الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا،
ــ
أخْذَه وحِفْظَه، وهو أوْلَى النّاسِ به، وذَكَرْنا الفَرْقَ بينَ اللَّقِيطِ وبينَ ما قاسُوا عليه. إذا ثَبَت هذا، فالمُسْتَحَبُّ أن يَسْتَأْذِنَ الحاكِمَ في مَوْضِعٍ يَجِدُ حاكِمًا؛ لأنَّه أْبعَدُ مِن التُّهْمَةِ، وأقْطَعُ للظِّنَّةِ، وفيه خُرُوجٌ مِن الخِلافِ وحِفظٌ لمالِه مِن أن يَرْجِعَ عليه بما أنْفَقَ. ويَنْبَغِي أن يُنْفِقَ عليه بالمَعْرُوفِ، كما ذَكَرْنا في وَلِيِّ اليَتِيمِ. فإن بَلَغ اللَّقِيطُ، واخْتَلَفا في قَدْرِ ما أنْفَقَ، وفي التَّفْرِيطِ في الإِنْفاقِ، فالقولُ قولُ المُنْفِقِ؛ لأنَّه أمِينٌ، فكان القولُ قولَه في ذلك، كوَلِيِّ اليَتِيمِ.
2526 - مسألة: (وإن كان)
المُلْتَقِطُ (فاسِقًا) لم يُقَرَّ في يَدِه. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ حِفْظَه للولايةِ عليه، ولا ولايةَ لفاسِقٍ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ أنَّه يُقَرُّ في يَدِه، لقَوْلِه: وإن لم يَكُنْ مَن وَجَد اللَّقِيطَ أمِينًا، مُنِعَ مِن السَّفَرِ به؛ لئلَّا يَدَّعِيَ رِقَّهُ. فعلى قولِه، يَنْبَغِي أن يَجِبَ الإِشْهادُ عليه، ويُضَمَّ إليه مَن يُشْرِفُ عليه؛ لأنَّنا إذا ضَمَمْنا إليه في اللُّقَطَةِ مَنْ يُشْرِفُ عليه، فههُنا أوْلَى. قال القاضِي: والمَذْهَبُ أنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُنْزَعُ مِن يَدِه. ويُفارِقُ اللُّقَطَةَ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ؛ أحدُها، أنَّ في اللُّقَطَةِ مَعْنَى الكَسْبِ، وليس ههُنا إلَّا الولايةُ. الثّانِي، أنَّ اللُّقَطَةَ لو انْتَزَعْناها منه رَدَدْناها إليه بعد الحَوْلِ، فلذلك احْتَطْنا عليها مع بَقائِها في يَدِه، وههُنا لا يُرَدُّ إليه بعد الانْتِزاعِ منه بحالٍ، فكان الانْتِزاعُ أحْوَطَ (1). والثّالِثُ، أنَّ المَقْصُودَ ثَمَّ حِفْظُ المالِ، ويُمْكِنُ الاحْتِياطُ عليه بأن يَسْتَظْهِرَ عليه في التَّعْرِيفِ، أو ينصِبَ الحاكِمُ مَن يُعَرِّفُها، وههُنا المَقْصُودُ حِفْظُ الحُرِّيَّةِ والنَّسَبِ، ولا سَبِيلَ إلى الاسْتِظْهارِ عليه؛ لأنَّه قد يَدَّعِي رِقَّه في بعضِ البُلْدانِ، أو في بعضِ الزَّمانِ، ولأنَّ اللُّقَطَةَ إنَّما يُحْتاجُ إلى حِفْظِها والاحْتِياطِ عليها عامًا واحِدًا، وهذا يُحْتاجُ إلى الاحْتِياطِ عليه في جَميعِ زَمانِه. وقد ذَكَرْنا أنَّ ظاهِرَ قَوْلِ الخِرَقِيِّ أنَّه لا يُنْتَزَعُ منه؛ لأنَّه قد ثَبَتَتْ له الولايةُ بالْتِقاطِه إيّاه وسَبْقِه إليه، وأمْكَنَ حِفْظُه في يَدَيهِ بالإِشْهادِ عليه، وضَمِّ أمِينٍ يُشارِفُه إليه ويُشِيعُ أمْرَه، فيَظْهَرُ أنَّه لَقِيطٌ، فيَنْحَفِظُ بذلك
(1) في م: «أحفظ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن غيرِ زَوالِ ولايَتِه، جَمْعًا بين الحَقَّين، كاللُّقَطَةِ، وكما لو كان الوَصِيُّ خائِنًا. قال شيخُنا (1): وما ذَكَرَه القاضِي مِن التَّرْجِيحِ لِلُّقَطَةِ، يُمْكِنُ مُعارَضَتُه بأنَّ اللَّقِيطَ ظاهِرٌ مَكْشُوفٌ لا تَخْفَى الخِيانَةٌ فيه؛ بخِلافِ اللُّقَطَةِ؛ فإنَّها خَفِيَّةٌ تَتَطَرَّقُ إليها الخِيانَةُ ولا يُعْلَمُ بها، ويُمْكِنُ أخْذُ بعَضِها وتَنْقِيصُها وإبْدالُها، بخِلافِ اللَّقِيطِ. ولأنَّ المال مَحَلُّ الخِيانةِ، والنُّفُوسُ إلى أخْذِه داعِيَةٌ؛ بخِلافِ النُّفُوسِ. فعلى هذا، متى أرادَ هذا المُلْتَقِطُ السَّفَرَ باللَّقِيطِ، مُنِعَ منه؛ لأنَّه يُبْعِدُه مِمَّن عَرَف حاله، فلا يُؤْمَنُ أن يَدَّعِيَ رِقَّهُ ويَبِيعَه.
فصل: فإن كان المُلْتَقِطُ مَسْتُورَ الحالِ، لم تُعْرَفْ منه حَقِيقهُّ العَدالةِ ولا خِيانةٌ، أُقِرَّ اللَّقِيطُ في يَدَيه؛ لأنَّ حُكْمَه حُكْمُ العَدْلِ في لُقَطَةِ المالِ
(1) في: المغني 8/ 361.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والولايةِ في النِّكاحِ والشَّهادَةِ فيه، وفي أكْثَرِ الأحْكامِ؛ لأنَّ الأصْلَ في المُسْلِمِ العَدَالةُ؛ ولذلك قال عُمَرُ، رضي الله عنه: المُسْلِمون عُدُولٌ بعضُهم على بعضٍ. فإن أرادَ السَّفَرَ بلقِيطِه، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا يُقَرُّ في يَدَيهِ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه لم تَتَحَقَّقْ أمانته، فلا تُؤْمَنُ الخيانَةُ منه فيه. والثّاني، يُقَرُّ في يَدَيه؛ لأنَّه يُقَرُّ في يَدَيه في الحَضرِ مِن غيرِ مُشْرِفٍ يُضَمُّ إليه، فأشْبَهَ العَدْلَ، ولأنَّ الظّاهِرَ السَّتْرُ والصِّيانَةُ. فأمّا مَنْ عُرِفَتْ عدالتُه وظَهَرِتْ أمانَتُه، فيُقَرُّ اللَّقِيطُ في يَدِه حَضَرًا وسَفَرًا؛ لأنَّه مَأمُونٌ إذا كان سَفرُه لغيرِ النُّقْلَةِ.