وابن ماجه، في: باب القافة، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 787. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 82، 226.
(2)
حمش الساقين: أي رقيقهما.
(3)
الوحرة: وزغة تكون في الصحارى، كسامٍّ أبرصَ، لا تطأ شيئًا من طعام أو شراب إلا سمَّته.
(4)
جمالى: ضخم الأعضاء تام الأوصال، كأنه الجمل.
(5)
خدلج الساقين: ممتلؤهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأتَتْ به على النَّعْتِ المَكْرُوهِ، فقال النبيُّ:«لَوْلَا الأيمَانُ لَكَانَ لِيَ وَلَهَا شَأنٌ» (1). فحَكَم به النبي صلى الله عليه وسلم للَّذِي أشْبَهَهُ منهما. وقَوْلُه: «لَوْلَا الأيمَانُ لَكَانَ لِيَ وَلَهَا شَانٌ» . يَدُلُّ على أنَّه لم يَمْنَعْه مِن العَمَل بالشَّبَهِ إلَّا الأيمانُ، فإذا انْتَفَى المانِعُ يَجِبُ العَمَلُ به لوُجُودِ مُقْتَضِيه. وكذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ابنِ أمَةِ زَمْعَةَ، حينَ رأى به شَبَهًا بَيِّنا بعُتْبَةَ بنِ أبي وَقّاص:«احْتَجِبِي مِنْهُ يا سَوْدَةُ» (2). فعمِلَ بالشَّبَهِ في حَجْبِ
(1) أخرجه البخاري، في: باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة. . . .، من كتاب الشهادات، وفي: باب ويدرأ عنها العذاب. . . .، من كتاب التفسير، وفي: باب يبدأ الرجل بالتلاعن، وباب التلاعن في المسجد، وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجما بغير بينة، وباب قول الإمام: اللهم بيِّن، من كتاب الطلاق، صحيح البخاري 3/ 233، 6/ 126، 7/ 69 - 72. ومسلم، في: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1134. وأبو داود، في: باب في اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 251 - 525. والترمذي، في: باب تفسير سورة النور، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي 1/ 45، 46. والنسائي، في: باب اللعان في قذف الرجل زوجته برجل بعينه، وباب كيف اللعان، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 140، 141. وابن ماجه، في: باب اللعان، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 668. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 238، 239، 3/ 142.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب تفسير المشبهات، وباب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، من كتاب البيوع، وفي: باب دعوى الوصي للميت، من كتاب الخصومات، وفي: باب أم الولد، من كتاب العتق، وفي: باب قول الموصي تعاهد ولدي. . . .، من كتاب الوصايا، وفي: باب وقال الليث. . . .، من كتاب المغازي، وفي: باب الولد للفراش، وباب من ادعى أخا أو اين أخ، من كتاب الفرائض، وفي: باب للعاهر الحجر، من كتاب الحدود، وفي: باب من قضى له بحق أخيه. . . .، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري 3/ 70، 106، 161، 4/ 4، 5/ 192، 8/ 191، 194، 205، 9/ 90. ومسلم، في: باب الولد للفراش وتوقي الشبهات، من كتاب الرضاع. صحيح مسلم 2/ 1080، 1081. وأبو داود، في: باب الولد للفراش، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 528، 529. والترمذي، في: باب ما جاء أن الولد للفراش، من أبواب الرضاع، وفي: باب ما جاء لا وصية لوارث، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذي 5/ 102، 103، 8/ 275، 278. والنسائي، في: باب إلحاق الولد بالفراش. . . .، وباب فراش الأمة، من كتاب الطلاق. . . . المجتبى 6/ 148، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَوْدَةَ. فإن قِيلَ: فالحَدِيثانِ حُجَّة عليكُم؛ إذ لم يَحْكُمِ النبي صلى الله عليه وسلم بالشبَهِ فيهما، بل ألْحَقَ الوَلَدَ بزَمْعَةَ، وقال لعبدِ بنِ زَمْعَةَ:«هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ للْفِرَاش، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» . ولم يَعْمَلْ بشَبَهِ وَلَد المُلاعِنَةِ في إقامَةِ الحَدِّ عليها لشَبَهِه بالمَقْذُوفِ. قُلْنا: إنَّما لم يَعْمَلْ به في ابْنِ أمَةِ زَمْعَةَ؛ لأنَّ الفِراشَ أقْوَى، وتَرْكُ العَمَلِ بالبَيِّنةِ لمُعارَضَةِ ما هو أقْوى منها، لا يُوجب الإِعْراضَ عنها إذا خَلَتْ عن المُعارِضِ. ولذلك ترَك إقامَةَ الحَد عليها مِن أجْلِ أيمانِها، بدَلِيلِ قولِه:«لَوْلَا الأيمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأنٌ» . على أنَّ ضَعْفَ الشَّبَهِ عن إقامَةِ الحَد لا يوجب ضَعْفَه عن إلْحاقِ النّسَبِ، فإنَّ الحَدَّ في الزنَى لا يَثْبُتُ إلَّا بأقْوَى البَيِّناتِ، وأكْثَرِها عَدَدًا، وأقْوَى الإِقْرارِ، حتى يُعْتَبَرَ فيه تَكْرارُه أرْبَعَ مَرَّاتٍ، ويُدْرَأ بالشُّبُهاتِ. والنَّسَبُ يَثْبُتُ بشَهادَةِ امْرأةٍ على الولادَةِ، ويَثْبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مع ظُهُورِ انْتِفائِه، حتى لو أنَّ امْرَأةً أتَتْ بوَلَدٍ وزَوْجُها غائِبٌ منذ عِشْرين سَنة، لَحِقَه وَلَدُها، فكَيفَ يَحْتَجُّ على نَفيِه بعَدَمِ إقامَةِ الحَدِّ! لأَنه حَكَم بِظَنٍّ غالِبٍ ورَأىٍ راجِح، مِمَّن هو مِن أهْلِ الخِبْرَةِ، فجازَ، كقَوْلِ المُقَوِّمِين. وقَوْلُهم: إنَّ الشَّبَهَ يجوزُ وُجُودُه
= 149. وابن ماجه، في: باب الولد للفراش وللعاهر الحجر، من كتاب النكاح، وفي: باب لا وصية لوارث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه 1/ 646، 647، 2/ 905. والدارمي، في: باب الولد للفراش، من كتاب النكاح. وفي: باب في ميراث ولد الزنا، من كتاب الفرائض. سننن الدارمي 2/ 152، 389. والإمام مالك، في: باب القضاء لإلحاق الولد بأبيه، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 739. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 37، 129، 200، 226، 237.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعَدَمُه. قُلْنا: الظّاهِرُ وُجُودُه، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين قالتْ أمُّ سَلَمَةَ: أوَ تَرَى ذلك المَرْأةُ؟ قال: «فَمِنْ أينَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟» (1). والحَدِيثُ الذي احْتَجُّوا به حُجَّة عليهم؛ لأنَّ إنْكارَ الرَّجُلِ ولَدَه لمُخالفَةِ لَوْنِه لَوْنَه، وعَزْمَهُ على نَفْيِه لذلك، يَدُلُّ على أنَّ العادَةَ خِلافُه، وأنَّ في طِباعِ النّاسِ إنْكارَه، فإنَّ ذلك إنَّما يُوجَدُ نادِرًا، وإنَّما ألْحَقَه النبي صلى الله عليه وسلم به لوُجُودِ الفِراشِ، وتَجُوزُ مُخالفَةُ الظّاهِرِ للدَّلِيلِ، ولا يجوزُ تَرْكُه لغيرِ دَلِيل، ولأنَّ ضَعْفَه عن نَفْي النَّسَبِ لا يَلْزَمُ منه ضَعْفُه عن إثْباتِه. فإنَّ النَّسَبَ يُحْتاطُ (2) لإِثْباتِه، ويَثْبُتُ بأدْنَى دَلِيل، ويَلْزَمُ مِن ذلك التَّشْدِيدُ في نَفْيِه، وأنَّه لا يَنْتَفِي إلَّا بأقْوَى الأدِلَّةِ، كما أنَّ الحَدَّ لمّا انْتَفَى بالشبْهَةِ، لم يَثْبُتْ إلَّا بأقْوَى دَلِيل، فلا يَلْزَمُ حِينَئذٍ مِن المَنْعِ مِن نَفيِه بالشَّبَهِ في الخَبَرِ المَذْكُورِ أن لا يَثْبُتَ به النَّسَبُ في مسألَتِنا. فإن قيل: فهاهُنا إذا عَمِلْتُم بالقِيافَةِ فقد نَفيتُم النَّسَبَ عَمَّن لم تُلْحِقْه القافَةُ به. قُلْنا: إنَّما انْتَسب هاهُنا لِعَدَم دَلِيله؛ لأنَّه لم يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، وقد عارَضَها مِثلُها، فسَقَطَ حُكْمُها، وكان الشَّبَهُ مُرَجِّحًا لأحَدِهما، فانْتَفتْ دَلالةُ الأخْرَى، فلَزِمَ انْتِفاءُ النَّسَبِ لانْتِفاءِ دَلِيله، وتَقْدِيمُ اللِّعانِ عليه لا يَمْنَعُ العَمَلَ به عندَ عَدَمِه، كاليَدِ تُقَدَّمُ عليها البَيِّنةُ، ويُعْمَلُ بها عندَ عَدَمِها.
(1) تقدم تخريجه في: 2/ 80. ويضاف إليه. وأخرجه البخاري، في: باب الحياء في العلم، من كتاب العلم، وفي: باب قول الله تعالى: {وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري 1/ 44، 4/ 160. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 292، 306، 377.
(2)
بعده في م.: «له» .