الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ، سَائِرُ الْمَالِ، فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهُ، وَيُعَرِّف الْجَمِيعَ بِالنِّدَاءِ عَلَيهِ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ؛ كَالْأَسْوَاقِ وَأبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أوْقَاتِ
ــ
قال شيخُنا (1): ويَقْتَضِي قولُ أصحابِنا: إنَّ العُرُوضَ لا تُملَكُ بالتّعرِيفِ. وأنَّ (2) هذا كُلّه لا يجوزُ له أكلُه، لكن يُخَيَّرُ بين الصَّدَقَةِ به وبينَ بَيعِه، وقد قال أحمدُ في مَن وَجَد في مَنْزِلِه طَعامًا لا يَعرِفُه: يُعَرِّفُه ما لم يَخشَ فَسادَه، فإن خَشِيَ فَسادَه، تَصَدَّقَ به، فإن جاء صاحِبُه غَرِمَه. وكذلك قال مالكٍ، وأصحابُ الرَّأي، في لُقَطَةِ ما لا يَبْقَى سنةً: يَتَصَدَّق به. وقال الثَّوْرِي: يَبِيعُه ويَتَصَدَّقُ بثَمَنِه. ولَنا على جَوازِ أكْلِه، قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ضَالَّةِ الغَنَمِ:«خُذْها، فإنَّما هِيَ لَكَ أوْ لِأخِيكَ أوْ لِلذِّئبِ» . وهذا تَجْويزٌ للأكْلِ. فإذا جاز أكْلُ ما هو مَحفُوظٌ بنَفْسِه، ففيما (3) يَفْسُدُ بِبَقائِه أوْلَى. وعن أحمدَ، أنَّه (يَبِيعُ اليَسِيرَ، ويَنفَعُ الكَثِيرَ إلى الحاكِمِ) لأنَّ الكَثِيرَ مالٌ لغيرِه، لم يَأذَنْ له في بَيعِه، فيكونُ أمرُه إلى الحاكِمِ. وأمّا اليَسِيرُ فتدخُلُه المُسامَحَةُ، ويَشُقُّ رَفْعُه إلى السُّلْطانِ، ورُبَّما تَضِيعُ عندَ السُّلْطانِ.
2508 - مسألة: (الثّالثُ، سائِرُ المالِ، فيَلْزَمُه حِفْظُه، ويُعَرِّفُ الجَمِيعَ بالنداءِ عليه في مَجامِعِ النّاسِ؛ كالأسْواقِ، وأبوابِ المَسَاجِدِ
(1) في: المغني 8/ 342.
(2)
في النسخ: «وأن» . وانظر ما يأتي في صفحة 240.
(3)
في م: «فما» .
الصَّلَوَاتِ، حَوْلًا كَامِلا: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيء أوْ نَفَقَةٌ. وَأجْرَةُ الْمُنَادِي عَلَيهِ. وَقَال أبو الْخَطَّابِ: مَا لَا يملَكُ بِالتّعرِيفِ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ، يَرجِعُ بِالأجْرَةِ عَلَيهِ.
ــ
في أوْقاتِ الصَّلَواتِ، حَوْلًا كامِلًا، مَن ضاع منه شيءٌ أو نَفَقَةٌ. وأجْرَةُ المُنادِي عليه. وقال أبو الخَطَّابِ: ما لا يُملَكُ بالتّعرِيفِ، وما يُقْصَدُ حِفْظُه لمالِكِه، رَجَع بالأجْرِ عليه) وجُملةُ ذلك، أنَّ في التعْرِيفِ فُصُولًا سِتّةً: في وُجُوبِه، وقَدرِه، وزَمانِه، ومَكَانِه، ومَن يَتَوَلَّاه، وكَيفِيّته. أمّا وُجُوبُه، فهو واجِبٌ على كُلِّ مُلْتَقِطٍ، سواءٌ أرادَ تَملُّكَها أو حِفْظَها لصاحِبِها، إلَّا في اليَسِيرِ الذي لا تَتْبَعُه النَّفْسُ، وقد ذَكَرناه. وقال الشافعيُّ: لا يَجِبُ على مَن أرادَ حِفْظَها لصاحِبِها. ولَنا، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَر به زَيدَ بنَ خالِدٍ، وأبيَّ بنَ كَعبٍ (1)، ولم يُفَرِّقْ، ولأنَّ حِفْظَها
(1) أخرجه البخاري، في: باب وإذا أخبر رب اللقطة بالعلامة دفع إليه، وباب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع. . . . من كتاب اللقطة. صحيح البخاري 3/ 162، 166. ومسلم، في: كتاب اللقطة. صحيح مسلم 3/ 1350، 1351. وأبو داود، في: كتاب اللقطة. سنن أبي داود 1/ 395. والترمذي، في: باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم، من أبواب الأحكام من عارضة الأحوذي 6/ 141. وابن ماجه، في: باب اللقطة، من كتاب اللقطة. سنن ابن ماجه 2/ 838. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 126، 127، 143.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لصاحِبِها إنَّما فائِدَتُه إيصالُها إليه، وطَرِيقُه التَّعريفُ، أنها بقَاؤها في يَدِ المُلْتَقِطِ مِن غيرِ وُصُولِها إلى صاحِبِها، فهو وَهلَاكُها سِيّانِ، ولأنَّ إمساكَها مِن غيرِ تعرِيفٍ تَضْيِيعٌ لها عن صاحِبِها، فلم يَجُزْ، كَرَدِّها إلى مَوْضِعِها، أو إلْقائِها في غيرِه، ولأنَّه لو لم يَجِبِ التّعرِيفُ، لَمَا جازَ الالْتِقاطُ، لأنَّ بَقاءَها في مَكانِها إذًا أقْرَبُ إلى وُصُولِها إلى صاحِبِها؛ إمّا بأن يَطْلُبَها في المَوْضِعِ الذي ضاعَتْ منه فيَجِدَها، وإمّا بأنْ يَأخُذَها مَن يَعرِفُها، وأخْذُ هذا لها يُفَوِّتُ الأمرَين، فيَحرُمُ، فلمّا جاز الالْتِقاطُ لَزِمَ وُجُوبُ التعريفِ، كَيلَا يحصُلَ هذا الضَّرَرُ، ولأنَّ التعْرِيفَ واجب على مَن أرادَ تَمَلُّكَها، وكذلك على (1) مَن أرادَ حِفْظَها، فإنَّ التَّمَلُّكَ غيرُ واجِبٍ، فلا تجِبُ الوَسِيلَةُ إليه، فَيَلْزَمُ أن يكونَ الوُجُوبُ في المَحَلِّ المُتَّفَقِ عليه؛ لصيَانَتِها عن الضيَاعِ عن صاحِبِها، وهذا مَوْجُودٌ في مَحَلِّ النِّزَاعِ.
الفصل الثاني، في قَدرِ التَّعرِيفِ، وذلك سَنَةً. رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ، وعليّ، وابنِ عَباس. وبه قال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والشَّعبِيُّ، ومالك، والشافعيُّ، وأصحابُ الرأي. ورُويَ عن عُمَرَ رِوايَة أُخْرى: يُعَرِّفُها ثَلاثةَ أشْهُرٍ. وعنه ثلاثةَ أعوام؛ لأنَّ أبَي بنَ كَعبٍ روَى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَه
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بتَعرِيفِ مائةِ الدينارِ ثلاثةَ أعوام. وقال أبو أيوبَ الهاشِمِيُّ (1): ما دُونَ الخَمسِين دِرهمًا يُعَرِّفُها ثلاثةَ أيام إلى سَبْعةِ أيامٍ. وقال الحَسَنُ بنُ صالح: ما دُونَ عَشَرَةِ دَراهِمَ يُعَرِّفُها ثَلاثةَ أيام. وقال الثَّوْرِيُّ في الدِّرهمِ: يُعَرِّفُه أربعةَ أيامٍ. وقال إسحقُ: ما دُونَ الدِّينارِ يُعَرِّفُه جُمُعةً أو نحوَها. وروى أبو إسحقَ الجُوزجانِيُّ، بإسْنادِه، عن يَعلَى بنِ أمَيَّةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ الْتَقَطَ دِرهمًا أو حَبْلًا، أو شِبْه ذَلِكَ، فَلْيُعَرِّفْهُ ثَلاثةَ أيام، فَإنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ، فَلْيُعَرِّفْه سَبْعةَ أيامٍ» (2). ولَنا، حَدِيثُ زَيدِ بنِ خالدٍ الصَّحِيحُ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَه بعَام واحدٍ، ولأنَّ السَّنَةَ لا تَتَأخَّرُ عنها القَوافِلُ، ويَمضِي فيها الزَّمانُ الذي تُقْصَدُ فيه البِلادُ مِن للحَرِّ والبردِ والاعتِدالِ، فصَلُحَتْ قَدرًا، كُمدَّةِ أجَلِ العِنِّينِ (3). فأمّا حدِيثُ أبَيّ، فقد قال الرّاوي: لا أدرِي ثَلاثةَ أعوام، أو عامًا واحِدًا. قال أبو داوُدَ: شَكَّ الرّاوي في ذلك. وحَدِيثُ يَعلَى لم يَقُلْ به قائِلٌ على وَجْهِه، وحَدِيثُ زَيدِ بن خالدٍ وأبَيٍّ أصَحُّ منه وأوْلَى. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يَجِبُ أن تكونَ هذه السَّنَةُ تلِي الالْتِقاطَ، وتكونُ مُتَوالِيةً؛
(1) سليمان بن داود بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، أبو أيوب، قال عنه أحمد بن حنبل: لو قيل لي: اختر للأمة رجلا، اخترته. توفي سنة تسع عشرة ومائتين: تهذيب التهذيب 4/ 187، 188.
(2)
انظر: ما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 4/ 173. والبيهقي، في: باب ما جاء في قليل اللقطة، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى 6/ 195. والهيثمي، في: باب اللقطة، من كتاب البيوع. مجمع الزوائد 4/ 169.
(3)
العِنِّين: هو من لا يأتي النساء عجزًا، أو لا يريدهن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر بتَعرِيفِها حين سُئِلَ عنها، والأمرُ يَقْتَضِي الفَوْرَ، ولأنَّ القصدَ بالتَّعرِيفِ وُصُولُ الخَبَرِ إلى صاحِبِها، وذلك يَحصُلُ بالتَّعرِيفِ عَقِيبَ ضَياعِها مُتَوالِيًا؛ لأنَّ صاحِبَها في الغالِبِ إنَّما يَطْلُبُها عَقِيبَ ضَياعِها، فيَجِبُ تَخْصِيصُ التّعرِيفِ به.
الفصل الثالث، في زَمانِه، وهو النَّهارُ دُونَ اللَّيلِ؛ لأنَّ النَّهارَ مَجْمَعُ الناسِ ومُلْتَقاهُم، بخِلافِ اللَّيلِ، ويكونُ ذلك في اليَوْمِ الذي وَجَدها والأسْبُوعِ؛ لأنَّ الطَّلَبَ فيه أكثَرُ، ولا يَجِبُ فيما بعدَ ذلك متَواليًا. وقد روى الجُوزْجانِيُّ بإسْنادِه، عن مُعاويَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ بَدرٍ الجُهني، قال: نَزَلْنا مُنَاخَ رَكْب فوَجَدتُ خِرقة فيها قَرِيب مِن مائةِ دِينار، فجِئْتُ بها إلى عُمَرَ، فقال: عَرِّفْها ثلاثةَ أيام على بابِ المَسْجِدِ، ثم أمسِكْها حتى قَرنِ السَّنَةِ، ولا يَفِدُ مِن رَكْبٍ إلا أنْشَدتَها، وقلتَ: الذَّهبُ بطَرِيقِ الشّامِ. ثم شَأنَكَ بها (1).
(1) أخرجه الإمام مالك، في: باب القضاء في اللقطة، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 757، 758. وليس فيه لفظ:«عرفها ثلاثة أيام» . والبيهقي، في: باب تعريف اللقطة ومعرفتها والإشهاد عليها، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى 6/ 193.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل الرابع، في مكانِه، وهو الأسْواقُ، وأبوابُ المَساجِدِ والجَوامِعِ، في الوَقْتِ الذي يَجْتَمِعُون فيه، كأدبارِ الصَّلَواتِ في المَساجِدِ، وكذلك في مَجامِعِ النّاسِ؛ لأنَّ المَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِها وإظْهارُها؛ ليَظْهرَ عليها صاحِبُها، فيَجِبُ تَحَرِّي مَجامِعِ الناسِ، ولا يُنْشِدُها في المَسْجدِ لأنَّ المَسْجِدَ لم يُبْنَ لهذا. ورَوَى أبو هُرَيرَةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ فِي المَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّها اللهُ إِليكَ. فَإِنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لهذَا» (1). وأمَرَ عُمَرُ واجِدَ اللُّقَطَةِ بتَعرِيفِها على بابِ المَسْجِدِ.
الفصل الخامس، في كَيفِيّةِ تعرِيفِها، فيَذْكُرُ جِنْسَها لا غيرُ، فيقولُ: مَنْ ضاعَ منه ذَهبٌ، أو فِضَّة، أو دَرَاهِمُ، أو دَنانِيرُ، أو ثِيَابٌ. ونحوُ ذلك؛ لقولِ عُمَرَ، رضي الله عنه، لِوَاجِدِ الذَّهبِ: قُل: الذَّهبُ بطَريقِ الشّامِ. ولا يَصِفُها؛ لأنَّه لو وَصَفَها لعَلِمَ صِفَتَها مَن يَسْمَعُها، فلا تَبْقَى صِفَتُها دَلِيلًا على مِلْكِها؛ لمُشارَكَةِ مَن يَسْمَعُه للمالِكُ في ذلك، ولأنَّه لا يَأمَنُ أن يَدَّعِيَها مَن سَمِع صِفَتَها، ويَذْكُرَ صِفَتَها التي يَجِبُ دَفْعُها بها،
(1) تقدم تخريجه في 3/ 119.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَأخُذَها، فتَفُوتَ على مالِكِها.
الفصل السادس، في مَن يَتَوَلَّى تَعرِيفَها، وللمُلْتَقِطِ تَوَلِّي ذلك بنَفْسِه، وأن يَسَتنيبَ فيه، فإن وَجَد مُتَبَرِّعًا بذلك. وإلَّا اسْتَأجَرَ، والأجْرَةُ على المُلْتَقِطِ. وبهذا قال الشافعي، وأصحابُ الرَّأي. واخْتارَ أبو الخَطّابِ، أنَّه إن قَصَد حِفْظَها لمالِكِها دُونَ تَمَلُّكِها رَجَع بالأجْرَةِ عليه. وكذلك قال ابنُ عَقِيلٍ فيما لا يُمْلَكُ بالتَّعرِيفِ؛ لأنَّه مِن مُؤْنَةِ إيصالِها إلى مالِكِها، فكان على مالكِها، كمُؤْنَةِ تَجْفِيفِها، وأجْرةِ مَخْزَنِها. ولَنا، أنَّ هذا أجْر واجِبٌ على المُعَرِّفِ، [فكان عليه، كما لو قَصَد تمَلُّكَها](1)، ولأنَّه لو وَلِيَه بنَفْسِه، لم يَكُنْ له أجْر على صاحِبِها، فكذلك إذا اسْتَأَجرَ عليه، ولأنَّه سَبَبٌ لمِلْكِها، فكان على المُلْتَقِطِ، كما لو قَصَد تَمَلُّكَها. وقال مالك: إن أعطَى منها شيئًا لمَن عَرَّفَها، فلا غرمَ عليه، كما لو دَفَع منها شيئًا لمَن حَفِظَها. وقد ذَكَرنَا الدَّلِيلَ على ذلك.
فصل: إذا أخَّرَ التَّعرِيفَ عن الحَوْلِ الأوَّلِ مع إمكانِه، أثِمَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر به فيه، والأمرُ يَقْتضِي الوُجوبَ. وقال في حَدِيثِ عِياضِ بنِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حِمار: «لا يَكْتُمُ وَلَا يُغَيِّبُ» (1). ولأنَّ ذلك وَسِيلةٌ إلى أن لا يَعرِفَها صاحِبُها؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّه بعدَ الحَوْلِ يَسْلُو عنها ويَيأسُ، فيَتْرُكُ طَلَبَها. ويَسْقُطُ التَّعرِيفُ بتأخِيرِه عن الحَوْلِ الأوَّلِ في المَنْصوصِ عن أحمدَ؛ لأنَّ حِكْمَةَ التَّعرِيفِ لا تَحصُلُ بعدَه. فإن تَرَكَه في بعضِ الحَوْلِ، عَرَّفَ بَقِيَّتَه، ويَتَخرَّجُ أن لا يَسْقُطَ التَّعرِيفُ بتَأخِيرِه؛ لأنهَّ واجب، فلا يَسْقُطُ بتَأخِيرِه عن وَقْتِه، كالعِباداتِ وسائِرِ الواجِباتِ، ولأَنَّ التعرِيفَ في الحوْل الثاني يحصُلُ به المَقْصودُ على نعتٍ مِن القُصُورِ، فيَجِبُ الإتْيانُ به؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا أمرتُكُم بِأمر فَائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطعتُم» (2). فعلى هذا، إذا أخَّر التَّعرِيف بعضَ الحَوْلِ، أتى بالتعرِيفِ في بَقِيته، وأتَمَّهُ مِن الحَوْلِ الثّاني. وعلى كلا القَوْلَينِ، لا يملِكُها بالتّعرِيفِ فيما عدا الحَوْلِ الأولِ؛ لأنَّ شَرطَ المِلْكِ التعرِيفُ فيه، ولم يُوجد، ولذلك لو تَرَك التّعرِيفَ في بعضِ الحَوْلِ الأوّلِ، لا يَملِكُها بالتعْرِيفِ بعده؛ لأنَّ الشَّرطَ لم يَكْمُلْ، وعَدَمُ بعضِ الشَّرطِ كعَدَمِ جَمِيعِه، كما لو اخْتَل بعضُ الطهارَةِ في الصَّلاةِ. فأمّا إن تَرَك التعرِيفَ في
(1) يأتي الحديث بتمامه في الصفحة بعد التالية.
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 188.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَوْلِ الأوَّلِ لعَجْزِه عنه؛ كالمَرِيضِ والمحبُوسِ، أو لنِسْيانٍ ونحوه، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، حُكْمُه حُكْمُ مَن تَرَكَه لغيرِ عُذْرٍ؛ لأنَّ تَعرِيفَه في الحَوْلِ الأوَّلِ سَبَبُ المِلْكِ، والحُكْمُ يَنْتَفِي لانْتِفاءِ سَبَبِه، سواء انْتَفَى لعُذْرٍ أو لغيرِه. والثاني، يَملِكُها بالتَّعرِيفِ في الحَوْلِ الثاني، لأنَّه لم يُؤَخره عن وَقْتِ إمكانِه، أشْبَه تَعرِيفَها في الحَوْلِ الأوّلِ.
فصل: ومَتَى عَرَّفَ اللُّقَطَةَ حَوْلا فلم تُعرَفْ، مَلَكَها، غَنِيًّا كان أو فَقِيرًا، رُوِيَ نحوُ (1) ذلك عن عُمَرَ، وابنِ مَسْعُودٍ، وعائِشَةَ، رضي الله عنهم. وبه قال عَطاءٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. ورُوِيَ عن
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
علي، وابنِ عَبّاس، والشعبيِّ، والنَّخَعِيِّ، وطَاوُسٍ، وعِكْرِمَةَ نحوُ ذلك. وقال مالكٌ، والحَسنُ بنُ صالح، والثَّوْرِيّ، وأصحابُ الرَّأي: يَتَصَدَّقُ بها، فإذا جاء صاحِبُها خُيِّرَ بينَ الأجْرِ والغُرمِ؛ لِما روَى أبو هُرَيرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه سُئِلَ عن اللّقَطَةِ، فقال:«عَرِّفْها حَوْلًا» . ورُوِيَ: «ثَلاثَةَ أحوَال، فإنْ جَاءَ رَبها، وَإلَّا تَصَدَّقْ بِها، فإذَا جَاءَ رَبُّها، فَرَضِيَ بالأجْرِ، وَإلَّا غَرِمَها» (1). ولأنَّها مال المعصُوم لم يَرضَ بزَوالِ مِلْكِه عنها، ولا يُوجَدُ منه سَبَبٌ يَقْتَضِي ذلك، فلم يَزُلْ مِلْكُه عنه، كغيرِها. قالوا: وليس له أن يتَمَلَّكَها. إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ قال: له ذلك إن كان فَقِيرًا مِن غيرِ ذَوى القُربَى؛ لِما روَى عِياضُ بنُ حِمارٍ المُجاشِعِي، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«منْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشهِد عَلَيها ذَا عدلٍ -أوْ ذوَيْ عَدلٍ- وَلَا يَكْتُمُ وَلَا يُغَيِّبُ، فَإنْ وَجَدَ صَاحِبَها فَلْيَرُدَّها عَلَيهِ، وَإلا فَهِيَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» . رَواه النَّسَائِيُّ (2). قالوا: وما يُضافُ إلى اللهِ
(1) أخرجه الدارقطني، في كتاب الرضاع. سنن الدارقطني 4/ 182. وانظر: مصنف عبد الرزاق 10/ 138، 139، ومصنف ابن أبي شيبة 6/ 452.
(2)
في: باب الإشهاد على اللقطة، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى 3/ 418.كما أخرجه أبو داود، في: كتاب اللقطة. سنن أبي داود 1/ 397. وابن ماجه، في: باب اللقطة، من كتاب اللقطة. سنن ابن ماجه 2/ 837. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 162، 266.